المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لها من نهاية ووصول إلى تجرع مرارة الموت وهو القيامة - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢٩

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الملك، أو: تبارك

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضل السورة:

- ‌بعض أدلة القدرة الإلهية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعذيب الكفار العصاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وعد المؤمنين بالمغفرة وتهديد الكافرين مرة أخرى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (13):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من الوعيد والتهديد والعبرة بالأمم السابقة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌توبيخ المشركين على عبادة الأصنام وإثبات قدرة اللهواختصاصه بعلم البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌دعاء كفار مكة على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالهلاك

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القلم

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌كمال الدين والخلق عند النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (2) {ما أَنْتَ

- ‌نزول الآية (4) {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأخلاق الذميمة عند الكفار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة أصحاب الجنة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء المتقين وإنكار التسوية بين المطيع والعاصي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار من قدرة الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلمبالصبر والتذكير العالمي بالقرآن

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الحاقة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تعظيم يوم القيامة وإهلاك المكذبين به

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض أهوال القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأبرار الناجين بعد الحساب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال الأشقياء يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تعظيم القرآن وإثبات نزوله بالوحي

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المعارج

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌تهديد المشركين بعذاب القيامة وتأكيد وقوعه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الخصال العشر التي تعالج طبع الإنسان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الكفار المكذبين بالرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة نوح عليه السلام

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرسال نوح عليه السلام إلى قومه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مناجاة نوح ربه وشكواه إليه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع من قبائح قوم نوح وأقوالهم وأفعالهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الجن

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إيمان الجن بالقرآن وبالله تعالى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (1):

- ‌نزول الآية (6):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكاية أشياء أخرى عن الجن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع أخرى من الموحى به إلى النبي صلى الله عليه وسلموبيان أصول رسالته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (18):

- ‌نزول الآية (20):

- ‌نزول الآية (22):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علم تعيين الساعة مختص بالله عالم الغيب

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المزمل

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - فرضية التهجد:

- ‌2 - وجوب ترتيل القرآن:

- ‌3 - ثقل القرآن والوحي:

- ‌4 - ناشئة الليل:

- ‌5 - مشاغل النهار:

- ‌6 - ذكر الله والتبتل:

- ‌7 - إفراد الله بالتوكل عليه:

- ‌8 - الصبر على الأذى في سبيل الدعوة:

- ‌تهديد الكفار وتوعدهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير وإرشاد بأنواع الهداية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المدثر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌سبب نزولها:

- ‌إرشادات للنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الدعوة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تهديد زعماء الشرك

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (11):

- ‌نزول الآية (30):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحكمة في اختيار عدد خزنة جهنم التسعة عشر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحوار بين أصحاب اليمين وبين المجرمين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة القيامة

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌إثبات البعث والمعاد وعلائمه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ القرآن وحال الناس في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تفريط الكافر في الدنيا وإثبات البعث

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة الإنسان، أو: الدّهر

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌خلق الله الإنسان وهدايته السبيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌جزاء الكفار والأبرار يوم القيامة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مساكن أهل الجنة وأشربتهم وخدمهم وألبستهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحوال الطائعين والمتمردين المشركين في الدنيا

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة المرسلات

- ‌تسميتها:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌فضلها:

- ‌وقوع يوم القيامة حتما ووقته وعلاماته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تخويف الكفار وتحذيرهم من الكفر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أنواع ثلاثة أخرى من وجوه تخويف الكفاركيفية عذابهم في الآخرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأنواع الباقية من تهديد الكفار وتعذيبهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: لها من نهاية ووصول إلى تجرع مرارة الموت وهو القيامة

لها من نهاية ووصول إلى تجرع مرارة الموت وهو القيامة الصغرى؛ لأن الموت أول منزلة من منازل الآخرة، فإذا لم يؤمن الكافر بأمر القيامة، لا يمكنه أن يتخلص من الموت، وتجرع آلامه، وتحمل آفاته.

ثم استدل الله تعالى لإثبات البعث بأمرين:

الأول-أن العدل يقضي بأنه لا بد من الجزاء على الأعمال، حتى لا يتساوى الطائع والعاصي، وذلك لا يكون إلا في الآخرة.

الثاني-أنه تعالى كما قدر على بدء الخلق، فهو قادر على الإعادة والبعث، بل إن الإعادة أهون في تقدير البشر.

‌التفسير والبيان:

{كَلاّ، إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ، وَقِيلَ: مَنْ راقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ} {كَلاّ} إذا كانت رادعة، فالمعنى: لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا، وإذا كانت بمعنى حقا، فالمراد: حقا إذا انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق. والضمير في {بَلَغَتِ} للنفس لدلالة قرينة الحال أو المقال، كما في قوله تعالى:{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة 83/ 56].

والظاهر المعنى الأول، قال الزجاج:{كَلاّ} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: لما عرفتم صفة سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء في الآخرة، وعرفتم أنه لا نسبة لها إلى الدنيا فارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي به تنتهي العاجلة، وتنتقلون إلى الآجلة دار الخلود.

وعلى هذا يكون المعنى العام: ارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة،

ص: 272

وتنبهوا إذا بلغت الروح أو النفس أعالي الصدر، كناية عن الاحتضار وأهواله والموت؛ وقال من حضر المحتضر: هل من يرقيه ويشفيه، وهل من طبيب شاف؟ ولكن لن يغنوا عنه من قضاء الله شيئا؛ وأيقن الذي بلغت روحه التراقي أنها ساعة الفراق من الدنيا ومن الأهل والمال والولد.

وعبر عن اليقين بالظن؛ لأن الروح ما دامت في البدن، يطمع صاحبها في الحياة، فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة، كما ذكر الرازي.

والآية دالة على أن الروح جوهر قائم بنفسه، باق بعد موت البدن؛ لأنه تعالى سمى الموت فراقا، وهو يدل على أن الروح باقية؛ فإن الفرق والوصال صفة، والصفة تستدعي وجود الموصوف

(1)

.

{وَالْتَفَّتِ السّاقُ بِالسّاقِ} أي التوت ساقه على ساقه عند نزول الموت به، فلا يقدر على تحريكها، فماتت رجلاه، ويبست ساقاه ولم تحملاه، وقد كان جوّالا عليهما، واجتمع عليه أمران: الناس يجهّزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.

ويصح أن يكون ذلك كناية عن الشدة، كما في قوله تعالى:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ} [القلم 42/ 68] والمراد: اتصلت شدة فراق الدنيا، وترك الأهل والولد والجاه وشماتة الأعداء وحزن الأولياء وغير ذلك، بشدة الإقبال على أحوال الآخرة وأهوالها.

{إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ} أي تساق الأرواح بعد قبضها من الأجساد إلى خالقها، ويكون المرجع والمآب إلى حكم ربك، فتصير إما إلى جنة وإما إلى نار.

(1)

تفسير الرازي: 231/ 30

ص: 273

فقوله: {إِلى رَبِّكَ} أي إلى حكمه خاصة. و {الْمَساقُ} السوق، فحكمه هو المسوق إليه. وقيل: السوق إلى الله لا إلى غيره، فهو السائق يسوقه إلى الجنة أو إلى النار.

ثم أوضح الله تعالى كيفية عمل هذا المحتضر فيما يتعلق بأصول الدين وبفروعه وبالدنيا، فقال:

{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى، وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطّى} أي لم يصدق بالرسالة النبوية ولا بالقرآن، ولا صلى لربه الصلاة المطلوبة منه فرضا، بل كذب بالرسول وبما جاء به، وتولى عن الطاعة والإيمان، وزاد على ذلك أنه ذهب إلى أهله جذلان أشرا بطرا، يتبختر ويختال في مشيته افتخارا بذلك، كسلانا لا همة له ولا عمل، كما قال تعالى:{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ، انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين 31/ 83].

لقد جمع بين ترك العقيدة أو أصول الدين في أنه ما صدق بالدين، ولكن كذب به، وبين إهمال فروع الدين في أنه ما صلى ولكنه تولى وأعرض، وبين الإساءة لطبيعة الدنيا وسلوكها في أنه ذهب إلى أهله يتمطى، ويتبختر، ويختال في مشيته.

والآية دالة على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة، كما يستحقهما بترك الإيمان.

ثم هدد الله تعالى هذا الكافر وتوعده ودعا عليه بقوله:

{أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} أي وليك الويل، ويتكرر عليك هذا الدعاء، والمعنى: ويل لك وأهلكك الله، وليتكرر هذا الدعاء عليك مرة بعد أخرى، فأنت الجدير بهذا.

وهذا تهديد ووعيد أكيد من الله تعالى للكافر به، المتبختر في مشيه، يقصد

ص: 274

به أنه يحق لك أن تمشي هكذا، وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد، وهو كقوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان 49/ 44] وقوله سبحانه: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات 46/ 77] وقوله عز وجل: {فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر 15/ 39] وقوله عز من قائل: {اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ} [فصلت 40/ 41].

قال قتادة والكلبي ومقاتل: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي جهل، ثم قال:

{أَوْلى لَكَ فَأَوْلى، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى} توعده، فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، وإني لأعزّ أهل هذا الوادي، ثم انسلّ ذاهبا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، كما قال له الرسول عليه الصلاة والسلام. ولما كان يوم بدر أشرف على القوم فقال: لا يعبد الله بعد هذا اليوم، فقتل إذ ذاك شرّ قتلة.

ثم أقام الله تعالى دليلين على صحة البعث لتأكيد ما جاء في أول السورة:

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} :

الأول- {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} أي أيظن أن يترك الإنسان في الدنيا مهملا، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يكلف، ولا يحاسب ولا يعاقب بعمله في الآخرة؟ وهذا خلاف مقتضى العدل والحكمة، فلا بد من الجزاء حتى لا يتساوى المؤمن والكافر، والطائع والعاصي، واقتضت الحكمة الإلهية تأجيل الجزاء إلى عالم الآخرة، وترك تعجيله، ليتسنى وجود الفرصة المواتية الكافية في أثناء العمر والحياة للإيمان والصلاح، كما قال تعالى:{إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى} [طه 15/ 20]. وقال سبحانه: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ} [ص 28/ 38].

ص: 275

ونظير الآية: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون 115/ 23].

الثاني- {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى، ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} أي أما كان ذلك الإنسان قطرة أو نطفة ضعيفة من مني يراق في الرحم، ثم صار بعد ذلك علقة، أي قطعة دم، ثم مضغة أي قطعة لحم، ثم شكّل ونفخ فيه الروح، فصار خلقا آخر سويا سليم الأعضاء، ذكرا أو أنثى بإذن الله وتقديره؟ أليس ذلك الذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه بقادر على أن يعيد خلق الأجسام من جديد بالبعث، كما كانت عليه في الدنيا؟ بلى، فإن الإعادة أهون من الابتداء.

وقوله: {فَخَلَقَ} أي فقدّر بأن جعلها مضغة مخلّقة، وقوله {فَسَوّى} أي فعدّل أركانه وكمل نشأته ونفخ فيه الروح، وجعل من المني بعد تخليقه صنفي الإنسان: الرجل والمرأة.

وهذا استدلال بالخلق الأول على الإعادة، فإن الخالق الأول هو الخالق الآخر، والأمران سواء عليه.

روى ابن أبي حاتم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال:

«سبحانك اللهم وبلى» .

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن مردويه، والحاكم وصححه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ منكم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين 1/ 95] وانتهى إلى آخرها: {أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} [التين 8/ 95] فليقل: بلى، وأنا على ذلكم من الشاهدين، ومن قرأ: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} [القيامة 1/ 75] فانتهى إلى قوله: {أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى} [القيامة 40/ 75] فليقل: بلى، ومن قرأ المرسلات، فبلغ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟} [المرسلات 50/ 77] فليقل: آمنا بالله» .

ص: 276