الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القارعة
مكية وآيتها إحدى عشر آية
مناسبتها لما قبلها:
ختمت السورة السابقة (سورة العاديات) بذكر بعض أَوصاف يوم القيامة، وهذه السورة بأَسرها في وصف ذلك اليوم وما يكون فيه من أهوال.
مقاصد السورة:
1 -
بُدئت السورة الكريمة بتهويل شأْن القارعة التي تقرع الناس ويصك صوتها أَسماعهم:
(الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ
…
) الآية.
2 -
ثم ذكرت بعض أهوالها وما يحدث للناس وما تكون عليه الجبال: (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ
…
).الآية
3 -
وبينت جزاءَ الصالحين المؤمنين وجزاءَ الكافرين والمخالفين: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ .. ) الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم.
(الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11))
المفردات:
(الْقَارِعَةُ): من أَسماء يوم القيامة كالحاقة والطَّامَّة، وقيل: صوت النفخة، وقال الضحاك: هي النار، وأيًّا ما كان فهي من القرع: وهو الضرب بشدة بحيث يحصل منه صوت شديد.
(الْفَرَاشِ): قال في الصحاح؛ جمع فراشة التي تطير وتتهافت على النار، وقال الفراءُ: وهو غوغاءُ الجراد، سمي فراشًا لتفرشه وانتشاره.
(الْمَبْثُوثِ): المتفرق المنتشر.
(الْعِهْنِ): الصوف مطلقًا، أَو المصبوغ منه ذو الأَلوان.
(الْمَنفُوشِ): المُفَرَّق بالأَصابع ونحوها.
(ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ): بأَن رجحت حسناته على سيئاته، قال الكشاف: الموازين: جمع موزون، وهو العمل الذي له وزن وخطر عند الله، أَو جمع ميزان، وثقلها: رجحانها.
(عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) أي: عيشة يرضاها صاحبها وتطيب نفسه بها.
(خَفَّتْ مَوَازِينُهُ): بأن رجحت سيئاته على حسناته - يقال: خَفَّ ميزانه، أي: سقطت قيمته فكأَنه ليس بشيءٍ.
(فأُمُّهُ هَاوِيَةٌ): فمأْواه جهنم.
التفسير
1 -
(الْقَارِعَةُ):
الجمهور على أَنها القيامة نفسها، ومبدؤها النفخة الأُولى، ومنتهاها فصل القضاءِ بين الخلائق، وسمِّيت بذلك لأنها تقرع القلوب بهولها، كما تسمى الحادثة العظيمة من حوادث الدهر ومصائبه قارعة، قال تعالى:"وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ"(1) أَي: حادثة عظيمة تقرعهم وتصكهم.
2 -
(مَا الْقَارِعَةُ):
تهويل لشأْنها، أي: أَي شيءٍ عجيب هي في فخامتها وخطرها وفظاعتها؟! وهذا أُسلوب يراد به تهويل أمرها، كأنها لشدة ما يكون فيها من الأَهوال يصعب تصويرها ويتعذر إِدراك حقيقتها.
3 -
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ):
ثم زاد أمرها تعظيمًا فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) أَي: وأي شيءٍ أَعلمك ما شأْن القارعة في شدة هولها على النفوس، كأنه لا شيء يحيط بها، مهما تخيلت أمرها، فهي أعظم من تقديرك وتوقُّعاتك، ولما ذكر سبحانه أَن إِدراك حقيقتها ممَّا لا سبيل إليه أَخذ يعرف بزمانها الذي تكون فيه، وما يحدث للناس حينئذ من الأَهوال فقال:
(1) سورة الرعد، من الآية:31.
4 -
(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ):
قال صاحب التأْويلات: اختلفوا في تأْويله على وجوه، لكن كلها ترجع إلى معنى واحد وهو الإشارة إلى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم، واختار غير واحد أن المراد بالفراش المبثوت: الحشرة الصغيرة التي تراها تترامى على ضوء السراج ليلًا، وبها يضرب المثل في الجهل بالعاقبة شُبَّهُوا في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والمجيء والذهابِ على غير نظام والتَّطايُرِ إلى الداعي من كل جهة حين يُدْعَوْن إلى المحشر -شبهوا- بالفراش المتفرق المتطاير.
5 -
(وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ):
أي: إنّ الجبال -وهي الثقيلة والقوية والتماسك- تصير في ذلك اليوم خفيفة هشة كالصوف الذي نُفِش ففرقت شعراته بعضها عن بعض حتى صار على حال يطير مع أَضعف ريح، وإذا كان هذا هو حال ما يحصل لبعض الأَجسام العظيمة التي من طبيعتها الاستقرار والثبات لفخامتها وثقلها، فما بالك بما يحدث للإنسان، وهو المخلوق الضعيف؟!
وفي هذا تحذير للإنسان وتخويف له كما ترى، وبعد أن ذكر أَوصاف ذلك اليوم وبما يكون من أحوال بعض الخلائق فيه، أعقب ذلك بذكر الجزاءِ على الأعمال فقال:
6 -
(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ):
هذا بيان لتحزُّب الناس وانقسامهم حزبين، وتنبيه على كيفية الأَحوال الخاصة بكل منها إشارة إِلى وزن الأعمال، وهو ممَّا يجب الإيمان به، ويكون هذا بعد تطاير الصحف وأَخذها بالأَيمان والشمائل، (وبعد السؤال والحساب كما ذكره الواحدي) وتوزن الأَعمال بميزان الله أعلم بماهيته وبكيفية الوزن، قال القرطبي، لا يكون الميزان في حق كل أَحد؛ لما في الحديث الصحيح الذي جاءَ فيه:"فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ"، وذكر القاضي منذر بن سعيد البلوطي أن أهل الصبر لا توزن أَعمالهم وإِنما يصب لهم الأَجر صبًّا، وأَنكر المعتزلة الوزن حقيقة، وكذلك أنكره جماعة من أهل السنة منهم مجاهد والضحاك والأعمش، وقالوا: إن الوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل.
7 -
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ):
أي: فهو في عيشة يرضاها صاحبها، تطيب نفسه بها لما يراه من النعيم، وما يلقاه من الثواب والتكريم.
8 -
9 - (وأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ* فأُمُّهُ هَاوِيَةٌ):
أي: وأما من خفت موازينه بأَن لم تكن له حسنة يعتد بها أَو رجحت سيئاته على حسناته ممن كان في الدنيا عظيم لا خير فيه، أَكل خير الله وعبد غيره، وعاث في الأًرض فسادُا -لم يكن شيئًا له قيمة فلا ترجع له كفة ميزان لو وضع فيها- (يقال: خف ميزانه، أي: سقطت قيمته ومروءَته فكأنه ليس بشيءٍ، حتى لو وضع في كفة ميزان لم يرجح بها على أُختها).
9 -
(فأُمُّهُ هَاوِيَةٌ):
أَي: فمأْواه (هَاوِيَةٌ) أُريد بها النار كما يؤذن به قوله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَة) فإنه تقرير لها بعد إبهامها، والإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل، وذكر إن إطلاق (هاوية) على النار لغاية عمقها وبعد مهواها، وعبر عن المأْوى بالأُم على التشبيه بها، فالأُم مفزع الولد ومأواه، وفيه من التهكم ما فيه.
10 -
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ):
أي: وما أعلمك ما الهاوية وأي شيءٍ تكون؟! والهاءُ للسكت ثم فسرها بعد إبهامها فقال:
11 -
(نَارٌ حَامِيَةٌ):
أي: هي نار حارة شديدة الحرارة، قوية اللَّهب والسَّعير، لا تبلغ حرارتَها أيةُ نار مهما سُعِّرت وأُلقي فيها من وقود، عن أَبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي
تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ". قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية، فقال: "إِنَّها فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا" رواه البخاري، وروى مثله مسلم مع المخالفة في بعض الآلفاظ (ابن كثير).
هذا وعلينا أن نؤمن بما ذكره الله تعالى من الميزان في هذه الآية، وفي مثل قوله تعالى:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)(1) ومن وزن الأَعمال وذلك لتمييز مقدار كل عمل وليلقى كلٌّ جزاءَ ما عمل، وليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك والله أعلم.
(1) سورة الأنبياء، من الآية:47.