الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجري على الخلاف في ذلك الاختلاف في الاحتجاج بالإجماع السكوتي، وهو أن يقول بعض المجتهدين حكمًا ويسكت جميع الباقي منهم ولم ينكروا عليه، فعلى أن السكوت رضًا وإقرار؛ فالسكوتيُّ إجماع لدلالة السكوت على موافقة الساكتين. وعلى أن السكوت ليس برضا ولا إقرار؛ فالسكوتيُّ ليس بإجماع وهو قول الشافعي
(1)
، واختيار الباقلاني ممت المالكية
(2)
. قال الشافعيُّ: لا يصح أن يُنْسَب للساكت قول
(3)
.
و
الاختلاف في الإجماع السكوتي مُقيَّد بثلاثة شروط:
الأول: هو ألَّا يقوم دليل على أن الساكتين أو بعضهم ساخطون لذلك الحكم غير راضين به، فإن قام على ذلك دليل فليس بإجماع اتفاقًا.
الثاني: ألَّا يقوم دليل على أن الساكتين كلَّهم راضون بذلك الحكم موافقون عليه، فإن قام دليل على ذلك فهو إجماع اتفاقًا. وهذان الشرطان هما مراد المؤلف بقوله:"وهو بفقد السخط والضد حري" فالسُّخط -بضم السين- يعني به كراهية الساكتين للحكم الذي نطق به البعض، والألف واللام في قوله:"الضد" عِوَض عن المضاف إليه، أي ضِدِّ السخط وهو الرضا. وقوله:"حري" معناه حقيق وجدير، والضمير في قوله:"وهو" عائد إلى السكوت الذي فيه الخلاف المذكور.
(1)
انظر "قواطع الأدلة": (3/ 273 - 274).
(2)
انظر "البرهان": (1/ 447).
(3)
قال الشافعي في "اختلاف الحديث - مع مختصر المزني": (ص/ 507): "ولا يُنْسَبُ إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل".
الثالث: هو أن تمضي بعد سماع السَّاكتين مهلة أي مدة تكفي عادةً لنظرهم في ذلك القول، أما قُبيل مُضِي تلك المدة فليس بإجماع قولًا واحدًا، وهذا مراد المؤلف بقوله:"مع مُضِيّ مهلة للنظر". وفي المسألة أقوال أخر.
627 -
ولا يُكفَّر الذي قد اتبَعْ
…
إنكارَ الاجماعِ وبئسَ ما ابتدَعْ
يعني أن من أنكر حجية الإجماع لا يُحكم عليه بالتكفير لكن ذلك القول بدعة يحق لها أن تُذَم، ولذلك ذمها المؤلف بالفعل الدال على إنشاء الذم الذي هو "بئس"، وإنما لم يكفر منكر حجية الإجماع لأنه لم يُكَذِّب الأدلة الشرعية بل يدَّعي أنها لم يثبت منها ما يدل على حجيته، والذين أنكروا الإجماع الشيعةُ والخوارجُ والنظَّامُ.
628 -
والكافرُ الجاحدُ ما قد أُجمِعا
…
عليه مما علمُهُ قد وقَعا
629 -
عن الضروري من الدّينيِّ
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أن الذي يوجب الكفر هو إنكار ما عُلِم من الدين بالضرورة، ومعنى بالضرورة: أنه يعلمه كل أحد من غير قبول للتشكيك فيه بحال كوجوب الصلاة وحُرْمة الزنا.
وقوله: "عن الضروريّ" سيأتي مفهومه. وقوله: "من الدينيّ" يُحترز به عن إنكار ما عُلِم بالضرورة من غير الدينيّ كإنكار وجود بغداد أو الكوفة، وإنما حُكِم بتكفير منكر ما عُلِم من إلدين بالضرورة لأنه مكذب لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
. . . . . . . . . . . .
…
ومثلُهُ المشهور في القويِّ
630 -
إن كان منصوصًا
…
. . . . . . . . . . . .
يعني أن المجمعَ عليه المشهورَ علمه بين الناس يَكْفُر جاحدُه أيضًا على القول القوي نظرًا إلى شهرته، وقيل: لا يكفر جاحده لاحتمال أن يخفى عليه، وقوَّاه بعضهم، ومثَّل له المحلِّيّ
(1)
بجواز البيع، وذكر المؤلف في "الشرح"
(2)
تبعًا لصاحب "الضياء اللامع" أن البيع من القسم الأول الضروري وهو الظاهر.
. . . . . وفي الغيرِ اختَلَفْ
…
إن قَدُمَ العهدُ بالاسلام السَّلَفْ
مراده بالغير المشهور الغير المنصوص، يعني أن المشهور الغير المنصوص المُجْمع عليه اختُلِف في تكفير جاحده، والظاهر أن من أمثلته إباحة القراض فإنها مجمع عليها مشهورة، ولم تثبت بنص صحيح إذ لم يرد فيها مرفوعًا إلَّا حديث صهيب عند ابن ماجه
(3)
، وهو ضعيف لأن في إسناده نصرَ بن القاسم عن عبد الرحيم بن داود وهما مجهولان.
ومحل هذا الخلاف في غير حديث العهد بالإسلام، أما حديث العهد به فلا يكفر بذلك اتفاقًا، لأنه معذور بحدوث إسلامه، فإنه قد
(1)
في "شرحه على الجمع": (2/ 202).
(2)
(2/ 97)، و"الضياء اللامع":(2/ 289).
(3)
رقم (2289). ونص الحديث: "ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وأخلاط الشعير للبيت لا للبيع". قال البوصيري في "مصباح الزجاجة": (2/ 24 - 25): "هذا إسناد ضعيف صالح بن صهيب مجهول، وعبد الرحمن بن داود حديثه غير محفوظ قاله العقيلي، ونصر بن قاسم قال البخاري: حديثه موضوع. . . " اهـ.
يجهل المشهور عند المسلمين، أما الخفي فلا يكفر جاحده اتفاقًا، كالإجماع على أن الجماع قبل وقوف عرفة يفسد الحج به
(1)
، ولو كان منصوصًا كالإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب، فإنه ثابت في "صحيح البخاري"
(2)
من طريق هُزيل من حديث عبد اللَّه بن مسعود مرفوعًا. وقوله: "السلف" فاعل "اختلف"، و"قَدُمَ" بضم الدال بمعنى تقادم.
* * *
(1)
ط: (بل). ولكل وجه.
(2)
رقم (6736).