الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحداث القول واحد، ومتعلق التفصيل متعدد، وهذا هو المشهور
(1)
، خلافًا لمن زعم أنه لا فرق بينهما كولي الدين وابن الحاجب
(2)
.
619 -
ورِدَّةَ الأمَّةِ لا الجهلَ لِما
…
عدمُ تكليفٍ به قدْ عُلِما
"وردَّةَ" بالنصب أي ومنع الدليل أيضًا ردة الأمة كلها للأحاديث المتقدمة نحوُ: "لا تزال طائفة" الحديث، و"لا تجتمع أمتي" الحديث
(3)
.
وقوله: "لا الجهل لما
(4)
" إلخ يعني أنه لا يمتنع أن يجهل جميع الأمة شيئًا لم يُكَلَّفوا بعلمه كالتفضيل بين حذيفة وعمار.
ومفهوم قوله: "لما عدمُ تكليفٍ" إلخ أن
ما كلفت الأمة بعلمه يستحيل اتفاقها على جهله
لما تقدم، ومن زعم جواز ردة الأمة كُلًّا قائلًا: إنها إذا ارتدت زال عنها اسم الأمة لأن المراد أمة الإجابة = فقوله ضعيف، كما يدل على ضعفه قوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر اللَّه"
(5)
.
620 -
ولا يُعارضُ له دليلُ
…
ويُظْهَرُ الدليلُ والتأويلُ
يعني أن
الإجماع لا يعارضه دليل
؛ لأن الإجماع قطعي والدليل المفروض معارضته إما أن يكون قطعيًّا أو ظنيًّا، فإن كان قطعيًّا استحالت
(1)
انظر "النشر": (2/ 88 - 89).
(2)
انظر "المختصر - مع الشرح": (1/ 589 - 594).
(3)
تقدم تخريجهما.
(4)
الأصل: بما.
(5)
تقدم.
المعارضة إذ لا معارضةَ بين قطعيين، وإن كان ظنيًّا فلا معارضة إذ الظني لا يُقاوِم القطعيَّ.
وقوله: "ويظهر الدليل والتأْويل" يشير به إلى أن الممنوع إنما هو خَرْق
(1)
الإجماعِ، أما الزيادة في حكمه بإظهار دليلٍ لم يطلع عليه المجمعون، أو استنباط علة للحكم المُجمع عليه لم يطلع عليها المجمعون، أو تأويل حكم يخالف ظاهرُه الإجماع ليكون بذلك التأويل موافقًا للإجماع، كل ذلك لا مانع منه لأنه ليس خرقًا للإجماع وإنما هو ذِكْر شيءٍ لم يتعرَّض له المجمعون.
مثال إظهار الدليل والتأويل: أن المجتهدين المجمعين على منع وطء الأخت من الرضاع بملك اليمين لم يتعرضوا أصلًا للنصِّ الذي هو مستند الإجماع، ولم يتعرضوا لتأويل النصِّ المقتضي بظاهره مخالفة هذا الإجماع، فلِمَن بعدهم أن يُظهر دليلَ الإجماع بأن يقول: دليل هذا الإجماع قوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء/ 23].
وله أيضًا أن يؤوِّل النصَّ المخالف بظاهره لهذا الإجماع وهو قوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون/ 6] المقتضي للإباحة الشامل عمومه الأخت من الرضاع بأن يقول: هذا العموم مؤوَّل أي محمول على غير ما لم يخرجه دليل، أما ما أخرجه الدليل كالأخت من الرضاع وموطوءة الأب فليس بمراد، وقِسْ على ذلك. وهذا مفهوم من أن
(1)
ط: طروّ.
الممنوع خرق الإجماع لأنه يقتضي أن ما لم يخرقه لم يُمْنَع إلَّا لدليل منفصل. وقوله: "يُظْهَرُ" بالبناء للمفعول.
621 -
وَقَدِّمَنَّهُ على ما خالفا
…
إن كان بالقطع يُرى متصفا
622 -
وهو المشاهَدُ أو المنقولُ
…
بعدَدِ التواترِ المقولُ
يعني أن الإجماع القطعيّ يجب تقديمه على ما خالفه ولو نصًّا قاطعًا ككتاب أو سنة، لأنه يدل على النسخ بخلاف الإجماعات الظنية كالسكوتيّ والمنقول آحادًا، فالنصقُ من كتاب أو سنة مقدَّم عليهما. فحاصلُ البيتين أن الإجماعَ مقدَّم على غيره من الأدلة إن كان قطعيًّا خاصَّةً، وأن القطعيَّ يكون في صورتين:
الأولى: أن تشاهده بأن لا يكون بينك وبينه واسطة، كما لو فُرِض أن جميع المجتهدين في عصر من الأعصار اجتمعوا وأنت حاضر وشاهدتهم اتفقوا كلهم على أمر.
الثانية: هو الإجماع المَقُول أي النطقي خاصة دون السكوتي المنقول بعدد التواتر في جميع طبقات السند، فقوله:"المقول" يعني النطقيَّ وهو نعت للمنقول.
623 -
وفي انقِسامِها لقسمين وكُلْ
…
في قولِهِ مُخْطٍ تردُّدٌ نُقِلْ
يعني أنهم اختلفوا هل يمكن اختلاف الأمة في مسألتين متشابهتين ويخطئ في كل واحدة من المسألتين بعضهم؟ قيل: يمنع هذا، وعليه الأكثر نظرًا إلى خطأ جميع الأمة في مجموع المسألتين، وقيل: لا يُمنع، نظرًا إلى كل مسألة على حِدَة، ولم يُخطى في مسألة على حدة إلَّا بعض الأمة.
وتحريرُ هذه المسألة أن لها ثلاث حالات:
[حالة] تمتنع اتفاقًا، وهي اتفاق جميعهم على الخطأ في مسألة واحدة من وجه واحد.
وحالة لا تمتنع اتفاقًا، وهي اختلافهم في مسألتين متباينتين ويخطئ في كل منهما بعض الأمة، كأنْ يخطئ نصفُ الأمة مثلًا في مسألة من مسائل الطهارة ويخطئ نصفها الآخر في مسألة من مسائل الجنايات.
وحالة هي محل الخلاف، وهي مراد المؤلف بالبيت، ومثالها ما لو قال بعضهم: إن العبد يرث، والقاتل عمدًا لا يرث، وقال البعض الآخر: القاتل عمدًا يرث والعبد لا يرث. ومثار الخلاف: هل أخطأت الأمةُ كلُّها نظرًا إلى المجموع لأنه بالنظر إلى المجموع يكون جميعُ الأمة قال بإرث من لا يرث، وهو خطأ؟ أو لم تخطئ نظرًا إلى كل مسألة بمفردها لأنه لم يخطئ في مسألة بمفردها إلَّا البعض؟
وقوله: "تردُّدٌ" مبتدأ مؤخر خبره الجار والمجرور المتقدم الذي هو "في انقسامها". وقوله: "وَكُلْ" مبتدأ خبره "مُخْطٍ" وجملة: "وكل في قوله" إلخ حالية، والضمير في "انقسامها" لأُمة الإجابة، وجملة "نُقل" نعت للمبتدأ الذي هو "تردُّدُ".
624 -
وجعلُ من سكتَ مثلَ من أقَرّ
…
فيه خلافٌ بينهم قد اشتهَرْ
625 -
فالاحتجاج بالسُّكوتيِّ نما
…
تفريعَه عليه من تقدَّما
626 -
وهو بفقدِ السُّخطِ والضدِّ حري
…
معَ مُضيِّ مهلةٍ للنظرِ
يعني أن العلماء اختلفوا في السكوت هل هو رضا وإقرار أم لا؟