الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى إرشاداته لنبيه صلى الله عليه وسلم في دعوته، هدد المشركين وأوعدهم على الإعراض عن قبول تلك الدعوة، وخوفهم عذاب يوم القيامة وكيفيته وأهواله، وعذاب الدنيا ومخاطره، ثم عاد إلى وصف عذاب الآخرة وتخويفهم به لشدته التي بلغت حدا تشيب الولدان، وتتشقق السموات منه.
التفسير والبيان:
هدد الله تعالى كفار مكة وأمثالهم وتوعدهم، وهو العظيم الذي لا يقوم لغضبه شيء، فقال:
{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} أي دعني وأولئك المكذبين المترفين أصحاب الأموال، فإني أكفيك أمرهم، وأنتقم لك منهم، فلا تهتم بكونهم أرباب الغنى والسعة والترفّه في الدنيا، وتمهل عليهم رويدا وزمنا قليلا، أو تمهلا قليلا إلى انقضاء آجالهم، كما قال تعالى:{نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ} [لقمان 24/ 31]. وقد أهلك زعماؤهم في موقعة بدر، قالت عائشة: لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسيرا حتى وقعت وقعة بدر.
ثم ذكر الله تعالى أنواعا أربعة من عذابهم، فقال:
{إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً، وَجَحِيماً، وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ، وَعَذاباً أَلِيماً} أي إن عندنا القيود والأغلال لهؤلاء المكذبين بآياتنا وبرسولنا، ونارا مؤججة مضطرمة، وطعاما لا يستساغ، ينشب في الحلق، فلا يدخل ولا يخرج كالزقوم والضريع، ونوعا آخر من العذاب المؤلم الشديد، لا يعلم كنهه إلا الله تعالى. وتنكير قوله {عَذاباً} يدل على أن هذا العذاب أشد مما تقدم وأكمل.
وبعد وصف العذاب، أخبر تعالى عن زمانه متى يكون فقال:
{يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ، وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً} أي إن ذلك العذاب الذي يعذب به الكفار هو في يوم تضطرب في الأرض والجبال وتتزلزل بمن عليها، والرجفة: الزلزلة الشديدة، وتصير الجبال كالكثيب المهيل، أي الرمل المجتمع السائل الذي يسيح فيه الإنسان والحيوان، بعد ما كانت حجارة صماء، ثم تنسف نسفا، فلا يبقى منها شيء إلا ذهب. والرجفة: الزلزلة والزعزعة الشديدة، والمهيل: هو الذي إذا وطئته القدم زلّ ما تحتها، وإذا وصلت أسفله انهال.
وبعد تخويف أهل مكة وأمثالهم بأهوال القيامة، هددهم وخوفهم تعالى بأهوال الدنيا التي تعرضت لها الأمم المكذبة المتقدمة، فقال:
{إِنّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ، كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ، فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً} أي يخاطب الله تعالى كفار قريش، والمراد سائر الناس، فيقول لهم: إنا أرسلنا إليكم رسولا هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم وبما يصدر عنكم من إجابة وامتناع، وطاعة وعصيان، كما أرسلنا موسى عليه السلام إلى الطاغية فرعون يدعوه إلى الحق والإيمان، فعصى فرعون الرسول المرسل إليه، وكذّبه ولم يؤمن بما جاء به، فأخذناه أخذا شديدا ثقيلا غليظا، أي عاقبناه عقوبة شديدة وأهلكناه ومن معه بالغرق في البحر، فاحذروا أنتم أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبكم ما أصاب فرعون حيث أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، وأنتم أولى بالهلاك والدمار إن كذبتم رسولكم الذي هو أشرف وأعظم من موسى بن عمران عليه السلام. وإنما عرّف كلمة الرسول ثانيا؛ لأنه ينصرف إلى المعهود السابق في الذكر.
ثم عاد الله تعالى إلى تخويفهم بعذاب الآخرة ذاكرا هو له من وجهين، فقال:
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً، السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ،