المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ضابط الاشتقاق المطرد بالقياس - نثر الورود شرح مراقي السعود - جـ ١

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل)

- ‌ حد التكليف

- ‌ الرغيبة في اصطلاح المالكية

- ‌ كل حكم يتوقف على ثلاثة أشياء

- ‌ الفرق بين الركن والشرط:

- ‌ العلة الشرعية والسبب الشرعِيّ

- ‌ الأداء له ثلاث حالات:

- ‌ ثمرة الخلاف في الأمر هل ينقطع بالمباشرة أو لا

- ‌ فائدة التكليف

- ‌كتاب القرآن ومَباحث الألفاظ

- ‌المنطوق والمفهوم

- ‌ أقسام مفهوم الموافقة

- ‌فصل

- ‌ هل تثبُتُ اللغةُ بالقياس

- ‌فصل في الاشتقاق

- ‌ ضابط الاشتقاق المطرد بالقياس

- ‌فصل في التَّرادُف

- ‌ اختلف في الترادف على ثلاثة أقوال:

- ‌المشْترك

- ‌فصل: الحقيقَة

- ‌ أقسام الحقيقة

- ‌المجَاز

- ‌ إذا تعذَّرَت الحقيقة يجب عند المالكية الانتقال إلى المجاز

- ‌المُعَرَّب

- ‌الكناية والتعريض

- ‌الأمر

- ‌ من فعل في العبادة كالصلاة ضدَّها كالسرقة هل يفسدها

- ‌ النهي الوارد بعد الوجوب

- ‌الواجب الموسع

- ‌[فصل ذو الكفاية]

- ‌ المسنون على الكفاية

- ‌النهي

- ‌ صيغة النهي حقيقة في التحريم

- ‌ في نفي الإجزاء والقبول

- ‌العام

- ‌ غير المقصود هل يدخل في حكم العام والمطلق

- ‌ مدلول العام في التركيب

- ‌ الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما عَدَمُ العمومِ أصحُّ فيه

- ‌التخصِيص

- ‌ أقل الجمع الحقيقي

- ‌ العام المخصوص

- ‌ العام الذي دخله تخصيص حجة في الباقي

- ‌المخصِّصُ المتصل

- ‌ الفرق بين الاستثناء المتصل والمنقطع

- ‌ استثناء المِثْلِ مبطل للاستثناء

- ‌ إذا تعدَّد الاستثناء ولم يستغرق منه إلَّا الأول

- ‌ الشرط يعود لكل الجمل المتقدمة

- ‌ إن اشْتُرط شرطان أو أكثر

- ‌ إن عُلِّق شيءٌ على أحدِ شرطين على سبيل البدل

- ‌ الغاية تخصِّص سواء تقدمت أو تأخرت

- ‌ بدل البعض من الكل من المخصِّصات المتصلة

- ‌المخصِّص المنفصل

- ‌ الأكثر يخصِّصون النص بالقياس

- ‌ أربع مسائل اختُلِف في التخصيص بها

- ‌المقيّد وَالمطلق

- ‌ القيد إذا تأخر وروده عن أول وقت العمل

- ‌ إذا كان الإطلاق والتقييد في أمر ونهي

- ‌التأويل، والمُحكم، والمُجْمَل

- ‌ ثلاثَ مسائل من مسائل التأويل البعيدة:

- ‌ النَّصَّ الواحد يكون مبيَّنًا من جهةٍ مجملًا من جهةٍ أخرى

- ‌البَيَان

- ‌ البيان يكون بكلِّ ما يجلو العمى

- ‌ النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخِّر بيانًا عن وقت الحاجة إليه

- ‌ تأخير البيان إلى وقت العمل به فيه أربعة مذاهب:

- ‌النسخ

- ‌ القياس لا يصح النسخ به

- ‌ نسخ بعض القرآن وقع بالفعل

- ‌ نسخ القرآن بأخبار الآحاد

- ‌ يجوز نسخ الحكم الخفيف بحكم أثقل منه

- ‌ النسخ قبل وقوع الفعل جائز

- ‌ نسخ النص بالفحوى جائز

- ‌ نسخ مفهوم الموافقة دون المنطوق

- ‌يجوز نسخ حكمِ مفهوم المخالفة مع بقاء المنطوق. ومثاله:

- ‌ النسخَ إنما يكون في الإنشاء دون الخبر

- ‌أوْضح فرقٍ بين الإنشاء والخبر:

- ‌ كل حكم تكليفيّ بالنظر إليه بمفرده قابل للنسخ عقلًا وشرعًا

- ‌[الأدلة](3)التي يُعرف بها النسخ

- ‌كتاب السنَّة

- ‌ أفعال النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار التشريع والجبلَّة ثلاثة أقسام:

- ‌ من علامات وجوب(3)الفعل تعزيرُ تاركه

- ‌وقيل: يُحْمَل على الندب

- ‌ تقسيم الخبر إلى ما قُطِعَ بكذبه، وما قُطع بصدقه

- ‌ أقل عدد التواتر

- ‌ المستفيض من خبر الآحاد

- ‌ رواية الفاسق والمبتدع

- ‌المجهول ثلاثة أقسام:

- ‌ الأمور التي تثبت بها العدالة

- ‌ إذا عدَّل الراوي جماعةٌ وجرَّحه آخرون

- ‌ أصحَّ حدود الصحابي

- ‌كيفية رواية الصَّحابيِّ

- ‌كيفيّة رواية غيره عَن شيْخه

- ‌ الإجازة للمعدوم

- ‌كتابُ الإجماع

- ‌ إجماعَ أهل الكوفة

- ‌ إجماع أهل المدينة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌ ما كلفت الأمة بعلمه يستحيل اتفاقها على جهله

- ‌ الإجماع لا يعارضه دليل

- ‌الاختلاف في الإجماع السكوتي مُقيَّد بثلاثة شروط:

الفصل: ‌ ضابط الاشتقاق المطرد بالقياس

اتصف بتلك الصفة، فكلُّ من وَقَع منه الضرب صح أن يُقال له: ضارب، فضارب مبهم يصح إطلاقه على كل من صدر منه الضرب، وكلُّ ذات قام بها السواد -مثلًا- صحَّ أن يقال لِذَكَرها: أسود ولأنثاها: سوداء، فالأسود -مثلًا- مبهم أي غير معيَّن يصح إطلاقه على كلِّ من قام به السواد.

وقوله: "وغيره لا يطَّرِد" يعني أن غير المبهم لا يطَّرِد فيه الاشتقاق، كالقارورة فإنها غير مبهمة بل مُعَينة، لكونها يُقْصَد بها ما كان من الزجاج خاصة دون غيره مما هو مقر للمائع، وكالدَّبَران لخصوص الأنجم المعروفة، وكالأبلق لما اجتمع فيه سواد وبياض من خصوص الخيل دون غيرها من الحيوانات. ومحل اطراد الاشتقاق فيما لم يمنع منه مانع، فإن اللَّه تعالى قال عن نفسه:{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)} [الحديد]. ولا يصح الاشتقاق له من ذلك فلا يقال له: فاضل لأن أسماءه تعالى توقيفية.

قال مقيده عفا اللَّه عنه:‌

‌ ضابط الاشتقاق المطرد بالقياس

الصرفيَّ إذا أردت أن تعلمَه فاعلم أن المصدر الذي منه الاشتقاق له حالتان:

الأولى: أن يكون حدثًا متجددًا باختيار الفاعل كالقيام والجلوس.

الثانية: أن يكون صفةً قائمة بالذات من غير اختيارها كالسجايا والألوان ونحوِ ذلك، فالسجايا نحوُ: الكرم والشجاعة، والألوان كالسواد والبياض.

والقسم الأول الذي هو الحدث المتجدد باختيار الفاعل له حالتان:

الأولى: أن تكون نسبته واحدة وهو المعبَّر عنه باللزوم أي عدم التعدي إلى المفعول به كالقيام والجلوس.

ص: 107

الثانية

(1)

: أن تكون له نسبتان: نسبةٌ إلى فاعله من حيث وقوعه منه، ونسبة إلى مفعوله من حيث وقوعه عليه، نحو الضرب فإنه لا تُعْقَل حقيقته إلا بضارب ومضروب، لأنه صفة إضافية وهي لا تُدْرَك حقيقتها إلا بإدراك المتضايِفيْن، وهذا هو المعبَّر عنه بالتعدي إلى المفعول.

فإن كان المصدر الذي منه الاشتقاق صفة قائمة بالذات من غير اختيارها كالكرم والشجاعة فلا يشتق منها باطراد القياس الصرفي إلا ثلاثة أشياء: الأول: الفعل ككَرُمَ وشجُعَ. الثاني: الصفة المشبهة ككريم وشجاعٍ. الثالث: صيغة التفضيل بشروطها المعروفة، نحو "زيد أكرم من عَمرو، وأشجع منه".

وإن كان المصدر الذي منه الاشتقاق حَدَثًا متجددًا باختيار الفاعل له نسبة واحدة أي غير متعدٍّ للمفعول فلا يُشتق منه بالقياس الصرفي إلا خمسة أشياء: الأول: الفعل نحو "قام ومشى". الثاني: اسم الفاعل نحو "قائم وماشي". الثالث: صيغة التفضيل بشروطها المعروفة نحو "زيد أمشى بالنميمة من بكر". الرابع: اسم المكان كـ "المجلس والمسجد" لمكان الجلوس والسجود. الخامس: اسم الزمان نحوُ "محِلّ الدَّيْن رمضان" أي زمان حلوله رمضان.

وإن كان المصدر الذي منه الاشتقاق حدَثًا متجددًا باختيار الفاعل له نسبتان أيْ متعدٍّ إلى المفعول، فإنه يُشتق منه بالقياس الصرفي جميع المشتقات الثمان إلا الصفة المشبهة فقط فإنها لا تُصاغ إلا من صفة قائمة بالنفس لا من حَدَث متجدد. وبذلك تعلم أن المشتقات من المصدر

(1)

الأصل: الثاني.

ص: 108

المذكور سبع وهي: الفعل نحو "ضربه"، واسم الفاعل كـ "ضارب"، واسم المفعول كـ "مضروب"، واسم الآلة كـ "مفتاح"، واسم الزمان والمكان كـ "المَضْرب" بمعنى مكان الضرب أو وقته، وصيغة التفضيل نحو "زيد أضرب من عَمرو".

177 -

والجَبْذُ والجَذْبُ كبيرٌ ويَرى

للأكبر الثَّلْمَ وثلبًا مَنْ دَرَى

ذكر في هذا البيت الاشتقاق الكبير والاشتقاق الأكبر، فالاشتقاق الكبير في الاصطلاح هو: ما اجتمعت فيه الأصول دون الترتيب مع مناسبة معنوية، كاشتقاق "جبَذ وجابذ" من الجَذْب، فالمعنى واحد والحروف والأصول

(1)

متحدة إلا أن ترتيبها مختلف في المشتق والمشتق منه.

والاشتقاق الأكبر في الاصطلاح هو: ما فيه المناسبة في المعنى وفي بعض الحروف، كاشتقاق "ثلمَ وثالم" من الثلب، فلم تتناسب الأصول في اللام وإنما تناسبت في الفاء والعين.

قال أبو حيان

(2)

: ولم يقل بالاشتقاق الأكبر من النحاة إلا أبو الفتح

(3)

، وكان ابن الباذش

(4)

يأنس به.

(1)

ط: الحروف الأصول.

(2)

انظر "البحر المحيط": (2/ 75).

(3)

أي ابن جني في كتابه "الخصائص": (2/ 133 - وما بعدها).

(4)

هو: علي بن أحمد بن خلف أبو الحسن بن الباذش الأندلسي النحوي، له تصانيف (ت 528 هـ)، ترجمته في "معجم الصدفي":(ص/ 274)، و"بغية الوعاة":(2/ 142 - 143). =

ص: 109

وقول المؤلف "مَنْ" في قوله: "من درى" فاعل "يرى".

178 -

والأعجميُّ فيه الاشتقاقُ

كجبْرَئيلَ قاله الحُذَّاق

يعني أن الأسماء الأعجمية قد تكون مشتقة قاله الأصفهانيُّ في "شرح المحصول"، والدليل عليه ما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لجبريل:"لم سُميت جبرئيل؟ " فقال: لأني آتٍ بالجبروت

(1)

.

179 -

كذا اشتقاقُ الجمع مما أُفْرِدَا

ونفْيُ شرطِ مصدرٍ قد عُهِدا

يعني أن الجمع والتثنية مشتقان من المفرد، فرجلان -مثلًا- ورجال مشتقان من رجل، والمراد بالاشتقاق في ذلك جَعْل أحدهما أصلًا والآخر فرعًا، والفرع مردود إلى الأصل.

وقوله: "ونفي شرط" إلخ يعني أنه لا يشترط في الاشتقاق وجود المصدر بل يُشتق من مصدر مقدَّر لم تنطق به العرب، وعليه فالأفعال الجامدة كـ "عسى" مشتقة، ولا ينافي اشتقاقها جمودها إذ لا منافاة بين الجمود والاشتقاق، ألا ترى أن "تبارك" فعل جامد وهو مشتق من البركة.

180 -

وعند فَقْد الوصفِ لا يُشتقُّ

وأَعْوَزَ المُعْتزليُّ الحقَّ

يعني أن الذات إذا لم تتصف بالمصدر فلا يجوز الاشتقاق لها

= وقد نسب هذا القول له العطار في حاشيته على شرح المحلي، وصاحب "النشر":(1/ 109)، لكن الزركشي في "البحر":(2/ 75) نسبه إلى أبي علي الفارسي نقلًا عن أبي حيان النحوي. فاللَّه أعلم.

(1)

لم أجده.

ص: 110

منه، فلا يصح اشتقاق "الضارب" لمن لم يقع منه ضرب أصلًا، ولا اشتقاق "الأسود" لمن لم يقم به سواد، خلافًا للمعتزلة القائلين بجواز ذلك مع عدم اتصاف الذات بالمصدر، حيث زعموا أنه تعالى قادر بذاته لا بقدرة قامت بذاته، عالم بذاته لا بعلم قام بذاته، وهكذا في كل صفات المعاني، فرارًا منهم من تعدد القديم. ومذهبهم ظاهر البطلان إذ لا يعقل كونه قادرًا من غير قدرة، عالمًا من غير علم. وأشار المؤلف إلى هذا بقوله:"وأعوز المعْتزليُّ الحق" وأعوزه الشيءُ احتاجَ إليه، يعني أن المعتزلة خالفوا منهج الصواب المحتاج إلى اتباعه

(1)

.

واحترز المؤلف بالوصف في قوله: "وعند فقد الوصفِ" من العين فإنها يُشتق منها مع عدم قيامها بالذات لاستحالة قيامها بها كاشتقاق "التامر" و"اللَّابن" من التمر واللبن، مع أنهما لم يقوما بذات صاحبهما كما في قول الشاعر:

وغَرَرْتَني وزعمتَ أنّـ

ـكَ لابنٌ في الحي تامِر

(2)

وكاشتقاق المكي والمدني من مكة والمدينة حرسهما اللَّه ونحو ذلك.

181 -

وحيثُما ذو الاسم قَامَ قد وجَبْ

. . . . . . . . . . . . .

يعني أن كل معنى وَضَعت له [العرب] اسمًا إذا قام بالذات وجب اشتقاق الوصف للذات منه، فكل ذات قام بها علم، أو قدرة، أو سواد،

(1)

كذا في "النشر": (1/ 110)، و"مراقي السعود":(ص/ 122 - 123)، و"فتح الودود":(ص/ 41).

(2)

البيت للحُطَيئة "ديوانه": (ص/ 86) وفيه: لابن في الصيف.

ص: 111

أو بياض ونحو ذلك، وجب أن يشتق لها العالم، والقادر، والأسود، والأبيض -مثلًا- من تلك الصفات المذكورة القائمة بها.

وقول المؤلف: "ذو الاسم" يعني المعنى الذي له اسم في العربية كالأمثلة المذكورة، واحترز به عن المعنى الذي ليس له اسم في العربية كأنواع الروائح، فلا يصح الاشتقاقُ منه لعدم وجود لفظ يعبر به عنه حتى يصح منه الاشتقاق. وضمير الفاعل في قوله:"وجب" للاشتقاق.

. . . . . . . . . . . . .

وفرعُه إلى الحقيقةِ انتسب

182 -

لدى بقاء الأصلِ في المَحَلّ

بحسبِ الإمكان عند الجُلِّ

183 -

ثالثُها الإجماعُ حيثما طَرا

على المحَلِّ ما مُناقضًا يُرى

184 -

عليه يُبْنى مَنْ رَمَى المطلَّقَه

فبعضُهُمْ نفى وبعضٌ حقَّقه

الضمير في قوله: "فرعه" راجع إلى الوصف المشتق منه فهو الأصل وفرعه المشتق. وقوله: "إلى الحقيقة انتسب" أي يقال له: "حقيقي" ما دام الوصف المشتق منه قائمًا بالذات، فـ "القائم" مثلًا مشتقّ من القيام، إلا أن "القائم" لا يكون حقيقةً إلا في حالة الاتصاف بالقيام.

وقول المؤلف: "لدى بقاء" يتعلق بقوله: "إلى الحقيقة انتسب" أي انتسب الفرع -الذي هو المشتق- إلى الحقيقة، فقيل فيه:"حقيقي" عند قيام الوصف بالمحل. وقوله "بحسب الإمكان" يُشير به إلى أن بعض المصَادر التي منها الاشتقاق يكون سيَّالًا أي يمضي تدريجًا شيئًا فشيئًا كـ "التكلُّم" فإن المشتق منه ينتسب للحقيقة عند قيام المصدر السيال بالذات بحسب الإمكان، لأنه لا يقوم بالذات جُمْلة لتفاوته تدريجًا،

ص: 112

فحسب

(1)

الإمكان فيه آخر جزء منه.

وقوله: "عند الجُلّ" يشير به إلى أن بعض المعتزلة وابنَ سينا قالوا بإطلاق الحقيقة على الفرع الذي هو المشتق، ولو فارق الوصف الذي منه الاشتقاق المحلَّ، فيصح تسمية القاعد قائمًا باعتبار قيامٍ سَبَق له أمس.

قوله: "ثالثها" إلخ، يعني أن أهل القول الثالث قالوا: أجمع المسلمون وأهل اللسان العربي على أنه لا يجوز الاشتقاق من الوصف بعد مفارقته حيثما طرأ على المحل وصف وجودي يناقض الوصف الأول الذي منه الاشتقاق، كتسمية القاعد قائمًا باعتبارِ قيامٍ سابق، وأنه يصح مجازًا من إطلاق أحد الضدَّين وإرادة الآخر.

وقوله: "عليه يُبْنى من رمى" إلخ يعني أنه ينبني على الخلاف المذكور من رمى مطلقته طلاقًا بائنًا بالزنا، فعلى أنها لا تسمَّى زوجة بعد مفارقة وصف الزوجية لها فإنه يُحَدّ حدَّ القذف ولا يُمَكَّنُ من اللعان لأنه رمى من لا تسمَّى زوجة، وهذا هو معنى قوله:"فبعضهم نفى"، وعلى أنها تُسَمَّى زوجة بَعْدَ مفارقة وصف الزوجية لها فإنه يلاعنها، لأنها تسمى زوجة واللَّه يقول:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور/ 6] الآية. وهو معنى قوله: "وبعضٌ حقَّقَه".

وعلى القول الثالث: إذا كانت متزوجة بغيره لم يلاعن لطروِّ وصفٍ وجودي هو زوجية الثاني على المحل الذي هو الزوجة يناقض الأول الذي هو زوجية الأول، لاستحالة اشتراك الزوجة بين زوجين.

(1)

الأصل: بحسب.

ص: 113

وإن كانت غير متزوجة بغيره لاعَنَ، ولم يذكر المؤلف هذا ولكنه ذكره في "الشرح"

(1)

عن ابن المَوَّاز

(2)

.

185 -

فما كسارقٍ لدى المُؤَسِّسِ

حقيقةٌ في حالةِ التَّلَبُّسِ

186 -

أو حالةِ النُّطقِ بما جا مُسندا

وغيرُه العمومُ فيه قَد بَدا

اعلم أولًا أن اسم الفاعل كـ "سارق" واسم المفعول كـ "مضروب" قد اخْتَلَف في حقيقة استعمالهما البلاغيُّون والنحويون، فهما عند البلاغيين ذاتٌ متصفة بالمصدر الذي منه الاشتقاق من غير اعتبار زمان ولا حدوث، فهو حقيقة فيمن قام به الوصف في الحال أو الماضي أو الاستقبال فقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة/ 38] حقيقةٌ فيمن وقع منه هذا الفعل في الماضي أو الحال والاستقبال إلى يوم القيامة، ولذا لو شهد عند القاضي بأن فلانًا سارق في الزمن الماضي لحكم عليه بالقطع، ومن طرأت منه السَّرقة بعد نزول الآية كان داخلًا في معناها دخولًا حقيقيًّا، وهذا المعنى الذي عليه البيانيون هو الذي عليه السُّبْكيَّان: تاج الدين ووالده تقي الدين

(3)

، وهما مراد المؤلف بقوله:"لدى المؤسِّسِ" بصيغة اسم

(1)

(1/ 111).

(2)

هو محمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندراني المعروف بابن الموَّاز، من كبار فقهاء المالكية (ت 269)، له كتابه المشهور بـ "الموَّازية" قال فيه عياض: هو أجلّ كتاب ألّفه قدماء المالكيين وأصحه مسائل وأبسطه كلامًا وأوعبه. انظر: "ترتيب المدارك": (4/ 167 - 170)، و"جمهرة تراجم المالكية":(2/ 981).

(3)

انظر "جمع الجوامع": (1/ 288 - 289).

ص: 114

الفاعل، ومعناه صاحب الأصول.

فإن قيل: ذكرتم أن البيانيين يقولون: إن الوصفَ كاسم الفاعل أو اسم المفعول ذاتٌ متصفة بالمصدر من غير اعتبار زمان أو حدوث، وأن السُّبْكيَّيْنِ على قول البيانيِّيْن، كيف يجتمع ذلك مع أنهما يقولان: إن اسم الفاعل -مثلًا- لا يكون حقيقة إلا في حالة التلبس بالمصدر الذي منه الاشتقاق أو بآخر جزءٍ منه إن كان سيَّالًا؟

فالجواب: أن اعتبار الزمان غير اعتبار حالة التلبس؛ لأن الزمان باعتبار النطق، والتلبس باعتبار الفعل، فصح للسبكيين اعتبار حالة التلبس دون اعتبار الزمان. فقوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} -مثلًا- لم يُعتبر فيه زمان، فهو يشمل السارق الآن والسارق فيما مضى والسارق في المستقبل، ولكن تحقيق إطلاق اسم السرقة عليه بالفعل على سبيل الحقيقة إنما هو باعتبار حالة تلبُّسه بها، فظهر الفرق بين الأمرين.

فإن قيل: يلزم على ما ذكرتم أن من كان يسرق ويزني قبل نزول آية السرقة وآية الزنا أنه يُحَدّ.

فالجواب: أنه وقت سرقته أو زناه إن كان كافرا ثم أسلم فالإسلام يَجُبُّ ما قبله، وإن كان مسلمًا فالمانعُ من حَدِّه أن ذلك الفعل في وقته الماضي ليس حرامًا عليه واللَّه تعالى يقول:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة/ 115].

فإن قيل: يلزم على قول السُّبكيين أن من قامت عليه بينة بالسرقة في الزمن الماضي أنه لا يُقْطع، لأنه عندهما لا يسمَّى سارقًا حقيقة إلا

ص: 115

حالةَ التلبس وهو الآن غيرُ متلبس بالفعل، فيلزمُ عليه أنه الآن غيرُ سارق فلا يقطع.

فالجواب: أنه وقتَ تلبُّسه بالسرقة صار سارقًا حقيقة فوجب عليه الحد في ذلك الوقت، لأنه سارق في ذلك الوقت، لا لأنه سارق الآن.

وقول المؤلف: "أو حالة النطق بما جا مسندا" إلخ "أو" فيه لتنويع الخلاف، يعني أن القرافي فرَّق في ذلك بين المسند والمسند إليه فقال في المسند إليه مثل قول السبكيين الذي قدمنا آنفًا، وذلك هو مراده بقوله

(1)

: "وغيره العموم فيه قد بدا" وقال في المسند من اسم فاعل أو مفعول -مثلًا- إنه حقيقة في حالة النطق به خاصة، فقولك:"زيد ضارب" عنده حقيقة في وقوع الضرب وقت النطق لا فيما بعده ولا قبله إلا على سبيل المجاز، وحجته أنه يراد به الحَدَث الحاصل بالفعل ويلزمه حضور الزمان. وقول المؤلف:"أو حالة النطقِ" بالجر عطفًا على حالة التلبس. والوصف كاسم الفاعل عند النحويين يُرَاد به الحدوث في الزمن الحاضر وقت النطق، وإطلاقه على المتصف به قبل ذلك أو بعده مجاز على قولهم أعني النحويين.

ومثال كون الوصف مسندًا: "زيد ضارب" ومثال كونه مسندًا إليه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/ 38]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا} [النور/ 2].

* * *

(1)

هنا لحق لكنه مضطرب وغير واضح.

ص: 116