الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
161 -
من لُطفِ ربِّنا بنا تعالى
…
توسيعُهُ في نُطقِنا المجالا
يعني أن من لُطْف اللَّه تعالى بالناس توسِيعُه المجالَ لهم في التكلم بسبب حدوث الموضوعات اللغوية ليعبر كل أحدٍ عمَّا في ضميره مما يحتاج إليه في دنياه وآخرته لغيره حتى يعاونه عليه، لعدم قدرته على الاستقلال باستجلاب مصالح نفسه دُنْيا ودينًا.
162 -
وما من الألفاظِ للمَعْنَى وُضِعْ
…
قلْ لُغَةٌ بالنَّقْلِ يَدْري مَنْ سَمِعْ
اللغة أصلها "لُغَوَة" فُعَلة من "لغا" بمعنى تكلم، حُذِفَ لامها فهي من باب سَنَة، وفي الاصطلاح عرَّفها المؤلف بأنها الألفاظ الموضوعات للمعاني.
وقوله: "بالنقل" يتعلق بقوله: "يدري" أي يدريها السامع بالنقل تواترًا وآحادًا عن العرب، فالمتواتر كلفظ السماء والأرض، والآحاد كالغضنفر للأسد والزخيخ للنار، وربما استنبطت بالعقل من النقل، كما لو قلت: كل مُعَرَّف بأل الاستغراقية يصح منه الاستثناء، وكل ما يصح منه فهو عام = ينتج كل ما يُعَرَّف بأل الاستغراقية فهو عام.
وقول المؤلف: "وما" مبتدأ خبره "لغة". وقوله: "قل" اعتراض بين المبتدأ وخبره. و"المعنى" مَفْعَل من عَنيْت بمعنى قصدت، وهو أعم من المُسَمَّى؛ لأن المعنى هو ما يُقْصد باللفظ سواء كان هو مُسَمَّاه كالحقيقة أو غير مسماه كالمجاز.
163 -
مدلولُها المعنى ولفظٌ مفردُ
…
مُسْتعملًا ومُهْملًا قد يوجَدُ
164 -
وذو تَرَكُّبٍ. . . . .. . .
…
. . . . . . . . . . . . .
يعني أن المدلول عليه بالألفاظ التي هي اللغة إما أن يكون معنى كدلالة الألفاظ على معانيها، نحو دلالة الكرم والشجاعة على المعنيين المعروفين، وإما أن يكون لفظًا كدلالة لفظ "الكلمة" على اللفظ ودلالة القول عليه.
وأشار المؤلف بقوله: "مستعملًا ومهملًا" وبقوله: "وذو تركُّب" إلى أن اللفظ المدلول عليه ببعض الألفاظ اللغوية أربعة أقسام؛ لأنه إما مفرد، وإما مركب، وكل منهما إما مستعمل، أو مهمل. فالمفرد المستعمل كالكلمة، والمفرد المهمل كالجيم أو اللام أو السين من لفظة "جلس"، والمركب المهمل كلفظ "الهذيان"
(1)
فإن لفظة "الهذيان" تدل على لفظ مركب مهمل، والمراد بالتركيب هنا ما فيه كلمتان فأكثر، كما قال العبَّادي في "الآيات"
(2)
، والمركب المستعمل كمدلول لفظ الخبر فإن لفظ "الخبر" يدل على مركب مستعمل كـ "جاء زيد" و"عمرو قائم".
وقول المؤلف: "مدلولها المعنى" أي سواء كان جزئيًّا كمعنى العلم أو كليًّا كمعنى اسم الجنس، فتحصَّل أن مدلول الألفاظ اللغوية
(1)
في "شرح المحلي على الجمع": (1/ 264)، و"نشر البنود":(1/ 101)، و"فتح الودود":(ص/ 37): كمدلول لفظ الهذيان: إذ لفظ الهذيان مفرد، لكن مدلول لفظه مركب.
(2)
(2/ 53).
المعاني مطلقًا والألفاظ مطلقًا.
. . . . . . . . . . ووضعُ النكرَهْ
…
لِمُطلق المَعْنَى فريقٌ نَصَرَه
165 -
وهِيَ للذّهنِ لدى ابن الحاجبِ
…
وكم إمامٍ للخلافِ ذاهبِ
يعني أنهم اختلفوا فيما وُضِعت له أسماء الأجناس المنكَّرة كرجل وإنسان مثلًا على ثلاثة أقوال
(1)
:
الأول: أنها موضوعة لمطلق المعنى من غير تقييد بذهني ولا خارجي، وعليه فإطلاقه على كلٍّ منهما حقيقة، وهو قول الفهري من المالكية. وحجة هذا القول أن دعوى اختصاصه بأحدهما تحكُّم وترجيح بلا مرجِّح.
الثاني: أنها موضوعة للمعنى الذهنّي فقط، وهو قول الفخر الرازي وابن الحاجب. وحجة هذا القول أن معنى النكرة قد تشترك فيه
(2)
أفراد كثيرة والخارج لا يوجد فيه إلا المتشخصات بحقائقها، فليس في الخارج شئ مشترك بين حقيقتين، فمعنى "الإنسان" الذهني -مثلًا- قدر مشترك بين جميع أفراد الإنسان، والموجود في الخارج كزيد -مثلًا- لا يشاركه أحدٌ في حقيقة ذاته، وإنما الاشتراك في المعنى الكليّ الذهنيّ وهذا واضح، ورجَّح هذا القول زكرياء.
الثالث: أنها موضوعة للمعنى الخارجي. وحجة هذا القول أن الأحكام إنما وُضِعت للأمور الخارجية المتشخِّصة دون الحقائق
(1)
انظر "شرح المحلي على الجمع": (1/ 266 - 267).
(2)
ط: قدر مشترك بين.
الذهنية، ورجَّح هذا القول القرافي وعزاه في "نشر البنود"
(1)
للجمهور، وأطال العبَّادي في "الآيات البينات"
(2)
في مبحث التخصيص باختيار هذا القول وأنه هو الحق، وأن الحقيقة الذهنية توجد في الخارج في ضمن أفرادها الشخصية، فـ "زيد" مثلًا مشتمل على القدر المشترك وهو الإنسانية إلا أنه تميَّز عن غيره بتشخُّصاته الذاتية.
تنبيه: محل هذا الخلاف فيما له وجود ذهني وخارجي كما مَثَّلنا، أما ما له وجودٌ ذهني فقط، كبحر من زئبق، وجبل من ياقوت، فالموضوع له معناه الذهني فقط بلا خلاف.
وأشار المؤلف إلى القول الأول بقوله: "ووضع النكرة لمطلق المعنى" إلخ. وإلى الثاني بقوله: "وهي للذهن" إلخ. وللثالث بقوله: "وكم إمام" إلخ. وقوله: "ووضعُ" مبتدأ، وقوله:"فريق" مبتدأ أيضًا سوَّغ الابتداء به كونه في معرض التفصيل، وجملة "نصره" خبر الأخير، والأخيرُ وخبرُه خبرُ الأول، وقوله:"إمامٍ" مجرور بإضافة كم الخبرية إليه على التحقيق.
166 -
وليس للمعنى بلا احتياجِ
…
لفظٌ كما لِشارحِ المنهاجِ
يعني أن شارح "المنهاج" وهو تاج الدين السبكي قال في "جمع الجوامع"
(3)
: إنه لا يلزم أن يكون لكل معنى لفظ مستقل يدل عليه بل
(1)
(1/ 102).
(2)
(2/ 53).
(3)
(1/ 267 - مع حاشية البناني).
يجوز أن يكون بعض المعاني لم توضع له ألفاظ تدل على خصوصه، كأنواع الروائح المختلفة، فإنه ليس لكل رائحة لفظ يدل عليها بخصوصها وإنما تُعْرف بالتقييد كرائحة المسك مثلًا، وكذلك أنواع الطعوم واللذات.
وقوله: "بلا احتياج" يُفهم منه أن المعنى المحتاج احتياجًا قويًّا إلى لفظٍ مستقل
(1)
لابد منه وهو كذلك.
167 -
واللغةُ الربُّ لها قد وضعا
…
. . . . . . . . . . . . .
يعني أن اللغات توقيفية وضعها اللَّه للخلق، وعلَّمَها أباهم آدم فتعلمتها منه ذريته، والدليل على هذا قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة/ 31]، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة حاكيًا عن أهل الموقف مقررًا له:"وعلمكَ أسماءَ كل شيء"
(2)
.
. . . . . . . . . . . . .
…
وعزْوُها للاصطلاح سُمِعا
168 -
فبالإشارةِ وبالتَّعَيُّنِ
…
كالطِّفْل فهمُ ذي الخفا والبَيِّنِ
يعني أن كَوْن اللغات اصطلاحيةً أي وضعها البشر [و] اصطلحوا عليها مسموع أيضًا، وهو قول أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة، وعلى هذا القول فالمفاهمة حصلت بينهم أوَّلًا بالاعتماد على الإشارة والتعيين
(1)
الأصل: مستعمل!
(2)
أخرجه البخاري رقم (4476)، ومسلم رقم (193) من حديث أنس رضي الله عنه. وهذه اللفظة ليست في مسلم.
كأنْ يشير إلى شيءٍ حاضر ويقول: "هذا كتاب" فيعرف السامع مراده بالكتاب، وكأن يقول:"هات الكتاب في البيت" فلا يجد في البيت غيره فيتعين عنده أنه هو لعدم وجود غيره، وذلك هو معنى قول المؤلف:"فبالإشارة وبالتعين فهم ذي الخفا" إلخ.
وقوله: "كالطفل" اعتراض بين المبتدأ الذي هو "فهم" وخَبَرِه الذي هو "بالإشارة"، ومعنى قوله:"كالطفل" أي كما يفهم الطفل لغة أبويه بالإشارة والتعين والقرائن.
169 -
يُبْنَى عليه القلبُ والطلاقُ
…
بكاسْقني الشرابَ والعتاقُ
يعني أن الخلاف في اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية يُبْنى عليه قلب اللغة كتسمية الحجر إنسانًا، فعلى أنها توقيفية لا يجوز، وعلى أنها اصطلاحية يجوز، وينبني عليه أيضًا لزوم الطلاق والعتق بالكنايات الخفية نحو "اسقني الماء" إذا قصد به طلاقًا أو عتقًا، فعلى أن اللغة توقيفية لا يلزم بذلك طلاق ولا عتق، وعلى أنها اصطلاحية يلزمان، ولزومهما بالكناية الخفية هوالصحيح من مذهب مالك
(1)
.
ومحل الخلاف في قلب اللغة فيما لم يُتَعَبَّد بلفظه، أما هو فلا يجوز تغييره، كتكبيرة الإحرام والتشهد وتسليمة التحليل، قاله المازَرِي وغيره
(2)
.
وقال قوم: الخلاف في هذه المسألة طويل الذيل قليل النيل
(3)
،
(1)
انظر "مختصر خليل": (ص/ 119).
(2)
انظر "إيضاح المحصول من برهان الأصول": (ص/ 147) للمازري.
(3)
انظر "البحر المحيط": (2/ 18).