المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناسبة: بعد أن ذكر الله تعالى أن منكر القيامة والبعث - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٩

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الملك، أو: تبارك

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل السورة:

- ‌بعض أدلة القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعذيب الكفار العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعد المؤمنين بالمغفرة وتهديد الكافرين مرة أخرى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من الوعيد والتهديد والعبرة بالأمم السابقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على عبادة الأصنام وإثبات قدرة اللهواختصاصه بعلم البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالهلاك

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القلم

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌كمال الدين والخلق عند النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (2) {ما أَنْتَ

- ‌نزول الآية (4) {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأخلاق الذميمة عند الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المتقين وإنكار التسوية بين المطيع والعاصي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار من قدرة الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلمبالصبر والتذكير العالمي بالقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الحاقة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تعظيم يوم القيامة وإهلاك المكذبين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أهوال القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأبرار الناجين بعد الحساب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأشقياء يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعظيم القرآن وإثبات نزوله بالوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المعارج

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تهديد المشركين بعذاب القيامة وتأكيد وقوعه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الخصال العشر التي تعالج طبع الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الكفار المكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة نوح عليه السلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرسال نوح عليه السلام إلى قومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناجاة نوح ربه وشكواه إليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من قبائح قوم نوح وأقوالهم وأفعالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الجن

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إيمان الجن بالقرآن وبالله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (1):

- ‌نزول الآية (6):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكاية أشياء أخرى عن الجن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع أخرى من الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلموبيان أصول رسالته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (18):

- ‌نزول الآية (20):

- ‌نزول الآية (22):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علم تعيين الساعة مختص بالله عالم الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المزمل

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - فرضية التهجد:

- ‌2 - وجوب ترتيل القرآن:

- ‌3 - ثقل القرآن والوحي:

- ‌4 - ناشئة الليل:

- ‌5 - مشاغل النهار:

- ‌6 - ذكر الله والتبتل:

- ‌7 - إفراد الله بالتوكل عليه:

- ‌8 - الصبر على الأذى في سبيل الدعوة:

- ‌تهديد الكفار وتوعدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير وإرشاد بأنواع الهداية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المدثر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌سبب نزولها:

- ‌إرشادات للنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد زعماء الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (11):

- ‌نزول الآية (30):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة في اختيار عدد خزنة جهنم التسعة عشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القيامة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات البعث والمعاد وعلائمه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ القرآن وحال الناس في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفريط الكافر في الدنيا وإثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الإنسان، أو: الدّهر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌خلق الله الإنسان وهدايته السبيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكفار والأبرار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مساكن أهل الجنة وأشربتهم وخدمهم وألبستهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الطائعين والمتمردين المشركين في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المرسلات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌وقوع يوم القيامة حتما ووقته وعلاماته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع ثلاثة أخرى من وجوه تخويف الكفاركيفية عذابهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأنواع الباقية من تهديد الكفار وتعذيبهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌ ‌المناسبة: بعد أن ذكر الله تعالى أن منكر القيامة والبعث

‌المناسبة:

بعد أن ذكر الله تعالى أن منكر القيامة والبعث معرض عن آيات الله تعالى ومعجزاته، وأنه قاصر شهواته على الفجور، غير مكترث بما يصدر منه، ذكر حال من يثابر على تعلّم آيات الله وحفظها وتلقفها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها، رجاء قبوله إياها، ليظهر بذلك تباين حال من يرغب في تحصيل آيات الله، ومن يرغب عنها، فتلك الآيات تضمنت حال الإعراض عن آيات الله، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها، وبضدها تتميز الأشياء

(1)

.

ثم ذكر تعالى سبب إنكار البعث وهو حب الإنسان الدنيا العاجلة، وترك الآخرة، ووبخ أهله، ثم أوضح تعالى انقسام الناس في الآخرة إلى فريقين:

فريق المؤمنين المستمتعين بالنعيم وبرؤية الله عز وجل، وفريق المشركين الذين يترقبون نزول الدواهي العظام من العذاب بهم.

‌التفسير والبيان:

علّم الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم كيفية تلقي الوحي من الملك جبريل، فقال:{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ} كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرصا منه على القرآن الموحى به إليه، يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، ويحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه، قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي، حرصا على أن يحفظه صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.

أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي، لتأخذه على عجل، مخافة أن يتفلت منك كما قال تعالى:{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُلْ: رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه 114/ 20].

(1)

البحر المحيط: 388/ 8

ص: 263

إن علينا جمعه في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شيء، وعلينا إثبات قراءته في لسانك على الوجه القويم.

فإذا أتممنا قراءته عليك بلسان جبريل، فاستمع له وأنصت، ثم اقرأه كما أقرأك، وكرره حتى يرسخ في ذهنك.

ثم إننا بعد حفظه وتلاوته نفسر لك ما فيه من الحلال والحرام، ونبين ونوضح لك ما أشكل منه، ونلهمك معناه كما أردنا وشرعنا.

وهكذا اشتملت الآيات الأربع على أحوال ثلاث: هي جمعه في صدره، وحفظه، في الآية الأولى والثانية، وتلاوته وتيسير أدائه كما أنزل، في الآية الثالثة، وتفسيره وبيانه وإيضاح معناه في الآية الرابعة.

ثم انتقل البيان إلى حال الإنسان السابق المنكر البعث، فوبخه وقرعه على إنكاره البعث، فقال تعالى مبينا سبب الإنكار:

{كَلاّ، بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} أي أردعكم عما تقولون أيها المشركون من إنكار البعث، فإنه يحملكم على التكذيب بيوم القيامة، ومخالفة ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم، محبتكم واهتمامكم بدار الدنيا العاجلة، وتشاغلكم عن الآخرة وترككم العمل لها. ولفظ {كَلاّ} عند سائر المفسرين: معناه حقا، أي حقا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة، والمعنى أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها، ويتركون الآخرة ويعرضون عنها.

وقال الزمخشري: كلا: ردع لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عادة العجلة، وإنكار لها عليه، وحث على الأناة والتؤدة، وقد بالغ في ذلك بإتباعه قوله:{بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ} كأنه قال: بل أنتم يا بني آدم؛ لأنكم خلقتم من عجل، وطبعتم عليه،

ص: 264

تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة، وتذرون الآخرة

(1)

.

ثم أبان الله تعالى حال المؤمنين وحال الكافرين في الآخرة، فقال:

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ} أي وجوه المؤمنين في الجنة حسنة بهية مشرقة مسرورة، ترى ربها عيانا، ووجوه الفجار في النار عابسة كالحة كئيبة، توقن أن سينزل بها داهية عظيمة تكسر فقار الظهر. قال الأزهري عن مجاهد الذي فسر النظر بالانتظار:

قد أخطأ مجاهد؛ لأنه لا يقال: نظر إلى كذا بمعنى انتظر، فإن قول القائل:

نظرت إلى فلان، ليس إلا رؤية عين، فإذا أرادوا الانتظار، قالوا: نظرته، وأشعار العرب وكلماتهم في هذا كثيرة جدا.

قال الزمخشري في قوله تعالى: {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} : تنظر إلى ربها خاصة، لا تنظر إلى غيره، وهذا معنى تقديم المفعول، فإنه يدل على معنى الاختصاص، ثم رجح أن الآية تفيد معنى التوقع والرجاء

(2)

.

وهذا منه بسبب كونه من المعتزلة الذين يقولون: لا يدل ظاهر الآية على رؤية الله تعالى؛ لأن النظر المقرون بحرف (إلى) ليس اسما للرؤية، بل لمقدمة الرؤية، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي، التماسا لرؤيته، فيكون نظر العين مقدمة للرؤية، وتأولوا قوله تعالى:{ناظِرَةٌ} بمعنى أن أولئك الأقوام ينتظرون ثواب الله.

وأجاب الرازي بأننا نسلم أن النظر عبارة عن تقليب الحدقة.. إلخ لكنا نقول: لما تعذر حمله على حقيقته، وجب حمله على مسببه وهو الرؤية، إطلاقا لاسم السبب على المسبب، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار؛ لأن

(1)

الكشاف: 293/ 3 - 294

(2)

المرجع السابق: ص 294

ص: 265

تقليب الحدقة كالسبب للرؤية، ولا تعلق بينه وبين الانتظار، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار.

ثم أجاب عن قولهم: النظر جاء بمعنى الانتظار بأن هذا كثير في القرآن، ولكنه لم يقرن البتة بحرف (إلى) كقوله تعالى:{اُنْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد 13/ 57] وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ} [الأعراف 53/ 7] وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ} [البقرة 210/ 2]. وإذا فرضنا أن النظر المعدّى بحرف (إلى) جاء في اللغة بمعنى الانتظار، لكن لا يمكن حمل هذه الآية عليه؛ لأن لذة الانتظار مع يقين الوقوع، كانت حاصلة في الدنيا، فلا بد وأن يحصل في الآخرة شيء أزيد منه، حتى يحسن ذكره، في معرض الترغيب في الآخرة

(1)

. وقال النيسابوري: وحاصل كلامهم أن النظر إن كان بمعنى الرؤية فهو المطلوب، وإن كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئي، فهذا في حقه تعالى محال؛ لأنه منزه عن الجهة والمكان، فوجب حمله على مسببه وهو الرؤية، وهذا مجاز مشهور

(2)

.

وأيدت الأحاديث المتواترة ما فهمه الجمهور من دلالة الآية على رؤية الله تعالى، فقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث، لا يمكن دفعها ولا منعها كما قال ابن كثير، ثم أورد الأحاديث وقال: وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام، وهداة الأنام

(3)

.

وكذلك قال الشوكاني في تفسيره العظيم (فتح القدير) بعد أن فسر آية {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} بقوله: أي إلى خالقها، ومالك أمرها، ناظرة، أي تنظر

(1)

التفسير الكبير للرازي: 226/ 30 - 229

(2)

غرائب القرآن: 111/ 28

(3)

تفسير ابن كثير: 450/ 4

ص: 266

إليه: هكذا تواترت الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون ربهم يوم القيامة، كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر.

روى البخاري في صحيحة: «إنكم سترون ربكم عيانا» ، و

أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: «أن ناسا قالوا:

يا رسول الله، هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارّون في رؤية الشمس والقمر، ليس دونهما سحاب؟ قالوا: لا، قال: إنكم ترون ربكم كذلك».

وفي الصحيحين أيضا عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ليلة البدر، فقال:«إنكم ترون ربكم، كما ترون هذا القمر، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها، فافعلوا» .

وفي الصحيحين أيضا عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه، في جنة عدن» .

وأخرج مسلم عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة، وتنجّنا من النار! قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحبّ إليهم من النظر إلى ربّهم، وهي الزيادة» ثم تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} الآية [يونس 26/ 10].

وقال الألوسي: والذي يقطع الشغب ويدق في فروة من أخس الطلب:

ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي والدارقطني وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى

ص: 267