الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "والظاهر الإبقا من النصوص" يعني أن الذي يظهر للمؤلف من النصوص أي المذاهب الثلاثة المذكورة في الاستثناء أن المستثنى مُبَقّى على الملك لا مشترى لأن عشرة إلَّا ثلاثة عند الجُل عامّ مراد به الخصوص، فالثلاثة باقية على الملك، وعند الباقلاني بمعنى سبعة فالثلاثة باقية أيضًا، وعلى المختار عند ابن الحاجب والسبكي فالعشرة وإن أريد بها جميع الأفراد فالعموم مُرادٌ تناولًا لا حكمًا فبقيت الثلاثة أيضًا ولم تدخل في الحكم.
403 -
والمِثْل عند الأكثرين مُبطلُ
…
ولجوازه يدُلّ المَدْخَلُ
يعني أن
استثناء المِثْلِ مبطل للاستثناء
، ويدل لجوازه على أحد القولين كلام ابن طلحة
(1)
الأندلسي في "المدخل"
(2)
، وروي عن اللخمي أيضًا ما يفيد جوازه إن نواه قبل الانعقاد في الفتوى، وفي القضاء خلاف.
404 -
وجوِّز الأكثر عند الجُلِّ
…
. . . . . . . . . . . . .
يعني أنه يجوز استثناء الأكثر عند الأكثر والقاضي عبد الوهاب، نحو:"له عليَّ عشرة إلَّا تسعة" واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)} [الحجر/ 42]، ومعلوم أن الغاوين أكثر.
(1)
من أول هذه الفقرة إلى هنا لحق في الحاشية لكنه لم يظهر، وأثبتناه من (ط).
(2)
ابن طلحة هو: عبد اللَّه بن طلحة بن محمد اليابري المالكي (ت 518) له مختصر "الرسالة"، ويسمى بـ "المدخل". انظر "بغية الوعاة":(2/ 46)، و"نفح الطيب":(2/ 648).
فإن قيل: المراد بالعباد في قوله: {عِبَادِي} ما يشمل الملائكة مع صالح الثّقلين فإذًا يلزم كونهم أكثر من الغاوين فينتفي الدليل من الآية.
فالجواب: أنا لو سلمنا أن الصالحين أكثر من الغاوين بهذا الاعتبار فإنه يلزم على ذلك أيضًا جواز استثناء الأكثر في قوله: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)} [ص/ 82 - 83]، وادعاء دخول الملائكة في الأول وخروجهم من الثاني تحكُّم لا دليل عليه. واستدل له أيضًا بقوله:
أدّوا التي نقصت تسعين عن مئة
…
ثم ابعثوا حكمًا بالعدل قوَّالا
(1)
وتكلم بعضُهم في هذا البيت بأنه مصنوع.
. . . . . . . . . . . . .
…
ومالًا أوجبَ للأقلِّ
يعني أن الإمام مالكًا رحمه الله أوجب كون المستثنى أقلَّ من المستثنى منه، فلو استثنى النصف كقوله:"عليَّ عشرة إلَّا خمسة" بَطَل الاستثناءُ ولزمته العشرة. وأحرى إذا كان المستثنى أكثر نحو: "له عليَّ عشرة إلَّا ستة". وإلى هذا القول ذهب القاضي وغيره، وأكثر النحويين، وهو مذهب الإمام أحمد إلَّا أن استثناء النصف فيه عند الحنابلة خلاف، أما استثناء الأكثر فلا يجوز عندهم، ومشهور المذهب المالكي موافقة الجمهور في استثناء الأكثر كما قال خليل في "مختصره"
(2)
الذي قال مبينًا
(1)
البيت أنشده ثعلب من أبيات، فيما نقله عنه تلميذه أبو بكر ابن الأنباري في كتابه "الأضداد":(ص/ 127). والرواية فيه:
أَدُّوا الَّتي نَقَصَتْ سَبْعين من مئة
…
ثمَّ ابْعَثوا حَكمًا بالعَدْلِ حَكَّاما
(2)
(ص/ 120).
لما به الفتوى: "وصح استثناء بإلَّا إن اتّصَل ولم يستغرق" فالمضر الاستغراق فقط لا الأكثرية وأحرى المساواة. وحجة القول بوجوب كون المستثنى أقل: أنه هو المعروف من لغة العرب فإنهم يقولون: "مائة إلَّا عشرة" ولم يقولوا: "مائة إلَّا تسعين" وقس على ذلك.
405 -
ومُنِعَ الأكثرُ من نَصِّ العَدَد
…
والعقدُ منه عندَ بعضٍ انْفَقَد
يعني أن اللخميّ قال بمنع استثناء الأكثر من خصوص ما هو نصٌّ في العدد كـ "له عليَّ عشرة إلَّا سبعة" بخلاف ما ليس نصًّا في العدد فإنه يجوز فيه عنده استثناء الأكثر نحوُ: "عبيدي أحرار إلَّا الصقالبة" وهم أكثر.
وقوله: "والعقد منه عند بعضٍ انفَقَدْ" يعني بالبعض عبد الملك بن الماجشون، ومراده أنه ينفقد أي يمتنع عنده استثناء العقد الصحيح من العدد ويجوز غيره، فالعقد الصحيح الذي يمتنع عنده استثناؤه من العدد كالعشرة من المائة والمائة من الألف، فلا يجوز عنده:"له عليَّ مائة إلَّا عشرة" ولا "ألف إلَّا مائة". وخَرَج بالعقد ما ليس بعقد كالانثي عشر، وبالصحيح الكسر كنصف.
وحاصل هذا القول: أن الآحاد عقود العشرات، والعشرات عقود المئين، والمئون عقود الألوف، فلا يجوز على هذا القول استثناء عقدٍ صحيح من العدد نحو "عشرة إلَّا واحدًا" و"مائة إلَّا عشرة" أو "ألف إلَّا مائة". ويجوز:"له عليَّ عشرة إلَّا نصفًا" أي نِصْف واحد أو نحوه ولو مع غيره كـ "واحد ونصف" و"مائة إلَّا تسعة" أو نحوها ولو مع غيرها من
العشرات، و"ألف إلَّا تسعين" ونحوها ولو مع المئين.
وحجة هذا القول: أنه لم يقع في الكتاب والسنة إلَّا هو كقوله تعالى: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت/ 14] وخمسون بعض عقدٍ من ألف، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن للَّه تسعة وتسعين اسمًا مائة إلَّا واحدًا"
(1)
والواحد بعض عقد المئة، فتحصَّل أن في المسألة خمسة أقوال: الأول: قول ابن طلحة بجواز المِثْل. الثاني: قول الجمهور بجواز الأكثر دون الكل. الثالث: قول مالك بمنع النصف وأحرى الأكثر. الرابع: قول اللخمي بمنع الأكثر من نص العدد. الخامس: قول ابن الماجشون بمنع استثناء العقد الصحيح من العدد دون غيره.
406 -
وذا تعدُّدٍ بعطفٍ حصِّلِ
…
بالاتفاقِ مُسْجَلًا للأوَّلِ
يعني أن الاستثناءات المتعددة إذا كان بعضها معطوفًا على بعض ترجع كلها للأول الذي هو المستثنى منه، لا الأول من الاستثناءات. وقوله:"مُسْجَلًا" يعني مطلقًا، سواء كان الاستثناء مستغرقًا أم لا، إلَّا أنه يبطل في المستغرق ويصح في غيره. مثال غير المستغرق:"له عليَّ عشرة إلَّا واحدًا وإلَّا اثنين وإلَّا ثلاثة" فتسقط الستة من العشرة فتبقى أربعة هي اللازمة له، ومثال المستغرق:"له عليَّ عشرة إلَّا خمسة وإلّا أربعة وإلَّا واحدًا" فالمجموع عشرة، فعلى القول بجمع مُفرق الاستثناء يبطل
(1)
أخرجه البخاري رقم (2736)، ومسلم رقم (2677) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
جميع الاستثناءات لأنها بمثابة: "له عليَّ عشرة إلَّا عشرة". وأما على القول بأنه لا يُجمع مُفرقه فلا يبطل إلَّا الذي حصل به الاستغراق مع ما بعده إن كان بعده شيء، والباطل الذي حصل به الاستغراق في هذا المثال الأخير هو الواحد لأنه آخر مذكور حصل به الاستغراق فتسقط تسعة ويلزم واحد لبطلان الاستثناء فيه. وقوله:"ذا تعدد" مفعول به مقدَّم لقوله: "حَصِّلِ".
407 -
إلَّا فكلٌّ للذي به اتَّصلْ
…
. . . . . . . . . . . . .
قوله: "إلَّا" يعني وإلَّا تكن الاستثناءات المتعددة متعاطفة بل كانت متعددة من غير تعاطفِ فكلٌّ منها عائد إلى ما قبله يليه ما لم يستغرقه، فإن استغرقه فسيأتي للمؤلف. ومثالُ رجوع كلٍّ لما قبله يليه مع عدم الاستغراق قوله:"عليَّ عشرة إلَّا خمسة إلَّا أربعة إلَّا ثلاثة" فيلزمه ستة لأن الثلاثة تخرج من الأربعة فيبقى واحد يخرج من الخمسة فتبقى أربعة تخرج من العشرة تبقى ستة. وهذا الذي مشى عليه المؤلف هو الحق، خلافًا لقول ابن مالك في "الخلاصة" برجوعها كلها للأول، حيث قال:
* وحكمها في القصد حكم الأول *
فإن استغرق كل ما يليه بطل الجميع نحو: "له عليَّ عشرة إلَّا عشرة إلَّا عشرة إلَّا عشرة" فتلزمه العشرة لبطلان الاستثناءات كلها، وإلى هذا أشار بقوله:
. . . . . . . . . . . . .
…
وكلُّها عند
(1)
التساوي قد بَطَل
(1)
الأصل: مع.