المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض مقاصد السورة: - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المجادلة

- ‌مدنية وآياتها ثنتان وعشرون

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌أسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لها قبلها:

- ‌سؤال هام وجوابه:

- ‌سورة الحشر

- ‌مدنية وعدد آياتها أربع وعشرون

- ‌وتسمى سورة بني النضير كما قال ابن عباس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم أغراض السورة:

- ‌سورة الممتحنة

- ‌مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد هذه السورة الكريمة:

- ‌سورة الصف

- ‌مدنية وآياتها أربع عشرة

- ‌أَسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مدنية وآياتها إِحدي عشرة

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌أَذان الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌المراد من السعي وذكر الله:

- ‌العدد الذي به تصح الجمعة

- ‌هل حضور الحاكم شرط في صحة الجمعة

- ‌القيام شرط في الخطبة

- ‌أَحكام مختلفة

- ‌أَركان الخطبة:

- ‌سورة المنافقون

- ‌مدنية وآياتها إحدي عشرة آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التغابن

- ‌هذه السورة الكريمة مدنية وآياتها ثماني عشرة آية

- ‌وسميت بهذا الاسم لورود كلمة التغابن في الآية التاسعة منها

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الطلاق

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم أغراض السورة:

- ‌سورة التحريم

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة آية

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها وهي سورة الطلاق:

- ‌أغراض السورة:

- ‌سورة الملك

- ‌مكية وآياتها ثلاثون آية

- ‌مقاصدها:

- ‌صلة هذه السورة بما قلبها:

- ‌أسماء السورة وفضلها:

- ‌سورة القلم

- ‌ومناسبة سورة القلم للسورة السابقة (سورة الملك):

- ‌المعنى العام للسورة

- ‌سورة الحاقة

- ‌مناسبة هذه السورة لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المعارج

- ‌مكية وآياتها أربع وأربعون آية

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة نوح

- ‌مكية، وهي ثمان وعشرون آية

- ‌وجه اتصالها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجن

- ‌مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌1 - الملائكة:

- ‌2 - الجن:

- ‌3 - الشياطين:

- ‌سورة المزمل

- ‌هذه السورة الكريمة مكيَّة وآياتها عشرون آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌ما جاء في سبب النزول:

- ‌سورة المدثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَول ما نزل من القرآن:

- ‌من مقاصد السورة:

- ‌سورة القيامة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الإِنسان

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصدها:

- ‌سورة المرسلات

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌(هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37))

- ‌(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40))

- ‌سورة النبأ

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة النازعات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة عبس

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة التكوير

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌سورة الانفطار

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المطففين

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الانشقاق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة البروج

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الطارق

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الغاشية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفجر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البلد

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الشمس

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الليل

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الضحى

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة والتين

- ‌مناسبها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العلق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة القدر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البينة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الزلزلة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العاديات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة القارعة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التكاثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة العصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض ما جاء فيها:

- ‌(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ):

- ‌سورة الهُمَزَة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفيل

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة قريش

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الماعون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكوثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكافرون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض فضائلها:

- ‌سورة النصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة المسد

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الإخلاص

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌بعض ما جاء في فضلها:

- ‌سورة الفلق

- ‌مناسبة السورة لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الناس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

الفصل: ‌بعض مقاصد السورة:

‌سورة الانشقاق

مكية وآياتها خمس وعشرون آية ويقال لها سورة (انشقت)

‌مناسبتها لما قبلها:

قال بعض العلماء في بيان وجه ترتيب السور الثلاث - الانفطار - المطففين - الانشقاق ما يأْتي: جاءَ في سورة الانفطار التعريف بالحفظة الكاتبين الذين يكتبون أَعمال الناس في قوله تعالى: "وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ"(1) وفي السورة التي تليها (سورة المطففين) بيان مقر كتبهم، في قوله تعالى:"كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ إِنَّ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ""كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّين"(2) وفي هذه السورة (الانْشِقَاق) عرض هذه الكتب، وإِعطاؤُها لأَصحابها يوم القيامة في قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِيِنِهِ)(3) إِلخ.

هذا، مع ما اشتملت عليه سورة الانشقاق وما قبلها (سورة المطففين) من ذكر بعض مظاهر يوم القيامة وما يناله المؤمنون من تكريم، وما يصيب الكافرين من عذاب أَليم.

‌بعض مقاصد السورة:

1 -

بُدِئت السورة الكريمة بذكر بعض علامات الساعة وأَشراطها، وخضوع كل ما في السموات والأَرض لأَمر الله بتغيير نواميسها وقوانينها، وعند ذلك يلقى كل إِنسان جزاءَ ما عمل (إِذا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) إِلى قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ).

2 -

بينت السورة أَن عمل الإِنسان في الدنيا مسجل عليه في كتاب سيلقاه يوم القيامة، فمن أَخذ هذا الكتاب بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرا، ومن أَخذ كتابه وراءَ ظهره فسوف يتمنى هلاك نفسه لما يلقاه من عذاب شديد، لأَنه كان في الدنيا لاهيًا عن العمل

(1) الآيتان 10، 11 من سورة الانفطار.

(2)

الآيتان 7، 18 من سورة المطففين.

(3)

الآية رقم 7 من سورة الانشقاق.

ص: 1839

للآخرة ظَانًّا أنه لن يرجع إلى ربه فيحاسبه: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) إِلى قوله تعالى: (بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا).

3 -

ثم أَقسم -سبحانه- ببعض الآيات الكونية التي تشهد بقدرته وتدعو إِلي الإِيمان به والتصديق باليوم الآخر وبما يكون فيه من أَهوال: (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) إِلى قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ).

4 -

ثم بيّن جل جلاله أَنه مع ما ذكر من آيات وأدلة بينات في هذه السورة وفي غيرها من السور: فالكافرون يكذبون بالقرآن ولا يؤمنون به (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) إِلى قوله: (بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ).

5 -

وختمت السورة بتهديد الكفار بأَن الله عليم بما يضمرون وقد أَعَدَّ لهم العذاب الأَليم، كما أَعد للمؤمنين الطائعين الأَجر الدائم الذي لا ينقطع (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ) إِلى قوله تعالى:(لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ).

ص: 1840

(بسم الله الرحمن الرحيم)

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}

المفردات

(انشَقَّتْ) انصدعت، وذلك عند قيام الساعة.

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا): استمعت له وانقادت، من قولهم: أَذِن له؛ أَي: استمع وأَطاع.

(وَحُقَّتْ): انقادت وهي جديرة بالانقياد.

(مُدَّتْ): زيدت سعَةً وذلك بِدَكّ جِبَالِهَا وإِزالة آكامها.

(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا): رمَت ما في جوفها.

ص: 1841

(وَتَخَلَّتْ): وَخَلَتْ عَمَّا فِيها غاية الخلو.

(إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ): أَي: إِنَّك مجتهد جَادٌّ في عملك إِلى لقاء ربك وهو الموت وما بعد، والكدح كما قال الزمخشري والآلوسي: جهد النفس في العمل والكد فيه حتى يؤَثر ذلك في النفس، من كَدَح جلدَه: إِذا خدشه.

(فَمُلاقِيهِ): أَي: فملاقي جزاءَ عملك لا محالة.

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ): وأَما من يُعطاه ويؤْتاه بشماله من وراء ظهره وهو الكافر.

(يَدْعُو ثُبُورًا): ينادي ويقول: يا ثبوراه؛ والثبور: الهلاك.

(ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ): ظن أن لن يرجع إِلى ربه فيحاسبه -يقال: لا يحور ولا يحول؛ أَي: لا يرجع ولا يتغير قال:

وما المرء إِلا كالشهاب وضوئه

يحور رَمَادًا بعد إِذ هو ساطع

أَي: يرجع رمادًا.

وعن ابن عباس: ما كنت أَدري معنى (يحور) حتى سمعت أَعرابية تقول لينية لها: حورى، أَي: ارجعي ذكره الكشاف.

التفسير

1 -

(إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ):

أَي: إِذا السماء انصدعت، قيل: تنشق لهول يوم القيامة لقوله تعالى: "وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ"(1) قال الزمخشري: أَضمر جواب (إِذا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) وما عطف عليه، ولم يذكره ليذهب السامع في تقديره كل مذهب، وفي هذا من التهويل ما فيه، وقيل: جوابها ما دل عليه قوله تعالى: (فَمُلاقِيهِ) أَي: إِذا السماءُ انشقت لاقى الإِنسان جزاءَ عمله وكَدْحِهِ.

(1) سورة الحاقة، الآية 16

ص: 1842

2 -

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ):

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا) أَي: واستمعت السماءُ لربها واستجابت له، وأَطاعت أَمره فيما أَمرها الله به من الانشقاق وذلك يوم القيامة (وَحُقَّتْ) أَي: وحق لها أَن تطيع أمره وتنزل على إِرادته وحكمه؛ لأَنه العزيز الذي لا يُمَانع ولا يغالب قد قهر كل شيءٍ وذل له لأَنه القادر الحقيقي.

3 -

(وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ):

قال الضَّحَّاك: مُدّت الأَرض، أَي: بُسطت بِانْدِكَاكِ جبالها وآكامها وتسويتها فصارت قاعًا صفصفًا لا ترى فيها عوجًا ولا أَمْتًا.

وقال بعضهم: مُدَّت أَي: زيدت سعة وبسطة، من مده بمعنى أَمده، أَي: زاده.

أَخرج الحاكم بسند جيد عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال:"تُمد الأَرضُ يومَ القيامةِ مَدَّ الأَديمِ، ثم لا يكونُ لابن آدمَ منها إِلا موضع قدميْه".

4 -

(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ):

(وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا): أَي: ولفظت ما في جوفها ورمت ما في بطنها من كنوز وموتى.

(وَتَخَلَّتْ) أَي: وتكلفت في الخلو أَقصى جهدها حتى لم يبق شيءٌ في بطنها.

وقيل: تخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها وأَحيائها.

5 -

(وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ):

أَي: وانقادت الأَرض لربها وأَطاعته ونزلت على حكمه في زيادة سعتها، وإِلقاءِ ما فيها وتَخَلِّيها عنه، وحقيق وجدير بها ذلك!!

وإِذا حدث كل ما تقدم -وذلك يوم القيامة- لقي كل إِنسان جزاءَ عمله.

ص: 1843

6 -

(يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ):

أَي: يا أَيها الإِنسان إِنك ساع إِلى ربك سعيًا جادًّا، وعامل عملا شاقَّا صعبًا (فَمُلاقِيهِ)

أَي: فإِنك ستلقى جزاءَ ما عملت من خير أَو شر، ويشهد لذلك ما روي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال جبريلُ: يا محمدُ -عِشْ ما شئت فإِنك مَيِّت، وأَجبِبْ منَ شئتَ فإِنك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإِنكَ ملاقِيه".

ومن الناس من يعيد الضمير وهو الهاء في (فَمُلاقِيهِ) على الرب في قوله تعالى: (رَبَّكَ) أَي: فملاق ربك، ومعناه: فيجازيك على عملك ويكافئك على سعيك.

قال الآلوسي: والمراد بالإِنسان الجنس، كما يؤذن به التقسيم في قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) إِلخ.

وقال مقاتل: المراد به: الأَسود بن هلال المخزومي؛ جادل أَخاه أَبا سلمة في أَمر البعث، فقال أَبا سلمة: والذي خلقك لتركبن الطبقة، ولتوافين العقبة، قال الأَسود: فأَين الأَرض والسماء وما حال الناس؟! وكأَن مقاتلا أَراد أَنها نزلت فيه أَولًا. وقيل: المراد أَبيٌّ ابن خلف؛ كان يكدح في طلب الدنيا وإِيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والإِضرار على الكفر.

7، 8 - (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا):

أَي: فأَما من أُعْطِي كتاب عمله بيمينه -وهو المؤمن- فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا، والحساب اليسير: السهل الذي لا مناقشة فيه كما قيل، وفسره صلى الله عليه وسلم بالْعَرْض، وبالنَّظَر في الكتاب مع التجاوز، فقد أَخرج الشيخان والترمذي وأَبو داود عن عائشة أَن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "ليس أَحدٌ يحاسَبُ إِلَاّ هلَك" قلت: يا رسول الله -جعلني الله فداءَك- أَليس الله تعالى يقول: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)؟! قال: "ذلك العرض، يعرضون، ومَن نوقش الحسابَ هلك".

وأَخرج أَحمد وعبد بن حميد والحاكم وصححه عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللهمَّ حاسِبني حسابًا يَسيرًا" فلما انصرف

ص: 1844

-عليه الصلاة والسلام قلت: يا رسول الله: ما الحساب اليسير؟ قال: "أَن ينظَر في كتابه فيتجاوز له عنه".

9 -

(وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا):

المعنى: ويرجع إِلى عشيرته المؤمنين فرحًا مبتهجًا بحاله قائلا: "هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ"(1) وقيل: يرجع إِلى فريق المؤمنين مطلقًا وإِن لم يكونوا عشيرته، إِذ كل المؤمنين أَهل للمؤمن من جهة الاشتراك في الإِيمان.

10 -

(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ):

أَي: وأَما من أُعطى كتابه بشماله من وراء ظهره -وهو الكافر- قيل: تُغَلُّ يمناه إِلى عنقه، وتجعل شماله وراءَ ظهره، فَيُؤْتَى كتابه بشماله، وروى أَن شماله تدخل في صدره حتى تخرج من وراءِ ظهره فيؤتى كتابه بها، وإِذا كان هذا وهو قوله تعالى:(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ) واردًا في الكفار، وما قبله وهو قوله تعالى:(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) واردًا في المؤمنين المتقين، فلا تعرض هنا للعصاة من المؤمنين، قال الآلوسي: لا بُعْدَ في إِدخال العصاة من المؤمنين في أَهل اليمين لأَنهم يُعْطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار كما اختاره ابن عطية.

وقيل: إِن العصاة المؤمنين يعطون كتبهم بشمالهم، ويختص الكفرة بكونهم يعطون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم. أهـ آلوسي مع التلخيص والتصرف.

ولعل السر في إِعطاء الكفار كتبهم من وراء ظهورهم لأَن من يُعْطُونَهم كتبهم من الملائكة لا يُطيقون مُشَاهدة وجوههم لشدة بشاعتها، أَو لعظم بغضهم إِياهم، أَو لأَنهم نبذوا كتاب الله وراءَ ظهورهم، فأَخذوا كتبهم كذلك على هذه الصورة تحقيرًا لهم وامتهانًا لشأْنهم.

11، 12 - (فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا):

(فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا) أَي: فسوف يدعو الكافر ويطلب ثبورًا ويناديه ويقول:

(1) الحاقة من الآية رقم 19.

ص: 1845

يا ثبوراه تَعَالَ فهذا أَوانك، والثُّبُور: الهلاك والخسران والويل، وهو اسم جامع لأَنواع المكاره، والمعنى: أَنه يتمنى موته وهلاك نفسه.

(وَيَصْلَى سَعِيرًا): ويدخل جهنم يحترق بنارها، أَو يقاسي شدة حرها ولهيبها.

13 -

(إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا):

أَي: إِنَّ الكافر الذي يدعو الثبور ويصلى السعير إِنما استحق ذلك لأَنه كان في الدنيا بين عشيرته وأَهله فَرِحًا بَطِرًا مترفًا، لا ينظر في العواقب كعادة الفُجّار من أَهل الدنيا الذين لا يهمهم أمر الآخرة، ولم يكن متفكرًا في حاله ومآله كعادة وطبيعة الصلحاء المتقين الذين حكى الله عنهم فقال:"قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ"(1) وهذه الآية استئناف لبيان سبب ما استحقوه من عذاب.

14 -

(إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ):

هذه الآية تعليل لسروره في الدنيا بين أَهله وعشيرته.

أَي: إِن هذا الكافر كان مسرورًا في الدنيا ولا يبالي بشيءِ لأَنه كان يكذب بالبعث يعتقد أَنه لن يرجع إِلى الله تعالى، فلا يعيده ربه بعد موته للحساب، والحور: الرجوع مطلقًا، والمراد هنا -كما قال ابن عباس وقتادة وغيرهما-: الرجوع إِلى الله للجزاء بقرينة المقام.

15 -

(بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)(2):

المعنى: بلى يحور ويرجع البتة؛ لأَن الله عز وجل الذي خلقه كان به وبأَعماله الموجبة للجزاء بصيرًا بحيث لا تخفى عليه -سبحانه- منها خافية، فلا بد من رجوعه وحسابه ومجازاته.

(1) سورة الطور، الآية:26.

(2)

(بلي): إيجاب لما بعد النفي في (لن يحور) و (إن ربه كان به بصيرًا) تحقيق وتعليل له.

ص: 1846

{فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}

المفردات:

(الشَّفَقِ): الحمرة التي ترى بالأفق بعد غروب الشمس، وقيل: البياض الذي يلي تلك الحمرة.

(وَمَا وَسَقَ): وما جمعه الليل وستره وضمه إِليه من الدواب وغيرها.

(اتَّسَقَ): اجتمع نوره وتمَّ.

(لَتَرْكَبُنَّ): لتلاقن.

(طَبَقًا): الطبق ما طابق غيره، ومنه قيل للغطاء: الطبق، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها: طبق.

(عَن) بمعنى بَعْد، كما في قولهم: سادوك كابرا عن كابر، أَي: بعد كابر.

(بِمَا يُوعُونَ) أَي: بالذي يضمرونه في صدورهم من الكفر والحسد، أَو بما يجمعونه في صحفهم من أَعمال السوء.

(فَبَشِّرْهُمْ): فأَخبرهم.

والتبشير في المشهور: الإِخبار بِسَارٍّ، والتعبير به هنا للتهكم بهم.

(غَيْرُ مَمْنُونٍ): غير مقطوع ولا منقوص.

ص: 1847

التفسير:

16 -

(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ):

أَي: فأَقسم قسمًا مؤكدًا -كما يشعر بذلك ذكر "لَا"- (بِالشَّفقِ): وهو الحمرة التي تشاهد في الأُفق بعد الغروب، وبسقوط الشفق يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء عند عامة العلماءِ، إِلا ما ورد في بعض الروايات عن أَبي حنيفة، وقيل الشفق: البياض الذي يلي تلك الحمرة، وبه قال أَبو هريرة، وهو إِحدى الروايات عن أَبي حنيفة. وصح عن مجاهد أَنه قال في هذه الآية:(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) قال السفق: هو النهار كله وإِنما حمله على هذا قَرْنُ الشفق بقوله تعالى: (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) كأَنه أَقسم بالضياءِ والظلام.

17 -

(وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ):

أَي: وأَقسم على سبيل التأكيد باللَّيل وما جمعه وضمه وآوى إِليه من الدواب وغيرها. وعن مجاهد: ما يكون فيه من خير أَو شر، وقيل: وما ستره وغطى عليه بظلمته.

18 -

(وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ):

أَي: وأَقسم قسمًا مؤكدًا بالقمر إِذا اجتمع نوره وتمَّ وتكامل وصار بدْرًا وذلك -كما قال الزمخشري-: هي ليلة أَربع عشرة.

19 -

(لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ):

هذا الكلام خطاب لجنس الإِنسان المنادَى أَولا في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ) إِلخ .. باعتبار شموله لجميع أَفراد الإِنسان والمراد بالركوب: الملاقاة، وبالطبق الحال المطابقة لغيرها، والمعنى: لتلاقن أَيها النَّاس حالا بعد حال، كل حال مطابقة لغيرها في الشدة والهول.

ص: 1848

وقيل: الطبق: جمع، وهي المرتبة، والمعنى: لتركبن أَحوالا بعد أَحوال هي طبقات في الشدة بعضها أَعظم من بعض، وهي الموت وما بعده من مشاهد القيامة وأَهوالها.

وفسر بعضهم الأَحوال التي يلاقيها النَّاس بما يكونون عليه في الدنيا من كونهم نطفة إِلى الموت وما يكونون عليه في الآخرة من البعث إِلى حين استقرارهم في إِحدى الدارين الجنة أَو النَّار.

أَخرج البخاري عن ابن عباس أَن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعليه يراد: لتركبن أَحوالا شريفة بعد أُخرى من مراتب القُرْبِ، أَو من مراتب الشدة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه في تبليغ الرسالة، أَو الكلام عِدَةٌ بالنصر وتبشير بالمعراج، أَي: لتركبن سماءً بعد سماءِ، واختار ابن كثير هذا القول -وقال: والصواب من التأْويل قول من قال: لتركبن يا محمد حالا بعد حال وأَمرًا بعد أَمر من الشدائد، والمراد بذلك- وإِن كان الخطاب موجهًا إِلى رسول الله -جمع الناس، وأَنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأَحواله أَهوالا- أهـ: ابن كثير.

20 -

(فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ):

الفاء في قوله تعالى: (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يجوز أَن تكون لترتيب ما بعدها من الإِنكار والتعجيب على ما قبلها من أَحوال يوم القيامة وأهوالها المشار إِليها بقوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) أَي: إِذا كان حالهم يوم القيامة كما أُشير إِليه فأَي شيءٍ يمنعهم من الإِيمان بالله ورسوله وسائر ما يجب الإِيمان به بعد ذكر ما يلقاه كل مخالف من الأَهوال؟ ويجوز أَن يكون لترتيب ما بعدها على ما قبلها من عَظيم شأْنه عليه الصلاة والسلام المشار إِليه بقوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ) على أَن المراد بالمخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَي: إِذا كان هذا حاله صلى الله عليه وسلم كما أُشير إِليه فأَي شيءٍ يمنعهم من الإِيمان به عليه الصلاة والسلام؟!

21 -

(وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ):

هذه الآية معطوفة على الآية السابقة، والمعنى: وما لهم إذا قرئت عليهم آيات الله

ص: 1849

وسمعوا كلامه -وهو القرآن العظيم- لا يستكينون ولا يخضعون بأَن يُؤمنوا به لإِعجازه، فالمراد بالسجود: الخضوع والاستكانة، وقيل: المراد به الصلاة، وقيل: المقصود به سجود التلاوة، ويكون المراد بما قبله (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ) أَي: وفيه آية سجدة. أَخرج مسلم وغيره عن أَبي هريرة قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في (وإِذا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) و (اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).

22 -

(بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ):

هذه الآية انتقال عن كونهم لا يسجدون عند قراءَة القرآن وسماعهم له إِلى أَنهم يكذبون به صريحًا، وقيل المعنى: بل هؤُلاءِ من سجيتهم التكذيب بالبعث وغيره، والعناد والمخالفة للحق تعاليًا عنه وتكبرًا.

23 -

(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ):

أَي: والله أَعلم بالذي يضمرونه في صدورهم من الكفر والحسد والبغضاء والبغي، أَو: والله أَعلم بما يجمعونه في صحفهم من أَعمال السوءِ فيجازيهم عليها، وقال بعضهم: المعنى -والله أَعلم بما يضمرون في أَنفسهم من أَدل صدق القرآن فيكون المراد المبالغة في عنادهم وتكذيبهم بالقرآن مع علمهم بصدقه.

24 -

(فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ):

الفاءُ في قوله تعالى: (فَبَشِّرْهُمْ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها.

والمعنى: فبشر الكفار يا محمد بأَن الله عز وجل قد أَعَدَّ لهم عذابا مؤلمًا موجعًا لتكذيبهم بالقرآن أو لعلمه سبحانه وتعالى بما يضمرون في أَنفسهم من الشرور والآثام.

والتعبير بالتبشير في هذا المقام مع أَنه في المشهور يكون للإِخبار بأَمر سارٍّ -للتهكم والسخرية بهم.

ص: 1850

25 -

(إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ):

لكن الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم لهم أَجر في الآخرة غير ممنون، وقال ابن عباس: أَي: غير منقوص، وقيل: غير مقطوع عنهم كما قال تعالى: "عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ"(1).

(1) سورة هود، من الآية:108.

ص: 1851