الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيئا منسيا لا يذكر معدوما لا يعرف. {إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} أي جنس الإنسان. {نُطْفَةٍ} قليل من الماء. {أَمْشاجٍ} أخلاط جمع مشج ومشيج أي من اختلاط ماء الرجل وماء المرأة وامتزاجهما. {نَبْتَلِيهِ} نختبره بالتكليف أي مريدين اختباره عند التكليف والتأهل.
{فَجَعَلْناهُ} بسبب ذلك. {سَمِيعاً بَصِيراً} ليتمكن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات فهو كالمسبب من الابتلاء ولذلك عطف بالفاء على {نَبْتَلِيهِ} .
{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} بيّنا له طريق الخير والهدى بإقامة الأدلة وإنزال الآيات وبعث الرسل.
التفسير والبيان:
{هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} أي قد أتى على الإنسان (جنس الإنسان) زمن كان فيه منسيا غير موجود فلم يكن آدم وبنوه شيئا معروفا ولا مخلوقا ولا مذكورا لأحد من الخليقة المتقدمين عليه وهم الملائكة والجن. وهذا إخبار بكون الإنسان في بدء الخلق معدوما غير مخلوق والآية كالتقدمة والتوطئة للتي تعقبها وكالتأكيد لخاتمة السورة المتقدمة. وهي حقيقة لا ينكرها أحد ويؤكدها علماء طبقات الأرض الذين قالوا: لم يوجد الإنسان على الأرض إلا بعد خلقها بأحقاب طوال.
قال الفرّاء وثعلب: المعنى أنه كان جسدا مصوّرا ترابا وطينا لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما اسمه ولا ما يراد به ثم نفخ فيه الروح فصار مذكورا.
والمراد بالإنسان هنا جنس بني آدم لقوله تعالى بعدئذ: {إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} .
ثم أخبر الله تعالى عن بدء تكاثر نوع الإنسان بعد خلق آدم عليه السلام فقال: {إِنّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً} أي إننا نحن الخالق الإله أوجدنا أو خلقنا ابن آدم من مني أو ماء قليل مختلط ممتزج بين ماءي الرجل والمرأة من يدين بهذا الخلق ابتلاءه أي اختباره بالخير
والشر وبالتكاليف الشرعية بعد بلوغ سن التكليف وأهلية الخطاب التشريعي وزوّدناه بطاقات الفهم والوعي والإدراك وهي السمع والبصر ليتمكن من حمل رسالة التكليف واجتياز الامتحان واستماع الآيات والتأمل في دلائل الكون والتفكر في براهين الوجود الدالة على الخالق الواحد الأحد.
فبالسمع والبصر والفؤاد وسائر الحواس يتمكن هذا الإنسان من الطاعة والمعصية. ولما جعله تعالى بهذا التركيب وامتن عليه بهاتين الصفتين (السمع والبصر) وهما آلة التمييز والفهم وأشرف الحواس التي تدرك بها أعظم المدركات أخبر تعالى أنه هداه السبيل أي أرشده إلى الطريق وعرفه مآله طريق النجاة ومآل طريق الهلاك وبيّن له طريق الهدى وطريق الضلال فقال:
{إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً} أي بيّنا وأوضحنا له وعرّفناه طريق الهدى والضلال والخير والشر وبصّرناه بعواقب الأمور وعرّفناه منافع الأشياء ومضارّها التي يهتدي إليها بطبعه السليم وكمال عقله فآل أمره إلى أن ينقسم نوع الإنسان إلى قسمين: شاكر لأنعم الله مؤمن به مهتد بهديه. وكافر جاحد للنعمة معرض عن الطاعة صادّ عن الهدي الإلهي.
ونظير الآية: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 10/ 90] أي بيّنا له طريق الخير وطريق الشر فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد وهذا قول الجمهور ولم نجبره أو نكرهه على شيء من الإيمان أو الكفر وإنما اختار الإنسان لنفسه ما شاء كما قال تعالى: {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} [فصلت 17/ 41].
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها» .