الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الكوثر
وهي مكية، وآياتها ثلاث آيات
مناسبتها لما قبلها:
قال الإمام: هذه السورة كالمقابلة للسورة التي قبلها (سورة الماعون) لأن الله سبحانه وصف المنافقين في السورة السابقة بأَربعة أُمور:
1 -
البخل.
2 -
وترك الصلاة.
3 -
والرياء.
4 -
منع المعاونة، وذكر الله في هذه السورة في مقابلة البخل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) وفي مقابلة ترك الصلاة (فَصَلِّ) أي: دم على الصلاة. وفي مقابلة الرياءِ (لِرَبِّكَ) أي: لرضا ربك لا لرضا الناس. وفي مقابلة منع الماعون (وانْحَرْ) وأَراد به سبحانه التصدق بلحوم الأضاحي.
مقاصد السورة:
1 -
في هذه السورة امتنَّ الله على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم بأَنه أَعطاه الكوثر، وهو الخير العظيم في الدنيا والآخرة:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ).
2 -
وطلب منه شكرًا على هذه النعمة أن يديم الصلاة خاصة لوجهه، وأَن ينحر من طيبات أَمواله شكرًا للمنعم المتفضل:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
3 -
وختمت السورة بهذه البشارة العظيمة: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) أي: إن عدوك ومبغضك هو المقطوع الذكر ليس له أثر صالح، أَما أنت فسيبقى ذكرك في العالمين.
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)
المفردات:
(الْكَوْثَرَ): فوعل من الكثرة -صيغة مبالغة، أي: الشيءُ الكثير كثرة مفرطة، والكوثر: قيل: هو نهر في الجنة، وقيل: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة، والنهر في الجنة بعض هذا الخير، وقيل: النبوة، وقيل غير ذلك.
(فَصَلِّ) أي: قدم على الصلاة.
(لِرَبِّكَ) أي: خالصة له وابتغاءَ مرضاته وحده.
(وَانْحَرْ) أي: اذبح الأُضحية، وقيل غير ذلك.
(شَانِئَكَ) أي: مبغضك وكارهك.
(الأَبْتَرُ): الذي ليس له عقب، وليس له ذكر حسن، وأَصل البتر في اللغة: القطع، وشاع في قطع الذنب، وقيل لمن لا عقب له:(أَبْتَرُ) على التشبيه.
التفسير
1 -
(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ):
أي: إِنا منحناك وأَوليناك يا محمد الخير الكثير الدائم الذي لا ينقطع في الدنيا ولا في الآخرة، وأكثر المفسرين على أن الكوثر نهر في الجنة، لما رواه الإمام أَحمد ومسلم وغيرهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هَلْ تَدْرُونَ مَا الكَوْثَرُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هُوَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللهِ فِي الجَنَّةِ". وعن ابن عباس أَنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال سعيد بن جبير: إن ناسًا يقولون: هو نهر في الجنة، فقال: هو من الخير الكثير. والحق ما قال ابن عباس؛ لأَنه يشمل كل ما جاءَ من روايات وأَقوال بلغت أَكثر من ستة وعشرين قولًا، وكلها ترجع إلى ما ذكر في تفسيره بالخير الكثير، وكأن ما جاء في الروايات أَمثلة لهذا الخير الكثير، كقولهم: المراد بهم النبوة، أو القرآن، وقيل: أولاده، وقيل: علماءُ أُمته، قال الآلوسي: وفي التعبير بالماضي في (أَعْطَيْنَاكَ) قيل: إشارة إلى تحقيق الوقوع، وقيل: إشارة إلى تعظيم الإعطاءِ وأنه أَمر مرعى لم يترك إلى أن يُفعل بعد، وقيل: إشارة إلى بشارة أُخرى، كأنه قيل: إنا هيأْنا لك أَسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أَمرك بعد وجودك وانشغالك بالعبودية؟!
2 -
(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ):
الفاءُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها (فَصَلِّ) قيل: المراد بالصلاة التي أُمر بها في الآية جنس الصلاة، وقيل: الصلاة المفروضة، وقيل: صلاة العيد بناءً على قول من قال: إن السورة مدنية، وكذلك قوله:(وَانْحَر) قيل: المراد بالنحر نحر البُدْنِ للأُضحية، وقيل: وانحر، أي: استقبل القبلة بنحرك، وإليه ذهب الفراءُ، وقيل: اجعل صلاتك لله لا لغيره ، واجعل ذبحك باسم الله لا باسم غيره كما يفعل المشركون .. وقيل غير ذلك.
قال الزمخشري: والمعنى: أعطيتك ما لا غاية لكثرته من خير الدارين الذي لم يُعْطَه أَحَدٌ غيرك ، فاجتمعت لك الفضيلتان: إصابة أَشرف عطاءٍ وأوفره من أَكرم مُعْطٍ وأعظم مُنْعِم، فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه وشرفك وصانك وجعلك أشرف قومك الذين يعبدون غير الله، وانحر لوجهه واسمه إذا نحرت، فخالفهم في النحر فإنهم يقدمونه للأوثان، وبعد أَن بَشَّر الله رسوله بأَعظم البشارة، وطالبه بشكره على ذلك، وكان من تمام نعمته على نبيه أن يصبح عدوه مقهورًا ذليلًا، قال:
3 -
(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ):
أي: إن مبغضك وعدوك -كائنا من كان- هو الأَبتر الذي لا عقب له، لا يبقى له نسل ولا حُسْنُ ذكر، لا أنت يا محمد، لأَن كل من يولد من المؤمنين إلى يوم القيامة فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع إلى آخر الدهر، يُبدأُ بذكر الله ويثني بذكرك، فمثلك لا يقال له أبتر وإنما الأَبتر شانئك ومبغضك في الدنيا والآخرة، وإذا ذكر ذكر باللعن، قيل: مات القاسم، وهو أول ميت من ولده بمكة، ثم مات عبد الله، وقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله، فهو أَبتر، فأَنزل الله تعالى:(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) وقيل: نزلت في أبي جهل، وقيل: في عقبة بن أَبي معيط، والجمهور على أنها نزلت في العاص بن وائل، وأيًّا ما كان فلا ريب في ظهور عموم الحكم، وهذه السورة الكريمة على قصرها وإيجازها قد اشتملت على ما يدل على عظيم إعجازها، وقد أَطال الإمام فيها الكلام، وذكر أن قوله تعالى:(وَانْحَرْ) متضمن الإخبار بالغيب -وهو سعة ذات يده صلى الله عليه وسلم وأمته، وقيل مثله في ذلك:(إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) والله أعلم.