المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المستفيض من خبر الآحاد - نثر الورود شرح مراقي السعود - جـ ١

[محمد الأمين الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌(فصل)

- ‌ حد التكليف

- ‌ الرغيبة في اصطلاح المالكية

- ‌ كل حكم يتوقف على ثلاثة أشياء

- ‌ الفرق بين الركن والشرط:

- ‌ العلة الشرعية والسبب الشرعِيّ

- ‌ الأداء له ثلاث حالات:

- ‌ ثمرة الخلاف في الأمر هل ينقطع بالمباشرة أو لا

- ‌ فائدة التكليف

- ‌كتاب القرآن ومَباحث الألفاظ

- ‌المنطوق والمفهوم

- ‌ أقسام مفهوم الموافقة

- ‌فصل

- ‌ هل تثبُتُ اللغةُ بالقياس

- ‌فصل في الاشتقاق

- ‌ ضابط الاشتقاق المطرد بالقياس

- ‌فصل في التَّرادُف

- ‌ اختلف في الترادف على ثلاثة أقوال:

- ‌المشْترك

- ‌فصل: الحقيقَة

- ‌ أقسام الحقيقة

- ‌المجَاز

- ‌ إذا تعذَّرَت الحقيقة يجب عند المالكية الانتقال إلى المجاز

- ‌المُعَرَّب

- ‌الكناية والتعريض

- ‌الأمر

- ‌ من فعل في العبادة كالصلاة ضدَّها كالسرقة هل يفسدها

- ‌ النهي الوارد بعد الوجوب

- ‌الواجب الموسع

- ‌[فصل ذو الكفاية]

- ‌ المسنون على الكفاية

- ‌النهي

- ‌ صيغة النهي حقيقة في التحريم

- ‌ في نفي الإجزاء والقبول

- ‌العام

- ‌ غير المقصود هل يدخل في حكم العام والمطلق

- ‌ مدلول العام في التركيب

- ‌ الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما عَدَمُ العمومِ أصحُّ فيه

- ‌التخصِيص

- ‌ أقل الجمع الحقيقي

- ‌ العام المخصوص

- ‌ العام الذي دخله تخصيص حجة في الباقي

- ‌المخصِّصُ المتصل

- ‌ الفرق بين الاستثناء المتصل والمنقطع

- ‌ استثناء المِثْلِ مبطل للاستثناء

- ‌ إذا تعدَّد الاستثناء ولم يستغرق منه إلَّا الأول

- ‌ الشرط يعود لكل الجمل المتقدمة

- ‌ إن اشْتُرط شرطان أو أكثر

- ‌ إن عُلِّق شيءٌ على أحدِ شرطين على سبيل البدل

- ‌ الغاية تخصِّص سواء تقدمت أو تأخرت

- ‌ بدل البعض من الكل من المخصِّصات المتصلة

- ‌المخصِّص المنفصل

- ‌ الأكثر يخصِّصون النص بالقياس

- ‌ أربع مسائل اختُلِف في التخصيص بها

- ‌المقيّد وَالمطلق

- ‌ القيد إذا تأخر وروده عن أول وقت العمل

- ‌ إذا كان الإطلاق والتقييد في أمر ونهي

- ‌التأويل، والمُحكم، والمُجْمَل

- ‌ ثلاثَ مسائل من مسائل التأويل البعيدة:

- ‌ النَّصَّ الواحد يكون مبيَّنًا من جهةٍ مجملًا من جهةٍ أخرى

- ‌البَيَان

- ‌ البيان يكون بكلِّ ما يجلو العمى

- ‌ النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤخِّر بيانًا عن وقت الحاجة إليه

- ‌ تأخير البيان إلى وقت العمل به فيه أربعة مذاهب:

- ‌النسخ

- ‌ القياس لا يصح النسخ به

- ‌ نسخ بعض القرآن وقع بالفعل

- ‌ نسخ القرآن بأخبار الآحاد

- ‌ يجوز نسخ الحكم الخفيف بحكم أثقل منه

- ‌ النسخ قبل وقوع الفعل جائز

- ‌ نسخ النص بالفحوى جائز

- ‌ نسخ مفهوم الموافقة دون المنطوق

- ‌يجوز نسخ حكمِ مفهوم المخالفة مع بقاء المنطوق. ومثاله:

- ‌ النسخَ إنما يكون في الإنشاء دون الخبر

- ‌أوْضح فرقٍ بين الإنشاء والخبر:

- ‌ كل حكم تكليفيّ بالنظر إليه بمفرده قابل للنسخ عقلًا وشرعًا

- ‌[الأدلة](3)التي يُعرف بها النسخ

- ‌كتاب السنَّة

- ‌ أفعال النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار التشريع والجبلَّة ثلاثة أقسام:

- ‌ من علامات وجوب(3)الفعل تعزيرُ تاركه

- ‌وقيل: يُحْمَل على الندب

- ‌ تقسيم الخبر إلى ما قُطِعَ بكذبه، وما قُطع بصدقه

- ‌ أقل عدد التواتر

- ‌ المستفيض من خبر الآحاد

- ‌ رواية الفاسق والمبتدع

- ‌المجهول ثلاثة أقسام:

- ‌ الأمور التي تثبت بها العدالة

- ‌ إذا عدَّل الراوي جماعةٌ وجرَّحه آخرون

- ‌ أصحَّ حدود الصحابي

- ‌كيفية رواية الصَّحابيِّ

- ‌كيفيّة رواية غيره عَن شيْخه

- ‌ الإجازة للمعدوم

- ‌كتابُ الإجماع

- ‌ إجماعَ أهل الكوفة

- ‌ إجماع أهل المدينة

- ‌ إجماع أهل البيت

- ‌ ما كلفت الأمة بعلمه يستحيل اتفاقها على جهله

- ‌ الإجماع لا يعارضه دليل

- ‌الاختلاف في الإجماع السكوتي مُقيَّد بثلاثة شروط:

الفصل: ‌ المستفيض من خبر الآحاد

يعني أن أخبار الآحاد تفيد الظن لا اليقين، وستأتي للمؤلف بقية الأقوال، وقد عرَّفه بقوله:"عرى" إلخ أي هو خبر عار عن قيود المتواتر التي هي: كونه خبر جمع يستحيل. . . إلخ، فخبر الآحاد إذًا هو خبر واحد، أو اثنين، أو جمعٍ لا يستحيل تواطؤهم على الكذب، أو خبر جمع يستحيل تواطؤهم عليه عن معقول.

541 -

والمستفيضُ منه وهو أربعَه

أقلُّهُ وبعضُهُم قد رَفَعَه

542 -

عن واحدٍ وبعضُهُم عما يلي

وجَعْلُه واسطةً قولٌ جَلِي

يعني أن‌

‌ المستفيض من خبر الآحاد

، وعليه فالقسمة ثنائية متواتر وآحاد، والآحاد هو المنقسم إلى مستفيض وغيره. وقيل: إن القسمة ثلاثية: آحاد ومستفيض ومتواتر، وأشار لهذا بقوله:"وجَعْله واسطة" إلخ.

وعند ابن عبد الحكم وابن عَرَفة والموَّاق وغيرهم أن المستفيض هو المتواتر. والمستفيضُ ذَكَر المؤلف في أقله ثلاثة أقوال:

الأول: أن أقله أربعة.

الثاني: أن أقله اثنان، وهو مراده بقوله:"وبعضهم قد رَفَعَه عن واحد".

الثالث: أن أقله ثلاثة، وهو مراده بقوله:"وبعضهم عما يلي". وجَعْل المستفيض واسطة هو الذي عليه "شرح عمليات فاس"

(1)

.

(1)

(عمليات فاس) هي منظومة في الفقه المالكي لأبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي (ت: 1096 هـ) في (43) بيتًا، ولها عدة شروح. انظر:"جامع الشروح والحواشي": (2/ 1234).

ص: 344

543 -

ولا يفيدُ العلمَ بالإطلاق

عند الجماهيرِ من الحُذَّاقِ

544 -

وبعضهم يفيدُ إن عدلٌ روى

واختير ذا إنِ القرينةَ احْتَوى

يعني أن خبر الآحاد لا يفيد العلم يعني اليقين عند جماهير الحذَّاق يعني الأصوليين. وقوله: "بالإطلاق" يعني سواء احتفَّت به قرائن الصدق أم لا. وحُجَّة هذا القول: أن الرواة غيرُ معصومين وادعاء القطع بخبرهم مع إمكان الكذب في حقهم كأنه تناقض.

وقوله: "وبعضهم يفيد إن عدلٌ رَوى" يعني أن بعض الأصوليين منهم ابن خُويز منداد من المالكية وهو رواية عن أحمد، وكثير من أهل الحديث يقولون: إن خبر الواحد يفيد القطع إذا كان راويه عدلًا ضابطًا

(1)

.

وحجَّتهم أن وجوب العمل به يقتضي إفادته العلم، لأن اللَّه ذم متبعَ الظن وبيَّن أن الظنَّ لا يغني من الحق شيئًا كما قال:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ، وقال تعالى:{وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)} [النجم]، وقال صلى الله عليه وسلم:"إياكم والظنَّ فإنَّ الظنَّ أكذبُ الحديث"

(2)

.

وأجيب من جهة الجمهور بأن الفروع العملية لا يُطْلَب فيها القطع بما في نفس الأمر، والعمل يكون قطعيًّا وهو مبني على ظن

(3)

في نفس

(1)

انظر في ترجيح هذا القول: "مجموع الفتاوى": (18/ 41 - 51)، و"مختصر الصواعق":(ص/ 464)، و"النكت على ابن الصلاح":(1/ 376).

(2)

أخرجه البخاري رقم (5143)، ومسلم رقم (2563) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

ط: ظني.

ص: 345

الأمر، ألا ترى أن القتل يجب بشهادة عدلين على موجبه وجوبًا قطعيًّا مع أنه لا يُقْطع بصدقهما في نفس الأمر؟

وقوله: "واختير ذا" إلخ يعني أن ابن الحاجب اختار إفادة خبر الآحاد اليقين إذا احتوى على قرينة منفصلة زائدة على العدالة

(1)

، كما لو أُخْبِر عن رجل بأنه قَتَل آخر مع مشاهدة المقتول يتشحَّط في دمه والقاتل هاربًا فزعًا وبيده السِّكين وعليها الدم، فإن هذه القرينة -مثلًا- يتقوَّى بها الخبر فيفيد القطع.

ومن المحتفِّ بقرينة الصدق: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما لما احتف به من قرائن الصدق لشدة معرفتهما بالصحيح من غيره وتلقِّي الناس

(2)

لكتابَيْهما بالقبول.

وقوله: "القرينة" مفعول فعل محذوف يفسره ما بعده، لأنَّ "إنْ" لا تدخل على الجمل الاسمية، واحتوى الشيءَ وعليه بمعنى جَمَعه.

545 -

وفي الشهادةِ وفي الفتوى العَمَلْ

به وجوبُه اتفاقًا قد حصَلْ

546 -

كذاك جاءَ في اتخاذِ الأدْوِيَه

ونحوها كسَفَرٍ والأغذيه

يعني أن الأمة اجتمعت على وجوب العمل بحكم الحاكم وفتوى المفتي وبشهادة الشاهد وإن لم يبلغوا حدَّ التواتر، فوجوب العمل بخبر الآحاد فيها مُجْمَع عليه، وكذلك أجمعوا على العمل به في الدنيويات كاتخاذ الأدوية، فيُعْتمد فيها على قولِ عدلٍ أنها داوءٌ مأمون من العطب،

(1)

"المختصر - مع الشرح": (1/ 656).

(2)

ط: العلماء.

ص: 346

وكارتكاب سفر أو غيره مما فيه غررٌ إذا أخبرَ عدلٌ أنه مأمون، وكاتخاذ الغذاء [إذا أخبر عدلٌ]

(1)

بأنه لا يضر سواء كان مأكولًا أو مشروبًا، ومحل هذا إذا كان المخبر عدلًا عارفًا، ولا يجوز الاعتماد على جاهلٍ في ذلك، وإن نشأ عَطَب ضَمِنَ كما أشار له في "المختصر"

(2)

بقوله: "كطبيب جهل".

547 -

ومالكٌ بما سِوى ذاكَ نَخَعْ

. . . . . . . . . . . .

يعني أن مالكًا رحمه الله "نخع" أي نطق وقال بوجوب العمل بخبر الواحد في جميع الأمور الدينية، وكذلك قال أبو حنيفة والشافعي وأحمدُ وعامة الأصوليين والفقهاء والمحدثين.

وقد دَلّ على العمل به العقلُ والنقلُ، أما دلالة العقل فهي أنه لو لم يُعْمَل به لتعطل جُلُّ الأحكام لأن غالبها ثابت بالآحاد، والتالي باطل فالمتقدم مثله.

وأما دلالة النقل فإنه دل عليه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، والمخالف فيه من المعتزلة محجوج بانعقاد الإجماع قبله.

أما دلالة القرآن عليه ففي قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات/ 6] يُفْهَم من دليل خطابه أن الجائي بنبأ لو كان غير فاسق لما لزم التبيُّن وذلك يفيد العمل بخبره. وقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة/ 122] الآية، فإن هذه الطائفة النافرة المنذرة قومَها آحاد، والآية تدلُّ على قبول

(1)

من ط.

(2)

(ص/ 265).

ص: 347

خبرها، ولم يقل أحد إنها لابد أن تكون يحصل بها التواتر المفيد للقطع.

وأما دلالة السنة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل الرسول الواحد والرسولين في مُهِمَّات الدين، ولو لم يكن ذلك حجة لما أَرْسَل إلى الناس من ليس في خبره حجة.

وأما الإجماع فقد اشتهر بين الصحابة الرجوع إلى أخبار الآحاد من غير نكير، ومن تتبع وقائعهم في ذلك حصل له العلم بأنه لا مخالف منهم في ذلك، فمن ذلك رجوع عمر بن الخطاب إلى خَبَر عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجِزْية من مجوس هَجَر

(1)

، وكرجوع أبي بكر رضي الله عنه لخبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدة بعد أن قال لها: مالكِ في كتاب اللَّه شيء ولا علمتُ لكِ في سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئًا

(2)

.

(1)

أخرجه البخاري رقم (3157) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مالك في "الموطأ" رقم (1461)، وأبو داود رقم (2894)، والترمذي رقم (2100)، وابن ماجه رقم (2724)، والنسائي في "الكبرى" رقم (6346)، وابن حبان "الإحسان" رقم (6031)، والحاكم (4/ 338) كلهم من طريق قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر. . .

قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان، وابن الملقن. لكن قبيصة لم يسمع من أبي بكر فهو مرسل، قال ابن عبد البر في "التمهيد":(11/ 91 - 92): "وهو حديث مرسل عند بعض أهل العلم بالحديث لأنه لم يذكر فيه سماع لقبيصة من أبي بكر ولا شهود لتلك القصة، وقال آخرون هو متصل لأن قبيصة بن ذؤيب أدرك أبا بكر وله سن لا ينكر معها سماعه من أبي بكر رضي الله عنه" اهـ، وضعفه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان. انظر "البدر المنير":(7/ 206 - 209).

ص: 348

ورجوع عمر إلى قولهما في دية الجنين أنَّها غرة

(1)

. وكرجوع الصحابة لخبر عائشة في وجوب الغسل من التقاء الختانين

(2)

.

فإن قيل: لم يقبل أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة حتى شَهِد معه محمد بن مَسْلمة، ولم يقبل عمر بن الخطاب حديث أبي موسى في الاستِئْذان حتى شَهِد معه أبو سعيد الخدري

(3)

، ولم تقبل عائشة خبرَ ابن عمر أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله

(4)

، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر ذي اليدين في السهو في الصلاة حتى شهد معه أبو بكر وعمر

(5)

.

فالجواب: أن أبا بكر لم يردَّ خبرَ المغيرة في ميراث الجدة وإنما طلبَ غيرَه معه تثبتًا وزيادةً للتأكيد وذلك لا يقتضي رد الخبر، كما جاء في القرآن نظيره عن إبراهيم عليه السلام في قوله:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة/ 260] مع أنه حجة أيضًا على قبول أبي بكر خبر الآحاد؛ لأن الاثنين آحاد بالإجماع. وأن عمر بن الخطاب صرَّح في [بعض] روايات الحديث بأنه لم يتهم أبا موسى، وإنما فعل ذلك سدًّا

(1)

أخرجه البخاري رقم (6905)، ومسلم رقم (1683) من حديث المغيرة رضي الله عنه.

(2)

أخرجه مسلم رقم (349) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه البخاري رقم (6245)، ومسلم رقم (2153) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري رقم (1288)، ومسلم رقم (929) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

أخرجه البخاري رقم (714)، ومسلم رقم (553/ 99) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 349

للذريعة لئلا يتجرَّأ الناسُ على التقوُّل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا حجة على قبول عمر خبر الآحاد مع أنه ثبت في الصحيح رجوعه لخبر عبد الرحمن ابن عوف وحْدَه في أَخْذ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الجزيةَ من مجوس هجر

(1)

، وأن عائشة رضي الله عنها لم تقل برد خبر ابن عمر وإنما ظنَّت أنه غالط في خصوص هذا الحديث لظنها أن الآية تكذِّبه وهي قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، ويدل لذلك ما ثبت في "صحيح مسلم"

(2)

من رواية القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنها قالت في حديث ابن عمر المذكور: "إنكم لتحدثون عن غير كاذبين ولا مكذبين ولكنَّ السمعَ يخطئ". وهو صريح فيما ذكرنا. وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما لم يقبل خبرَ ذي اليدين لأنه صلى الله عليه وسلم كان يظن أنه صَلّى أربعًا وأنَّ ذا اليدين هو الغالط كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ ذلكَ لم يكن" أي في ظني.

. . . . . . . . . .

وما ينافي نَقْلَ طَيْبَة مَنَعْ

548 -

إذَّ ذاك قطْعِيٌّ وإن رأيًا ففِي

تقديم ذَا أو ذَاكَ خُلْفٌ قد قُفي

يعني أن خبر الواحد إذا تعارض مع ما نقله جميع مجتهدي المدينة من الصحابة والتابعين فقط فإن مالكًا يمنع العمل بخبر الواحد فيقدِّم عليه نقل أهل المدينة؛ لأن نَقْل أهل المدينة قطعيٌّ لتواتره والمخالف له آحاد، وهذا من قبيل تقديم المتواتر على الآحاد.

وقوله: "وما ينافي نقلَ طيبة" يعني أن الذي يقدمه مالك على خبر

(1)

تقدم قريبًا.

(2)

رقم (929).

ص: 350

الآحاد هو ما نقله أهلُ المدينة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن صرحوا بنقله عنه أو كان له حُكم الرفع بأن كان لا مجال للرأي فيه. وقوله: "إذا ذاك قطعي" أي لتواتره.

وقوله: "وإن رأيًا ففي تقديم ذا" إلخ يعني أن عمل أهل المدينة المخالف لخبر الآحاد إذا كان عن اجتهاد منهم لا نقلٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن المالكية اختلفوا أيهما يقدم، فأكثر البغداديين على أنه ليس بحجة، لأنهم بعض الأمة فيقدَّم عليهم خبرُ الآحاد المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: وهو الحق وعليه المحققون من المالكية، وسيصرِّح المؤلف في القوادح

(1)

بأن فساد الاعتبار قادح في كل اجتهاد، وهو مخالفة النص، فكلُّ اجتهاد خالفَ نصًّا فهو باطل بالقادح المُسَمَّى بفساد الاعتبار، وذلك في قوله في باب القوادح الذي سيأتي:

والخُلْفَ للنصّ أو اجماعٍ دعا

فسادَ الاعتبار كلُّ من وعى

وقال آخرون: إجماعهم حجة فيقدَّم على خبر الواحد، والتحقيق خلافه كما يأتي للمؤلف في كتاب الإجماع

(2)

.

أما إذا لم يعلم أهل المدينة بالخبر فهو مقدَّم على قولهم بالاتفاق، وقال المالكية: إذا علموه وتركوا العمل به دل ذلك على نسخة فيقدَّم عملُهم عليه.

549 -

كذاك فيما عارضَ القياسَا

رِوَايتا من أحْكَم الأسَاسَا

يعني أنه جاء عن مالك روايتان في عمل أهل المدينة إذا خالف

(1)

البيت رقم (799).

(2)

البيت رقم (615).

ص: 351

القياس أيهما يقدم؟ وينبني على الخلاف جَرَيان القصاص في الأطراف بين الحر والعبد، فعمل أهلِ المدينة بأن لا قصاص فيها، ومقتضى القياس القصاص فيها، فقدَّمَ مالكٌ هنا عملَ أهل المدينة، وسيأتي لهذا زيادة إيضاح في أول كتاب القياس

(1)

. وقوله: "من أحكم الأساسا" يعني من أتقن الأصول، ومراده به مالك.

550 -

وقد كفى من غيرِ ما اعتضادِ

خبرُ واحدٍ منَ الآحادِ

يعني أن خبر الآحاد يجوز العمل به ولا يحتاج إلى عاضد يعضده من نص أو قياس وعمل، فلفظةُ "ما" زائدة والمعنى: من غير اعتضادٍ أي تقوٍّ بشيءٍ مما ذُكِر.

551 -

والجزمُ من فرعٍ وشكَّ الأصل

ودَعْ بجَزْمِه لذاك النَّقْلِ

قوله: "الجزمُ" بالرفع عطف على فاعل "كفى". وقوله: "وشكَّ" بالنَّصب مفعول معه، يعني أنه يكفي في قبول الخبر جزم الفرع الذي هو الراوي مع شك الأصل الذي هو المروي عنه، فشكّ الأصل في رواية الراوي عنه لا يبطلها على قول الجمهور، لأن الرواة قد ينسون بعضَ ما حفظوا وروي عنهم، وإنما قُبِل مع شك الأصل لأن الراوي عَدْل جازم، ولم يأت من المروي عنه ما يُعارضه، وقد روى سُهيل بن أبي صالح [عن أبيه] عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين ثم نسيه سهيل فكان يقول: حدثني ربيعةُ عنِّي ولم ينكر عليه أحد

(2)

.

(1)

(ص/ 412).

(2)

أخرجه أبو داود رقم (3610) وغيره.

ص: 352

وقوله: "ودع بجزمه لذاك النقل" يعني أن الأصل إذا جَزَم

(1)

بأن الفرع لم يرو عنه هذا الحديث ولم يَشك في ذلك فلا تُقْبَل روايته عنه.

وقوله: "لذاك" مفعول "دع" بمعنى اترك، واللّام زائدة لتأكيد التعدية، والباء في "بجزمه" سببية، وتقرير المعنى: ودع ذلك النقلَ بسبب جزم الأصل أن الفرع لم يرو عنه.

552 -

وقال بالقبول إنْ لم ينتفِ

أصْلٌ من الحديث شيخٌ مقتفي

يعني أن الباجيَ قال

(2)

: إنَّ جزم الأصل بعدم رواية الفرع عنه إذا اعترف بأن هذا الحديث من مروياته بأن قال: هذا من روايتي ولكنَّ هذا الراويَ لم يروه عني = لم يمنع جزمُه بذلك قبولَ رواية الفرع عنه؛ لأنه يمكن أن يحدِّثه وينسى أنه حدثه، وأما إن انتفى من الحديث أصلًا بأن قال: لم أرْوِ هذا الحديث أصلًا فلا تُقْبَل رواية الفرع عنه اتفاقًا. وقوله: "شيخ مقتفي" أي متَّبع يعني الباجيَّ.

553 -

وليس ذا يقدحُ في العداله

كشاهدٍ للجزمِ بالمقالَه

يعني أن مخالفةَ الأصل والفرع لا تقدَحُ في عدالة واحدٍ منهما، فلا تقول: لابدَّ أن يكون أحدهما كاذبًا والكذبُ من مسقطات الثقة بالخبر؛ لأن كلًّا منهما بالنظر إليه بمفرده يدَّعي أنه جازم وأنه صادق، كما لو قال رجل رأى طائرًا: إن كان هذا غرابًا فزوجتي طالق، وقال الآخر: إن لم

(1)

ط: صرح.

(2)

في "إحكام الفصول": (1/ 352).

ص: 353

يكن غرابًا فزوجتي طالق، وطار ولم يُعرف وادَّعى كلٌّ منهما اليقين فلا تطلق زوجةُ واحدٍ منهما.

وقوله: "كشاهد" أي كما لا تسقط شهادة الشهود بشهادة بعضِهم بنقيضِ ما شَهِدَ به الآخرون

(1)

ولو لم يمكن الجمع بل يرجَّح بين البَيِّنَتَيْن ولا يقدح ذلك التكاذبُ في عدالة أحدٍ منهم لأن الكل عَدْل جازم.

قلت: ويُسْتأْنس لهذه المسائل بمسألة اللعان حيث جاء القرآنُ بقبول أَيْمان الزوجين وسقوط الحدِّ عنهما، مع أنَّا نقطع بأن أحدهما كاذب، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"اللَّه يعلمُ بأنَّ أحدكما لكاذب"

(2)

، والكاذبُ منهما يلزم على كذبه حدٌّ من حدود اللَّه، لأنَ كذب المرأة يُلزمها حدَّ الزنا، وكذب الرجل يُلزمه حدَّ القذف.

554 -

والرفعُ والوصل وزَيْدُ اللَّفظِ

مقبولةٌ عندَ إمامِ الحفظِ

555 -

إن أمكن الذهولُ عنها عاده

إلّا فلا قبولَ للزِّياده

يعني أن الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقدَّم على الوقف على الصحابي، والوصل مقدَّم على الإرسال، وإيضاحُه: أن الحديث لو رواه بعضُ الرواة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورواه بعضُهم موقوفًا على الصحابي ولم يرفَعْه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلا الإسنادين صحيح، فإنَّ الرفعَ مقدَّم على الوقف؛ لأن الرفعَ زيادة وزيادة العدل مقبولة.

(1)

الأصل: الآخر.

(2)

أخرجه البخاري رقم (5311)، ومسلم رقم (1493) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 354

وكذلك لو روى الحديث بعضُهم متصلًا -أي لم تسقط طبقة من طبقات السند- ورواه بعضُهم مرسلًا، كأن يقول: عن فلان التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ رواية الواصلِ الذي لم يَحْذف واحدًا من رجال السند مقدَّمة على من أرسلَه -أي حَذفَ بعض رجال السند- لأن الوصل زيادة على الإرسال، وزياداتُ العدول مقبولة

(1)

.

فمثال ما اخْتُلِف فيه بالرفع والوقف حديث: "الطوافُ بالبيت صلاة إلا أن اللَّه أحل فيه الكلام"

(2)

، فقد اخْتُلِف في رفعه ووقفه على ابن عباس. وحديث:"أفضلُ صلاة المرءِ في بيته إلا المكتوبة"

(3)

اخْتُلِف في

(1)

هذه طريقة الفقهاء والأصوليين، أما طريقة المحدثين فتعتمد على القرائن في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، ولا تلزم طريقة واحدة في الترجيح.

(2)

أخرجه الترمذي رقم (962)، والدارمي رقم (1889)، وابن حبان "الإحسان" رقم (3638)، والحاكم:(1/ 459)، والبيهقي في "الكبرى":(5/ 85) وغيرهم مرفوعًا وموقوفًا على ابن عباس رضي الله عنهما.

قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": (1/ 138 - 139): "صححه ابن السكن وابن خزيمة وابن حبان، وقال الترمذي: روي مرفوعًا وموقوفًا ولا نعرفه إلا مرفوعًا من حديث عطاء ومداره على عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس واختلف في رفعه ووقفه. ورجح الموقوف النسائي والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي "شرح مسلم": (8/ 220) وزاد: إن رواية الرفع ضعيفة، وفي إطلاق ذلك نظر. . " اهـ. ومال إلى ترجيح المرفوع، ورجحه أيضًا ابن الملقن في "البدر المنير":(2/ 487 - 498).

(3)

أخرجه البخاري رقم (731)، ومسلم رقم (781) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

ص: 355

رفعه ووقفه

(1)

، ذكر هذين المثالين هكذا المؤلفُ في "الشرح"

(2)

.

ومثال ما اخْتُلِف فيه بالوصل والإرسال -ورواةُ الوصل أعلى درجة من رواة الإرسال- حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدركَ مالَه بعينه عندَ رجلٍ قد أفلس فهو أحقُّ به" رواه البخاري ومسلم عن أبي بكر بن عبد الرحمن متصلًا

(3)

. ورواه أبو داود ومالك

(4)

عن أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلًا أي لم يذكر فيه أبو هريرة.

ومثاله -ورواةُ الإرسالِ أعلى درجة- حديث: "لا نكاحَ إلَّا بِوَلي"

(5)

فإنه رواه إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعيّ، عن أبي بُرْدة، عن أبيه أبي

(6)

موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه شبعةُ وسفيانُ الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عنه صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقد قضى البخاريُّ لمن وصله مع كون شبعة وسفيان كالجبلين في الحفظ والإتقان

(7)

.

(1)

قال الترمذي بعد أن أخرجه رقم (450): "حديث زيد بن ثابت حديث حسن، وقد اختلف الناس في رواية هذا الحديث فروى موسى بن عقبة وإبراهيم بن أبي النضر عن أبي النضر مرفوعًا، ورواه مالك بن أنس عن أبي النضر ولم يرفعه وأوقفه بعضهم والحديث المرفوع أصح" اهـ.

(2)

(2/ 36 - 37).

(3)

البخاري رقم (2402)، ومسلم رقم (1559).

(4)

مالك رقم (1979)، وأبو داود رقم (3520).

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

الأصل وط: "عن أبيه عن أبي موسى" وهو خطأ.

(7)

نقله المؤلف من "النشر": (2/ 37).

ص: 356

وبما قرَّرْنا من أن الرفع والوصل زيادة وهي مقبولة من العدول يُعْلَم أنه يجري فيها التفصيل الآتي في زيادة اللفظ.

وقوله: "وزيد اللفظ" يعني أنه إذا روي الحديث وكان في بعض طرقه زيادة لم تكن في الأخرى، سواءٌ كانت زيادةَ لفظ فقط أو زيادةً تُبيِّن إجمالًا أو زيادةَ معنى.

مثالُ زيادة اللفظ فقط: رواية: "ربنا ولك الحمد"

(1)

بزيادة "الواو". ومثالُ الزيادة المُبيِّنة للإجمال: زيادة مسلم

(2)

من رواية سعد بن طارق -أبي مالكٍ الأشجعيِّ- لفظ "التُّرْبة" في حديث: "وجُعِلَت لي الأرض تُرْبتُها مسجدًا وطهورًا" عند من يوجب التراب كالشافعي وأحمد، وأما عند مالك وأبي حنيفة فلفظ "التربة" لا يفيد معنًى زائدًا على الصعيد لأمرين: الأول: هو ما تقدم من أن ذِكْر بعض أفراد العام لا يخصِّصه، الثاني: هو ما تقدم من أن مفهوم اللقب لا اعتبار به.

ومثال زيادة المعنى: الحديث المتفق عليه

(3)

: "قوموا إلى سيدكم" فإن الإمام أحمد أخرج فيه

(4)

بسندٍ حسن عن عائشة من طريق علقمة بن وقاص زيادة: "فأنزلوه" وهي تغير المعنى، لأنها تُصيِّر المعنى أن قيامهم

(1)

أخرجه البخاري رقم (795) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

رقم (522).

(3)

البخاري رقم (3043)، ومسلم رقم (1768) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(4)

"المسند": (42/ 26 رقم 25097) وانظر الكلام على إسناده هناك.

ص: 357

له لإنزاله عن الدابة لأنه جريح لا للإجْلال.

وقوله: "إن أمكن الذهول عنها عادة" يعني أن محل قبول الزيادة ما إذا أمكن غفلة الذين لم يذكروها عنها، أما إذا لم تمكن عادة غفلتهم عنها لكثرتهم وأهميتها

(1)

لم تُقبل لقضاء العادة بكذبها.

556 -

وقيلَ لا إنِ اتحادٌ قد عُلِمْ

والوَفْقُ في غيرِ الذي مَرَّ رُسِمْ

يعني أن بعض أهل الأصول منع قبول الزيادة مطلقًا أمكن الذهول عنها أم لا بشرط أن يُعلم اتحادُ المجلس، أي أنه لم يُحَدِّثْ به إلا مرَّةً واحدة، أما إذا عُلِم تعدُّد المجالس فهي مقبولة، ويُحمل على أنه حدَّث بالزيادة في بعض المجالس، وبدونها في غيره، وكذلك إذا لم يُعْلم اتحادهما ولا تعددها فإنها تُحْمل على التعدد، ولا تُرَدُّ رواية العدل للزيادة بمحتمل، والصحيحُ عند المحدثين أن الزيادة إن كانت مخالفة لما رواه العدل لم تقبل، وإن لم تكن مخالفة وكان الراوي عدلًا ضابطًا قبلت

(2)

.

557 -

وللتعارُض نُمِي المُغيِّرُ

وحذفُ بعضٍ قد رآهُ الأكثرُ

558 -

دونَ ارتباطٍ وهو في التأليفِ

يسُوغُ بالوفْقِ بلا تَعْنيفِ

يعني أن الزيادة إذا غيرت الإعراب كانت معارضة للرواية الخالية عن الزيادة فيُطْلَب الترجيحُ بينهما من خارج، كما لو جاءت رواية في

(1)

الأصل: واهتمامها.

(2)

أئمة الحديث لا يحكمون على كل زيادة بحكم مطرد لا يحيدون عنه، بل كل زيادة لها حكم خاص بحسب القرائن التي تحتف بها.

ص: 358

قوله: "في أربعين شاة شاة"

(1)

بنصف شاة. وقيل: تُقبل ولو غيرت الإعراب، والأول مذهب الجمهور.

وقوله: "وحذف بعض" إلخ، يعني أن حذف بعض الحديث جائز في رأي الأكثر بشرط ألا يكون المحذوف بينه وبين المذكور ارتباط، ككون المحذوف شرطًا أو غاية للمذكور أو استثناءً منه.

مثال الحذف الجائز لعدم الارتباط: حديث البحر "هو الطهور ماؤه الحِلُّ ميتته"

(2)

، فيجوز أن نقتصر على كلٍّ من الجملتين دون غيرها.

ومثال ما لم يجز فيه الحذف للارتباط: حديث أنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيعِ الثمرةِ حتى تَزْهو"

(3)

فلا يجوز حذف "حتى تزهو" للارتباط بما قبله، وحديث: "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الوَرِق بالوَرِق إلا وزنًا بوزن مِثْلًا

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة أحسنها ما أخرجه أبو داود رقم (83)، والترمذي رقم (69)، والنسائي:(1/ 50)، وابن ماجه رقم (386)، وابن خزيمة رقم (111)، وابن حبان "الإحسان" رقم (1243)، والحاكم:(1/ 140) وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال: سألت البخاري عنه فقال: هو حديث صحيح. وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والبيهقي وابن منده وغيرهم.

وتكلم فيه ابن عبد البر في "التمهيد": (16/ 218) من جهة إسناده، إلا أنه صححه لتلقي العلماء له بالقبول والعمل به. انظر "البدر المنير":(1/ 348 - 381) فقد أطال وأجاد.

(3)

أخرجه البخاري رقم (2195)، ومسلم رقم (1555) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 359

بمثل سواء بسواء"

(1)

فلا يجوز حذف: "إلا وِزنًا بوزن" إلخ.

ومفهوم قوله: "قد رآه الأكثر" أن بعضهم منع حذف البعض مطلقًا ولو لم يكن بينهم ارتباط لاحتمال أن يكون لذكر الكل فائدة تفوت بالتفريق.

وقوله: "وهو في التأليف" إلخ، يعني أن حذف البعض من الحديث جائز في التأليف اتفاقًا، وهو عادة المؤلفين من السلف كمالك وأحمد والبخاري والنسائي وأبي داود وغيرهم، ورُوي عن أحمد أنه لا ينبغي، وقال ابن الصلاح

(2)

: "لا يخلو عن كراهة". و"التعنيف" اللوم والتشديد.

559 -

بغالبِ الظنِّ يدورُ المعتَبَرْ

فاعتبرَ الإسلامَ كلُّ من غبَرْ

"المعتبر" هنا مصدر ميميٌّ بمعنى الاعتبار، والباء في قوله:"بغالب" بمعنى على وهي متعلقة بـ "يدور"، وتقرير المعنى: الاعتبار لصدق الخبر يدور على غلبة ظنِّ صدقه، فكل ما يُخل بغلبة الظنِّ يَمْنع من القبول ككفر المُخْبر وفسقه.

وقوله: "فاعتبر الإسلام" إلخ يعني أنه يتَسبَّبُ عن دوران الاعتبار على غلبة الظن اشتراط الإسلام في الراوي لعدم الثقة بخبر الكافر. واعلم أن الكافر الصريح أجمعَ العلماءُ على عدم قبول روايته، والكافر المتأوِّل كالمبتدع بما يكفِّره إذا كان متدينًا يُحْرِّمُ الكذب فهو كذلك أيضًا عند الجمهور، وهو الحق، وفي بعض الروايات عن أحمد قبوله. وقوله:

(1)

أخرجه مسلم رقم (1584) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وأصله في البخاري بدون قوله: "إلا وزنًا بوزن. . . ".

(2)

في "علوم الحديث": (ص/ 217).

ص: 360