المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة الغاشية هذه السورة مكية، وعدد آياتها ست وعشرون آية   ‌ ‌مناسبتها لما - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المجادلة

- ‌مدنية وآياتها ثنتان وعشرون

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌أسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لها قبلها:

- ‌سؤال هام وجوابه:

- ‌سورة الحشر

- ‌مدنية وعدد آياتها أربع وعشرون

- ‌وتسمى سورة بني النضير كما قال ابن عباس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم أغراض السورة:

- ‌سورة الممتحنة

- ‌مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد هذه السورة الكريمة:

- ‌سورة الصف

- ‌مدنية وآياتها أربع عشرة

- ‌أَسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مدنية وآياتها إِحدي عشرة

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌أَذان الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌المراد من السعي وذكر الله:

- ‌العدد الذي به تصح الجمعة

- ‌هل حضور الحاكم شرط في صحة الجمعة

- ‌القيام شرط في الخطبة

- ‌أَحكام مختلفة

- ‌أَركان الخطبة:

- ‌سورة المنافقون

- ‌مدنية وآياتها إحدي عشرة آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التغابن

- ‌هذه السورة الكريمة مدنية وآياتها ثماني عشرة آية

- ‌وسميت بهذا الاسم لورود كلمة التغابن في الآية التاسعة منها

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الطلاق

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم أغراض السورة:

- ‌سورة التحريم

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة آية

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها وهي سورة الطلاق:

- ‌أغراض السورة:

- ‌سورة الملك

- ‌مكية وآياتها ثلاثون آية

- ‌مقاصدها:

- ‌صلة هذه السورة بما قلبها:

- ‌أسماء السورة وفضلها:

- ‌سورة القلم

- ‌ومناسبة سورة القلم للسورة السابقة (سورة الملك):

- ‌المعنى العام للسورة

- ‌سورة الحاقة

- ‌مناسبة هذه السورة لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المعارج

- ‌مكية وآياتها أربع وأربعون آية

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة نوح

- ‌مكية، وهي ثمان وعشرون آية

- ‌وجه اتصالها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجن

- ‌مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌1 - الملائكة:

- ‌2 - الجن:

- ‌3 - الشياطين:

- ‌سورة المزمل

- ‌هذه السورة الكريمة مكيَّة وآياتها عشرون آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌ما جاء في سبب النزول:

- ‌سورة المدثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَول ما نزل من القرآن:

- ‌من مقاصد السورة:

- ‌سورة القيامة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الإِنسان

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصدها:

- ‌سورة المرسلات

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌(هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37))

- ‌(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40))

- ‌سورة النبأ

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة النازعات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة عبس

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة التكوير

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌سورة الانفطار

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المطففين

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الانشقاق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة البروج

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الطارق

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الغاشية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفجر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البلد

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الشمس

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الليل

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الضحى

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة والتين

- ‌مناسبها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العلق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة القدر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البينة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الزلزلة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العاديات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة القارعة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التكاثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة العصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض ما جاء فيها:

- ‌(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ):

- ‌سورة الهُمَزَة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفيل

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة قريش

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الماعون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكوثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكافرون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض فضائلها:

- ‌سورة النصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة المسد

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الإخلاص

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌بعض ما جاء في فضلها:

- ‌سورة الفلق

- ‌مناسبة السورة لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الناس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

الفصل: ‌ ‌سورة الغاشية هذه السورة مكية، وعدد آياتها ست وعشرون آية   ‌ ‌مناسبتها لما

‌سورة الغاشية

هذه السورة مكية، وعدد آياتها ست وعشرون آية

‌مناسبتها لما قبلها:

لَمَّا أَشار سبحانه وتعالى في السورة السابقة إِلى المؤمن والكافر والجنة والنار إِجمالًا، ناسب أَن تأْتي هذه السورة عقبها لبسط هذا الكلام وتوضيحه.

‌مقاصد السورة:

بدأَت بالحديث عن يوم القيامة بأُسلوب يُشَوق إِلى سماعه؛ لبيان ما فيه من أَهوال وشدائد، وبلاءٍ وعناءٍ مشيرة إِلى أَن الناس يوم القيامة فريقان، فمنهم من لا يرون فيه كرامة عند استقبالهم، وإِنما يلقون كل مهانة وعنت ومذلة، ثم يدخلون نارًا حامية، وَيُسْقَوْنَ من عين آنية، ومنهم من يستقبلون ذلك اليوم فرحين مستبشرين بمظاهر الرحمة الواسعة والنعيم المعدِّ لهم:(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ .... ) الآيات. ثم ساقت السورة الكريمة الأَدلة والبراهين الواضحة على قدرة الله الباهرة على البعث بما يشاهدونه بأَعينهم، والسماء العظيمة، والجبال الشاهقة، والأَرض المنبسطة: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ

) الآيات. ثم أَبرزت أَمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالتذكير؛ لأَن مهمته الأُولى بالنسبة إِليهم مبينة أَنه ليس مُسَلَّطًا عليهم فيجبرهم على الإِيمان: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ).

وكان ختام السورة بيان أَن من تولى وكفر بعد هذا التذكير، فسوف يأخذه الله بذنبه ويعذبه العذاب الأَكبر حين يرجع إِليه بعد الموت، لأَن رجوعهم جميعًا إِليه، وحسابهم عليه: (إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ

) الآيات.

ص: 1883

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7))

المفردات:

(الْغَاشِيَةِ): من أسماءِ يوم القيامة من غَشِيَهُ الأَمرُ: إِذا غطاه.

(خَاشِعَةٌ): أَي: ذليلة، يقال: خشع في صلاته: إِذا تذلل ونكَّس رأْسه.

(عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) أَي: عملت عملًا شاقا تعبت فيه في الدنيا، ولا جدوى له في الآخرة.

(تَصْلَى) أَي: تدخل.

(آنِيَةٍ) أَي: بلغت أَناها -بفتح الهمزة وكسرها- وهو غاية حرها.

(إِلَاّ مِنْ ضَرِيعٍ): وهو شجر في النار يشبه الشوك أَمَرُّ من الصبر وأَنْتَنُ من الجِيفةِ، وقيل غير ذلك كما سيأْتي في الشرح.

التفسير:

1 -

(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ):

هل استفهام أُريد به التعجيب من حديث القيامة، والتشويق إِلى سماعه والإِشعار بأَنه من الأَحاديث البديعة التي حقها أَن تتناقلها الرواة، ويتنافس في تلقيها الدعاة من كل

ص: 1884

حاضر وباد. وهي اسم من أَسماءِ القيامة .. قال ابن عباس، وقتادة وابن زيد وسفيان -والجمهور، وأَطلق عليها (الغاشية) لأَنها تغشى الناس بشدائدها وتكتنفهم بأَهوالها.

وظاهر كلام قطرب أَن (هل) بمعنى (قد) حيث قال: قد جاءَك حديث القيامة يا محمد.

2، 3 - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ):

هاتان الآيتان وما بعدها إِلى قوله تعالى: (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) استئناف وقع جوابًا عن الاستفهام التشويقي، كأَنه قيل من جهته صلى الله عليه وسلم: ما أَتاتي حديثها فما هو؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكن أَتاه عليه الصلاة والسلام حديثها، فأَخبر الله رسوله عليه الصلاة والسلام عنها فقال:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) أَي: وجوه الكفار -يوم إِذ غشيتهم الغاشية- ذليلة لما اعترى أَصحابها من الخزي والهوان؛ لأَن المراد بخشوعها: ذُلُّهَا، ولم توصف بالذل ابتداءً لما في وصفها بالخشوع من الإِشارة إِلى التهكم، وأَنها لم تخشع في وقت ينفع فيه الخشوع، وإِنما خص الوجوه بذلك، لأَن الحزن والسرور إِذا استحكما في المرءِ أَثَّرَا في وجهه (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ) أَي: تعمل في النار عملًا شاقا تتعب فيه، وهو جَرُّ السلاسل والأَغلال، والخوض في النار والصعود والهبوط فيها جزاءَ التكبر عن العمل وطاعة الله تعالى في الدنيا.

وقيل: عملت في الدنيا أَعمال السوءِ، والْتَذَّتْ بها وتنعمت، فهي في نَصَبٍ منها في الآخرة.

وعن زيد بن أَسلم أَنه قال: أَي: عاملة في الدنيا ناصبة فيها؛ لأَنها على غير هدى.

فلا ثمرة لها إِلَاّ النَّصَبُ، وخاتمتها النار.

4، 5 (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ):

أَي: تدخل نارًا قد أُحميت مددًا طويلة، فلا حر يعدل حرها، لأَن أَعمالها في الدنيا كانت خاسرة غلب عليها الشر والضلال. (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) أَي: من عين ماءٍ بلغت أَناها بوصولها إِلى أَقصى غايتها في الحراراة، قال ابن عباس ومجاهد والحسن والسّدي: قد

ص: 1885

انتهي حرها وغليانها وحان شربها، والتأْنيث في هذه الصِّفات والأَفعال راجع إِلى الوجوه، والمراد أَصحابها بدليل قوله تعالى - تعالى -:

6، 7 - (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ):

بيان لطعامهم إثر بيان شرابهم، أَي: إِن طعامهم في النار الذي ليس لهم طعام سواه هو الضريع، وهو كما قال عكرمة: شجرة ذات شوك لاصقة بالأَرض، وقال غير واحد: هو جنس من الشوك ترعاه الإِبل رَطْبًا فإِذا يبس تَحَامَتْهُ، وهو شر الطعام وأَبشعه لا تقربه دابة، أَو هو سُمٌّ قاتل، وقريش تسميه في الربيع الشِّبْرِق وفي الصيف الضَّرِيع، والظاهر أَنه يستحضر لهم حقيقة، أَشار إِلى ذلك الآلوسي.

وقيل: هو شجرة نارية تشبه الضريع أَمَرُّ من الصبر وأَنْتَنُ من الجِيفة، وأَشد حرارة من النار، والله -سبحانه - الذي أَخرج من الشجر الأَخضر نارًا لا يعجزه أَن ينبت في النار شجر الضريع.

والمعذبون من الكفار طبقات، فمنهم مَن طعامُه في النار الضريع، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الزقوم، فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله: "وَلا طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ (1).

(لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أَي: إِن طعامهم ليس من جنس الطعام الذي يذهب الجوع ويمد بالسَّمَنِ، وإِنما هو من شوك، والشوك ممَّا ترعاه الإِبل وتقبل عليه، وهذا نوع منه تعرض عنه الإِبل ولا تقربه؛ فليس له من منفعة الغذاءِ شيءٌ، وقيل: إِنه طعام عنده يتضرع إِلى الله تعالى ويطلب الخلاص عنه. وليس فيه منفعتا الغذاءٍ أَصلًا، وتنكير الجوع للتحقير، أَي: لا يغني من جوع مَّا.

(1) سورة الحاقة، الآية رقم 36.

ص: 1886

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16))

المفردات:

(نَاعِمَةٌ) من النعومة، وكُنّي بها عن البهجة وحسن المنظر.

(رَاضِيَةٌ) أَي: قد رضيت بسعيها.

(عَالِيَةٍ): مرتفعة، أَو عالية القدر، فالعلو إِما حسي وإِما معنوي.

(لاغِيَةً) أَي: لا تسمع فيها نفسًا لاغية، والمراد أَنها لا تتحدث باللغو: وهو كل قبيح من الكلام، أَو كل ما لا يعتد به من الأَقوال والأَفعال، أَو هو الباطل.

(مَرْفُوعَةٌ): كثيرة الفُرُشِ عالية السمت.

(وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ) أَي: معدة بين أَيديهم، والأَكواب: جمع كوب، وهو قدح لا عروة له.

(وَنَمَارِقُ) أَي: وسائد صنعت للاتكاءِ عليها، والنمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة الصغيرة -بضم النون والراءُ، وبكسرهما وفتحهما.

(وَزَرَابِيُّ) أَي: بُسُطٌ عراض فاخرة، أَو هي الطنافس التي لها خَمْل وهو الهدب، واحدها زَرَبيَّةٌ - مثلثة الزاي.

ص: 1887

التفسير

8 -

11 - (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً):

لَمَّا ذكر -سبحانه- حال الأَشقياءِ شرع في رواية حديث أَهل الجنة، وتقديم حكاية أَهل النار لأَنه أَدخل في تهويل الغاشية، وتفخيم حديثها، ولأَن حكاية حسن حال أَهل الجنة، وما يتقبلونه فيها من النعيم بعد حكاية سوءِ حال أَهل النار، ممَّا يزيد المحكي -حسنًا وجمالًا.

والمعنى: أَن وجوه المؤمنين يوم القيامة ناعمة، أَي: ذات بهحة، وحسن، وإِشراق، ونصارة، كقوله تعالى:"تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ"(1) ولا تكون كذلك إِلَاّ إِذا كانت فرحة بما لقيت من جزاءِ سعيها في الدنيا، وهذا المعنى على أَن ناعمة من النعومة، وأَما إذا كانت من النعيم، فيكون المعنى: وجوهٌ متنعمة في الجنة يوم القيامة، وهي وجوه المؤمنين، جزاءَ طاعتهم، وإِيمانهم بالله تعالى، ولم تعطف هذه الجملة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ) على ما قبلها وهي:(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ) إِيذانًا بكمال تباين مضمونهما.

(لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ) أَي: راضية بعملها الذي عملته في الدنيا تنفيذًا لأَمر ربها واتباعًا لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم حيث شاهدت ثمرته (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) أَي: مرتفعة السمت، ووصفها بذلك لأَن خير الأَماكن ما كان مرتفعًا شاهق البناءِ كقوله:

إن الذي سمك السماءَ بنى لنا

بيتًا دعائمه أَعز وأَطوال

أَو في جنة عالية القدر فالعلو إما حسي أَو معنوي، وجمع بينهما أَبو حيان، وعلو القدر: أَن تكون رفيعة في أَوصافها ومزاياها، وبما اختصت به من أَلوان النعيم، وسميت دار النعيم بالجنة لأن اسمها مأْخوذ من الاجتنان، وهو الستر؛ لتكاثف أَشجارها ولتظليلها بالتفاف أَغصانها (لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً) الإِسناد إِلى الوجوه والمراد: أَصحابها الذين يتأَتى خطابهم أَي:

(1) سورة المطففين، الآية:24.

ص: 1888

لا تسمع فيها كلمة ذات لغو أَو لا تسمع نفسًا تلغو، فإِن كلام أَهل الجنة ذِكْر وطاعة وحمدٌ لله على ما رزقهم من النعيم الدائم، ويراد باللَّغو: الباطل، أَو كل قبيح من الكلام، أَو ما لا يعتد به من الأَقوال والأَفعال، وفي تنزيه نعيم أَهل الجنة عمَّا هو من لوازم نعيم غيرهم في الدنيا تنبيه للمؤمنين إِلى أَنه لا يليق بهم أَن يكونوا من أَهل اللَّغو مهما فاض عليهم النعيم، واتسعت لهم النعمة، بمعنى أَن نعيمهم ينبغي أَن يكون نعيم أَهل الفضل والجد لا نعيم أَهل الجهل والحمق.

12، 15 - (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ):

أَي: في تلك الجنة عين عظيمة لا ينقطع ماؤُها عن الجريان، أَو عيون كثيرة، كقوله تعالى:(عَلِمَتْ نَفْسٌ) أي: نفوس، والتنوين في (عين) للتعظيم، أَو التكثير، ووصف ماءَ العيون بالجريان للإِشارة إِلى أَنه بارد صافٍ، لأَن ماءَ العيون إِذا كان جاريًا يكون في العادة باردًا صافيًا مع ما في منظر الماءٍ الجاري من مسرة وارتياح. (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أَي: أن سرر الجنة مرفوعة عن الأَرض، أو رفيعة المقدار، كثيرة الفرش؛ زيادة لهم في الراحة والنعيم. قالوا: فإذا أَرادوا الجلوس عليها تواضعت لهم. (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ) بين أَيديهم لمن أرادها من أَصحابها، أو موضوعه على حافة العيون، معدة للشرب، لا تحتاج إلى من يملؤها، وهي قداح لا عُري لها. (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ) وهي الوسائد التي صف بعضها إِلى بعض للاستناد إِليها، والاتكاءِ عليها، سواءٌ أَكانت هذه على السرر أَو في جوانب المسكن، فإذا أَراد المؤمن أَن يجلس جلس على واحدة واستند إِلى أَخرى.

والنمارق: جمع نُمْرُقَة، وهي الوسادة الصغيرة.

16 -

(وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ):

أَي: بسط عراض فاخرة، مبسوطة هنا وهناك لمن أَراد الجلوس عليها، أَو مفرقة في المجالس. وقال الفراءُ: هي الطنافس التي لها خمل رقيق، أَي: هدب، وقال الراغب: إِنها في الأَصل ثياب محبرة منسوبة إلى موضع، ثم استعيرت للبسط، وواحد الزرابي زربية - مثلثة الزاي.

ص: 1889

(أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20))

المفردات:

(الإِبِلِ): اسم جمع لا واحد من لفظه، يصدق على القليل والكثير، وهو مؤنث، والإِبل: الجمال.

(سُطِحَتْ) أَي: بسطت ومهدت للإِقامة عليها.

(بِمُصَيْطِر) أَي: بمسلط عليهم قاهر لهم.

(إِيَابَهُمْ) أَي: رجوعهم بعد الموت إِلينا لا إِلى سوانا. والإِياب: مصدر (آب)، بمعنى رجع.

التفسير

17 -

(أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ):

استئناف مسوق لتقرير ما فصل من حديث الغاشية، وما هو مبني عليه من البعث الذي هم فيه مختلفون، وذلك بالاستشهاد عليه أَربعة أَدلة مشاهدة لا يستطيعون إِنكارها.

وأَخرج عبد بن حميد وغيره عن قتادة قال: لَمَّا نعت الله - تعالى - ما في الجنة عجب من ذلك أَهل الضلال، فأَنزل سبحانه وتعالى:(أَفَلا يَنْظُرُونَ) الآية.

والهمزة للإِنكار والتوبيخ، أَي: أَينكرون البعث وأَحكامه، ويستبعدون وقوعه من قدرة الله عز وجل فلا ينظرون إِلى الإِبل التي هي نصب أَعينهم، يستعملونها كل حين،

ص: 1890

ولا يستطيعون إِنكارها كيف خلقت خلقًا بديعًا معدولًا به عن سنن خلق سائر أَنواع الحيوانات في عظم جثتها، وشدة قوتها، وعجيب هيئاتها اللائقة بتأَتِّي ما يصدر عنها من الأَعمال الشاقة كنحمل الأَثقال العظيمة وهي باركة؟ ثم إِيصالها الأَحمال الفادحة إِلى مختلف الأَقطار؟ وفي صبرها على الجوع والعطش حتى إِن ظمأَها ليبلغ ثمانية أَيام، وقدرتها على قطع الفيافي والقفار مع لين وسهولة في السير حتى اعتبرت بحق سفينة الصحراءِ؟ وفي أَنها تكتفي في غذائها بما تسير من شوك وشجر وغير ذلك ممَّا لا يكاد يرعاه سائر البهائم! وهي مع ضخامتها تنقاد للضعيف، وتخضع للصغير وتبرك لتحمل من قرب، ثم تنهض بما تحمل! وينتقع بأَصوافها وأَوبارهم وأَلبانها ولحومها! وفيها غير ذلك من المزايا التي لا يماثلها فيها حيوان آخر!

وخُصَّت بالذِّكر لأَنها أَعْجب ما عند العرب، ولهم على أَحوالها أَتم وقوف، وعن الحسن أَنها خُصت بالذكر لأَنها تأْكل النوى والْقَتَّ، وتخرج اللبن، وقيل له: الفيل أَعظم في الأُعجوبة، فقال: العرب بعيدة العهد بالفيل، ثم هو خنزير لا يؤكل لحمه ولا يركب ظهره كما يركب ظهر البعير من غير مشقة في ترويضه، ولا يحلب دره.

والتناسب بينها وبين المتعاطفات عليها -كما قال عصام الدين-: إِن خيال العرب جامع بين الأَربعة، لأَن ما لهم النفيس الإِبل، ومدار السقي لهم على السماءِ، ورعيهم في الأَرض، وحفظ مالهم الجبال.

18، 20 - (وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ):

أَي: وإِلى السماءِ التي تقع عليها أَبصارهم ليلًا ونهارًا، كيف رُفعت رفعًا بعيد المدى بلا مساك ولا عمد بحيث لا ينال ذلك الفهم والإِدراك؟! وكيف زُيِّنت بنجوم تكثر هذه الكثرة فلا تدخل في حساب الخلق، صنع الله الذي أَتقن كل شيءِ خَلَقَه، كما قال تعالى:"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ"(1).

(1) سورة ق، الآية رقم:6.

ص: 1891

(وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) على الأَرض نصبًا ثابتًا راسخًا مع ارتفاعها الشَّاهق لئلا تميد الأَرض بأَهلها وتنزلزل، وجعل في تلك الجبال ما جعل ممَّا فيه خيرهم وصلاحهم.

(وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أَي: مدت بتوطئة وتمهيد، حسبما يقتضيه صلاح أُمور أَهلها بحيث يسهل عليهم أَن يضربوا فيها، ويتقلبوا عليها. فهي كلها بساط واحد تنبسط من الأُفق إِلى الأُفق.

فبهذه الآيات الأَربعة، نُبِّهَ البدوي إِلى استدلال بما شاهده من بعيره الذي يركب عليه والسماء التي فوق رأْسه، والجبل الذي ينتفع بما فيه، والأَرض التي هي مستقرة ومثواه، بها يستدل على أَن من خلق هذه الأَشياءَ الشاهدة على قدرة الخالق العظيم، المالك المتصرف، لا يعجزه أَن يحقق البعث والنشور، وذلك ليرجعوا عمَّا هم عليه من الإِنكار والنفور، ويسمعوا إِنذارك، ويستعدوا ليوم اللقاءِ بالإِيمان والطاعة.

(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26))

المفردات:

(بِمُصَيْطِرٍ): بمسلط عليهم، قاهر لهم.

(إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى): إِلا مَن أَعرض عن الطاعة.

(إيَابَهُمْ): رجوعهم إِلينا لا إلى غيرنا، من (آب) إِذا رجع.

ص: 1892

التفسير:

21 -

24 - (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ):

بدأَت الآيات بقوله تعالى: (فَذَكِّرْ) فالفاءُ لترتيب الأَمر بالتذكير على عدم النظر في مخلوقات الله الدالة على قدرته البالغة، والتي هي نصب أَعينهم أَي: فاقتصر على التذكير، ولا تلح عليهم، ولا تعبأْ بما يقع منهم من إِعراض عن النظر والتفكير، وقوله -سبحانه- (إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل للأَمر بالتذكير وتحديد لذلك الأَمر الذي بعث الله لأَجله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو تذكير الناس بالأَدلة وبما نسوه من أُمور دينهم، وليس في سلطانه عليه الصلاة والسلام أَن يخلق الاعتقاد فيهم، أَو أَن يكون رقيبًا على قلوبهم، لأَنه هاد ومرشد، وليس عليه إِلَاّ البلاغ.

(لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) أَي: لست بمتسلط عليهم، تقرهم على ما تريد، وتدفعهم إِليه كقوله تعالى:"وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ"(1).

(إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) أَي: لكن من أَعرض عن الطاعة وجحد الحق المفروض عليه، فإِن الله تعالى الولاية عليه والقهر. (فَيُعَذِّبُهُ الله الْعَذَابَ الْأَكَبَرَ): وهو عذاب الآخرة، فإِنه الأَكبر، وعذاب الدنيا بالنسبة إِليه أَصغر، وقيل: المعنى: لست بمصيطر عليهم إِلَاّ من تولَّى وأَقام على الكفر فإِنك مسلط عليه بما يؤذن لك من جهاده وقتله وسبيه وأَسره، وبعد ذلك يعذبه الله - تعالى - في جهنم. فيكون في الآية وعيد لهم بجهادهم وقتالهم. حيث يقتلون ويؤسرون، ويعذاب جهنم في الآخرة، ويجوز أَن يكون إِيعادًا بالجهاد فقط، على أَن المراد بالعذاب الأَكبر: القتل وسبي النساء والأَولاد، وسائر ما يترتب على الجهاد من البلايا، فيكون فيه إِشارة إِلى أَن هذه الأَمة أَكبر عذابها في الدنيا، لا ما كان في الأُمم السابقة من الخسف والمسخ ونحوهما.

(1) سورة ق، من الآية:45.

ص: 1893

25، 26 - (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ):

تعليل لتعذيبه إِياهم بالعذاب الأَكبر، أَي: إِن إِلينا رجوعهم بالموت والبعث، لا لأَحد سوانا لا استقلالًا، ولا اشتراكًا، بمعنى أَن إِيابهم ليس إِلَاّ إِلى المقتدر على الانتقام الذي لا يملك هذا العذاب سواه.

(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) أَي: إِن حسابهم علينا في المحشر لا على غيرنا، فنحاسبهم على أَعمالهم، ونجازيهم بها جزاءَ أَمثالهم، و (على) في قوله:(عَلَيْنَا) لتأْكيد الوعيد لا للوجوب؛ إِذ لا يجب على الله شيءٌ. وفي تصدير الجملتين بـ "إِنَّ"، وتقديم خبرها، والإِثيان بضمير العظمة، وعطف الثانية على الأُولى بكلمة (ثم) المفيدة لبعد منزلة الحساب في الهول والشدة: ما يدل على غاية السخط الموجب لتشديد العذاب. والله أعلم.

ص: 1894