الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة العاديات
وهي مكية، وآياتها إحدى عشرة آية
مناسبتها لما قبلها:
لَمَّا ذكر سبحانه وتعالى في السورة التي قبلها (سورة الزلزلة) الجزاءَ على الخير والشر. أَتبع ذلك في هذه السورة (سورة العاديات) بتوبيخ مَنْ آثر دنياه على آخرته، ولمن يستعد ليوم القيامة بعمل الخير في دنياه.
مقاصد السورة:
1 -
بُدئت السورة الكريمة بالقسم بخيل الجهاد على أَن الإِنسان لكفور بنعمة ربه: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا .. ) إلى قوله تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ).
2 -
ثم ذكرت أن الإِنسان لشهيد على نفسه بذلك يوم القيامة، وأَنه محب للمال حريص عليه (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ).
3 -
وختمت السورة بذكر البعث وما فيه من جزاءٍ وثواب وعقاب: (أَفلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ
…
) الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11))
المفردات:
(الْعَادِيَاتِ): الخيل تعدو في الغزو، واحدتها: عَادِيَةَ، من العَدْو، وهو الجري.
(ضَبْحًا): الضَّبْح؛ صوت أَنفاس الخيل عند عَدْوِها.
(فَالْمُورِيَاتِ): واحدها موريَة، من الإِيراءِ، وهو إِخراج النار.
(قَدْحًا): القدح؛ الضرب والصك المعروف، يقال: قدح فَأَوْرَى: إِذا أَخرج النار، وقدح فَأَصْلَد: إذا لم يخرجها.
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا): فالخيل تُغِير على العدو مُبَاغتة في وقت الصباح، واحدها: مُغيرة، من أَغَار على العدو: إذا هجم عليه بغتة.
(فَأَثَرْنَ): من الإِثارة وهي تهييج وتحريك الغبار.
(نَقْعًا): الغبار، وقيل: رفع الصوت.
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا): فوسطن، بمعنى توسطن، أَي: صِرْن وسطه بِه، أَي: بذلك الوقت، أَو النقع.
(جَمْعًا): من جموع الأعداءِ.
(لَكَنُودٌ): لكفور جَحُود، من كَنَدَ النعمة: كَفَرها ولم يشكرها، وأَصل الكنود: الأَرض التي لا تنبت شيئًا، شبه بها الإِنسان الذي يمنع الخير ويجحد ما عليه من واجبات.
(الْخَيْرِ): المال.
(لَشَدِيدٌ): لبخيل، أَو لَقَويّ.
(بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ): أُخرج وأُثير ما في الأَموات، أَي: بعثوا.
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ:) أَي؛ أُظهر ما في القلوب مُحَصَّلًا مجموعًا، أو مُيِّز خيره من شره، فقد استعمل (حَصَّل الشيءَ) بمعنى مَيَّزه من غيره كما في البحر، وأصل التحصيل: إِخراج اللُّب من القشر، كإِخراج البُر من التبن.
التفسير
1 -
(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا):
(وَالْعَادِيَاتِ) الجمهور على أَنه قسم بخَيْلِ الغزاة في سبيل الله تعالى التي تعدو، أَي: تجري مسرعة نحو العدو فتضبح (ضَبْحًا) والضبح: صوت أَنفاسها عند عَدْوِهَا، وأخرج ابن جرير عن على -كرم اللهُ وَجْهَه-: الضَّبح من الخيل الحمحمة.
2 -
(فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا):
المراد بها الخيل أَيضًا، أَي: فالخيل التي تُوري النار وتخرج شَرَرَها من صدم حوافرها للحجارة، واندفاعها في سيرها عند الجري.
3 -
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا):
أَي: فالخيل تُغِير على العدو وتعدو لتهجم عليه وقت الصباح، لأَخذه بغتة على غير أَهبة واستعداد، وفي وصف الله سبحانه للخيل بما سبق من أَنها العاديات المُوريات المُغيرات
إِشارة إِلى الغاية من اقتناء الخيل وهو الجهاد والفروسية والقوة، لا للخيلاءِ والزينة كما يفعل كثير من أغنياءِ هذا الزمان.
4 -
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا):
أَي: فهيجت هذه الخيل، وأَثارت في مواقع العدو غبارًا شديدًا كثيفًا، ويجوز أَن يراد بالنفع: الصباح، أي: فهيجن في المُغار عليهم صياحًا وجلبة.
5 -
(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا):
المعنى: فتوسطن بذلك الرقت أَو النقع جمعًا من الأعداءِ، ففرقن صفوفه، وشَتَّتْنَ شمله، قال الآلوسي: والفاءَات كما في الإِرشاد للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله، فَتَوَسُّط الجمع مترتب على الإِثارة المترتبة على الإيراءِ المُتَرَتِّب على العَدْو.
6 -
(إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ):
هذا ذكر المحلوف عليه والمقسم به بتلك الأَيْمَانِ السابقة فقال: (إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أَي: إِنَّ الإنسان طُبِع على نكران الحق وجحوده وكفران النعمة، وعدم شكر المنعم، وأَخرج البخاري في الأَدب المفرد، والحكيم الترمذي وغيرهما تفسير (الكنود) بالذي يمنع رِفْدَه، وينزل وحده، ويضرب عبده، والجمهور على تفسيره بالكفور.
وكل ما ذكر يدخل تحت هذا العنوان وقيل: المراد بالإِنسان كافر معين، لما روي عن ابن عباس أَنها نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي، وقيل: المراد به كل الناس، على معنى أنَّ طبع الإنسان يحمله على ذلك إلَّا إذا عصمه الله بلطفه وتوفيقه من ذلك، واختاره عصام الدين، وقال: فيه مدح للغزاة لسعيهم على خلاف طبعهم.
7 -
(وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ):
أَي: وإِن الإنسان على كفره وكنوده وجحوده لنعم ربه في الآخرة لشهيد على نفسه معترف بذنوبه، وقال ابن عباس وقتادة: ضمير (إنه) عائد على الله تعالى، أي: وإِن
ربه سبحانه وتعالى شاهد عليه، فيكون الكلام على سبيل الوعيد والتهديد، واختاره التبريزي.
8 -
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ):
أَي: وإِن الإِنسان لحبه المال وتعلقه به لشديد أَي: لبخيل، وتفسير الخير بالمال ورد بهذا المعنى في القرآن كثيرًا حتى زعم عكرمة: أَن الخير حيث وقع في القرآن هو المال، وخصه بعضهم بالمال الكثير، وفسر به قوله تعالى:"إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ"(1) وإطلاق كونه خيرًا على المال باعتبار ما يراه الناس، وإلَّا فمنه ما هو شر يوم القيامة.
وجوز غير واحد أن يراد بالشديد: القوي، ولعله الأظهر، أَي: وإنه لقوي مبالغ في حبه للمال، والمراد قوة حبه له، قال الزمخشري: المعنى: وإِنه لحب المال وإيثاره الدنيا وطلبها قوي مُطِيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمه سبحانه ضعيف متقاعس، وفي قول آخر للزمخشري في الكشاف: جواز أَن يراد بالخير هو ما عند الله من الطاعات، على أَن المعنى: وإِنه لحب الخيرات غير هاشٍّ منبسط، ولكنه شديد منقبض، ثم هدد الإنسان الذي هذه صفاته وتوعده بقوله:
9 -
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ):
تهديد ووعيد، والهمزة للإنكار، والفاءُ للعطف على مقدر يقتضيه المقام، والمعنى: أيفعل ما يفعل من القبائح فلا يعلم مآله إِذا بعثر ونُثر مَنْ في القبور من الموتى، أي: بعثوا.
10 -
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ):
أَي: جُمع ما في القلوب من خير اكتسبوه، وشر اقترفوه، أَو أُظهر كإِظهار اللُّب من القشر، أو مُيِّز خيره من شره، وقد سجله الله عليهم في صحفهم، وتخصيص (مَا فِي الصُّدُورِ) أي: القلوب، لأنه الأَصل لأَعمال الجوارح، ولذا كانت الأَعمال بالنيات.
(1) سورة البقرة، من الآية 180.
11 -
(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ):
أَي: إن مربيهم وخالقهم خبير بأَعمالهم وجزائهم يوم البعث والحساب، أي عالم بظواهر ما عملوا وبواطنه، ومجازيهم عليه.
قال الزمخشري: معنى علمه بهم يوم القيامة: مجازاته لهم على مقادير أعمالهم، لأَن ذلك أَثر علمه وخُبْره بهم.