الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني أنه
إذا كان الإطلاق والتقييد في أمر ونهي
بأن كان الأمر والنهي أحدهما مطلق والثاني مُقيد، فإن المطلق منهما يُقيد بضدِّ القيد الذي قُيِّد به المقيّد لما بين الأمر والنهي من المضادة والمنافاة.
مثال تقييد النهي وإطلاق الأمر: "لا تُعْتِقْ رقبةً كافرةً أعتق رقبةً" فإن الرقبة المطلقة المأمور بعتقها تقيد بضدِّ القيد الذي قيدت به الرقبة المنهي عن عتقها وهو الكفر فضدّه الإيمان، فتقيد به الرقبة المطلقة المأمور بعتقها فيكون المعنى:"أعْتِق رقبة مؤمنة".
ومثال إطلاق النهي وتقييد الأمر ما لو قلت: "لا تُعْتِقْ رقبة أعتق رقبة مؤمنة" فإن الرقبة المُطْلقة المنهي عن عتقها تُقيد بضد القيد الذي قُيدت به الرقبة المأمور بها، وقَيْدها هو الإيمان وضده الكفر، فتقيد الرقبة المطلقة المنهي عنه عتقها بالكفر، فيكون المعنى لا تُعتِق رقبةً كافرة.
440 -
وحيثُما اتَّحَد واحدٌ فلا
…
يحمِلُهُ عليه جُلُّ العُقلا
اعلم أولًا أن أحوال المطلق والمقيد أربعة:
الأول: أن يَتَّحدا في الحكم والسبب معًا، وقد تقدم هذا قريبًا للمؤلف.
الثاني: أن يختلفا في الحكم والسبب معًا، وهذا لا حَمْل فيه لأحدهما على الآخر إجماعًا، ولذا لم يتعرض له المؤلف.
الثالث والرابع هما: إذا ما اتحد الحكم واختلف السبب أو اتحد السبب واختلف الحكم، وهما مراد المؤلف بهذا البيت.
وظاهرُ كلامه أن أكثر العقلاء لا يحمل أحدهما على الآخر وأنهما
سواء في ذلك، وليس كذلك؛ لأن حَمْل المطلق على المقيد فيما إذا اتحد الحكم واختلف السبب قال به جُلُّ الشافعية والحنابلة وكثير من المالكية. ومثاله: إطلاق كفارة الظهار واليمين عن قيد الإيمان، وتقييد كفارة القتل خطأ به، فيُحْمَل المطلق على المقيد، فيشترط الإيمان في رقبة الظهار وكفارة اليمين، ويدلُّ لذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم السلمي:"اعتقها فإنها مؤمنة"
(1)
ولم يستفصله، وتَرْكُ الاستفصال كالعموم في الأقوال، كما تقدم للمؤلف.
واخْتُلِف في دليل حَمْل المطلق على المقيَّد فقيل: هو اللغة لأن العرب يثبتون ويحذفون اتكالًا على المثبت، كقول قيس بن الخطيم
(2)
:
نحن بما عندنا وأنت بما
…
عندك راضٍ والرأيُ مختلفُ
وقول ضابئ بن الحارث البُرْجُمي
(3)
:
فمنْ يَكُ أمسى بالمدينةِ. . .
…
. . . . . . . . . . البيت
وقول عمرو بن أحمر الباهلي
(4)
:
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي
…
بريئًا ومن أجل الطَّوِيِّ رماني
فحذف من الأول "راضون" لدلالة "راض" عليه، وحذف من الثاني
(1)
أخرجه مسلم رقم (537).
(2)
"ديوانه": (ص/ 173) وقد نُسِبَ في مصادر أخرى إلى عَمْرو بن امرئ القيس.
(3)
البيت في "الأصمعيات"(ص/ 184)، وانظر:"الخزانة": (10/ 312). وتمامه:
فمَن يَكُ أَمسى بالمدينَهِ رَحلُهُ
…
فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِها لغَريبُ
(4)
البيت في "إصلاح المنطق": (ص/ 88)، و"شرح الحماسة":(2/ 936) للمرزوقي.
"غريب" لدلالة لفظ "غريب" المذكور عليه، وحذف من الثالث "بريئًا" لدلالة المذكور عليه أيضًا.
وقيل: حَمْل المطلق على المقيد بالقياس كما تقدمت الإشارة إليه، وقيل: بالعقل وهو أضعفها.
وأما الحالة الثانية التي هي: اختلاف الحكم واتحاد السبب، فليس الحكم فيها كالأولى لأن الحنابلة يقولون بحَمْل المطلق على المقيد في الأولى دونها، وقال بعض المالكية والشافعية بحَمْل المطلق على المقيد فيها أيضًا.
ومَثَّلَ القائلون بعدم الحمل بقوله تعالى في صوم الظهار: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ. . .} [المجادلة/ 4] فإنه قَيَّده بالتتابع وأطلق إطعام الظهار عن قيد التتابع فلا يُحْمل المطلق على المقيد، فلا يشترط التتابع في إطعام الظهار مع أن السبب واحد وهو الظهار والحكم غير واحد لأن هذا إطعام وهذا صوم.
ومَثَّلَ القائلون بحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة بقوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} في عِتْق الظهار وصومه مع أنه أطلق إطعام الظهار عن القيد بكونه قبل المسيس فيُحْمَل المطلق على المقيد، فيجب كون إطعام الظهار من قبل أن يتماسَّا.
ومَثَّلَ له اللخمي بقوله تعالى في كفارة اليمين: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة/ 89]، وأطلق الكسوة عن القيد في قوله:{أَوْ كِسْوَتُهُمْ} فيُحْمَل المطلق على المقيد، فتكون الكسوة من
أوسط ما تكسون أهليكم، وهذا كله فيما إذا كان المقيد واحدًا، وأما إن ورد مطلق ومقيدان بقيدين مختلفين فإنه لا يمكن حمله عليهما لتنافي قيديهما، فإن كان أحدهما أقرب إليه من الآخر حُمِل عليه، وإن لم يكن أحدهما أقرب من الآخر بقي على إطلاقه ولم يُقَيَّد بقيدِ واحدٍ منهما لاستحالة الترجيح بلا مرجِّح.
مثال كونه أقرب لأحدهما: صوم كفارة اليمين فإنه لم يقيد بتتابع ولا تفريق، مع أن صوم الظهار مقيَّد بتتابع، وصوم التمتع مُقيد بالتفريق، وكفارة اليمين أقرب إلى الظهار منها إلى التمتع، فتقيد بقيده وجوبًا عند بعضٍ وندبًا عند بعض. وقراءةُ ابنِ مسعود:(ثلاثة أيام متتابعات) لم يثبت بها كون (متتابعات) من القرآن؛ لإجماع الصحابة على عدم كَتْبِها في شيء من المصاحف العثمانية.
ومثال كونه ليس أقرب لأحدهما من الآخر: صوم قضاء رمضان فإن اللَّه قال فيه: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة/ 185] ولم يُقَيِّده بتفريقٍ ولا تتابع، مع أن صوم الظهار مُقيد بالتتابع، وصوم التمتع مُقيد بالتفريق، وليس صومُ قضاء رمضان أقرب إلى أحدهما من الآخر، فيبقى على إطلاقه من شاء فَرَّقه ومن شاء تابعه.
ويجاب عن المؤلف بأنه أراد بِجُلِّ العقلاء خصوصَ المالكية، فتكون "ألْ" عهدية، لأن التأليف في أصولهم.
* * *