الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفية رواية الصَّحابيِّ
592 -
أرفعُها الصريحُ في السماعِ
…
من الرسولِ المُجْتبى المُطاع
593 -
منه سمعتُ منه ذا أو أخبرا
…
شافَهني حدَّثَنيهِ صيَّرا
يعني أن أرفع كيفيات رواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما كان صريحًا في السماع منه لعدم احتمال الواسطة التي يُتوقع منها الخلل، ومن الصريح بالسماع الصِّيَغ التي ذكرها المؤلف وهي: سمعت منه صلى الله عليه وسلم كذا، أو أخبرني به، أو شافهني، أو حدثنيه. وقوله:"سمعت" مفعول به لـ "صيَّر" على قصد الحكاية، وما بعده معطوف عليه. و"شافهني وحدثني" معطوفان بحذف العاطف، وهذه هي المرتبة الأولى، وأشار إلى المرتبة الثانية بقوله:
594 -
فقال عن. . . . . . .
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أن المرتبة التي تلي ما هو صريح في السماع مرتبة "قال" أيْ إذا قال الصحابي: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأنه ظاهر في سماعه منه صلى الله عليه وسلم دون واسطة، وظاهر المؤلف أن "عن" كقول الصحابي: عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرتبة "قال" لعدم عطفه
(1)
بفاء أو بثُم لظهوره في السماع منه صلى الله عليه وسلم وعليه كثير من المحدثين والأصوليين. وقيل: إن "عن" أنزل درجة من
(1)
الأصل: عطف.
"قال" وعليه فهي مرتبة ثالثة، وإليه مال المؤلف في "الشرح"
(1)
.
. . . . . . . . . ثم نُهِي أو أُمِرا
…
إن لم يكن خيرُ الورى قد ذُكِرا
يعني أن المرتبة الثالثة بناءً على اتحاد مرتبة "قال وعن"، أو الرابعة بناءً على أن مرتبة "عن" بعد مرتبة "قال" هي: قول الصحابي: نُهِينا أو أُمرنا، أو نُهِي عن كذا أو أُمِر. وإنما كان هذا في حكمِ المرفوع لأن الظاهر أن الآمر أو الناهي هو صلى الله عليه وسلم، وإنما كان دون ما قبله لأن احتمال الواسطة الذي فيما قبله فيه هو أيضًا، ويزيد باحتمال أن يكون الناهي والآمر غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم من الخلفاء الراشدين وغيرهم.
ومفهوم قوله: "إن لم يكن خيرُ الورى قد ذُكِرا" أن الصحابي إذا قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن كذا أو أَمَرَ = أنه لا يكون من هذه المرتبة. وقال المؤلف في "الشرح"
(2)
: إنه لا تحتمل فيه الواسطة اتفاقًا إلَّا أنه يحتمل كون الطلب جازمًا أو غير جازم، وهل النهي أو الأمر للكل أو البعض؟ وهل هو دائم أو غير دائم؟ كما أن هذه الاحتمالات كلَّها عنده أيضًا في منطوق المؤلف، وجَعَل مسألة المؤلف هذه صاحب "جمع الجوامع"
(3)
مرتبةً رابعة، والصحيحُ عند المالكية والشافعية قبولهما معًا.
قلت: إن مسألة قول الصحابي: أَمَرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو نهانا أظهر ما يقال فيها أن تكون في مرتبة "قال"، وما ادعاه المؤلف في "الشرح"
(1)
(2/ 63).
(2)
(2/ 64).
(3)
(2/ 173 - مع حاشية البناني).
من الاتفاق على عدم احتمال الواسطة غيرُ صحيح، بل الواسطة محتملة في قول الصحابي أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كاحتمالها في قوله: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وما ادعوه من الاحتمالات في الأمر هل للكل أو البعض أو دائم أو غير دائم يظهر ضعفه لأن الصحابي عدل عارفٌ فيبعد أن يروي إلَّا كما سمع.
595 -
كذا من السنة يُرْوى والتحقْ
…
كُنَّا بِه إذا بعهدِه التصَقْ
يعني أن قول الصحابي: "من السنة"، يحتج به وهو في مرتبة ما قبله لظهوره في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا يُحتج به لأن السنة قد تطلق على سنة الخلفاء الراشدين وغيرهم، وعلى ما قابل الفرض، وغير ذلك. ومثاله: قول علي رضي الله عنه: من السنة ألَّا يقتل حر بعبد
(1)
.
وقوله: "والتحق كنا به" إلخ ظاهر المؤلف أن هذه المرتبة تساوي ما قبلها للعطف بالواو لكنه ذكر في "الشرح"
(2)
أنها بعدها، ومعنى كلامه أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكون له حكم الرفع، لأنه محمول على أنه اطلع عليه فقرَّرهم عليه كقول جابر: كنَّا نعْزِل والوَحْي ينزل
(3)
.
وقيل: ليس له حكم الرفع، لأن الحجة في عِلْم النبي صلى الله عليه وسلم به وتقريره عليه، وهنا لم يثبت أنه سمعه، أما إذا قال الصحابي: إن النبي صلى الله عليه وسلم سَمِعه وأقر عليه كقول ابن عمر: كنا نقول أفضل الأمة بعد نبيها
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة: (5/ 409)، والبيهقي:(8/ 34).
(2)
(2/ 65).
(3)
أخرجه البخاري رقم (5208)، ومسلم رقم (1440).
أبو بكر وعمر، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يسمعُ فلا ينكر
(1)
. فهو مرفوعٌ بلا خلاف. وأما إذا قال الصحابيُّ: كنَّا نفعل ولم يذكر أن ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: له حكمُ الرفع لظهوره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لا لاحْتِمال كونه بعد زمنه. ومثاله: قول عائشة رضي الله عنها: كانوا لا يقطعون في الشيء التافه
(2)
.
* * *
(1)
أخرجه الطبراني في "الكبير" رقم (13132). ووقع في الأصل: نبينا.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة: (5/ 477)، والبيهقي في "الكبرى":(8/ 255)، وابن حزم في "المحلى":(11/ 352) وصححه.