الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أيضا: يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأعرض عنه وعمّن قبله من النّاس، وأخذ في خطبته، ثمّ لم يصبر، فقال الثّالثة: والله يا رسول الله، ما قال الّذي قال إلّا تعوّذا من القتل، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرف المساءة في وجهه، فقال له:«إنّ الله أبى على من قتل مؤمنا «1» ، ثلاث مرّات» ) * «2» .
17-
* (عن المقداد بن الأسود- رضي الله عنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار.
فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسّيف فقطعها، ثمّ لاذ منّى بشجرة «3» ، فقال: أسلمت لله. أفأقتله يا رسول الله! بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله» قال:
فقلت: يا رسول الله! إنّه قد قطع يدي. ثمّ قال ذلك بعد أن قطعها. أفأقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتله. فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال» ) * «4» .
()
المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسلم في (السلم)
18-
* (عن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسمع صوت عائشة عاليا، فلمّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبا، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر:«كيف رأيتني أنقذتك من الرّجل؟» . قال:
فمكث أبو بكر أيّاما، ثمّ استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«قد فعلنا، قد فعلنا» ) * «5» .
19-
* (عن عبيد الله بن كعب وكان من أعلم الأنصار، أنّ أباه كعب بن مالك- وكان كعب ممّن شهد العقبة بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها. قال:
خرجنا في حجّاج قومنا من المشركين، وقد صلّينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيّدنا، فلمّا توجّهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا:
يا هؤلاء إنّي قد رأيت والله رأيا وإنّي والله ما أدري توافقوني عليه أم لا؟ قال: قلنا له: وما ذاك؟ قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنيّة منّي بظهر، يعني الكعبة، وأن أصلّي إليها، قال: فقلنا: والله، ما بلغنا أنّ نبيّنا يصلّي إلّا إلى الشّام، وما نريد أن نخالفه، فقال: إنّي أصلّي إليها فقلنا له: لكنّا لا نفعل، فكنّا إذا حضرت الصّلاة صلّينا إلى الشّام وصلّى إلى الكعبة، حتّى قدمنا مكّة قال أخي، وقد كنّا عبنا عليه ما صنع، وأبى إلّا الإقامة عليه: فلمّا قدمنا مكّة، قال: يا ابن أخي
(1) إن الله أبى: أي أبى دخول الجنة.
(2)
أحمد 5/ 289.
(3)
لاذمني بشجرة: أي اعتصم مني.
(4)
مسلم 1 (95) .
(5)
أبو داود (4999) وسنده صحيح علي شرط مسلم.
انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله عمّا صنعت في سفري هذا، فإنّه والله قد وقع في نفسي منه شيء لمّا رأيت من خلافكم إيّاي فيه، قال: فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنّا لا نعرفه، لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكّة، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تعرفانه؟ قال: قلنا: لا، قال: فهل تعرفان العبّاس بن عبد المطّلب عمّه؟ قلنا: نعم قال: وكنّا نعرف العبّاس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا، قال: فإذا دخلتما المسجد، فهو الرّجل الجالس مع العبّاس، قال:
فدخلنا المسجد، فإذا العبّاس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه جالس فسلّمنا ثمّ جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبّاس: هل تعرف هذين الرّجلين يا أبا الفضل؟
قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيّد قومه، وهذا كعب بن مالك. قال: فو الله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشّاعر؟» قال: نعم قال: فقال البراء بن معرور: يا نبيّ الله! إنّي خرجت في سفري هذا، وهداني الله للإسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنيّة منّي بظهر، فصلّيت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتّى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى يا رسول الله؟
قال: لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها، قال:
فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى معنا إلى الشّام. قال: وأهله يزعمون أنّه صلّى إلى الكعبة حتّى مات، وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم، قال: وخرجنا إلى الحجّ فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيّام التشريق، فلمّا فرغنا من الحجّ وكانت اللّيلة الّتي وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيّد من سادتنا، وكنّا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا، فكلّمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنّك سيّد من سادتنا، وشريف من أشرافنا، وإنّا نرغب بك عمّا أنت فيه أن تكون حطبا للنّار غدا، ثمّ دعوته إلى الإسلام، وأخبرته بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا.
قال: فنمنا تلك اللّيلة مع قومنا في رحالنا حتّى إذا مضى ثلث اللّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلّل مستخفين تسلّل القطا حتّى اجتمعنا في الشّعب عند العقبة، ونحن سبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائهم، نسيبة بنت كعب أمّ عمارة إحدى نساء بني مازن بن النّجّار، وأسماء بنت عمرو بن عديّ بن ثابت إحدى نساء بني سلمة، وهي أمّ منيع، قال: فاجتمعنا بالشّعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى جاءنا، ومعه يومئذ عمّه العبّاس ابن عبد المطّلب وهو يومئذ على دين قومه إلّا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه، ويتوثّق له، فلمّا جلسنا كان العبّاس بن عبد المطّلب أوّل متكلّم، فقال: يا معشر الخزرج! قال وكانت العرب ممّا يسمّون هذا الحيّ من الأنصار الخزرج أوسها وخزرجها- إنّ محمّدا منّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينا فيه، وهو في عزّ من قومه ومنعه في بلده قال: فقلنا: قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربّك ما أحببت. قال: فتكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا ودعا إلى الله- عز وجل ورغّب في الإسلام، قال:
«أبايعكم على أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم
وأبناءكم» قال: فأخذ البراء بن معرور بيده، ثمّ قال:
نعم والّذي بعثك بالحقّ لنمنعنّك ممّا نمنع منه أزرنا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أهل الحروب، وأهل الحلقة «1» ورثناها كابرا عن كابر، قال: فاعترض القول والبراء يكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التّيّهان حليف بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله! إنّ بيننا وبين الرّجال حبالا وإنّا قاطعوها- يعني العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثمّ أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ قال: «بل الدّم الدّم والهدم الهدم «2» ، أنا منكم، وأنتم منّي، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم» ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، وأنا معبد بن كعب فحدّثني في حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك، قال كان أوّل من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور، ثمّ تتابع القوم، فلمّا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشّيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قطّ: يا أهل الجباجب- والجباجب المنازل- هل لكم في مذمّم والصّباة معه قد أجمعوا على حربكم؟ قال عليّ- يعني ابن إسحاق- ما يقول عدوّ الله محمّد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أزبّ العقبة، هذا ابن أذيب. اسمع أي عدوّ الله، أما والله لأفرغنّ لك» ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفعوا إلى رحالكم» قال: فقال له العبّاس بن عبادة ابن نضلة: والّذي بعثك بالحقّ لئن شئت لنميلنّ على أهل منى غدا بأسيافنا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أومر بذلك» قال: فرجعنا فنمنا حتّى أصبحنا، فلمّا أصبحنا غدت علينا جلّة قريش حتّى جاؤونا في منازلنا، فقالوا: يا معشر الخزرج، إنّه قد بلغنا أنّكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، والله إنّه ما من العرب أحد أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينه منكم، قال: فانبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه وقد صدقوا، لم يعلموا ما كان منّا، قال: فبعضنا ينظر إلى بعض قال: وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميّ، وعليه نعلان جديدان، قال: فقلت كلمة كأنّي أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر، وأنت سيّد من سادتنا أن تتّخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش، فسمعها الحارث فخلعهما ثمّ رمى بهما إليّ، فقال: والله لتنتعلنّهما، قال: يقول أبو جابر: أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه قال: فقلت: والله لا أردّهما قال: والله
(1) الحلقة: السّلاح عامّة، وقيل هي الدروع خاصة.
(2)
في المطبوعة: الهدم الهدم، وقد تكون محرفة وصوابها الدم الدم. راجع المسند الجامع (14/ 607) . والهدم بالفتح: القبر، يعني أني أقبر حيث تقبرون وقيل: هو المنزل أي منزلكم منزلي. والهدم بالسكون وبالفتح: هو دم القتيل والمعنى: إن طلب دمكم فقد طلب دمي، وإن أهدر فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة بيننا. نهاية (5/ 251) .
صلح، والله لئن صدق الفأل لأسلبنّه) * «1» .
20-
* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنه قال: خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم، زمن الحديبية، في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتّى إذا كانوا بذي الحليفة، قلّة الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة وساق الهدي، قال: وسار النّبي صلى الله عليه وسلم، حتّى إذا كان بالثّنيّة الّتي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته فقال النّاس: حل حل «2» خلأت «3» القصواء (مرّتين)«4» فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«ما خلأت، وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» ثمّ قال: «والّذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة يعظّمون حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» .
ثمّ زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتّى نزل بأقصى الحديبية على ثمد «5» قليل الماء. فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعيّ، ثمّ أتاه- يعني عروة بن مسعود- فجعل يكلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فكلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة قائم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعه السّيف، وعليه المغفر «6» ، فضرب يده بنعل السّيف، وقال: أخّر يدك عن لحيته. فرفع عروة رأسه فقال: من هذا «7» ؟ قالوا:
المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر، أولست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قوما في الجاهليّة، فقتلهم وأخذ أموالهم، ثمّ جاء فأسلم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أمّا الإسلام فقد قبلنا، وأمّا المال فإنّه مال غدر، لا حاجة لنا فيه» فذكر الحديث فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«اكتب: هذا ما قاضى عليه محمّد رسول الله» . وقصّ الخبر، فقال سهيل: وعلى أنّه لا يأتيك منّا رجل، وإن كان على دينك، إلّا رددته إلينا. فلمّا فرغ من قضيّة الكتاب قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه:«قوموا فانحروا ثمّ احلقوا» .. ثمّ جاء نسوة مؤمنات مهاجرات فنهاهم الله أن يردّوهنّ، وأمرهم أن يردّوا الصّداق. ثمّ رجع إلى المدينة، فجاءه أبو بصير- رجل من قريش-، يعني فأرسلوا في طلبه، فدفعه إلى الرّجلين، فخرجا به حتّى إذا بلغا ذا الحليفة نزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرّجلين والله إنّي لأرى سيفك هذا يا فلان جيّدا، فاستلّه الآخر، فقال: أجل قد جرّبت به، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتّى برد «8» ، وفرّ الآخر، حتّى أتى المدينة، فدخل
(1) أحمد (3/ 460- 462) واللفظ له. وقال ابن حجر في الفتح (7/ 261) : أخرجه ابن إسحاق وصححه ابن حبان من طريقه بطوله. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 43- 45) : رواه أحمد والطبراني بنحوه. ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
(2)
حل حل: اسم صوت مثل: هيد هيد، يقال للناقة لتقوم وتسرع، ومنه ما يقال للبغل: عدس. وللحمار: حاحا. وما يقال عند الإعجاب: بخ بخ.
(3)
خلأت: بركت. والقصو: قطع طرف الأذن. والقصواء: هو اسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(4)
في جميع الأصول كلمة مرتين هنا، وأظن أن المناسب أن تسبق كلمة (القصواء) .
(5)
الثمد: الماء القليل الذي لا مادّ له، وقيل: هو الذي يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف.
(6)
المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة وقيل حلق يتقنع به المتسلح.
(7)
عروة عم المغيرة، ولم يعرفه بسبب لبسه المغفر، ولعل بعض زرده غطى وجهه.
(8)
حتى برد: أي مات.