الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفردات اللغوية:
{إِنَّ هذِهِ} الآيات الموعدة أو المخوفة. {تَذْكِرَةٌ} عظة. {فَمَنْ شاءَ} أن يتعظ.
{اِتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً} طريقا يتقرب به إلى الجنة، بالتزام الإيمان والطاعة أو التقوى والاحتراز عن المعصية. {أَدْنى} أقل منه. {وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} يعلم مقادير ساعاتهما. {أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} أي لن تستطيعوا تقدير الأوقات وضبط الساعات لتقوموا قيام الليل، فيحصل قيام الكل وهو أمر شاق عليكم. {فَتابَ عَلَيْكُمْ} بالتيسير والتخفيف والترخيص في ترك القيام. {فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} أي فصلّوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقراءة. {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} يسافرون للتجارة.
{يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} يطلبون من فضله ورزقه بالتجارة وغيرها. {وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} يجاهدون، وكل من الفئات الثلاث يشق عليهم قيام الليل، فخفف عنهم بقيام ما تيسر منه، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس. {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} المفروضة. {وَآتُوا الزَّكاةَ} الواجبة. {وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً} أنفقوا في سبيل الخيرات فيما عدا المفروض من المال، عن طيب نفس. {هُوَ خَيْراً} أفضل مما أنفقتم. {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ} في جميع أحوالكم ومجالسكم، فإن الإنسان لا يخلو من تفريط.
المناسبة:
بعد بيان أحوال المؤمنين السعداء وترغيبهم، وأحوال الأشقياء وتهديدهم بأنواع العذاب في الآخرة، ختمت السورة بتذكيرات مشتملة على أنواع الهداية والإرشاد، فمن أراد الاشتغال بالطاعة والاحتراز عن المعصية، فليفعل، ثم خفف عن المؤمنين مقدار قيام الليل لما يطرأ لهم من أعذار المرض، أو السفر للتجارة ونحوها، أو الجهاد في سبيل الله تعالى.
التفسير والبيان:
{إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً} أي إن ما تقدم في هذه السورة من الآيات المخوفة موعظة لأولي الألباب، فمن أراد اتعظ بها واتخذ الطاعة طريقا توصله إلى رضوان الله في الجنة. وبعد نزول أوائل السورة استعد النبي صلى الله عليه وسلم لقيام الليل، وترك الرقاد، ثم خفف الله عنهم قائلا:
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} أي إن الله يعلم أنك أيها الرسول تقوم ممتثلا أمر ربك أقلّ من ثلثي الليل أحيانا، أو تقوم نصفه أو ثلثه، وتقوم ذلك القدر معك طائفة من أصحابك، والله سيجازيكم على ذلك أحسن الجزاء.
{وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ} أي يعلم الله مقادير الليل والنهار حقيقة، ويعلم القدر الذي تقومونه من الليل، ولكن الله علم أنكم لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك والقيام به، ولن تتمكنوا ضبط مقادير الليل والنهار ولا إحصاء الساعات، أو علم الله أنكم لن تطيقوا قيام الليل أو الفرض الذي أوجبه عليكم، فعاد عليكم بالعفو والترخيص في ترك القيام إذ عجزتم، ورجع بكم من العسر إلى اليسر. وأصل التوبة: الرجوع.
قال مقاتل: لما نزلت {قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً} شقّ ذلك عليهم، وكان الرجل لا يدري متى نصف الليل من ثلثه، فيقوم حتى يصبح مخافة أن يخطئ، فانتفخت أقدامهم، وامتقعت ألوانهم، فرحمهم الله وخفف عنهم، فقال تعالى:
{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ}
(1)
. والمراد بقوله: {لَنْ تُحْصُوهُ} أي لن تطيقوه: لصعوبة الأمر، لا أنهم لا يقدرون عليه.
{فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} أي صلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، فالمراد بالقراءة الصلاة، من إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما تقدم بيانه.
وهذه الآية نسخت قيام الليل، ويؤكده
الحديث الصحيح عند مسلم والنسائي والترمذي واللفظ له عن أنس بن مالك الذي فيه قال السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عليّ غيرها؟ يعني الصلوات الخمس، فقال:«لا، إلا أن تطوّع» فهو يدل على عدم وجوب غير تلك الصلوات المفروضة، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته عن الأمة.
(1)
تفسير القرطبي: 53/ 19
ثم ذكر الله تعالى أسباب التخفيف وأعذاره أو حكمته قائلا:
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} أي علم الله عز وجل بطروء أعذار ثلاثة هي المرض والسفر والجهاد، فقد يكون منكم مرضى لا يطيقون قيام الليل، وآخرون يسافرون في الأرض للتجارة والربح، يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم، فلا يطيقون قيام الليل، وقوم آخرون هم المجاهدون في سبيل الله لا يطيقون قيام الليل، فوجود هذه الأعذار المقتضية للترخيص سبب لرفع فرضية التهجد عن جميع الأمة.
ثم ذكر الحكم الدائم بعد الترخيص، فقال تعالى:
{فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً} أي فصلوا ما تيسر واقرؤوا ما تيسر من القرآن، وقد أعيد الأمر هنا لتأكيد الرخصة وتقريرها، وأدوا الصلاة المفروضة قائمة بفروضها وأركانها وشرائطها واحتضار الخشوع فيها دون غفلة عنها، وآتوا الزكاة الواجبة في الأموال، وأنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقا حسنا على الأهل وفي الجهاد وعلى المحتاجين، كما قال تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} [البقرة 245/ 2].
ثم أكّد الطلب على الصدقة ورغّب فيها، فقال:
{وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} أي وجميع ما تقدموه من الخير المذكور وغير المذكور، فثوابه حاصل لكم، وهو خير مما أبقيتموه لأنفسكم في الدنيا، ومما تؤخرونه إلى عند الموت، أو توصون به ليخرج من التركة بعد موتكم.