المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهم مقاصد السورة: - التفسير الوسيط - مجمع البحوث - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌سورة المجادلة

- ‌مدنية وآياتها ثنتان وعشرون

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌أسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لها قبلها:

- ‌سؤال هام وجوابه:

- ‌سورة الحشر

- ‌مدنية وعدد آياتها أربع وعشرون

- ‌وتسمى سورة بني النضير كما قال ابن عباس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم أغراض السورة:

- ‌سورة الممتحنة

- ‌مدنية وآياتها ثلاث عشرة آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد هذه السورة الكريمة:

- ‌سورة الصف

- ‌مدنية وآياتها أربع عشرة

- ‌أَسماء هذه السورة:

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجمعة

- ‌مدنية وآياتها إِحدي عشرة

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌أَذان الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد عثمان رضي الله عنه

- ‌المراد من السعي وذكر الله:

- ‌العدد الذي به تصح الجمعة

- ‌هل حضور الحاكم شرط في صحة الجمعة

- ‌القيام شرط في الخطبة

- ‌أَحكام مختلفة

- ‌أَركان الخطبة:

- ‌سورة المنافقون

- ‌مدنية وآياتها إحدي عشرة آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التغابن

- ‌هذه السورة الكريمة مدنية وآياتها ثماني عشرة آية

- ‌وسميت بهذا الاسم لورود كلمة التغابن في الآية التاسعة منها

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الطلاق

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم أغراض السورة:

- ‌سورة التحريم

- ‌مدنية وآياتها اثنتا عشرة آية

- ‌مناسبتها للسورة التي قبلها وهي سورة الطلاق:

- ‌أغراض السورة:

- ‌سورة الملك

- ‌مكية وآياتها ثلاثون آية

- ‌مقاصدها:

- ‌صلة هذه السورة بما قلبها:

- ‌أسماء السورة وفضلها:

- ‌سورة القلم

- ‌ومناسبة سورة القلم للسورة السابقة (سورة الملك):

- ‌المعنى العام للسورة

- ‌سورة الحاقة

- ‌مناسبة هذه السورة لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المعارج

- ‌مكية وآياتها أربع وأربعون آية

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة نوح

- ‌مكية، وهي ثمان وعشرون آية

- ‌وجه اتصالها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الجن

- ‌مكية وآياتها ثمان وعشرون آية

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌1 - الملائكة:

- ‌2 - الجن:

- ‌3 - الشياطين:

- ‌سورة المزمل

- ‌هذه السورة الكريمة مكيَّة وآياتها عشرون آية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌ما جاء في سبب النزول:

- ‌سورة المدثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَول ما نزل من القرآن:

- ‌من مقاصد السورة:

- ‌سورة القيامة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الإِنسان

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصدها:

- ‌سورة المرسلات

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌(هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37))

- ‌(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40))

- ‌سورة النبأ

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة النازعات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة عبس

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌أهم مقاصد السورة:

- ‌سورة التكوير

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أهم مقاصدها:

- ‌سورة الانفطار

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة المطففين

- ‌صلة هذه السورة بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الانشقاق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة البروج

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الطارق

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الأعلى

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الغاشية

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفجر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البلد

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سورة الشمس

- ‌صلتها بما قبلها:

- ‌بعض مقاصد هذه السورة:

- ‌سورة الليل

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة الضحى

- ‌صلتها لما قبلها:

- ‌بعض مقاصد السورة:

- ‌سبب النزول:

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة والتين

- ‌مناسبها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العلق

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة القدر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة البينة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصد السورة:

- ‌سورة الزلزلة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌أَهم مقاصدها:

- ‌سورة العاديات

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة القارعة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة التكاثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة العصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض ما جاء فيها:

- ‌(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ):

- ‌سورة الهُمَزَة

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الفيل

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة قريش

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الماعون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكوثر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الكافرون

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌بعض فضائلها:

- ‌سورة النصر

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة المسد

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الإخلاص

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سبب نزول السورة:

- ‌بعض ما جاء في فضلها:

- ‌سورة الفلق

- ‌مناسبة السورة لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

- ‌سورة الناس

- ‌مناسبتها لما قبلها:

- ‌مقاصد السورة:

الفصل: ‌أهم مقاصد السورة:

‌أَهم مقاصد السورة:

1 -

جاءَ أَولها مبينًا لعظيم قدرة الله وأَنه هو -سبحانه- المالك لجميع خلقه، يرسل ما شاءَ على من يشاء، وينشر من شاءَ في فسيح ملكه وملكوته، وينزل الرحمة والآيات بوساطة الذين يريدهم ويختارهم من خلقه على من اصطفى من عباده وارتضاهم لرسالته: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا

):

2 -

جاءَت السورة بعد ذلك تهدد المكذبين وتبين لهم أَن الله أَباد وأَهلك قومًا بعد قوم من الضَّالين المكذبين: (أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ ..... ).

3 -

أَبانت السورة الكريمة أَن أَمر العباد إِليه وحده من أَول خلقهم إِلى نهاية آجالهم:

(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ):

4 -

ذكرت السورة بعضًا من نعم الله على عباده، ثم أَنذرات من كذب منهم بالعذاب الشديد:

(أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا). إلى قوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

وكان ختام السورة ضربًا من إِرخاءِ العنان للمكذبين المجرمين وإِمهالهم ليتمتعوا ويأْكلوا ثم تكون عاقبتهم الويل والثبور والهلاك والبوار (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

ص: 1722

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)):

المفردات:

(وَالْمُرْسَلاتِ): الريح، وقيل غير ذلك.

(عُرْفًا): متتابعة بعضها في إِثْرِ بعض.

(فَالْعَاصِفَاتِ): الريح والشديدة.

(وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا): الملائكة تنشر أَجنحتها عند نزولها، أَو تنشر وتحيي نفوس الجهلة والكفار، وقيل غير ذلك.

(فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا): الملائكة تفرق بين الحق والباطل.

(فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا): الملائكة تلقي الوحي من عند الله وتنزل به على أَنبيائه.

(عُذْرًا): من عذر: إِذا محا الإِساءَة، وقيل غير ذلك.

(نُذْرًا): من أَنذر: إِذا خَوَّفَ.

التفسير:

1 -

7 - (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ):

أَقسم الله -سبحانه- في أَول تلك السورة الكريمة بأَشياءَ عظيمة من خلقه ذكر عز وجل صفاتها ولم يذكر أَسماءها، لذا اختلف المفسرون في تعيينها وبيان المراد منها اختلافًا كثيرًا،

ص: 1723

والذي يتضح أن المقسم به هنا شيئان، وهما: الريح، والملائكة؛ لأَن الله قد فصل بينهما بالعطف بالواو لإِشعار ذلك بالمغايرة، لأَن الشأن أَن يكون المعطوف بالواو غير المعطوف عليه.

أَقسم -عز شأْنه- أَولًا بالريح المرسلة على الكفار لعذابهم واستئصالهم، والريح -كما بين القرآن الكريم- يرسلها الله للعذاب، قال تعالى:"فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"(1) كما توصف الريح بالعصف -وهو الشدة- لإِهلاكها من ترسل عليهم، أَو لأَنها تأتي بالعصف. وهو ورق الزرع وحطامه، أَو تُنْعَتُ بذلك لسرعتها في مُضِيِّهَا لتنفيذ أَمره قال تعالى:"وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا"(2) ويجوز أَن يراد من المرسلات ما يشمل ويضم -أَيضا- رياح الرحمة التي تسوق وتثير السحاب وتلقح النبات وتكون مبشرات بالخير؛ لأَن هذه الرياح قد ورد في القرآن الكريم أَن الله يرسلها كما يرسل ريح العذاب، قال تعالى:"اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ"(3) وقال: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ"(4) وقال: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ"(5). فكل من ريح العذاب ورياح الخير والرحمة جند من جند الله "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَاّ هُوَ"(6).

هذا، وعطف العاصفات على المرسلات بالفاءِ للإِيذان والتنبيه على أَنه من عطف الصفات أَي: من عطف صفة على صفة أُخرى لموصوف واحد.

(1) من الآية 16 من سورة فصلت.

(2)

من الآية 81 من سورة الأَنبياء.

(3)

من الآية 48 من سورة الروم.

(4)

من الآية 22 من سورة الحجر.

(5)

من الآية 46 من سورة الروم.

(6)

من الآية 31 من سورة المدثر.

ص: 1724

وأَقسم -سبحانه- ثانيًا بالملائكة وهي من أَشد خلق الله قوة، ووصفها بالناشرات لأَنها تنشر أَجنحتها في الجو عند نزولها بالوحي، أَو لنشرها وإِحيائها النفوس التي تشبه المولى بسبب ما فيها من الكفر والجهل، وذلك بما تنزل به من لدن ربها على الأَنبياءِ والرسل من الوحي الذي تحيا القلوب به، كما نعتها بالفارقات لأَنها تفرق بين أَصالة الحق وزيف الباطل، وذلك بما تنزل به من عند ربها إِلى الرسل، ووصفها كذلك بالملقيات ذكرا لإِلقائها الذكر وهو الوحي على الأَنبياءِ ليبلغوا ذلك لأُممهم إِعذارًا وإِنذارًا، وهنا أَيضًا عطف (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا) على (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا) لبيان أَن تلك الصفات لموصوف واحد وهم الملائكة.

والمعنى: أَقسم -سبحانه- بكل من الريح التي يرسلها لعباده عذابًا لهم أَو رحمة بهم متتابعة ومتتالية كالعرف وهو ما يكون من شعر وريش على العنق من الفرس ونحوه، وأَقسم -كذلك- بالملائكة التي تنشر أَجنحتها عند النزول بأَمر الله أَو تنشر رحمته وتفرق بين الحق والأَبلج والباطل الزائف "عُذْرًا" أَي: تلقى الوحي على رسل الله لإِزالة إِساءة المسيئين الذين: أَخلصوا التوبة وأَنابوا إِلى ربهم، وذلك بقبول الله لأَعذارهم، قال الراغب: عذرت فلانًا: أَزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك: غفرت له، أَي: سترت ذنبه.

أَو المراد أَن الله يزيل عذرهم ويقطع حجتهم التي قد يحتجون بها لدى الله كادعائهم أَن الله لم يرسل لهم من يرشدهم ويهديهم، فأَرسل إِليهم الرسل وذلك على حد قوله:"رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"(1). (أَوْ نُذْرًا) أَي: لإِنذار المبطلين والعصاة وتخويفهم وترهيبهم.

(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ): هذا هو جواب القسم، أَي: إِن الذي توعدون به على لسان الرسل من مجيء يوم القيامة وما فيه من نشر وحشر وحساب ثم إِلى جنة أَو إِلى نار هو واقع بكم ونازل عليكم لا محالة لأَنه الحق.

(1) من الآية 165 من سورة النساء.

ص: 1725

(فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ (11) لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15))

المفردات:

(طُمِسَتْ): محقت ومحيت.

(فُرِجَتْ): فتحت وشقت فكانت أَبوابًا.

(نُسِفَتْ): فرقتها الريح بسرعة.

(أُجِّلَتْ): أَخِّرَتْ.

(وَيْلٌ): هلاك، وقيل: هو واد في جهنم.

التفسير:

8 -

15 - (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):

هذا بيان لأَمارات يوم القيامة وعلامات عليه، أَي: إِذا النجوم قد ذهب ضوؤُها ومحى نورها، أَو محقت ذواتها وانتثرت وانكدرت، وإِذا السماء فتحت وشقت وتصدعت فكانت أَبوابًا، وإِذا الجبال نسقت كما ينسف الحب بالمنسف، وذلك كقوله تعالى:"وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا" وقيل: إِزالتها من مقارّها وأَماكنها بسرعة، من انتسفت الشيء:

ص: 1726

إِذا اختطفته، وإِذا الرسل بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة، أَو: وإِذا الرسل عُين وحُدد لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أُممهم، إِذا حصل هذا ووقع ما سبق كان ذلك أَمارة وعلامة على أَن القيامة قد أَظلتهم ونزلت بهم، فهذه الأُمور هي مقدماتها وسابقتها.

(لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) الضمير في قوله: (أُجِّلَتْ) راجع إِلى ما جاءَت به الرسل عليهم السلام أَي: لم أَخرت الأُمور المتعلقة بالرسل من تعذيب الكفرة وتنعيم المؤمنين وما كانت الرسل تذكره وتحدث به من أُمور الآخرة وأَحوالها وأَهوالها؟ ويجوز أَن المراد من الضمير (أُجِّلَتْ) لما سبق من طمس النجوم وتشقق السماءِ ونسف الجبال وتأقيت الرسل. وهذه الآية الكريمة جاءت وسبقت على طريق الاستفهام الذي يفيد التعظيم والتعجيب من هول وشدة ذلك اليوم (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) أَي: أَجلت هذه الأَمور ليوم الفصل والقضاء بين الخلائق، وذلك مثل قوله تعالى:(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ)(1)

(وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ): هذا تهويل وتعظيم آخر، أَي: وما أَعلمك بيوم الفصل وشدته ومهابته وقوة وقعه على النفوس (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ): وهذا أَيضًا تهويل ثالث لما يحدث في هذا اليوم، أَي: هلاك كبير وبوار عظيم للمكذبِين بالتوحيد والجاحدين للنبوة والمعاد، وبكل ما ورد عن الأَنبياءِ والرسل وأَخبروا به.

وجاءَت هذه الآية: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) في السورة الكريمة عشر مرات، ولعل سر تكرارها أَنها تذكر في كل مرة متصلة بالجرم والذنب الذي جاءَت للتحذير والتخويف منه والتهديد والوعيد عليه، فيكون لها بذلك أَكبر الأَثر في الزجر والمنع؛ لأَن الذنب إِذا قارئه عقابه واتصل به عذابه كان ذلك آكد في الزجر وأَقوى من الردع، وأَدعى إِلى العبد والتنأني عنه.

(1) الآية 40 من سورة الدخان.

هذا والمعهود في مثل هذا المقام أَن تأتي كلمة (ويل) وما يماثلها منصوبة على أَنها مصدر ساد مسد فعله، أَي: نائب عنه يقصد به الدعاء، كأن يقال مثلا: ويلا لهم، أَي هلاكا لهم، ولكنه عدل به إلى الرفع على الابتداء "ويل" للدلالة على أن الهلاك والثبور ثابت لهم ودائم عليهم لا يزايلهم ولا يتجاوزهم؛ لأن الجملة الاسمية -كما هو معروف- تدل على الثبوت والدوام.

ص: 1727

ومعلوم أَن هذه الآية في كل مرة قد جاءَت مهددة ومنذرة من ذنب وجرم غير الذي جاءَت به في أَي من المواضع الأُخرى.

وجاءَ في تفسير الإِمام القرطبي عند تفسير هذه الآية: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ما نصه: وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذَّب؛ لأَنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإِن لكل مكذب بشيءٍ عذابًا سوى تكذيبه بشيء آخر، وربَّ شيءٍ كذَّب به هو أَعظم جرمًا من تكذيبه بغيره لأنه أقبح في تكذيبه وأَعظم في الرد على الله، فإِنما يقسم له من الويل على قدر ذلك وعلى قدر وفاقه وهو قوله:(جَزَاءَ وِفَاقًا) أهـ.

وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه قال: "عُرِضَتْ عَلَيَّ جهنم فلم أَر فيها واديًا أَعظم من الويل" وعلى كل حال فمآل الكافرين الهوان والعذاب والثبور والهلاك.

(أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)):

المفردات:

(أَلَمْ): هذا استفهام عن انتفاء إِهلاك الله للمجرمين، جاءَ على وجه الإِنكار، فأَفادَ إِثبات الإِهلاك وإِيجابه، فكان معناه: أَهلكنا الأَولين. وقال الراغب: (لم) نفيٌ للماضي وإِن كان يدخل على الفعل المستقبل، ويدخل عليه أَلف الاستفهام للتقرير.

(ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ): أَي: نلحق الآخرين بالأولين.

التفسير:

16 -

19 - (أَلَمْ نُهْلِكْ الأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):

أَي: قد أَهلكنا الأَولين السابقين جميعًا ممن كذبوا بالرسل، مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم، وإِهلاكُهم وتدميرُهم أَمر ثابت مقرر قد وقع وحصل.

ص: 1728

(ثُمَّ نُتْبِعُهُمْ الآخِرِينَ): هذا وعيد وزجر لأَهل مكة ومن على شاكلتهم من المشركين والكافرين، أَي: سنفعل بكم مثل هذا النكال، وننزل بكم نظير هذا العذاب إِن بقيتم على ما أَنتم عليه من الشرك والضلال، فهذه هي سنتنا وطريقتنا في عقاب كل من يجرم ويكفر: نأخذه ونهلكه مثل إِهلاكنا من سبق من المجرمين المكذبين، وعلى هذا فالمراد من (الأَوَّلِينَ) كل من كذَّب من الأُمم السابقة، والمراد من (الآخِرِينَ) هم أَهل مكة وأَضرابهم.

وقيل المعنى: إِننا أَهلكنا الأَولين من قوم نوح وعاد وثمود، ثم فعلنا ذلك بالآخرين ممن أَتى بعدهم ونهج نهجهم كقوم شعيب وقوم لوط وقوم موسى، ومثل ذلك الفعل الباطش الشديد والعذاب الأَليم نفعل بكل مجرم عات جبار، وعلى هذا الرأَي الأَخير يكون المقصود من (الأَوَّلِينَ) أَقوامًا سبقوا بالكفر كقوم نوح وغيرهم، بالآخرين أَقوامًا سواهم ممن سلف من المجرمين كقوم شعيب ولوط ومن كان يناظرهم، ويكون قوله تعالى:(كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) قد جاءَ إِنذارًا وتخويفًا من عاقبة الكفر وسوء أَثره كي يرتدع وينزجر أَهل الشرك والكفر بعد بعثته صلى الله عليه وسلم وإِلَاّ كان مآلهم التدمير والهلاك؛ لأَن الله قد أَهلك من أَهلك لكونهم مجرمين، فهذا الحكم عام في جميع المجرمين؛ لأَن عموم العلة -وهي الإِجرام- يقتضي عموم الحكم وهو العذاب.

(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أَي: إِن هؤلاءِ وإِن أَهلكوا وعذبوا في الدنيا فلن يكون هذا نهاية هوانهم وعذابهم، فالمصيبة العظمى والطامة الكبري معدة ومهيأَة لهم تنتظرهم يوم القيامة.

ص: 1729

(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)):

المفردات:

(مَاءٍ مَهِينٍ): ماء ضعيف حقير وهو النطفة.

(قَرَارٍ مَكِينٍ): مكان حصين حريز وهو الرحم.

(إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ): إِلى أَن نصوِّره ونسويه، أَو إِلى وقت الولادة.

(فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ): قَدَّرنا ذلك وأَحكمناه، أَو قَدَرنْا على ذلك وتمكنا منه.

التفسير:

20 -

24 - (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ* وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):

أَي: خَلقناكم من ماءٍ حقير وهو النطفة المذرة، وجعلنا هذه النطفة وثبتناها في مكان حصين وهو رحم المرأَة، إِلى أَن يتم خلقه وتصويره وتسويته فينزل من ذلك الرحم في وقت معلوم وزمن مقدر وهو وقت الولادة (فَقَدَرْنَا) أَي: قَدَّرنا ذلك ودبرناه وأَحكمناه فجاءَ بشرًا سويًّا، أَو تمكنا من ذلك وقدرنا عليه لأَنه في قبضتنا وتحت سلطاننا وقهرنا (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ): فنعم المقدرون لذلك نحن، أَي: قدرتنا هي المدح والثناء على الله منه -سبحانه- لأَنه صاحب المن والفضل، وهو مولى النعم والحكيم الخبير، فليس أَحد يدانيه في ذلك، أَو: فنعم القادرون على ذلك نحن إِذ لا يقدر عليه أَحد سوانا، فإِلينا يرجع الأَمر كله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ): بعد أَن بين الله لهم عظيم إِنعامه عليهم بخلقهم وتصويرهم في أَحسن هيئة وأَبدع صورة جاءَ تخويفهم بالويل والهلاك؛ لأَن النعمة إِذا

ص: 1730

جلَّت وعظمت كانت جنايتهم في حقه -تعالى- بالإِنكار والتكذيب أَقبح وأَفحش، وكان العقاب على ذلك أَشد وأَفظع.

(أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)):

المفردات:

(كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا): ضامة وجامعة للأَحياءِ على ظهورها. وللأَموات في بَطْنها.

(رَوَاسِيَ): ثوابت.

(شَامِخَاتٍ): طوال.

(مَاءً فُرَاتًا): عذبًا حلو المذاق.

التفسير:

25 -

28 - (أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ):

أَي: قد جعلنا الأَرض ضامة وجامعة لكم في حياتكم؛ فلذللها لتمشوا في مناكبها وتسيروا في جنباتها وطرقها. وتسكنوا في منازلها ودورها، وجعلها أَيضًا جامعة لما تحتاجون إِليه من أَمر معاشكم. كما جعلها ضامة وكافتة للأَموات يدفنون في جوفها. وجاءَ التنكير في قوله:(أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) للتفخيم والتكثير. أَي: تضم وتكفت أَحياءً لا يعدُّون وأَمواتًا لا يحصرون. كما أَوجدنا وخلقنا في الأَرض جبالًا ثوابت عاليات كي لا تميد الأَرض ولا تضطرب بكم؛ لتسلكوا فيها سبلًا فجاجًا وطرقًا كثيرة. وذلك في أَمن ويسر وفضلًا عن

ص: 1731

أَن في الجبال بعد ذلك من الفوائد الجليلة ما يعطف القلب ويلفت النظر إِلى التفكر في مزيد فضل الله على الإِنسان، إِذ أَن هذه الجبال تنزل الأَمطار عليها وترتطم بها السحب الركامية ويحدث من ذلك السيول الجارفة التي تشق طريقها في الأَرض وتتكون الأَنهار العذبة فيسقي الله منها الإِنسان والحيوان، وينبت الزرع ويدر الضرع، وتحيا الأَرض بعد موتها، وذلك ممَّا يدعو إِلى التبصر والاعتبار، وجاءَ قوله تعالى:(وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) أَي: عذبًا سائغًا شرابه، جاءَ كالأَثر الطيب المبارك المترتب على تذكير الله لهم بنعمة خلق الجبال وإِيجادها.

(وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أَي: عذاب شديد للمنكرين لهذه النعم التي لا يخفى نفعها ولا ينكر أَثرها العظيم إِلَاّ كلُّ مكذب جاحد.

(انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34))

المفردات:

(انطَلِقُوا): سيروا واذهبوا.

(ظِلٍّ): دخان.

(لا ظَلِيلٍ): غير مظل من حر الشمس.

(وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ): اللهب: ما يعلو على النار إِذا اضطرمت، أَي: لا يدفع من لهب جهنم شيئًا.

(بِشَرَرٍ): جمع شررة، وهو ما يتطاير من النار متبددا في كل جهة.

ص: 1732

(كَالْقَصْرِ): كالبناءِ العالي العظيم، وقيل: غير ذلك.

(جِمَالَةٌ): جمع جمل، وقيل: غير ذلك وسيأتي.

التفسير:

29 -

31 - (انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ):

أَمر الله هؤلاءِ المكذبين -أَمر إِهانة وتوبيخ وتقريع- أَن يذهبوا ويسيروا إِلى ما كانوا يجحدون به وينكرونه من عذاب يوم القيامة؛ أَمرهم بذلك أَولًا أَمرًا عامًّا ولم يبين لهم فيه كنه العذاب ولا صفته ولا صورته، ثم أَمرهم -ثانيًا- بقوله:(انطَلِقُوا) أَي: اذهبوا لتلقي أَول مراتب هذا العذاب ومنازلة، الذي وضحه -سبحانه- بقوله:(إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) أَي: إِلى الاستظلال بدخان جهنم الذي قد انقسم وتفرق -لعظمه وشدته- إِلى ثلاث شعب؛ شعبة وطائفة منه تكون من فوقهم، وأُخرى من تحتهم، وثالثة تحيط بهم من كل جانب، وذلك كقوله:"لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ"(1)، وقوله " يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ"(2) أَو شعبة على يمينهم، وشعبة على يسارهم، وشعبة ثالثة من فوقهم.

ويحتمل أَن تكون تلك الشعب الثلاث للمنافقين، وللكافرين، وللعصاة من المؤمنين، لكل فريق شعبة توافق وتناسب جرمه وذنبه، فتظلهم تلك الشعب حتى يفرغ من حسابهم، أَما المؤمنون فهم في هذا الوقت في ظل عرش الله.

(لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنْ اللَّهَبِ): جاءَت هذه الآية قاطعة لرجائهم ومخيبة لآمالهم من أَن يكون في ذلك الظل راحة لهم؛ إِذ قد بين -سبحانه- أَنه غير مظل وغير مفيد ولا مسعد من يستظل به من حر الشمس، ففي الأَثر: إِن الشمس تقرب يوم القيامة من رءُوس

(1) من الآية: 16 - من سورة الزمر.

(2)

من الآية: 55 من سورة العنكبوت.

ص: 1733

الخلائق، وليس عليهم يومئذ لباس ولا كفان فتلفحهم الشمس وتسفعهم (1)، وتأخذ بأَنفاسهم، ويمتد ذلك اليوم، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إِلى ظلٍّ من ظلِّه، فهناك يقولون: فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم، ويقال للمكذبين: انطلقوا إِلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه: كذلك لا يدفع عنهم هذا الظل لهب النار، وقيل: لا يحول بينهم وبين العطش (2) الذي تنالهم شدته وإنما سمى ما هم فيه ظلَاّ على طريق التهكم بهم والسخرية منهم.

32 -

(إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ):

أَي: إِن النار ترمي وتقذف بشرر -وهو ما يتطاير من النار متبددًا في كل جهة- كل شررة منه في عظمها كالقصر. وهو البناءُ العالي العظيم، أَو الحِصن المنيع -وقيل: المراد من القصر: جمع قَصْرة، وهي الحطب الجزل الغليظ، أَو هو أُصول النخل والشجر العظام وأَيًّا ما كان الأَمر فإِنها النار التي وقودها الناس والحجارة التي تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غضبها على الكفار "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ"(3).

33 -

(كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ):

الجمالة: جمع جمل، لحقت به التاءُ لتأنيث الجمع. أَو أَن جمالة: جمع جمال، وجمال: جمع جمل، فيكون من قبيل جمع الجمع.

وإِذا كانت الشررة مثل القصر الضخم أَو الحصن العالي العظيم أَو كأُصول الشجر العظام فكيف يكون حال النار التي ترمي بذلك؟ أَعاذنا الله منها.

وشبه الشرر -أَولًا- بالقصر لعظمه وضخامته، ثم شبه -ثانيًا- في اللون والكثرة والتتابع وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، أَي: السود التي تضرب إِلى الصفرة، قال

(1) الكفان: وقاء كل شيء ولفحت النار بحرها: أَحرقت. وسفح السموم وجهه: لفحة لفحا يسيرا.

(2)

قال قطرب: اللهب هنا: العطش، يقال: لهب لهبا ورجل لهبان؛ وامرأة لهبى.

(3)

من الآية: 8 من سورة الملك.

ص: 1734