الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلخ، يعني أن العرف من مخصِّصات العام، وهو مخصِّص منفصل كما تقدم في قول المؤلف:"إن لم يكن فمطلق العرفيّ فاللغويّ" إلخ.
وقوله: "حيث قارنَ الخطابا" يعني أن العوائد لا تخصِّص نصوص الشريعة إلَّا إذا كانت مقارنة لها في الوجود عند النطق بها، أما الطارئة بعدها فلا تخصِّصْها.
ومثالُ العرف المقارن للخطاب: ما أخرجه مسلم والإمام أحمد من حديث مَعْمر بن عبد اللَّه العدوي رضي الله عنه قال: كنتُ أسمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعامُ بالطعام مِثْلًا بمثلٍ وكان طعامُنا يومئذٍ الشعير"
(1)
فلفظ الطعام يعمّ كل أجناسه إلَّا أن العُرْف المقارن للخطاب خصَّصه بالشعير كما قال هذا الصحابي الجليل، فيخصِّص العرفُ المقترنُ بالخطاب الطعَامَ بالمتعارف عندهم باسم الطعام وهو الشعير، ولولا أن هذا العُرْفُ خصَّص الطعامَ بذلك لكان الربا منصوصًا في جميع أنواع المطعومات، ولم يحتجْ فيها إلى قياسٍ أصلًا كما ذهب إليه الشافعي. والعرف والغالب والعادة مترادفات، وعرَّفه ابن عاصم في أصوله بقوله:
والعرف ما
(2)
يغلبُ عند الناس
…
ومثله العادةُ دونَ باس
. . . . . . . . . . .
…
وَدَعْ ضميرَ البعضِ والأسبابا
427 -
وذِكْرَ ما وَافَقَه من مفرَدِ
…
ومذهبَ الرَّاوي على المُعْتَمَد
هذه
أربع مسائل اختُلِف في التخصيص بها
، والمعتمد عدم التخصيص
(1)
أخرجه مسلم رقم (1592)، وأحمد:(45/ 223 رقم 27250).
(2)
الأصل: وما.
بها، ولذا قال فيها المؤلف:"دَعْ" أي دعِ التخصيصَ بها على المعتمد.
الأولى: ضمير البعض، وقيل: يخصِّص العامَّ، وهو مروي عن الشافعي وأكثر الحنفية. ومثاله قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنّ} [البقرة/ 228] فإنه راجع إلى بعض المطلقات وهي الرجعيات خاصة، ورجوع ضمير بعض المطلقات للمطلقات لا يجعله خاصًّا بالرجعيات بل جميع الرجعيات والبوائن كلهنَّ يتربصن بأنفسهنَّ ثلاثةَ قروء، فالعمومُ باقٍ وإن رجع إليه ضمير البعض. وعلى القول الآخر فالتربص المذكور في خصوص الرجعيات، أما تربص البوائن فبدليل آخر كالقياس على الرجعيات أو نصّ منفصل.
الثانية: سببُ النزول لا يخصِّص العامَّ النازل فيه، وتحريرُ هذا المقام: أن العام الوارد على سبب خاص له ثلاث حالات:
الأولى: أن يقترن بما يدل على التعميم.
الثانية: أن يقترن بما يدل على التخصيص.
الثالثة: ألا يقترن بما يدل على عموم ولا خصوص.
فإن اقترن بما يدل على التعميم فهو عام بلا نزاع كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة/ 38] فإنها نزلت في المخزومية التي سرقت وقطع صلى الله عليه وسلم يدها. وقال بعضُ العلماء: نزلت في الرجل الذي سرق رداءَ صفوان بن أمية في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
، فعلى أنها نزلت في المرأة فالإتيان بلفظ "السارق" الذَّكَر دليل على التعميم، وعلى
(1)
انظر "تفسير ابن كثير": (3/ 1171 - 1172).
أنها نزلت في الرجل فالإتيان بلفظ "السارقة" الأنثى يدل على التعميم.
وإن اقترن بما يدل على الخصوص فهو خاص بلا نزاع، ومثاله قوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب/ 50] الآية فهذا خاصٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، والخاصُّ به عام على التحقيق كما تقدم في قول المؤلف:"وما به قد خوطب النبي"
(1)
إلخ، فإذا عرفتَ عمومه فاعلم أنه مقترن بما يدل على التخصيص وهو قوله تعالى:{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} .
وإن لم يقترن بما يدل على عموم ولا خصوص فهو مراد المؤلف بقوله: "والأسبابا" أي دعَ تخصيص العام بسب نزوله لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ومثاله: آية الظهار النازلة في امرأة أوس ابن الصامت، وآية اللعان النازلة في هلال بن أمية
(2)
وعُوَيمر العجلاني
(3)
، وآية:{شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} النازلة في تميم الدَّاري وعدي بن بداء، وآية:{إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا} [الأنفال/ 70] النازلة في العباس بن عبد المطلب. وآية: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة/ 196] النازلة في كعب بن عُجْرة، وآية:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء/ 65] النازلة [في] خَصْم الزبير بن العوام، وآية:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة/ 195] النازلة في الأنصار. فكل هذه الآيات يعم من نزلت فيه الآية وغيره،
(1)
البيت رقم (372).
(2)
الأصل: مرة!
(3)
فيما أخرجه البخاري رقم (4745)، ومسلم رقم (1492) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
فآية الظهار تعم كلَّ مُظاهر، وآية اللعان تعم كل ملاعن، وهكذا. . وإن نزلت في أسبابٍ خاصة.
والدليل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب: قصةُ الأنصاري الذي نال بعض ما لا يجوز من امرأة أجنبية فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل اللَّه فيه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود/ 114] فسأل ذلك الأنصاريُّ: هل ذلك خاص به؟ فبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم أنه عامٌّ بقوله: "بل لأمتي كلهم"
(1)
فكان فيه الدليل الصريح على أن العبرة بعموم {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ. . .} الآية لا بخصوص الأنصاري الذي هو سبب النزول.
الثالثة: ذِكْر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصِّصه على التحقيق، وهو مذهب الجمهور ولم يخالف فيه إلَّا أبو ثور، زاعمًا أنه لا فائدة لذكره إلَّا التخصيص. وأُجيب من جهة الجمهور بأنه مفهوم لقب وهو ليس بحجة، وبأن فائدة ذكَر البعض نفي احتمال إخراجه من العام.
وسواء ذُكِرا في نص واحد أو ذُكِر كل منهما على حِدَته، فمثال ذكرهما في نص واحد قوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة/ 238] فذِكْر الصلاة الوسطى لا يقتضي تخصيصَ الأمر بالمحافظة بها بل هو عام في جميع الصلوات. ومثال ذكر كل منهما على حدة: حديث الترمذي
(2)
وغيره: "أيُّما إهابٍ دُبغَ فقد طَهُر". مع حديث
(1)
أخرجه البخاري رقم (4687)، ومسلم رقم (2763) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(2)
رقم (1728)، وأخرجه مسلم رقم (366) من حديث ابن عباس -رضي اللَّه =
مسلم أنه صلى الله عليه وسلم مرَّ بشاةٍ ميتة فقال: "هَلَّا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" الحديث
(1)
، فإنَّ ذِكْر إهاب الشاة لا يدلُّ على تخصيص ذلك بجلد الشاة الميتة فقط بل يعم جلود الميتة لعموم:"أيما إهابٍ دُبغ فقد طَهُر".
المسألة الرابعة: مذهب الراوي لا يُخَصِّص مَرْوِيَّه لأن العبرة بمَرْوِيِّه لا بمذهبه؛ لجواز أن يكون قوله عن اجتهادٍ. وقيل: يخصِّصه لأنه لا يخالف مرويَّه إلَّا عن دليل. وقيل: يفرَّق بين الصحابي وغيره فيُقْبل من الصحابي دون غيره، لأنه إذا خالف مرويَّه دلَّ ذلك على أنه اطلع منه صلى الله عليه وسلم على قرينة تدل على تخصيص ذلك العام، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد به الخصوص، والتابعيُّ لا يتأتَّى له ذلك لعدم اجتماعه به صلى الله عليه وسلم. وما راءٍ كمن سَمِعا.
ومثاله: حديث البخاري
(2)
من رواية ابن عباس: "من بَدَّل دينَه فاقتلوه". وهو شامل للمرأة إذا ارتدت، مع ما يُرْوى عن ابن عباس من أنه يقول بعدم قتل المرتدة، إلَّا أنه لم يصح عنه، ولكن سيأتي للمؤلف
(3)
:
والشأن لا يُعْتَرض المثالُ
…
إذ قد كَفَى الفرضُ والاحتمالُ
428 -
واجزِمْ بإدخال ذواتِ السَّبَبِ
…
واروِ عنِ الإِمَامِ ظَنًّا تُصِبِ
يعني أن صورة السبب الذي ورد عليه العام قطعيةَ الدخول في العام فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد، فالمرأة التي نزلت فيها آية الظهار داخلةٌ في
= عنهما- بلفظ: (إذا دبغ. . .).
(1)
أخرجه مسلم رقم (363) من حديثه أيضًا.
(2)
رقم (6922).
(3)
البيت رقم (809).
حكمها قطعًا، والرجل الذي نزلت فيه آية اللعان داخل في حكمها قطعًا؛ لأن ورودَ العام على تلك الصورة قرينة قطعية على شموله لها.
وقوله: "وارْوِ عن الإمام ظنًّا تُصِب" فِعْل أمر من الرواية، والإمام هو مالك، يعني أنَّ القرافيَّ روى عن مالك أن دخول صورة السبب في العام ظنِّي، فارْوِهِ عن مالك تُصِب، أي توافق الصواب. وحجة هذا القول: أنها من إفراد العام وليست دلالته قطعية إلَّا على واحد منها غير معيَّن كما تقدم في قوله: "وهو على فردٍ يدلُّ حتمًا"
(1)
إلخ.
وما ألزمه المحلِّي
(2)
للإمامِ أبي حنيفة من القول بأنه أخرج صورة السبب في قوله بأن الأَمَةَ التي لم يُقر سيدُها باستلحاق ولدٍ
(3)
منها لا يلحقه ولو كان متسرِّيًا بها، إذ لابد عنده من الإقرار قائلًا -أعني المحلّي-: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خصومةِ عَبْد بن زَمْعة وسعد بن أبي وقاص: "الولد للفراشِ. . . "
(4)
فالأمةُ صورة السبب وأبو حنيفة أخرجها = لا يلزمُ أبا
(5)
حنيفة لأنه لم يسلِّم أن مجرَّد التَّسَرِّي تكون به الأمة فراشًا بل لا تكون عنده فراشًا إلَّا بالإقرار باستلحاق ولدٍ منها، وأمةُ زمعة عنده استلحق منها ولدًا قبل التنازع فيه بدليل قولِ عَبْد بن زمعة:"وليدة أبي" فهي فعيلة بمعنى فاعلة
(1)
البيت رقم (356).
(2)
في "شرح الجمع": (2/ 40).
(3)
ط: باستلحاقه ولدًا.
(4)
أخرجه البخاري رقم (2053)، ومسلم رقم (1457) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
الأصل: أبو.
أي والدٌ لأبي، ولو ثبت أنها ولدت منه قبل ذلك وضحَ كونها فراشًا فإنه لا يخرجها من العام لأنها صورة السبب حينئذٍ حقًّا.
429 -
وجاء في تخصيصِ ما قد جاورا
…
في الرَّسْم ما يعمُّ خُلْفُ النُّظَرا
قوله: "خُلْفُ" فاعِل "جاء". وقوله: "تخصيص ما" مصدر مضاف إلى فاعِلِه، ومفعولُه:"ما يُعَم" فـ "ما" الأولى فاعل المصدر أضيف إليه، وما الثانية مفعوله.
وقوله: "في الرسم" يتعلق بـ"جاور". وتقرير المعنى: وجاءَ خُلْفُ النُّظراء -أي المتناظرين- في تخصيص الخاصِّ المجاور للعام في الرسم له، أي إذا ذُكِر خاصٌّ ثم ذُكِر بعده عام مجاور له في الرسم هل يُحمل ذلك العام على خصوص ذلك الخاص أو لا؟
مثاله: قوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء/ 25]، فقوله:{تَكُونُوا صَالِحِينَ} خاص بالمخاطبين، وقوله:{لِلْأَوَّابِينَ} عامٌّ لكل أوَّاب من المخاطَبِين وغيرهم [من عامة الناس، فهل يُحمل قوله: {لِلْأَوَّابِينَ} على خصوص المخاطبين أو]
(1)
يبقى على عمومه وشموله لكل أوَّاب كائنًا ما كان؟ وأمثال هذا في القرآن كثيرة، كقوله تعالى:{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران/ 32].
(1)
ما بين المعقوفين من ط.
430 -
وإن أتى ما خَصَّ بعدَ العملِ
…
نَسَخَ وَالغَيرُ مُخصِّصًا
(1)
جلي
يعني أنه إذا تعارض دليلان أحدهما عام والآخر خاص، وتأخَّر الخاص عن وقت العمل بالعام، فإن الخاص يكون ناسخًا للعام بالنسبة إلى ما تعارضا فيه.
ومثاله: آيات المواريث مع آية الوصية للوالدين والأقربين عند من يقول بأنها مخصصة، لأن تخصيصها بآيات المواريث يُخرج من عمومها الوالدين الوارثين والأقارب الوارثين دون غيرهم، كالوالدين الرقيقين والأقارب الذين لا يرثون، فمن يقول بهذا التخصيص فهو تخصيص بعد العمل بالعام
(2)
، فهو نسخ، وأما على قول الأكثر بأن آيات المواريث ناسخة لآية الوصية من أصلها، وأن حديث:"لا وصيةَ لوارثٍ"
(3)
بيانٌ للناسخ فلا تصلح الآية مثالًا.
ومن أمثلة ذلك أيضًا: ما ذكره جماعة من علماء التفسير من أن آية: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة/ 5] ناسخة لقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام/ 121]؛ لأن عموم {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يتناول ما ذبحه كتابيٌّ لم يسمِّ اللَّه ولا غيره، ثم أخرج الكتابيَّ من عموم هذه الآية بقوله:{وَطَعَامُ الَّذِينَ} الآية، وهو
(1)
في بعض النسخ: مخصص.
(2)
ط: بالعمل بعد العام.
(3)
سيأتي تخريجه (ص/ 297).
تخصيص بعد العمل، لأن آية:{وَلَا تَأْكُلُوا} من سورة الأنعام وهي مكية بالإجماع، وآية:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} من سورة المائدة وهي من آخر القرآن نزولًا بالإجماع بالمدينة، فهذا التخصيص بعد العمل نسخ، ودليل ذلك أن التخصيص بيان، والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة إليه كما يأتي للمؤلف
(1)
.
431 -
وإن يكُ العمومُ من وجهٍ ظَهَرْ
…
فالحكمُ بالترجيحِ حتمًا مُعْتَبرْ
يعني أن الدليلين إذا كان بينهما عموم وخصوص من وجه يظهر تعارضهما في الصورة التي يجتمعان فيها، فيجب الترجيح بينهما، ويجب العمل بالراجح إجماعًا، وخلافُ الباقلاني في وجوب العمل بالراجح مردود عليه بالإجماع كما يأتي للمؤلف في آخر الكتاب
(2)
.
ومثال ذلك: قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء/ 23] مع قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون/ 6] فإن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، تنفرد آية:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} في الأختين بنكاح، وتنفرد آية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في ملك اليمين غير الأختين، ويجتمعان في الأختين بملك اليمين، فتدل آية:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} على التحريم، وآية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} على الإباحة كما قال عثمان رضي الله عنه: أحلتهما آية وحرمتهما أخرى
(3)
،
(1)
البيت رقم (461).
(2)
البيتان (865، 866).
(3)
أخرجه مالك في "الموطأ" رقم (1543)، وعبد الرزاق:(7/ 189).
فيرجَّح عمومُ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} من خمسة أوجه:
الأول: أنه في محل تحريم النساء وتحليلهن، وآية:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} في معرض مدح المتقين، فذكر من صفاتهم حِفْظ الفرج فاستطرد أنه لا يلزم عن الزوجة والسُّرِّية، وأَخْذ الأحكامِ من مظانّها أولى من أخذها لا من مظانها.
الثاني: أن عمومَ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أجمعَ العلماءُ على تخصيصه، للإجماع على أن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصِّصه عمومُ {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وعموم:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء/ 22] الآية، فالأخت من الرضاع وموطوءة الأب لا تحلّان بملك اليمين إجماعًا بخلاف عموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فلم يدخله التخصيص، والعامُّ الباقي على عمومه مقدَّم على العام المخصوص كما يأتي للمؤلف أيضًا، ولم يخالف في ذلك إلَّا السبكي وصفي الدين الهندي
(1)
.
الثالث: أن عموم: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وارد في معرض مدح المتقين، والعامُّ الواردُ في معرض مدح أو ذم قيل بعدم اعتبار عمومه كما تقدم في قوله:"وما أتى للمدح أو للذم" إلخ، وعموم:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} لم يَرِد في معرض ذم ولا مدح، وما لم يقترن بمانع الاعتبار مقدَّم على ما قال بعدمِ اعتبارِه بعضُ العلماء كما هو ظاهر.
الرابع: أن الأصل في الفروج التحريم ما لم يدل دليل سالم من
(1)
انظر "الجمع": (2/ 367)، و"نهاية الوصول في دراية الأصول":(8/ 3704 و 3714) للهندي.
المعارض على الإباحة.
الخامس: أن عموم {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يتضمن إباحةً، وعموم {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} يتضمن تحريمًا، والتحريم مقدَّم على الإباحة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فتركُ مباحٍ أهون من ارتكاب حرام كما سيأتي للمؤلف.
* * *