الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القيامة
ويقال لها سورة (لَا أُقْسِمُ) وهي مكية وعدد آياتها أَربعون
مناسبتها لما قبلها:
لمَّا ذكر تعالى في السورة التي قبلها وهي (سورة المدثر) قوله سبحانه: "كَلَاّ بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ"(1) بعد ذكر الجنة والنار، وكان عدم خوفهم من الآخرة لإنكارهم البعث، ذكر جلّ وعلا في هذه السورة (سورة القيامة) الدليل على البعث بأَتم وجه وأَقوى حجة.
بعض مقاصد السورة:
1 -
بُدِئت السورة الكريمة بالقسم بيوم القيامة وبالنَّفس اللَّوَّامة على أَنَّ البعث حق وآتٍ لَا ريب فيه، ووصفت يوم القيامة وأَحواله وأَهواله:(لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ .. ) إلخ
…
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ
…
) الخ.
2 -
ولمَّا كان الرسول حريصًا على تلقي الوحي وحفظ القرآن فقد طمأَنته الآيات على أَن الله قد تكفَّل له بأَن يجمع القرآن في صدره، وأَن ييسره لتلاوته على الوجه الذي تلقاه عن جبريل، وأَن يُفَسَّره ويوضِّح معناه له:(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) الخ.
3 -
ثم زجرت الآيات المنكرين للبعث وبينت أَن سببَ إِنكارهم له حُبُّهم للعاجلة، وإِقبالهم على ملذَّاتها الفانية وتركهم للآخرة ونعيمها الباقي:(كَلَاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) الخ.
4 -
وتحدثت السُّورة الكريمة عن المؤمنين يوم القيامة وأَن وجوههم تكون ناضرة، كما تحدثت عن أَن وجوه الكافرين تكون باسرة كالحة:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ .. ) إلخ. وذكرت أَحوال المُحْتضر وما يلاقيه من أَهوال عظام وشدائد جسام جزاءَ عصيانة لله وللرسول وتقصيره في الواجبات حتى إِنه ظن أَلَاّ حساب عليه: (كَلَاّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي .. ) الخ.
5 -
وخُتِمَت السُّورة بذكر الدليل الذي يُوجِب الإِيمان بالبعث لأَن الذي خلق الإِنسان من نطفة وسَوَّاه بشرًا سويًّا قادر على أَن يحيَى الموتى يوم القيامة لحسابهم على أَعمالهم لأَنَّ الإِعادة أَهون من البدءِ في قياس العقل وهو سبحانه على كل شيءٍ قدير: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى
…
) الخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَاّ لا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15))
المفردات:
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ): قيل: إِن (لَا) نفى لكلام ورَدٌّ له قبل القسم .. والمعنى: أقسم -على سبيل التوكيد- بيوم القيامة، وقيل: إِن (لَا) هنا لتوكيد القسم وتقويته.
(بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ): النفس التي تلوم صاحبها على الخير لِمَ لَمْ تستكثر منه وعلى الشر لِمَ فعلته؟
(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ): أَيظن الكافر أَنَّا لا نقدر على إِعادة عظامه وجمعها من أَماكنها المتفرقة.
(نُسَوِّيَ بَنَانَهُ): في القاموس البنان: الأَصابع أَو أَطرافها وتسويتها إِعادتها كما كانت مع صغرها.
(بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ): يريد الكافر أَن يدوم على الفجور مدة عمره.
(يَسْأَلُ): أَي يسأَل سؤال استهزاءٍ وتكذيب.
(أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ): متى تقوم الساعة؟
(بَرِقَ الْبَصَرُ): بفتح الراءِ وكسرها: دهش وتحير فزعًا ممَّا رأَي من أَهوال يوم القيامة.
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ): ذهب ضوؤه أَو غاب.
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ): قُرِن بينهما في الطلوع من المغرب.
(أَيْنَ الْمَفَرُّ): المَفَرّ بفتح الفاءِ وبه قرأَ الجمهور مصدر أَي أَين الفرار من أَهوال يوم القيامة؟ وبكسر الفاءِ وبها قرأَ ابن عباس المكان الذي يُفَرّ إِليه من ملجأ أَو موئل.
(كَلَاّ): ردع عن طلب الفرار أَو المَفرّ.
(لا وَزَرَ): لا ملجأَ وكل ما التجأْت إِليه من جبل أَو غيره وتحصنت فهو وزَرَ.
(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ): أَي استقرار العباد أَو مستقرهم أَي وضع قرارهم من جنة أَو نار في يوم القيامة إِلى ربك وحده.
(يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ): أَي يُخبر الإِنسان يومئذ بما قدم من عمل عمله وبما أَخر فلم يعمله.
(عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ): حجة واضحة بينة على نفسه شاهدة بما صدر عنه من الأَعمال.
(وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ): أَي ولو جاءَ بكل معذرة ما قبلت منه.
والمعاذير: جمع مَعْذِرة بمعنى العذر على خلاف القياس، وقيل: اسم جمع، وقال السدي والضحَّاك:
المعاذير: السُّتور بلغة أَهل اليمن واحدها مِعْذار.
التفسير:
1 -
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ):
قال الزمخشري: إِدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأَشعارهم قال امرؤ القيس:
فلا وأبيكِ ابنه العامِريِّ
…
لا يَدَّعِي القوْم أَني أَفر
وفائدتها توكيد القسم، والوجه أَن يقال: هي للنفي، والمعنى في ذلك أَنه لا يُقسم بالشيءِ إِلَاّ إِعظامًا له بذلك، وعليه قوله تعالى: "فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (1) فكأَنهُ بإِدخاله حرف النفي يقول: إِن إِعظامي له بإِقسامي به كلا إِعظام، يعني أَنه يستأْهل فوق ذلك، وقيل: إِن (لَا) نفي لكلام ورَدٌّ له قبل القسم، كأَنهم أَنكروا البعث فقيل:(لَا) أَي ليس الأَمر على ما ذكرتم، ثم قيل: أُقسم بيوم القيامة
…
أهـ كشاف ملخصًا بتصرف.
قال القرطبي: حكى أَبو الليث السمرقندي أَنه قال: أَجمع المفسرون أَن معنى (لا أُقْسِمُ): أُقسم والإِتيان بلا صلة، أَي زيادة يجري كثيرًا في كلام العرب وقد ورد منه في القرآن قوله تعالى:"قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ"(2) أَي أَن تسجد: والمعنى أُقسم وأُؤكد القسم بيوم القيامة أَي بيوم يقوم الناس فيه لربهم للجزاءِ والحساب.
-
(1)
سورة الواقعة الآيتان 75، 76.
(2)
سورة الأعراف من الآية 12.
2 -
(وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ):
أَي: أُقسم وأُؤَكد القسم بالنفس اللَّوامة، والنفس اللَّوَّامة (كما قال مجاهد): هي النفس الخَيِّرة التي تلوم صاحبها على الشر لِمَ فعله؟ وعلى الخير لِمَ لَمْ يستكثر منه فهي لم تزل لائمة وإِن اجتهد في الطاعات. فالمبالغة جاءَت لدوام اللَّوم.
وقيل: المراد بالنفس اللَّوامة، نفس آدم فإِنها لم تزل تلوم نفسها على فعلها الذي خرجت به من الجنة، قال الآلوسي: وأَكثر الصوفية على أَن النفس اللَّوامة فوق الأَمَّارة وتحت المطمئنة وعرفوا اللَّوامة بأَنها هي التي تنورت بنور القلب قدر ما تنبهت عن سِنة الغفلة فكلما صدر عنها سيئة بحكم جِبلَّتها الظلمانية أَخذت تلوم نفسها ونفرت عنها - أهـ آلوسي.
وقيل: المراد باللَّوَّامة: الْمَلُومة المذمومة وهي النفس الفاجرة الجشعة اللَّوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأَغراضها. وجاءَ نحوه في رواية ابن عباس، وهذا قول من نفى أَن يكون الكلام قسمًا إِذ ليس للمعاصي قدر وشرف يقسم به.
وقيل: المراد بالنفس: جنس النفس الشاملة التقية والفاجرة، وضعف الآلوسي القولين الأَخيرين.
3 -
(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ):
هذا جواب القسم أَو دليل الجواب، أَي لتبعثن بعد جمع ما تفرق من عظامكم وصيرورتها رميمًا رُفاتًا مختلطًا بالتراب.
والمراد بالإِنسان الجنس والهمزة لإِنكار الواقع واستقباحه والتوبيخ عليه، أَي: أَيحسب الإِنسان أَن الشأْن أَلن نجمع عظامه بعد تفرقها، والمعنى لِمَ يكون هذا الحسبان الكاذب المُنَافِي لحق اليقين وصريحه، والنسبة إِلى الجنس لأَن فيه من يحسب ذلك، بل لعله الأَكثرون، وقيل: المراد بالإِنسان جنس الكافر المنكر للبعث، وجوز أَن يكون التعريف للعهد. والمراد بالإِنسان هنا عدي بن أَبي ربيعة ختن الأَخنس بن شريق -وهما اللذان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيها:(اللَّهُم اكفني جاري السوء) فقد روي أَنَّ عَديَّا جاءَ إِليه
عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد، حدثني عن يوم القيامة متى يكون؟ وكيف يكون أَمره؟ فأَخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو عاينت ذلك اليوم لم أُصدقك يا محمد ولم أُؤمن به، أَوَيجمع الله هذه العظام؟ فنزلت، وقيل: هو أَبو جهل فقد روى أَنه كان يقول: أَيزعم محمد أَن يجمع الله هذه العظام بعد بلائها وتفرقها فيعيدها خلقًا جديدًا فنزلت. قال الآلوسي: وذكر العظام -وإِن المعنى على إِعادة الإِنسان وجمع أَجزائه المتفرقة- لِمَا أَنها قالب الخلق.
4 -
(بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ):
أَي: نجمع العظام بعد تفرقها وصيروتها رميمًا ورفاتًا في بطون البحار وبين الأَودية، والقفار حال كوننا قادرين على تأليف جمعها وإِعادتها إِلى التركيب الأَول وعلى أَن نسوي أَصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه، أَو على أَن نسوي ونضم سلامياته على صغرها بعضها إِلى بعض كما كانت أَوَّلًا من غير زيادة ولا نقصان ولا تفاوت، فكيف بكبار العظام وما ليس في الأَطراف منها، وقيل المعنى: بل نجمعها ونحن قادرون على أَن نسوي أَصابع يديه ورجليه، أَي: نجعلها مستوية شيئًا واحدًا كخف البعير وحافر الحمار لا نفرق بينها فلا يمكنه أَن يعمل بها شيئًا ممَّا يعمل بأَصابعه المفرقة ذات المفاصل والأَنامل من فنون الأَعمال والقبض والبسط والتأَتي لما يريد من الحوائج، وروى هذا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة -اهـ آلوسي والكشاف-.
ولا يخفى أَن في الإِتيان بلا أَوَّلًا في (لا أُقْسِمُ) ممَّا يزيد في تأكيد الكلام وتقويته، وحذف جواب القسم لتأْخذ النفس فيه كل مأْخذ، والإِتيان بقوله:(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ) من إِيثار لفظ الحسبان على لفظ العلم، والإِتيان بهمزة الإِذكار سندًا إِلى الجنس وبحرف الإِيجاب في (بَلَى) والحال بعدها (قَادِرِينَ) -في الإِتيان بهذه من المبالغات في تحقيق المطلوب وتفخيمه وتوبيخ المعرض عن الاستعداد ما تبهر عجائبه، ثم الحسن كل الحسن فيما يتضمنه حرف الإِضراب في قوله تعالى:(بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ). -آلوسي- بتصرف.
5 -
(بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ):
عطف على أَيحسب -جيءَ به للإِضراب عن إِنكار الحسبان إِلى الإِخبار عن حال الإِنسان الحاسب بما هو أَدخل في اللوم والتوبيخ من الأَول، كأَنه قيل: دع تعنيفه فإِنه أَشَط من ذلك وأَنَّى يرتدع وهو يريد أَن يقيم ويستمر على فجوره فيما بين يديه من الأَوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه. وعن مجاهد وابن جبير وغيرهما في معنى الآية: إِن الإِنسان إِنما يريد شهواته ومعاصيه ليمضي فيها أَبدًا قدمًا راكبًا رأْسه ومطيعًا أَمله ومسوفًا لتوبته حتى يأْتيه الموت على شر حاله وأَسوأ أَعماله، وروى عن ابن عباس في معنى الآية: هو الكافر يكذب بيوم الحساب. قال ابن كثير وهذا هو الأَظهر ولهذا قال بعده:
6 -
(يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ):
قال ابن كثير: أَي يقول: متى تكون القيامة؟ وإِنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه. وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى:"وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ"(1)
قال العلامة الآلوسي: وفيه أَن من أَنكر البعث يرتكب أَشد الفجور لا محالة.
7 -
(فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ):
فإِذا تحير بصرهم فزعًا فهم ينظرون من الهلع هكذا وهكذا لا يستقر لهم بصر على شيءٍ من شدة الرعب، وأَصله، من بَرق الرجل إِذا نظر إِلى البرق فدهش بصره، ومنه قول ذي الرمة:
ولو أَن لقمان الحكيم تعرضت
…
لعينيه مَيٌّ سافرًا كاد يَبْرَق
وقيل: هو من البريق، والمعنى لمع من شدة شخوصه.
والمراد أَن الأَبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأَهوال ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من أُمور. ونقل عن مجاهد أَنه قال: فإِذا بَرِق البصر عند الموت والاحتضار.
-
(1)
سورة سبأ الآيتان 29، 30.
8 -
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ):
أَي: وذهب ضوء القمر، والخسوف في الدنيا إِلى انجلاءٍ بخلاف الآخرة فإِنه لا يعود ضوؤه، ويحتمل أَن يكون المعنى ذهب واختفى ومنه قوله تعالى:(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ)(1).
9 -
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ):
قال القرطبي: أَي يجمع بينهما في ذهاب ضوئهما، وعن ابن عباس يجمع بينهما في طلوعهما من المغرب أَسودين مُكَوَّرين، وقيل: تجمع الشمس والقمر فلا يكون ثَمَّ تعاقب ليل ولا نهار.
قال الآلوسي: وأَحوال يوم القيامة على خلاف النمط الطبيعي، وحوادثه أُمور وراءَ الطبيعة.
10 -
(يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ):
أَي: إِذا عاين ابن آدم هذه الأَهوال يوم القيامة حينئذ يريد أن يفر. ويقول: أَين المفر؟ أَي هل من ملجأَ أَو موئل، قال الماوردي: ويحتمل هذا وجهين، أَحدهما: أَين المفر من الله حياءً منه، الثاني: أَين المفر من النار حذرًا منها، ويحتمل أَن يكون هذا القول من الإِنسان على وجهين، أحدهما: أَن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن ليتَنَعَّم المؤمن ببشري ربه، الثاني: أَن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها.
11 -
(كَلَاّ لا وَزَرَ):
(كَلَاّ) ردع عن طلب المفر وتمنِّيه. (لا وَزَرَ): أَي لا ملجأَ يُتَحصن به وليس لكم مكان تعتصمون فيه -وأَصل الْوَزَر محركة- الجبل المنيع، وقد كان مفرًّا في الغالب لفرار العرب، واشتقاقه من الوِزْر وهو الثِّقْل (2)، وصار حقيقة لكل ملجأ من جبل أَو حصن أَو سلاح أَو رجل أَو غير ذلك.
-
(1)
سورة القصص من الآية 81.
(2)
في القاموس المحيط الوزر: الثقل والسلاح والحمل الثقيل.
12 -
(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ):
أَي: إِليه تعالى وحده لا إِلى غيره استقرار العباد، أَي: لا ملجأً ولا منجى لهم غيره عز وجل، أَو إِلى حكمة استقرار أَمرهم لا يحكم فيه غيره، أَو إِلى مشيئته تعالى موضع قرارهم من جنة أَو نار، فمن شاءَ أَدخله الجنة ومن شاءَ أَدخله النار.
والظاهر أَن قوله تعالى: (كَلَاّ لا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) من تمام قول الإِنسان، كأَنه بعد أَن يقول: أَين المفر؟ يعود على نفسه فيستدرك ويقول: (كَلَاّ لا وَزَرَ
…
) إلخ.
وقيل: هو من كلام الله تعالى، يقال للقائل: أين المفر؟ لا حكاية عن الإنسان، ويجوز أن تكون (كلَّا) في قوله تعالى:(كَلَاّ لا وَزَرَ) بمعنى أَلَا الاستفتاحية أَو بمعني حقًّا.
13 -
(يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ):
المعنى: يخبر الإِنسان يومئذ -وذلك عند الأَكثرين- عند وزن الأَعمال بما قدم وأَخَّر، أَي: بما قدم من عمل عمله وبما أَخر منه فلم يعمله، أَو بما قَدم من ماله فتصدق به وبما أَخره فخلفه للورثة، أَو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أَخر من سنة حسنة أَو سيئة فعمل بها بعده. وعن مجاهد بأَول عمره وآخره.
14 -
(بَلْ اَّلإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ):
أَي: بل الإِنسان حجة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه، تلزمه بما فعل أَو ترك، وجعل الحجة بصيرة لأَن صاحبها بصير بها، أَو هي بمعنى دالة مجازًا، كما وصفت الآيات بالإِبصار في قوله تعالى:"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً"(1). والتاءُ في بصيرة للمبالغة مثلها في علَاّمة ونسَّابة، أَو لتأْنيث الموصوف، أَي حجة، وقيل: لأَن المراد بالإِنسان هنا الجوارح: أَي جوارحه على نفسه بصيره، أَي مشاهدة عليه بعمله، ونسب هذا للعتبي والمعنى: يُنَبَّأُ الإِنسان بأَعماله، بل فيه ما يُجزئ عن الإِنباءِ لأَنه عالم بتفاصيل أَحواله شاهد على نفسه بما عملت، لأَن جوارحه تنطق بذلك. ومثله في كتاب الله قوله تعالى:
-
(1)
سورة النمل من الآية 13.
"يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"(1)، وقال القرطبي: قيل المراد من البصيرة الكاتبان اللَّذان يكتبان الأَعمال.
15 -
(وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ):
أَي: هو على نفسه حجة وهو شاهد عليها ولو طرح معاذير وبسطها لا يمكنه أَن يتخلص منها، أَو ينبأ بأَعماله ويجازي لا محالة ولو أَتى بكل عذر، فهو تأكيد لما يفهم من مجموع قوله تعالى:(يُنَبَّأُ الإِنسَانُ) إلخ -والمعاذير جمع معذره بمعنى العذر على خلاف القياس، والقياس معاذر، وأَطلق عليه الزمخشري اسم الجمع فالمراد بالمعاذير الإِدلاء بالحجة والاعتذار من الذنب.
وقال السُّدِّي والضحاك: المعاذير الستور بلغة أَهل اليمن واحدها معذار، وحكى ذلك عن الزجاج قال الشاعر:
ولكنها ضنت بمنزل ساعة
…
علينا وأَطت (2) فوقها بالمعاذر
فيكون قوله تعالى: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) أَي: ولو أَرخي ستوره، والمعنى أَن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يغني عنه شيئًا، لأَن عليه من نفسه بصيرة.
قال الزمخشري: سمي الستر بلغة أَهل اليمن معذارًا لأَنه يمنع صورة المحتجب به كما تمنع المعذرة عقوبة الذنب.
(1) سورة النور الآية 24.
(2)
حركت.
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25))
المفردات:
(لِتَعْجَلَ بِهِ): لتأخذه على عجلة لئلا ينفلت منك.
(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ): أَي إِن علينا جمعه في صدرك أَي تكفلنا بذلك.
(وَقُرْآنَهُ): أَي جريانه على لسانك -والقرآن- القراءَة.
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ): أَي أَتمنا قراءَته عليك بلسان جبريل المبلَّغ عنا.
(فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ): فكن مقفِّيا له، وقيل: فاستمع لقراءَته وأَنصت له ثم اقرأه كما أَقرأك جبريل.
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ): ثم إِن علينا توضيح ما أُشكل عليك من معانيه وأَحكامه.
(كَلَاّ): أَداة استفتاح بمعنى أَلا، أَو ردع لمن أَنكر البعث.
(نَاضِرَةٌ): حسنة مشرقة متهللة من النضرة أَو النضارة، يقال: نضرهم الله ينضرهم نضارة ونضرة، وهو الإشراق والعيش الناعم والغنى، ومنه الحديث:(نضَّر الله امرأَ سمع مقالتي فوعاها).
(بَاسِرَةٌ): متغيرة الأَلوان مسودة شديدة الكُلُوحة والعبوس.
(فَاقِرَةٌ): داهية عظيمة تقصم فقار الظهر من فَقَرَهُ أَصاب فِقاره، وقال أَبو عبيدة: فاقرة -من فقرت البعير إِذا وسمت أَنفه بالنار.
التفسير
16 -
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ):
قال ابن كثير: هذا تعليم من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم في طريقة تلقيه الوحي من الملك، فإِنه كان يبادر إلى أَخذه، ويسابق المَلَك في قراءَته، فأَمره الله عز وجل إِذا جاءَه المَلَك بالوحي أَنه يستمع إِليه، وتكفل له سبحانه أَن يجمعه في صدره وأَن ييسره لأدائه على الوجه الذي أَلقاه إِليه، وأَن يبينه له ويفسره ويوضحه.
قال الآلوسي: أَخرج الإِمام أَحمد والبخاري وغيرهم عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أَن ينفلت منه يريد أَن يحفظه فأَنزل الله سبحانه:(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) إلخ.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إِذا أَتاه جبريل عليه السلام أَطرق، وفي لفظ استمع، فإِذا ذهب قرأَه كما وعد الله عز وجل فالخطاب في قوله تعالى:"لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ" للنبي صلى الله عليه وسلم والضمير في (بِهِ) للقرآن للدلالة عليه من السياق، مثل قوله تعالى:"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ"(1) أَي: لا تحرك بالقرآن لسانك عند إِلقاء الوحي عليك من قبل أَن يُقْضَي إليك وحيه (لِتَعْجَلَ بِهِ) أَي: لتأْخذه على عجلة مخافة أَن ينفلت منك على ما يقتضيه كلام ابن عباس، وقيل لمزيد حبك له وحرصك على أَداء الرسالة، فكان صلى الله عليه وسلم لا يحرك لسانه بقراءَة القرآن ما دام جبريل يقرأ بل ينصت إِليه ملقيًا إِليه بقلبه وسمعه حتى يُقضي إِليه وحيه ثم يُقَفِّيه ويتبعه بالقراءَة والدراسة حتى يرسخ في نفسه.
17 -
(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ):
ثم علل النهي عن العجلة بقوله: إِن علينا جمعه أَي: جمعه في صدرك بحيث لا يذهب
(1) سورة القدر الآية 1.
ولا يتفلت شيء منه عليك (وَقُرْآنَهُ) أَي: وإِثبات قراءَته في لسانك بحيث تقرأَه كما شئت وقيل: وقراءَتك إِياه أَي جريانه على لسانك، فالقرآن هنا وكذا فيما بعد مصدر كالرجحان بمعنى القراءَة كما قال الشاعر:
ضحَّوْا بأَشمط (1) عنوان السجود به
…
يقطَّع الليل تَسبيحًا وقرآنا
18 -
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ):
المعنى: فإِذا أَتممنا قراءَته عليك بلسان جبريل عليه السلام المبلغ عنا فكن مقفيا لا مباريا له، وقيل: فإِذا قرأناه فاتبع بفكرك وذهنك قرآنه، أَي: فاستمع وأَنصت. وصح هذا من رواية الشيخين وغيرهما عن ابن عباس، وعنه أَيضًا وعن قتادة والضحاك أَي قاتبع في الأَوامر والنواهي قرآنه، وقيل: اتبع قرآنه بالدرس على معنى فكرّره حتى يرسخ في ذهنك، وفي الإِسناد المجازي في قوله تعالى:(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) واختيار نون العظمة مبالغة في إِيجاب التَّأَني في قراءَة القرآن.
19 -
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ):
أَي: ثم إن علينا بعد حفظه وتلاوتك أَن نبيِّنه ونوضحه لك ونلهمك معناه على ما أَردنا وشرعنا ونبين لك ما أُشكل عليك من معانيه وأَحكامه.
قال الزمخشري، كأَنه كان يعجل في الحفظ والسؤَال عن المعنى جميعًا كما ترى بعض الحُرّاص على العلم، ونَحْوُه قولُه تعالى:(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ)(2).
20، 21 - (كَلَاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَة، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ):
(كَلَاّ) إِرشاد من الله - جل وَعَلَا - لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأَخْذٌ له وبعد به عن عادة العجلة وترغيب له في الأَناة، ولمزيد حبه إِياه أَتبعه قوله تعالى: (بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ
(1) أشمط من الشمط وهو بياض الرأَس يخالط سواده والمراد أَنه كبير السن.
(2)
سورة طه من الآية 114.
الآخِرَةَ) وذلك تعميم الخطاب للكل كأَنه قيل: بل أَنتم يابني آدم لما خلقتم من عجل، وجُبِلتم عليه تعجلون في كل شيءٍ، ولهذا تحبون العاجلة أَي الدار الدنيا والحياة فيها، وتذرون الآخرة أَي: وتتركون الآخرة والعمل لها، وقيل: الآخرة الجنة ويتضمن استعجالك حين تتلقى الوحي؛ لأَن عادة بني آدم الاستعجال ومحبة العاجلة، وفيه أَيضًا أَن الإِنسان وإِن كان مجبولا على ذلك إلا أَن مثله صلى الله عليه وسلم ممن هو في أَعلى منصب وهو مقام النبوة لا ينبغي أَن يحمله مقتضى الطباع البشرية على ذلك.
ومن هذا يعلم أَن هذا متصل بقوله سبحانه: (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) فإِنه مشير ومُلَوِّح إِلى معنى بل تحبون العاجلة .... إلخ.
وقوله عز وجل: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ) إلخ متوسط بين حُبِّى العاجلة -حبها الذي تضمنه (بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) تلويحًا، وحبها الذي آذن به قوله تعالى:(بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) إلخ تصريحًا- لحسن التخلص منه إِلى المفاجأَة والتصريح في التفريع.
قال العلامة الآلوسي: والصحيح المأْثور الذي عليه الجمهور أَن الخطاب في قوله تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) للرسول صلى الله عليه وسلم والظاهر أَن التحريك قبل النهي إِنما صدر عنه عليه السلام بحكم الإِباحة الأَصلية فلا يتم احتجاج من جوز الذنب على الأَنبياء بهذه الآية -اهـ آلوسي بتصرف-.
22 -
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ):
لما ردع الله سبحانه وتعالى عن حب العاجلة وترك الآخرة عقب ذلك بما يتضمن تأكيد هذا الردع مما يشير إِلى حسن عاقبة حب الآخرة وسوءِ مغبة حب العاجلة فقال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) أَي: وجوه المؤْمنين المخلصين يوم القيامة حسنة جميلة متهللة من عظيم المسرة يشاهد عليها نضرة النعيم.
23 -
(إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ):
أَي: وجوه المؤْمنين إِلى ربها ناظرة يوم القيامة بدون تحديد بصفة أَو جهة أَو مسافة، أَي يرى المؤْمنون ربهم عيانًا يوم القيامة.
وقد ثبتت رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة في الأَحاديث الصحاح من طرق متواتر عند أَئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها، وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى القمر ليلة البدر فقال: (إِنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر) وأخرج مسلم والترمذي عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: (إِذا دخل أَهل الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئًا أَزيدكم؟ فيقولون: أَلم تبيض وجوهنا؟ أَلم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الله تعالى الحجاب فما أَعطوا شيئًا أَحب إِليهم من النظر إِلى ربهم) -ذكره الآلوسي-.
وقيل: الكلام على تقدير مضاف أَي إِلى مُلك أَو رحمة أَو ثواب ربها ناظرة، والنظر يكون على معناه المعروف، أَو على تقدير مضاف والنظر يكون بمعنى الانتظار فقد جاءَ لغةً بهذا المعنى أَي إِلى نعم ربها منتظرة، وتعقب بأَن الحذف خلاف الظاهر ولا داعي إِليه، وبأَن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلى بل بنفسه، وبأَن لا يسند إلى الوجه فلا يقال وجه زيد منتظر، والمتبادر من الإِسناد إِسناد النظر إلى الوجوه الحقيقية، وهو يعني إِرادة الوجه على الحقيقية.
24 -
(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ):
أَي: ووجوه يوم القيامة كالحة شديدة العبوس متغيرة الأَلوان مسودة وهي وجوه الكفار.
25 -
(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ):
أَي: تتوقع أَن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته فاقرة أَي داهية تقصم فقار الظهر كما توقعت الوجوه الناظرة إِلى ربها أَن يفعل بها كل خير.
والظن: قيل: أُريد به اليقين واختاره الطيبي، وقيل: على معناه الحقيقي والمراد أَن الوجوه تتوقع ذلك.
قال العلامة الآلوسي: وجيءَ بفعل الظن هنا دلالة على أَن ما هم فيه وإِن كان غاية الشر فإِنهم يتوقعون بعده أَشد منه وهكذا أَبدًا، وذلك أَن المراد بالفاقرة ما لا يُكْتَنَهُ ولا يتصور من العذاب، فكل ما يفعل بهم من أَشده ينبئُ بتوقع أَشد منه، وإِذا كان ظانًا كان أشد
عليه مما كان عالمًا موطِّنا نفسه على هذا الأَمر، فهذا وجه الإِتيان بفعل الظن، ولم يؤت بفعل ظن أَو علم بالنسبة للمؤمنين لأَنهم وصلوا إِلى ما لا مطلوب وراءَه، وهو النظر إِلى وجه الله سبحانه وتعالي أ. هـ. بتصرف.
(كَلَاّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40))
المفردات:
(كَلَاّ): ردع عن إِيثار العاجلة على الآجلة.
(بَلَغَتِ): أَي الروح أَو النفس.
(التَّرَاقِيَ): أَعالي الصدر وهي العظام المكتنفة ثغرة النحر عن يمين وشمال، جمع ترقوه، وقيل: عظام الحلق.
(مَنْ رَاقٍ)؟: أَيكم يرقيه ليشفى -من الرُّقْية-: وعن ابن عباس مَنْ يَرْقَى بروحه إِلى السماءِ.
مِنَ الرُّقِي. (وَظَنَّ): وتيقن المحتضر.
(أَنَّهُ الْفِرَاقُ): أَن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا.
(وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ): والتصقت ساقه بساقه والتوت عليها عند رعدة الموت، فالساق حقيقية، وقيل: عبارة عن الشدة، قال القرطبي: لا تذكر الساق إِلا في المحن والشدائد العظام، ومنه قامت الدنيا على ساق وقامت الحرب على ساق.
(الْمَسَاقُ): المرجع - أَو سوق العباد إِلى الجزاءِ.
(يَتَمَطَّى): يتبختر في مشيته اختيالا وعجبا، وأَصله يتمطط أَي يتمدد، لأَن المتبختر يمد خطاه، وقيل: من المطا وهو الظهر لأَنه يلويه.
(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى): تهديد ووعيد أَي: هلاك لك أَيها المكذب فهلاك، ثم هلاك دائم لك فهلاك، أَو وليك ما تكره ثم وليك ما تكره. وفي الصحاح عن الأَصمعي: قاربه ما يهلكه أَي نزل به.
(سُدًى): مهملا فلا يكلف بالشرائع ولا يجازي - يقال: إِبل سدى أَي مهملة ترعى حيث شاءَت بلا راع.
(نُطْفَةً): قال القرطبي: النطفة الماءُ القليل، يقال نطف الماء إِذا قطر، والمراد بها نطفة الرجل يصب ويراق من الأَصلاب في الأَرحام.
(فَسَوَّى): فعدله وكمله ونفخ فيه الروح (الزَّوْجَيْنِ): النوعين.
التفسير:
26 -
(كَلَاّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي):
(كَلَاّ) ردع عن إِيثار العاجلة على الآجلة، كأَنه قيل: ارتدعوا عن ذلك وتنبهوا لما بين أَيديكم من الموت الذي ينقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة، وتنتقلون إِلى الآجلة التي تبقون فيها مخلدين.
(إِذَا بَلَغَتْ): الضمير في بلغت للنفس أَو الروح وإِن لم يَجْرِ لها ذكر، لأَن الكلام يدل على ذلك، كما قال تعالى:"حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ"(1) أَي الشمس ولم يتقدم لها. ذكر وقول حاتم:
أَما ويّ ما يُغني الثراءُ عن الفتى
…
إِذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
أَي الروح أَو النفس (التَّرَاقِي): العظام المكتنفة لتغرة النحر عن يمين وشمال.
ذكّرهم صعوبة الموت الذي هو أَول مراحل الآخرة حين تبلغ الروح التراقي ويدنو خروجها وزهوقها وقال الحاضرون لصاحبها وهو -الْمُحْتَضَر-: (مَنْ رَاقٍ).
27 -
(وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ):
أَي: قال من حضر صاحبها -الَّذِي أَشْرَفَ عَلَى المَوْتِ-: من يرقيه وينجيه مما هو فيه -من الرُّقْية- وهي ما يستشفي بها الملسوع واللديغ والمريض من الكلام المعد لذلك ومن آيات الشفاءِ، ولعله أُريد به مطلق الطبيب، أَعم من أَن يُطِب بالقول أَو بالفعل، والاستفهام عند بعض العلماءِ حقيقي، وقيل: هو استفهام استبعاد وإِنكار أَي بلغ مبلغا لا أَحد يرقيه، كما يقال عند اليأْس: من الذي يقدر أَن يرقى هذا المشرف على الموت؟ وروى ذلك عن عكرمة وابن عباس، وقيل: هو من كلام الملائكة -أَي أَيكم يَرْقي بروحه أَملائكة الرحمة أَم ملائكة العذاب؟ من -الرُّقِيّ- وهو العروج، وروى هذا عن ابن عباس ولسليمان التيمي، والاستفهام عليه حقيقي.
28 -
(وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ):
أَي: وظن الإِنسان المُحْتضر أَن ما نزل به هو الفراق للدنيا ونعيمها، وقيل: فراق الروح للجسد، والظن هنا عند أَبي حيان على بابه، وأَكثر المفسرين على تفسيره باليقين، قال الإِمام الرازي: ولعله إِنما سمى اليقين هنا بالظن لأَن الإِنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه يطمع في الحياة بشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤُه عنها، فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاءِ الحياة، أَو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم.
(1) سورة ص من الآية 32.
29 -
(وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ):
الساق بمعناها الحقيقي والمعنى: والتصقت ساق بساق والتوت عليها عند هلع الموت.
وقال ابن عباس: التفَّتْ شدة فراق الدنيا بشدة إِقبال الآخرة، ونحوه قول عطاء: اجتمع عليها شدة مفارفة المأْلوف من الوطن والأَهل والولد والصديق وشدة القدم على ربه عز وجل لا يدري بماذا يقدم عليه، فالساق عبارة عن الشدة وهي مثل في ذلك.
30 -
(إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ):
أَي: سوق العباد إِلى الله عز وجل لا إلى غيره، والكلام على تقدير مضاف هو حكم أَو موعد. والمراد به الجنة والنار، وقيل: سوق هؤُلاء العباد للجزاء مُفَوّض إِلى ربك لا إلى غيره، وقال ابن كثير:(الْمَسَاقُ) المراجع والمآب. وذلك أَن الروح ترفع إِلى السماءِ فيقول الله عز وجل: ردوا عبدي إِلى الأَرض فإِني منها خلقتهم وفيها أُعيدهم ومنها أُخرجهم تارة أُخرى. كما ورد في بعض الأَحاديث وكما قال تعالى: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ"(1) وجواب إِذا في قوله تعالى: (كَلَاّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِي) مضمر دل عليه ما ذكر، أَي كان ما كان أَو انكشفت للمرءِ حقيقة الأَمر، أَو وجد الإِنسان ما عمله من خيرٍ أَو شرٍّ.
31 -
(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى):
(فَلا صَدَّقَ): أَي: فلا صدق ما يجب تصديقه بما جاءَ به الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي أَنزل عليه (وَلا صَلَّى) أَي: ولا صلى ما فرض عليه، أَي: لم يصدق ولم يصل والضمير في الفعلين في قوله تعالى: (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) للإِنسان المذكور في قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) والجملة عطف على قوله تعالى: (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) على ما ذهب إِليه الزمخشري، فالمعنى بناءً على ما علمت من أَن السؤَال في قوله تعالى:(يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ) سؤال استهزاء واستبعاد، واستبعد هذا الإِنسان البعث وأَنكره فلم يأْت بأَصل الدين وهو التصديق بما يجب تصديقه به ولا بأَهم فروعه وهو الصلاة ثم أَكد ذلك بذكر ما يضاده ويخالفه بقوله:(وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّي) وأَثبت له التكذيب.
(1) سورة الأَنعام من الآية 62.
32 -
(وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى):
أَي: ومع ذلك أَظهر الجحود والتولي عن الطاعة فكذب بالقرآن وأَعراض عن الإِيمان والعمل التشريعة.
33 -
(ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى):
أَي: ثم ذهب إِلى أَهله يتبختر مباهيًا بذلك مختالا مفتخرًا به، ومن صدر عنه هذا ينبغي أَن يخاف من حلول غضب الله عليه فيمشي خائفًا متطامنا لا فرحا متبخترا.
قيل: نزلت الآية في أَبي جهل وكادت تصرح به في قوله تعالى: (يَتَمَطَّى) فإِنها كانت مشيته ومشية قوم من بني مخزوم.
34، 35 - (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى):
(أَوْلَى) من الولي بمعنى القرب فهو للتفضيل في الأَصل، غلب استعماله في قرب الهلاك ودعاءِ السوء كأَنه قيل: هلاكا أَولى لك، بمعنى أَهلكك الله تعالى هلاكًا أَقرب لك من كل شر وهلاك، واختار قوم أَنه أَفعل تفضيل، والتقدير: النار أَولى لك أَي أَنت أَحق بها وأَهل لها (فَأَوْلَى)(1).
(ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) تكرير للتأكيد، والظاهر أَن الجملة تذييل للدعاءِ.
قال القرطبي: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) تهديد بعد تهديد ووعيد بعد وعيد، فهو وعيد أَربعة لأَربعة كما روى أَنها نزلت في أَبي جهل الجاهل بربه فقال تعالى:
1 -
فلا صدق.
2 -
ولا صلي.
3 -
ولكن كذب.
4 -
وتولى.
أَي أَنه لا صدق رسول الله، ولا وقف بين يدي ربه فصلى، ولكن كذب رسول الله تولى، فتركُ التصديق خصلة وترك الصلاة خصلة والتكذيب خصلة والتولي عن الله خصلة، فجاءَ الوعيد أَربعة (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى
…
) إِلخ - مقابلة لترك الخصال الأَربعة والله أَعلم.
(1) أولى فعل ماضي مستتر فيه ضمير الهلاك بقرينة السياق واللام مزيد كما قيل، وقيل فعل ماض دعائي من الولي أَيضا إلا أن الفاعل ضميره تعالى واللام زائدة أي: أولاك الله ما تكره وقيل: اسم فعل مبني ومعناه وليك شر بعد شر. أ. هـ آلوسي.
قيل: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم فاستقبله أَبو جهل على باب المسجد مما يلي بني مخزوم فأَخذ رسول الله بيده فهزه مرة ومرتين ثم قال: (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، فقال أَبو جهل: أَتهددني؟ فوالله إِني لأَعز أَهل الوادي وأَكرمه فنزل على رسول الله كما قال لأَبي جهل، وهي كلمة وعيد.
36 -
(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى):
أَي: أَيظن الإِنسان أَن يترك مهملًا فلا يكلف ولا يبعث، قال ابن كثير: والظاهر أَن الآية تعم الحالين، أَي لا يترك في هذه الدنيا مهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره سدى لا يبعث، بل هو مأْمور منهي في الدنيا محشور إِلى الله في الآخرة، والمقصود هنا إِثبات المعاد والرد على من أَنكره من أَهل الزيغ والجهل والعناد، والاستفهام إِنكاري، وكان تكريره بعد قوله تعالى:(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) لتكريرهم إِنكار الحشر مع تضمن الكلام الدلالة على وقوعه، حيث إِن الحكمة تقتضي الأَمر بالمحاسن والنهي عن القبائح والرذائل، والتكليف لا يتحقق إِلَاّ بمجازاة، وهي قد لا تكون في الدنيا فتكون في الآخرة، وجعل بعضهم هذا استدلالًا عقليًّا على وقوع الحشر.
37 -
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى):
استئناف وارد لإِيطال الحسبان المذكور في الآية السابقة فإِن مداره: لما كان استبعادهم للإِعادة والبعث دفع ذلك ورد عليه ببدءِ الخلق وكيفية النشأَة الأُولى فقال: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) أَي: أَلم يك الإِنسان ناشئًا من قطرة ماءٍ مهين يمنى ويراق ويصب في الأَرحام فالاستفهام للتقرير.
38 -
(ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى):
أَي: ثم صار المني علقة وهي قطعة من دم ثم مضغة وهي قطعة من لحم ثم شكله الله ونفخ فيه الروح وعدله وكمله فصار خلقًا آخر سويًّا سليم الأَعضاءِ في أَحسن تقويم بإِذن الله وتقديره.
39 -
(فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى):
(فَجَعَلَ مِنْهُ): أَي: فجعل من الإِنسان أو المني (الزَّوْجَيْنِ) الصنفين والنوعين (الذَّكَرَ وَالأُنثَى) بدل من الزوجين، يجتمعان تارة وينفرد كل منهما عن الآخر تارة أُخري.
40 -
(أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى):
أَليس ذلك العظيم الشأْن الذي أَنشأَ هذا الإِنشاءَ البديع من هذه النطفة الضعيفة قادرًا أَن يعيده كما بدأَه، ويحيي الموتي بعد جمع عظامهم للحساب والجزاءِ، ولقد جاءَت عدة أَخبار أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذا قرأَ هذه الآية قال: سبحانك وبلى، وفي بعضها سبحانك اللهم فبلي، ومن حديث أَخرجه أَحمد وأَبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأَ لا أُقسم بيوم القيامة فانتهي إِلى أَليس ذلك بقادر على أَن يحيى الموتي فليقل بلي) والله أَعلم.