الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجن: يا رسول الله، ائذن لنا، فنشهد معك الصلوات في مسجدك، فأنزل الله:{وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ، فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} . وروي ذلك أيضا عن الأعمش.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف لنا أن نأتي المسجد، ونحن ناؤون عنك أي بعيدون عنك أو كيف نشهد الصلاة، ونحن ناؤون عنك، فنزلت:{وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ} الآية.
نزول الآية (20):
{قُلْ: إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي} : سبب نزولها كما ذكر الشوكاني: أن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا فنحن نجيرك.
نزول الآية (22):
{قُلْ: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي.} .: أخرج ابن جرير عن حضرمي أنه ذكر أن جنيا من الجن من أشرافهم ذا تبع قال: إنما يريد محمد أن يجيره الله، وأنا أجيره، فأنزل الله:{قُلْ: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ} الآية.
التفسير والبيان:
أخبر الله تعالى عن النوع الثالث في هذه السورة من جملة الموحى به، فقال:
{وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ، فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} أي وأوحي إلي أن المساجد مختصة بالله، فلا تعبدوا فيها غير الله أحدا، ولا تشركوا به فيها شيئا.
قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم. أشركوا بالله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوحدوه وحده. وقوله {لِلّهِ} إضافة تشريف
وتكريم فإن نسبت المساجد لغير الله، فتنسب إليه تعريفا، فيقال: مسجد فلان.
وهذا دليل على أن الله تعالى أمر عباده أن يوحدوه في أماكن عبادته، ولا يدعى معه أحد، ولا يشرك به.
وقال الحسن البصري: أراد بالمساجد البقاع كلها،
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان والنسائي عن جابر: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا كأنه تعالى قال: الأرض كلها مخلوقة لله تعالى، فلا تسجدوا عليها لغير خالقها. وقال أيضا: من السنة إذا دخل الرجل المسجد أن يقول: لا إله إلا الله؛ لأن قوله:
{فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} في ضمنه أمر بذكر الله وبدعائه.
ثم ذكر الله تعالى النوع الرابع من جملة الموحى فقال:
{وَأَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أي وأنه لما قام النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويعبده، كاد الجن يكونون عليه جماعات متراكمين من الازدحام عليه، لسماع القرآن منه، وتعجبا مما رأوا من عبادته؛ لأنهم رأوا ما لم يروا مثله، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله، فالضمير في {كادُوا} للجن، وقيل:
الضمير للمشركين.
وقال جماعة
(1)
: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله، ويدعو الناس إلى ربهم، كادت الإنس من العرب الكفار والجن يتزاحمون عليه متراكمين جماعات ليطفئوا نور الله، ويبطلوا هذا الأمر، فأبى الله إلا أن ينصره ويتم نوره ويظهره على من ناوأه، فالضمير في {كادُوا} للإنس والجن. وهذا اختيار ابن جرير وقول قتادة. والأظهر كما ذكر ابن كثير، لقوله تعالى بعده:
(1)
هم ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وابن زيد والحسن البصري وقتادة.
{قُلْ: إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} أي قل يا محمد لهؤلاء الذين تجمعوا عليك لإبطال دينك: إنما أدعو ربي، وأعبده وحده لا شريك له، وأستجير به، وأتوكل عليه، ولا أشرك في العبادة معه أحدا.
ثم فوض أمر هدايتهم إلى الله، فقال تعالى:
{قُلْ: إِنِّي، لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} أي لا أقدر أن أدفع عنكم ضررا، ولا أجلب لكم نفعا في الدنيا أو الدين، إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي، ليس لي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عز وجل. وفي هذا بيان وجوب التوكل على الله تعالى، والمضي في التبليغ دون مبالاة لتظاهرهم عليه، وتهديده لهم إن لم يؤمنوا به.
وأكد الله تعالى ذلك المعنى وهو عجز نبيه عن هدايتهم بإعلان عجزه عن شؤونه وقضاياه، فقال:
{قُلْ: إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ، وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ} أي قل يا محمد لهؤلاء القوم: لا يدفع عني أحد عذاب الله إن أنزله بي، ولا نصير ولا ملجأ لي من غير الله أحد، ولا يجيرني من الله ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي، فأبلّغ عن الله، وأعمل برسالاته، أمرا ونهيا، فإن فعلت ذلك نجوت، وإلا هلكت، وهذا كما قال تعالى:{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ، فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ} [67/ 5].
ويصح كون الاستثناء: {إِلاّ بَلاغاً.} . من قوله تعالى: {قُلْ: إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً} أي لا أملك لكم إلا البلاغ إليكم.
ثم ذكر جزاء العاصين الذين لا يمتثلون موجب التبليغ عن الله،