الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذاك خبَرُ
…
مَنْ عادةً كذِبُهمْ منحَظِرُ
529 -
عن غيرِ معقولٍ. . . . . .
…
. . . . . . . . .
هذا تعريف المتواتر وهو المشار إليه بقوله: "وذاك" يعني أن المتواتر في الاصطلاح هو خبرُ جَمْعٍ يمتنع عادةً تواطؤهم على الكذب، أي توافقهم عليه إذا كان خبرهم عن محسوس بإحدى الحواس الخمس. وهو المراد بقوله:"عن غير معقول". ويدخل في المحسوس الوُجداني وهو ما كان مُدْرَكًا بالحس الباطن كاللذة والألم.
وقوله: "عن غير معقول" الذي هو المحسوس احترز به عن المعقول فلا يفيد التواتر فيه القطع، لأن آلاف العقول تتواطأ على الخطأ في المعقول كتواطئ الفلاسفة على قِدَم العالم.
. . . . . . . . . وأوجبِ العَدَدْ
…
من غيرِ تحديدٍ على ما يُعْتَمَد
يعني أن المتواتر لابدَّ فيه من تعدُّدِ رواته في جميع طبقات السند من غير تحديد بعدد معين، بل المعتبر ما حصل به العلم على المعتمد وهو مذهب الجمهور.
فإن قيل: كيف علمتم أن المتواتر يحصل به العلم مع جهل تعيين العدد المحصِّل للعلم؟ قلنا: كما علمتم أن الخُبز يشبع والماء يُرْوي مع جهلكم لتحديد ما يحصل به الشبع والرِّيُّ.
530 -
وقيل بالعشرينَ أو بأكثَرا
…
أو بثلاثين أوِ اثْنَيْ عشَرا
يعني أنه قيل: إن
أقل عدد التواتر
عشرون، ويُرْوَى عن ابن القاسم. وقيل: أقله ما زاد على العشرين، ويُروى عن سحنون. وقيل:
أقله ثلاثون، ويروى عن ابن أبي زيد. وقيل: أقله اثنا عشر، وقيل: غير ذلك.
531 -
إلغاءُ الأربعَةِ فيه راجحُ
…
وما عليها زادَ فهوَ صالحُ
يعني أن إلغاء الأربعة في عدد التواتر والحكم بأنها لا تكفي فيه راجح، ووَجْه رجحانه: أنهم لو شهدوا بزنى لاحتاجُوا إلى التزكية وما يحصل به التواتر لا يحتاج إلى تزكية قطعًا، وقد تقدم للمؤلف أن المسلم والكافر فيه سواء، وممن ذكر عدم صلاحية الأربعة الباقلانيُّ والسبكيُّ.
532 -
وأوجبَنْ في طبقاتِ السَّنَدِ
…
تواترًا وَفْقًا لدى التعَدُّدِ
يعني أن طبقات السند إن كانت متعددة يجب التواتر في كل طبقة منها بأن يرويه في كل طبقة جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإن بقيت طبقة لم يتواتر فيها كان خبر آحاد، ومثال ما تواتر فيه في كل الطبقات حديث:"من كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوأ مَقْعَدَه من النار"
(1)
. ومثال ما تواتر في بعض طبقات السند دون بعض حديث: "إنما الأعمال بالنيات"
(2)
، فإنه لم يَرْوه عن عمر بن الخطاب إلَّا علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقمة إلَّا محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم إلَّا يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد تواتر عن
(1)
أخرجه البخاري رقم (1291)، ومسلم رقم (4) من حديث المغيرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري رقم (1)، ومسلم رقم (1907).
يحيى بن سعيد وعمن روى عنه
(1)
.
وقوله: "وفقًا" يعني اتفاقًا. وقوله: "لدى التعدد" يحترز به مما لو كان رواة المنقول بالتواتر طبقة واحدة فإنه لا إشكال فيه.
533 -
ولا يفيدُ القطعَ ما يُوافِقُ
…
الإجماعَ والبعضُ بقطعٍ ينطقُ
534 -
وبعضُهم يفيدُ حيث عوَّلا
…
عليهِ. . . . . . . . . . . .
يعني أن خبر الآحاد إذا انعقد الإجماع موافقًا له اختلف فيه هل يصير بذلك قطعيًّا أو لا؟ على ثلاثة أقوال:
الأول: وهو أصحها عند الأصوليين أن موافقة الإجماع لخبر الآحاد لا تفيد القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الخبر المروي آحادًا مطلقًا، لجواز أن يكون مستندهم غيره، أو يكونوا ظنوا الحكم فوجب عليهم العمل بما غلب على ظنهم وإن لم يكن مطابقًا في نفس الأمر عند من يجيز ذلك في حقهم.
الثاني: أنه يفيد القطع لاعتضاده بالقطعي الذي هو الإجماع.
الثالث: التفصيل، فإن صرح المجمعون بأن ذلك الخبر هو مستندهم أفاد القطع وإلَّا فلا، ومن يقول في هذا بأنه لا يفيد القطع ولو صرحوا بأنه مستندهم يرى أن الأمة يجوز في حقها أن تُجْمعَ مستندة إلى ظن ليس مطابقًا للواقع في نفس الأمر، وهي حينئذٍ لم تكن مُجْمعة على ضلالة لأنها عملت بما غلب على ظنها أنه صواب، وذلك ليس بضلال ولو لم يطابق ما في نفس الأمر.
(1)
انظر "فتح الباري": (1/ 17).
. . . . . وانْفِهِ إذا ما قد خلا
535 -
معَ دَواعي ردِّه من مُبْطِلِ
…
كما يَدُلُّ لخلافةِ عَلي
الضمير في قوله: "انفه" عائد إلى القطع بصدق الخبر المذكور في قوله: "واقطع بصدق خبر التواتر" يعني أنه لا يفيد القطع بصدق الخبر عدم إبطاله مع توفر الدواعي الباعثة على إبطاله، كالأحاديث الدالة على أن عليًّا أحق بالخلافة من معاوية كحديث:"أنت منِّي بمنزلةِ هارون من موسى"
(1)
، وكحديث:"من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه"
(2)
فإن داوعي بني أمية متوفرة إلى إبطال ذلك، فإذا لم يبطلوه لم يوجب ذلك القطع بصدقه. وقوله:"من مبطل" يتعلق بقوله: "خلا" أي خلا الخبر من مبطل "مع دواعي ردِّه" أي إبطاله.
536 -
كالافتراقِ بَيْن ذي تأوُّلِ
…
وعامِلٍ به على المُعَوَّل
يعني أن افتراق العلماء في حديث إلى مؤوِّلٍ له ومحتجٍّ به لا يوجب القطعَ بصدقه على القول المعول عليه وهو مذهب الجمهور، وقيل:
(1)
أخرجه البخاري رقم (3707)، ومسلم رقم (2404) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2)
هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة، وهو المعروف بحديث غدير خم، وكل رواياته فيها مقال، وله ألفاظ شتى، ومن أحسن أسانيده ما أخرجه الترمذي رقم (3713)، والنسائي في "الكبرى" رقم (8424)، وابن حبان "الإحسان" رقم (6931)، والحاكم (3/ 533). من حديث أبي الطفيل عن زيد بن أرقم -وبعض الرواة لم يذكر زيدًا-. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انظر: "تخريج أحاديث الكشاف": (2/ 234 - 244) للزيلعي.
يوجب له القطع. وحجة القائل به: إجماعُ الكل على قبوله لأن تأويله يستلزم القبول ولولا ذلك لم يحتج إلى تأويله، واستلزام العمل بظاهره للقبول واضح فصاروا مجمعين على قبوله.
ومحلُّ هذا القول الضعيف ما لم يعلق التأويل على تقدير الصحة، كما لو قال: ولو فرضنا أنه صحيح فمعناه كذا، ومثاله: حديث أبي رافع عند البخاري: "الجارُ أحق بِصَقَبهِ"
(1)
، فإنَّ أكثر العلماء أوَّل الجار على أن المراد به الشريك المقاسم، لَحديث جابر المتفق عليه:"فإذا ضُرِبَت الحدودُ وصرفت الطرق فلا شُفعة"
(2)
، وبعضٌ حمَلَه على ظاهره فأوجبَ الشُّفعة للجار.
537 -
ومذهبُ الجمهور صِدق مخبرِ
…
مع صَمْت جمعٍ لم يَخَفْهُ حاضرِ
يعني أن مذهب الجمهور -واختاره ابن الحاجب
(3)
- أن من أخبر عن أمر محسوس بحضرة جَمْع يحصل بعددهم التواتر، وذلك الأمر مما لا يخفى عليهم عادة، ولم يكونوا خائفين من ذلك المُخْبِر، وسكتوا ولم يكذِّبوه وهم سامعون لما يقول = فإن ذلك يفيد القطع بصدقه، لاستحالة تواطئهم على السكوت على الكذب عادة، وقيل: يفيد ذلك الظن فقط لإمكان أن يسكتوا لا لشيء. وقوله: "حاضر" نعت لقوله: "جمع" وفاعل "يخف" ضمير عائد إلى الجمع، والضمير المنصوب به عائد إلى "المخبِر".
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
"المختصر - مع الشرح": (1/ 662).
538 -
ومودَعٌ من النبيِّ سَمْعا
…
يفيدُ ظنًّا أو يفيدُ قَطْعا
539 -
وليسَ حاملٌ على الإقرار
…
ثَمَّ مع الصمتِ عن الإنكار
يعني أن المخبر إذا كان بمكان يسمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه خبره وسكت عن الإنكار عليه، ولا حامل للنبيِّ على الصمت ولا للمخبر على الكذب، فإن ذلك يفيد الظن بصدق خبره لا اليقين كما اختاره ابن الحاجب
(1)
، وقيل: يفيد القطع وهو قول المتأخرين، وسواء كان عندهم ذلك الأمر دينيًّا أو دنيويًّا
(2)
.
أما إذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فلا إشكال، وإذا سمعه وكان للنبي حاملٌ على الصمت ككون المخبر كافرًا ذا لَجاج وقد أنكر عليه قبل ذلك مرارًا ولم يُفِد، فلا يكون صمته عنه دليلًا على صدقه، وكذا إذا كان للمخبر حامل على الكذب ككونه يدفع به عن نفس معصوم أو مال فلا يفيد ذلك أيضًا صدقه.
والحقُّ في هذه المسألة ما قاله العبَّادي
(3)
من أنها لا فائدة لها، إذ لا يتصور حصول العلم بالصدق لأحد لتوقفه على العلم بانتفاء كلِّ شيء يحمل على التقرير ولا يمكن العلم بذلك؛ لأن الحوامل لا تنحصر وقد يخفى الحامل ويشتبه بغيره فيظن ما ليس بحامل حاملًا كالعكس.
540 -
وخبرُ الآحاد مظنونٌ عَرَى
…
عن القيودِ في الذي تواترا
(1)
المصدر نفسه: (1/ 661).
(2)
انظر "نشر البنود": (2/ 28).
(3)
في "الآيات البينات": (2/ 212).