الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القدر
وهي مكية، وآياتها خمس آيات وسميت بذلك لتكرار ذكر ليلة القدر فيها، وعظم شرفها
مناسبتها لما قبلها:
لَمَّا كانت كالتعليل للأَمر بقراءَة القرآن في بدءِ السورة السابقة (العلق). كأَنه قبل: اقرأْ القرآن لأَن قدره عظيم، وشأْنه فخيم، لذلك ذكرت هذه عقب تلك.
أَهم مقاصدها:
1 -
تحدثت عن بدءِ نزول القرآن، وأَنه كان في ليلة القدر:
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
2 -
أَبرزت الشرف العظيم لتلك الليلة على العدد الكثير من الأَيام والليالي لما فيها، من الأنوار والنفحات الربانية:"لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ".
3 -
أَكدت علوَّ قدر هذه الليلة. يتنزل الملائكة المقربين من عند الرحمن من أَجل كل أَمر قدره الله لتلك السنة إِلى قابل: "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ".
4 -
أَشارت في ختامها إِلى أَن سلام الملائكة على أَهل الإِيمان مستمر إِلى طلوع الفجر: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5))
المفردات:
(فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أَي: ليلة تقدير الأُمور وقضائها، والقدر: بمعنى التقدير، وهي بذلك تشرف وتفضل سائر الليالي.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أَي: لم تبلغ درايتك وعلمك غاية فضلها العظيم.
(وَالرُّوحُ فِيهَا) أَي: جبريل عليه السلام أَو خلق من خلق الله لم يُر مثلهم.
(سَلامٌ هِيَ): أي: أَنها سلام من كل أَمر مخوف إلى مطلع الفجر. أَو تسليم من الملائكة على المؤمنين إِلى تلك الغاية.
التفسير
1 -
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ):
يخبر الله تعالى بأَنه -سبحانه- عظم القرآن الكريم بإِسناد إِنزاله إليه -جل شأْنه- لا إِلى غيره، أَنزله -سبحانه- في ليلة مباركة كما قال تعالى:"إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ"(1) وهي ليلة القدر التي جعلها الله من ليالي شهر رمضان، كما قال سبحانه " شَهْرُ
(1) سورة الدخان، الآية: 2
رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ" (1) وفي إِسناد إِنزاله إِليه - سبحانه - مرتين في قوله: (إنا) وقوله: (أَنزلناه) مع تأْكيد الجملة في الآية الكريمة مزيد من التعظيم والتفخيم مع إِفادة اختصاص الإِنزال به تعالى كما قال الزمخشري.
وفي التعبير عن القرآن بضمير الغائب في "أَنزَلْنَاهُ" مع عدم تقدم ذكره تعظيم له أَي: تعظيم؛ لما أَنه يُشعر بأَنه لعلو شأْنه كأَنه حاضر عند كل أَحد، والمراد: ابتدأَنا في تلك الليلة إِنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم.
2 -
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ):
تعظيم لليلة القدر التي خصها - تعالى - بإنزال القرآن، أَي: ولم تبلغ درايتك غاية فضلها؛ لأَن علوها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يَعْلَم ذلك، ولا يُعْلِمُ به إِلَاّ علَاّم الغيوب، كما يشعر به قوله تعالى:
3 -
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ):
بيان إِجمالي لشأْنها إِثر تشويقه عليه الصلاة والسلام إِلى درايتها بقوله: "وَمَا أَدْرَاكَ" فإِن ذلك معرب بالوعد بإِدراكها وإِعلام الله له صلى الله عليه وسلم بها.
وقد روي عن سفيان بن عيينة أَمر أَن كل ما في القرآن من قوله تعالى: "وَمَا أَدْرَاكَ" أَعلم به الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيه من قوله سبحانه: (وَمَا يُدْرِيكَ) لم يعلمه عز وجل به أَي: هي خير من أَلف شهر ليس فيها ليلة القدر، وسبب ارتقائها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من إِنزال القرآن، وتنزل الملائكة والروح فيها، وفصل كل أَمر حكيم، ولذلك فإِن العبادة فيها أَكثر ثوابًا، وأَعظم فضلًا من العبادة في أَشهر كثيرة ليس فيها ليلة القدر، والعمل القليل قد يفضل الكثير باعتبار الزمان والمكان، وكيفية الأداءِ، وهو اختيار ابن جرير، وهو الصواب كما يقول ابن كثير.
(1) سورة البقرة، من الآية:185.
وذكر في تخصيص خيريتها على هذه المدة أَن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إِسرائيل لبس السلاح في سبيل الله أَلف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، وتقاصرت إِليهم أَعمالهم. فأُعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي. وقد روي ذلك عن مجاهد. وقيل: المراد من الأَلف التكثير كما في قوله تعالى: "يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ"(1).
وقد نزل القرآن -كما روي عن ابن عباس- جملة واحدة من اللَّوح المحفوظ إِلى بيت العزة من السماءِ الدنيا. ثم نزل به جبريل مفصلًا حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بما روي عن ابن عباس، بل حكى بعضهم الإِجماع عليه، نعم لا يبعده القول بأَن السفرة هناك نجموه لجبريل عليه السلام وكان ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم نجومًا في ثلاث وعشرين سنة، وفي رواية أُخرى عن ابن عباس: أَنه أُنزل في ليلة القدر جملة واحدة من السماءِ الدنيا، وكان بمواقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إِثر بعض، ومعنى إِنزال القرآن من اللوح المحفوظ: إِظهاره من عالم الغيب إِلى عالم الشهادة، أَو إِثباته لدي السفرة هناك أَو نحو ذلك.
واختلفت في الوقت الذي تلتمس فيه ليلة القدر. فقيل: إِنها في العشر الأَواخر من رمضان، وقيل: إِنها ليلة سبع وعشرين؛ لما رواه مسلم في صحيحه عن أُبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنها ليلة سبع وعشرين، وقيل: إِنها ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: إِنها ليلة أَربع وعشرين. والأَقوال فيها مختلفة جدًا، إِلا أَن الأَكثرين على أَنها في العشر الأواخر لكثرة الأَحاديث الصحيحة في ذلك. وأَكثرهم على أَنها في أَوتارها وكثير إِلى أنها الليلة السابعة والعشرون.
والحكمة في إِخفائها أَن يجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها، فيحيي ليالي شهر رمضان كلها كما كان دأب السلف.
روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر. فتلاحى رجلان فرفعت أَي: رفع تعيينها -وعسى أَن يكون خيرًا لكم.
(1) البقرة، من الآية:96.
4 -
(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ):
استئناف مبين لمناط خيريتها على تلك المدة المتطاولة المقدرة بأَلف شهر، أَي: تتنزل فيها الملائكة من كل سماءِ إِلى الأَرض، أَو إِلى السماء الدنيا، مع البركة والرحمة. وينزل معها الروح وهو جبريل عليه السلام كما قال الجمهور، وخص بالذكر لزيادة شرفه، وعلو قدره فضلا على أَنه النازل بالذكر، وقيل الروح -كما قال كعب ومقاتل-: طائفة من الملائكة. لا تُرى إِلا في تلك الليلة وقيل: حفظة على الملائكة كالحفظة علينا، وقيل: المراد به الرحمة كما قرئ (إِنَّهُ لَاَ يَيْئَسُ مِن رُّوحِ الله) بالضم.
(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أَي: ملتبسين بإِذن ربهم، أَي: بأَمره. والتقييد بذلك لتعظيم أَمر تنزلهم من أَجل كل أَمر قضاه الله لتلك السنة إِلى قابل، وأَظهره سبحانه وتعالى لملائكته، وقيل: تقييد التنزيل بالإِذن للإِشارة إِلى أَنهم يرغبون في أَهل الأَرض من المؤمنين ويشتاقون إليهم، فيستأَذنون فيؤذن لهم، وفي ذلك حث للمؤمنين على العمل، وترغيب لهم في الطاعة للحظوة بهذا اللقاءِ الكريم.
5 -
(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ):
أَي: ما ليلة القدر إلا سلامة وخير كلها، لا شر فيها، قال الضحاك في معنى ذلك إنه لا يقدِّر الله في تلك الليلة إِلا السلامة وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة.
وقال مجاهد: إِنها سالمة من الشيطان وأذاه، أَو أَن المراد كونها سببًا تامًا للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة، كما ورد أَن من قامها إِيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وقيل المعنى: ما هي إِلَاّ سلام، أَي: تسليم، وذلك لكثرة التسليم والمسلمين من الملائكة على المؤمنين، فلا يلقون مؤمنًا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه، روي عن الشعبي ومنصور، وتستمر السلامة فيها من المهالك، ووسوسة الشيطان، وتسليم الملائكة على المؤمنين القائمين فيها إِلى غاية هي وقت طلوع الفجر أَي: هي ليلة كلها سلام وأَمن وكلها خير وبركة من مبدئها إِلى نهايتها. أَو أَن تنزل الملائكة فوجًا بعد فوج يتتابع إِلى طلوع الفجر.