الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب النزول:
اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أَو ليلتين، فأَتت امرأَة فقالت: يا محمد ما أَرى شيطانك إلَاّ قد تركك: فأَنزل الله عز وجل (وَالضُّحَى
…
) الآية. رواه الإِمام أَحمد والبخاري ومسلم وغيرهم: قيل: إِن المرأَة هي العوراءُ بنت حرب زوج أَبي لهب، وهي حمالة الحطب.
وأَخرج الحاكم عن زيد بن أَرقم: لَمَّا نزلت "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهبِ .. " الآية، قيل لامرأَة أَبي لهب أُم جميل إِن محمد صلى الله عليه وسلم قد هجاك، فأَتته عليه الصلاة والسلام وهو جالس في الملأ فقالت: يا محمد علام تهجوني؟ فقال: "إِنِّي مَا هَجَوْتُكِ، مَا هَجَاكِ إِلَاّ اللهُ تَعَالى"، فقالت: هل رأَيتني أَحمل حطبًا أَو في جيدي حبلًا من مسد؟ ثم انطلقت فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينزل عليه، فأَتته فقالت: ما أَرى صاحبك إِلَاّ قد ودعك وقلاك فأَنزل الله ذلك.
التفسير
1، 2 - (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى):
أَقسم -سبحانه- بالضحى، وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقى بشعاعها، وأَقسم بالليل إِذا سجى وسكن أَهله، أَو إِذا غطى بظلامه النهار، أَو ستر كل شيءٍ.
وخص وقت الضحى بالقسم، لأَنه وقت اجتماع الناس، وكمال أَنسهم بعد الخوف وعدم الاطمئنان في الليل لظلمته وانقطاع الحركة فيه؛ فبشره -سبحانه- بأَنه بعد وحشتك بسبب فترة الوحي يظهر الضحى بنزوله، ويكمل أُنسك وينشرح صدرك. وكان قسمه -سبحانه- بالليل؛ لأَنه وقت الراحة بعد العناءِ، والسكون بعد الحركة والاضطراب، أَو أَنه -جل شأْنه- أَقسم بالضحى والليل؛ لأَنهما وقتان فيها صلاته عليه الصلاة والسلام التي جعلت قرة عينه، وسبب مزيد قربه وأُنسه، أَما الضحى فلما رواه الدالرقطني عن ابن عباس مرفوعًا: "كُتبَ عَليَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ، وأُمِرْتُ بِصَلَاةِ الضُّحَي وَلَمْ
تُؤْمَرُوا بِهَا"، وأَما الليل فلقوله تعالى: "وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا" (1) أَو أَنه أَقسم بالضحى لأَنه الساعة التي كلَّم الله فيها موسى عليه السلام وأَلقى فيها السحرة سجَّدًا لقوله تعالى: "وأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" (2) وأَقسم بالليل لأَنه الوقت الذي أُسري وعرج به صلى الله عليه وسلم إِلى بيت المقدس، ثم إلى السموات العلا، فإِلى سدرة المنتهى؛ فاكتسب الضحى والليل تلك الفضيلة، وهذه المزية لكون كل منهما كان وقتًا وظرفًا لحدث عظيم.
3 -
(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى):
هذا جواب القسم، أَي: ما تركك ربك منذ اصطفاك، ولا أَبغضك بعد أن أَحبك واجتباك؛ فأَنت لديه في رفيع المكانة وجليل القدر، وشرف المنزلة التي لا تدانيها منزلة أَحد من الخلق.
وحذف المفعول فلم يرد بلفظ (وما قلاك) لئلا يواجه عليه الصلاة والسلام بنسبة القلى والبغض إِليه وإِن كان في كلام منفي وذلك لطفًا به صلى الله عليه وسلم وشفقة عليه.
واختلفوا في قدر مدة انقطاع الوحي، فقال ابن عباس: خمسة وعشرون يومًا، وقيل: أَربعون يومًا، أَو اثنا عشر يومًا أَو خمسة عشر يومًا، أَو أَربعة أَيام، قال العلامة الآلوسي -بعد أَن أَتى بهذه الأَقوال: وأَنت تعلم أَن مثل ذلك ممَّا يتفاوت العلم بمبدئه؛ ولا يكاد يعلم على التحقيق إِلَاّ منه عليه الصلاة والسلام والله تعالى أَعلم.
كما اختلفوا في سبب احتباس جبريل عليه السلام: فذكر بعض المفسرين أَن اليهود سأَلت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وذي القرنين وأَصحاب الكهف فقال: "سَأُخْبِرُكُم غَدًا" ولم يقل: "إِن شاء الله"، وقيل: السبب كون جرو (كلب صغير) في بيته، وقيل غير ذلك، ويحتمل أَن فترة الوحي كانت لزيادة تشويق الرسول صلى الله عليه وسلم إِلى الوحي
(1) سورة الإِسراء الآية 79.
(2)
سورة طه من الآية 59.
حتى يكتمل أُنسه وفرحه بنزول، فقد روى البخاري أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل:"ما يمنعك أَن تزورنا أَكثر ممَّا تزورنا"؟ فزلت "وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَاّ بِأَمْرِ رَبِّكَ"(1).
قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره: هذه الواقعة تدل على أَن القرآن من عند الله؛ إِذ لو كان من عنده لما امتنع.
4 -
(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى):
لَمَّا نزل قوله تعالى: "مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى" حصل لرسول اله صلى الله عليه وسلم بهذا تشريف عظيم، فكأَنه عليه الصلاة والسلام استعظم هذا التشريف، فقيل له:(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الأُولَى) أَي: إِن هذا التشريف وإِن كان عظيمًا إِلَاّ أَن مَا لَك عندنا في الآخرة خير منه وأَعظم، أَو أَن المعنى: وللأَحوال الآتية خير لك من الماضية، كأَنه -تعالى - وعد بأَنه سيزيده كل يوم عزًّا إلى عز، ومنصبًا إلى منصب، أَو أَن خيرات الدنيا مشوبة بالآفات والنقص والانقطاع، ولذات الآخرة كثيرة خالصة كاملة دائمة.
5 -
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى):
هذا تَرَقٍّ وسمو بقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع لمنزلته، فبعد أن أبان عز وجل أنه في محل الإِعزار والتكريم، وأَنه لم يتركه ولم يبغضه بعد أَن أَحبه واجتباه، وأن الآخرة تكون خيرًا له وأَفضل ممَّا أَكرم به في الدنيا، بعد ذلك سوف يكون الإرضاء التام، وتحقيق ما تصبو إِليه نفس الرسول ويرجوه، وذلك بأَن يعطيه ربّه كل ما يرجوه منه -سبحانه- حتى يكون صلى الله عليه وسلم راضيًا وتلك المنزلة هي الشفاعة في جميع المؤمنين.
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص أَن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إِبراهيم: "فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"(2)، وقول عيسى:"إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ"(3) فرفع يديه وقال: "اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وبكى، فقال الله تعالى لجبريل:"اذْهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ" فأَتى جبريلُ
(1) سورة مريم، من الآية:64.
(2)
سورة إبراهيم، من الآية:36.
(3)
سورة المائدة، من الآية:118.
النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَخبره، فقال الله تعالى لجبريل:"اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ اللهَ يَقُولُ لَكَ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوؤُكَ".
وقال على -كرم الله وجهه- لأَهل العراق: إِنكم تقولون: إن أَرجى آية في كتاب الله تعالى: "قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ"(1) قالوا: إنا نقول ذلك، قال: ولكنا أَهل البيت نقول: إِن أَرجى آية في كتاب الله قوله تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى".
هذا وقد ورد في الحديث الشريف أَن هذه الآية لَمَّا نزلت قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذًا واللهِ لا أَرضَى وَوَاحِدٌ مِن أُمَّتي فِي النَّارِ" كما ذكره القرطبي في تفسيره. وذكره الطبري عن ابن عباس في أهل البيت.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11))
المفردات:
(آوى): جعل له مأْوى إِليه، وضمه إلى من يرعاه.
(ضَالًّا): غافلًا لم تكن تدري القرآن والشرائع التي لا تهتدى إليها العقول وإنما طريقها الوحي.
(عَائِلًا): مفتقرًا مُعْدِمَا، من (عال الرجل) يعيل عليه: إذا افتقر.
(1) سورة الزمر: من الآية 53.
(تَقْهَرْ): تذله وتحقره، أَو تظلمه.
(تَنْهَرْ): تزجره وتغلظ له في القول.
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ): وانتشر أَنعم الله عليك بالشكر والثناءِ.
التفسير
6 -
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى):
عدد -سبحانه- نعمه ومننه على رسوله صلى الله عليه وسلم تقوية لقلبه ووعدًا له بدوام نعمه عليه فيزداد فؤاده الشريف وصدره الرحيب طمأْنينة وسرورًا وانشراحًا وحبورًا أَي: قد علَّمك ربك صغيرًا، قد مات أَبوك فضمك إلى من قام بأَمرك ورعاك، فكان عليه الصلاة والسلام بعد أُمه في حجر جده وعنايته، ثم كفله عمه الشقيق الشفيق أبو طالب بوصية من أَبيه عبد المطلب، أَو باختبار الرسول له، وكان أَبو طالب شديد الاعتناءِ به إِلى أَن بعثه الله، وكان يرى منه في صغره ما لم ير من صغير، قال أَبو طالب لأَخيه العباس بن عبد المطلب: وكنت كثيرًا ما أَسمع منه كلامًا يعجبني، وذلك عند مضي بعض الليل، وكنا لا نسمي على الطعام والشراب ولا نحمد بعده، وكان يقول في أَول الطعام: باسم الله الأَحد، فإِذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله، فكنت أَعجب منه، ولم أر منه كذبة ولا ضحكًا ولا جاهلية ولا وقف مع الصبيان وهم يلعبون، وقيل: أَلم أَجدك يتيمًا لم ترغب فيك المراضع فآواك إلى مرضعة تحنو عليك، ورزقها بصحبتك الخير والبركة حتى أَحبتك وتكفلتك.
7 -
(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى):
أَي: ووجدك وعلمك عن الشرائع التي لا تهتدي إِليها العقول وإِنما طريقها وسبيلها هو السماع، فهداك الله إلى مناهجها وطرقها. وذلك في أثناء ما أوحى الله إليك من الكتاب المبين، وعلمك ما لم تكن تعلم.
وجمهور العلماءِ على أَنه عليه الصلاة والسلام قد فطر على الإِيمان بالله، وما كان صلى الله عليه وسلم على دين قومه لحظة واحدة بدليل قوله تعالى:"مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى"(1)، وأنه كان يتعبد في الغار قبل البعثة على دين إبراهيم.
وقيل: ضل في الطريق وهو مع عمه أَبي طالب في رحلة الشام عندما عدل إِبليس بناقته صلى الله عليه وسلم عن الطريق فجاءَ جبريل عليه السلام وردّه إِلى القافلة، وقيل ضل عن جده في شعاب مكة فرآه أَبو جهل منصرفا عن أَغنامه فردّه إِلى جده وهو متعلق بأَستار الكعبة يضرع إلى الله تعالى ويقول:
يارب ردَّ ولدي محمدًا
…
اردده ربّي واصطنع عندي يدا
8 -
(وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى):
أَي: عَلِمَكَ مفتقرًا فأَغناك بما أَفاءَ الله عليك من ربح التجارة في مال السيدة خديجة وبما وهبته رضي الله عنها له صلى الله عليه وسلم.
أَو أَغناك بالقناعة، فجعل قلبك راضيًا، أَو أَغناك بالحجج والبراهين.
9 -
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ):
أَي: لا تقهر بظلمه، ولا تتسلط عليه بأَخذ ماله، بل عليك أَن تدفع إليه حقه، وخص اليتيم لأَنه لا ناصر له غير الله، وفيه أَيضًا تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم بيتمه ليكون أَكثر رعاية له، ودلت هذه الآية على اللطف والشفقة على اليتيم وبره والإِحسان إِليه، لأَن ذلك يلين القلب ويذهب قسوته وغلظته، فعن أَبي هريرة رضي الله عنه أَن رجلا شكا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة فقال:"إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيم وأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ"(2) وفي الصحيح أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ كَهَاتَيْنِ" وأَشار بالسبابة والوسطى.
(1) سورة النجم، الآية:2.
(2)
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
10 -
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ):
أَي: لا تغلظ له القول ولا تزجره، ولكن تلطف معه وردّه ولو بعطاءٍ قليل أَو ردٍّ جميل واذكر فقرك. وقد روي أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفِ شَاةٍ" والرسول صلى الله عليه وسلم يشير بهذا إلى أن الملائكة قد تأْتي في صورة من يسأَل أَصحاب المال وذوي النعم اختبارًا لهم وابتلاءً. وقيل المراد بالسائل هنا: الذي يسأَل عن الدين ويريد أَن يعرف ما جهل منه، أَو ما التبس عليه، فيه، أَي: فلا ترده بالغلظة والجفوة، وأَجبه برفق ولين هذا، وإن إِجابة السائل عن الدين فرض كفاية على العالم.
وعن أَبي هارون العبدي قال: كنا إِذا أَتينا أَبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إِن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "إِنَّ الناسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وإِنَّ رجَالًا يأْتَونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرضِ يَتَفَقَّهُون، فَإِذا أَتوْكُمْ فاسْتَوْصُوا بهم خَيْراَ"(1).
11 -
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ):
أَي: انشر وأَظهر وأَذِعْ ما أَنعم الله به عليك بالشكر والثناءِ؛ فالتحدث بنعم الله والاعتراف بها شكر؛ أَخرج البخاري في الأَدب وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا "مَنْ أُعْطَيِ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فإِنْ لَمْ يَجِدْ فَليُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنى بِهِ فَقدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بمَا لَمْ يُعْط كَانَ كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"(2) ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إِذا لم يرد به الرياءَ والافتخار، وظن الاقتداءَ به، وأَمن على نفسه الفتنة.
جاءَ في تفسير القرطبي: وكان أَبو فراس عبد الله بن غالب إِذا أَصبح يقول: لقد رزقني الله البارحة كذا، قرأْت كذا؛ وصليت كذا، وذكرت الله كذا، وفعلت كذا فقلنا له: يا أَبا فراس: إِن مثلك لا يقول هذا: قال: يقول الله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وتقولون أَنتم: لا تحدث بنعمة الله.
(1) رواه مالك وأحمد والبخاري في تاريخه.
(2)
رواه الترمذي، وضعفه.
والمراد أَمر الرسول صلى الله عليه وسلم أَن يتحدث بما أَفاضه الله عليه من ضروب النعم وفنونها، ومن جملتها ما تقدم، وما أَوحى الله إِليه به.
وحاصل المعنى: أَنك كنت يتيمًا وضالا وعائلا، فآواك الله، وهداك، وأَغناك، فمهما يكن من شيءٍ فلا تنس نعمة الله عليك في هذه الثلاث، واقْتَدِ بالله فَتَعَطَّفْ على اليتيم وَآوِهِ؛ فقد ذقت اليتم ورأَيت كيف فعل الله بك، وتَرَحَّمْ على السائل وَتَفَقَّدْهُ بمعروفك، ولا تزجره وترده عن بابك، كما رحمك ربك فأَغناك بعد فقر، وحدث بنعم الله كلها، ويدخل في ذلك هدايتك الضُّلَاّلَ وتعليمهم الشرائع والقرآن مقتديًا بالله في أَن هداك وأَرشدك، وفي الدعاءِ النبوي المأْثور: "
…
وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِك، مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْك، قَابِلِيهَا، وأَتِمَّهَا عَلَيْنَا" اللهم آمين.