الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب الثاني عليه.
461 -
تأخّر البيانِ عن وقتِ العملْ
…
وقوعْه عند المجيزِ ما حَصَلْ
يعني أن
النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخِّر بيانًا عن وقت الحاجة إليه
، سواء كان المبيَّن -بالفتح- ظاهرًا في غير المراد أو مجملًا، حتى على قول من قال بجواز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، والحقُّ أنه لم يَجُز ولم يقع.
فإن قيل: قد وقع في صبح ليلة الإسراء فإنَّ جبريل لم يبيِّن للنبي صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وأوقاتها إلا من وقت الظهر.
فالجواب: أن الصبح لم تجب لأن أول الواجب بعد فرضها الظهر، أما صلاة صبح ليلة الإسراء فلم تجب، لأنها لو وجبت لوجب قضاؤها، وهو صلى الله عليه وسلم لم يصلها أداءً ولا قضاءً، وعدم وجوبها يحتمل أن يكون أصل الوجوب معلقًا على البيان، والواجب المعلق لا يجب حتى يوجد المعلق عليه، أو أنه أُوحي
(1)
إليه أن أول واجب الظهر.
462 -
تأخيره للاحتياج واقِعُ
…
وبعضُنا هُوَ لذاك مانِعُ
463 -
وقيل بالمنع بما كالمطلقِ
…
ثم بعكسِه لدى البعضِ انْطِقِ
مراده بالبيتين أن
تأخير البيان إلى وقت العمل به فيه أربعة مذاهب:
الأول: جوازه مطلقًا لأنه لا يلزم فيه محذور كتأخير بيان المناسك إلى وقت الحج، وكتأخير بيان الصفات الكاشفة لبقرة بني إسرائيل.
واعْتُرِض هذا الأخير بأنه ما كان يحتاج إلى بيان، إذ لو ذبحوا
(1)
تحتمل: أومأ.
بقرةً
(1)
لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم فشدَّدَ اللَّه عليهم، وسيأتي تحقيق هذا إن شاء اللَّه في مبحث النسخ قبل التمكن من الفعل.
الثاني: منع تأخير البيان المذكور مطلقًا، وهو قول بعض المالكية وفاقًا للحنفية والمعتزلة وبعض الشافعية، ووَجْه هذا القول: أن تأخير البيان يخل بفهم المراد وقت الخطاب، لأنه في المجمل لا يُفْهم المقصود منه، وفي الظاهر يتبادر منه غيرُ المقصود.
الثالث: منع تأخير البيان
(2)
في ماله ظاهر يوهم غير المراد دون ما لا ظاهر له كالمجمل، وهذا قول أبي الحسين المعتزلي، وهو مبنيٌّ على التحسين والتقبيح العقليين، لأن ما لا ظاهر له كالمجمل لا يوقع في غير المراد بل ينشأ منه الجهل البسيط، والجهلُ البسيط لا يخلو عنه البشر، بخلاف ما له ظاهر غير مراد فإنه يوقع في الجهل المركب من جَهْلِه بالمرادِ وجَهْلِه بأنه جاهل به، لاغتراره بالظاهر الغير المقصود.
الرابع: عكس هذا القول، وهو يجوز تأخير البيان إلى وقت الفعل في ما له ظاهر دون ما لا ظاهر له. ووَجه هذا القول: أن ما له ظاهر له فائدة في الجملة دون غيره.
وأشار المؤلَف إلى المذهب الأول بالشطر الأول، وإلى الثاني بالشطر الثاني، وإلى الثالث بالشطر الثالث، وإلى الرابع بالشطر الرابع. مثال ما لا ظاهر له قوله تعالى:{إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة/ 1]. ومثال ما له
(1)
ط: أي بقرة.
(2)
بعده في ط: إلى وقت الفعل.
ظاهر غير مراد قوله صلى الله عليه وسلم: "الجار أحق بصقبه"
(1)
فإن ظاهره وجوب الشُّفعة للجار والمراد به خصوص الشريك المقاسم كما تقدم.
464 -
وجائزٌ تأخير تبليغ له
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أنه يجوز تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة، فاللام في قوله:"له" للغاية بمعنى إلى، والضمير المجرور بها عائد إلى وقت العمل.
فإن قيل: ما الفرق بين تأخير التبليغ إلى وقت الحاجة مع تأخير البيان إليه؟
فالجواب: أن تأخير التبليغ لا يلزمه المحذور الذي يلزم تأخير البيان؛ لأن تأخير البيان يُخِل بفهم المراد، وتأخير التبليغ من أصله ليس كذلك. وَجَزم بعضهم بأن القرآن يجب تبليغه فورًا لأنه متعبَّد بتلاوته، وهو الظاهر. وقال بعض العلماء: يجب التبليغ فورًا مطلقًا لأن اللَّه قال لنبيه: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة/ 67] والأمر للفور، وفيه الخلاف المتقدِّم.
. . . . . . . . . . . .
…
ودَرْءُ ما يُخْشى أَبى تعجيلَه
يعني أن تعجيل التبليغ قد يمتنع ويجب تأخيره إلى وقت الحاجة إذا كان في تعجيله مفسدة يدرؤها تأخير التبليغ، فلو أُمِر صلى الله عليه وسلم بقتال أهل مكة قرب زمن
(2)
الهجرة، وجبَ تأخير التبليغ لئلا يستعد العدو إذا علم فيعظم
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
ط: زمن قرب.
الفساد، ولذا لما أراد صلى الله عليه وسلم قتالهم قطع الأخبارَ عنهم حتى دَهَمهم، وكان ذلك أيْسر لأخذهم.
465 -
ونسبةُ الجهل لذي وجودِ
…
بما يُخصصِّ من الموجودِ
يعني أنه على القول بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة يجوز أن يكون المكلفُ الموجود وقت الخطاب قد سمع العام مع جهله بمخصِّصِه، ودليلُه الوقوعُ؛ لأن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها سمعت عمومَ:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء/ 11] ولم تعلم بتخصيصه يقول صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة"
(1)
، ولذا طلبت إرْثها منه صلى الله عليه وسلم من أبي بكر الصديق.
وقيل: لا يجوز وقوعُ جهلِ الموجودِ وقت الخطاب بالمخصِّص لِمَا فيه من تأخير الإعلام بالبيان.
وأجيب بأن المحذور تأخير البيان وهو منتفٍ هنا، وهو صلى الله عليه وسلم لم يبلِّغ كلَّ أحد بعينه بل بلَّغ البعض وقال:"ليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ"
(2)
.
وقوله: "نسبة" مبتدأ خبره "من الموجود" أي من الواقع. وقوله: "لذي وجوب" متعلق بـ "نسبة" وقوله: "بما" متعلق بـ "الجهل". وقوله: "يخصِّصُ" بالبناء للفاعل.
* * *
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (67)، ومسلم رقم (1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.