الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخصِّص المنفصل
423 -
وسمِّ مُسْتَقِلَّهُ منفصِلا
…
للحِسِّ والعقل نماة الفُضَلا
هذا هو القسم الثاني من أقسام المخصص وهو المنفصل، وعرَّفه المؤلِّف بأنه المستقلّ بنفسه عن العام، أي لا يحتاج إلى ذكره مقترنًا بالعام، وهو قسمان: لفظيّ وغير لفظيّ. وبدأ المؤلف بغير اللَّفظي لقلته، وهو التخصيص بالحس والعقل.
وقوله: "للحس والعقل نماه الفضلا" أي نسب الفضلاءُ المخصِّصَ المنفصل إلى الحسّ فقالوا:
مُخصِّصٌ منفصل واقع بالحسِّ، ويمثلون له بقوله تعالى:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف/ 25]، فقوله:{كُلَّ شَيْءٍ} يعم الأرض والجبال والسماء، والحسُّ بالعين يشاهدها غير مُدَمَّرة، فدلَّ على خصوص التدمير بغيرها. وبعضهم قال: إن هذا التخصيص باللفظ في قوله: {بِأَمْرِ رَبِّهَا} وهذا لم يأمرها ربُّها بتدميره. وله مخصِّص آخر لفظي، وهو تخصيص التدمير بما أتت عليه دون غيره المشار إليه بقوله:{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} [الذاريات/ 42].
ومخصِّص منفصل واقع بالعقل كقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر/ 62] الآية دلَّ العقل على عدم دخول اللَّه جل وعلا فى هذا العموم، مع أن لفظ "الشيء" يطلق عليه كما في قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص/ 88]، وقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ
اللَّهُ} [الأنعام/ 19] الآية. وقوله: "الفضلا" مقصور لضرورة الوزن، والمراد به الأصوليون.
424 -
وخَصِّصِ الكتابَ والحديثَ بهْ
…
أو بالحديث مطلقًا فَلْتَنْتَبِهْ
يعني أنه يخصَّصُ الكتابُ والحديثُ بالكتاب والحديثِ، فصُوَرُ التخصيص بالنص المنفصل أربع؛ لأن المُخَصِّصَ باسم الفاعل، والمُخَصَّص باسم المفعول، كل منهما يكون كتابًا ويكون سنة، فتضرب حالتي المُخَصِّص بالكسر في حالتي المخصَّص بالفتح بأربع:
الأولى: تخصيص الكتاب بالكتاب كتخصيص قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة/ 228] الآية بغير الحوامل بقوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق/ 4]. وكتخصيصه أيضًا بغير المدخول بهنَّ بقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الأحزاب/ 49] الآية.
الثانية: تخصيص الكتاب بالسنة كتخصيص قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء/ 24] بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكح المرأة على عَمَّتها أو خالتها"
(1)
، وكتخصيص قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء/ 11] بحديث: "لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ"
(2)
،
(1)
أخرجه البخاري رقم (5109)، ومسلم رقم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (6764)، ومسلم رقم (1614) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نُوْرَث ما تركناه صدقة"
(1)
.
الثالثة: تخصيص السُّنَّة بالسُّنَة كتخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العشر"
(2)
بقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسةِ أوْسُق صدقة"
(3)
.
الرابعة: تخصيص السّنّة بالكتاب، كتخصيص قوله صلى الله عليه وسلم:"ما أُبِيْن من البهيمة وهي حية فهو ميت"
(4)
الشامل عمومه للوَبَر والصوف والشَعر
(1)
أخرجه البخاري رقم (3092)، ومسلم رقم (1758) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1483) من حديث ابن عمر، وأخرجه مسلم رقم (981) من حديث جابر رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه البخاري رقم (1405)، ومسلم رقم (979) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4)
أخرجه أحمد: (36/ 233 رقم 21903)، وأبو داود رقم (2852)، والترمذي رقم (1480)، والدارمي رقم (2016 - ط أسد)، والدارقطني:(4/ 292)، والحاكم:(4/ 239) وغيرهم من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم، والعمل على هذا عند أهل العلم اهـ. وقال ابن القطان: وإنما لم يصححه الترمذي لأنه من رواية عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن دينار وهو يضعَّف وإن كان البخاري قد أخرج له اهـ. انظر "بيان الوهم والإيهام": (3/ 583). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه. وقد حكم أبو زرعة الرازي على هذه الرواية بالوهم وأن الصواب من حديث زيد بن أسلم عن ابن عمر مرسلًا. انظر "العلل" رقم (1479) لابن أبي حاتم. وهذه الرواية أخرجها ابن ماجه رقم (3216).
وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الحاكم: (4/ 124) وصححه على شرط الشيخين، وأعله الدارقطني بالإرسال "العلل":(11/ 259). وله شاهد آخر من حديث تميم الداري أخرجه ابن ماجه رقم (3217)، والطبراني في =
بقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [النحل/ 80] الآية، وكتخصيص قوله صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَّا اللَّه"
(1)
الشامل لأهلِ الكتاب بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} [التوبة/ 29] الآية.
واعلم أن التحقيق هو تخصيص العام بالخاص سواء تقدم العام أو الخاص أو جُهل الحال، خلافًا لأبي حنيفة القائل بأن العام المتأخِّر ناسخ للخاصِّ، وأنه إن جُهل التاريخ تساقطا
(2)
، وهو رواية عن أحمد
(3)
.
واعلم أيضًا أَنه يجوز تخصيصُ الكتاب والسّنّة المتواترة بأخبار الآحاد؛ لأن التخصيص بيان، والقطعيُّ يُبَيَّنُ المقصودُ منه بالآحاد على التحقيق، كما يأتي للمؤلف في قوله:"وبين القاصر من حيث السند"
(4)
إلخ.
425 -
واعتبرَ الإجماعَ جلُّ الناسِ
…
وقِسْمَي المفهومِ كالقياسِ
يعني أن الإِجماع اعتبره جلُّ الأصوليين مخصِّصًا للعموم، والتحقيقُ أن التخصيص في نفس الأمر بالنص الذي هو مستند الإِجماع،
= "الكبير" رقم (1276) وسنده ضعيف. انظر "البدر المنير": (1/ 460 - 467)، و"الهداية" رقم (172) للغماري.
(1)
أخرجه البخاري رقم (25)، ومسلم رقم (22) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
انظر "ميزان الأصول": (ص/ 323 - وما بعدها).
(3)
انظر "العدة": (2/ 615 - وما بعدها)، و"التمهيد":(2/ 155) لأبي الخطاب، و"المسودة":(ص/ 145 - 146).
(4)
البيت رقم (456).
ويوضِّح ذلك أنهم يمثلون للتخصيص بالإِجماع بتخصيص قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج/ 30] بغير الأخت من الرضاع، وبغير موطوءة الأب للإجماع على عدم إباحتهما بملك اليمين، والمخصص حقيقة في الأولى هو قوله:{وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء/ 23]، وفي الثاني قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء/ 22] وهكذا.
وقوله: "وقسْمَي المفهوم" أي واعتَبَرَ جلُّ الناس أيضا قسْمَي المفهوم مخصِّصَيْن للعام وهما: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة اللذان تقدم الكلام عليهما، وظاهر كلامه وجود الخلاف في كلٍّ من المفهومَين وهو كذلك في مفهوم المخالفة. أما مفهوم الموافقة فقد حَكَى الاتفاقَ على التخصيص به الآمديُّ
(1)
والسبكيُّ في "شرح المختصر"
(2)
.
ومثاله تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم: "لَيُّ الواجِدِ يُحِلُّ عقوبته وعرضه"
(3)
ومعنى "لَيُّ الواجد" ظُلْم الغني، ومعنى "يُحل" بقوله:"مَطَلني"،
(1)
"الإحكام في أصول الأحكام": (2/ 529).
(2)
المسمى "رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب": (3/ 336).
(3)
أخرجه أحمد: (29/ 465 رقم 19746)، وأبو داود رقم (3628)، والنسائي:(7/ 316)، وابن ماجه رقم (2427)، وابن حبان "الإحسان":(11/ 486)، والحاكم:(4/ 102) وغيرهم من حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن في "البدر المنير": (6/ 656)، وحسنه الحافظ في "الفتح":(5/ 76).
و"عقوبته"
(1)
أي بالحبس. وظاهر هذا الحديث العموم ولو كان الواجد الذي حصل منه اللّيُّ أبًا في دين ابنه، ولكنَّ مفهوم الموافقة في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء/ 23] يدلُّ على تحريم الأذى بالحبس الذي هو أشد من التأْفيف، فيخصَّص عمومُ الحديث بمفهوم الموافقة في هذه الآية، فيمتنع حبس الوالد في دَيْن ولده كما نص عليه مالك
(2)
.
وأما مفهوم المخالفة فقد اخْتُلف في جواز التخصيص به كما أشار له المؤلف، وحكى الباجي
(3)
مَنعْ التخصيص به عن أكثر المالكية، والجمهور على التخصيص كما أشار له المؤلف.
وحجة من قال بالتخصيص به: أن إِعمالَ الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وهو الحجة في التخصيص بمفهوم الموافقة أيضًا.
وحجة من قال بعدم التخصيص بمفهوم المخالفة: أن ما دل عليه العام دل عليه بالمنطوق، والمخالفة مفهوم، والمنطوق مقدّم على المفهوم.
وأجيب عن هذا بأن تقديم المنطوق على المفهوم في غير المنطوق الذي هو بعض أفراد العام. أما المنطوق الذي هو بعض أفراد العام فيقدَّم عليه المفهوم؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما.
ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة: تخصيص عموم "في أربعين
(1)
ط: يحل -بقوله: مطلني- عقوبته. وما في خ أصح.
(2)
انظر "تهذيب المدونة": (3/ 620).
(3)
ذكره عنه في "النشر": (1/ 251).