الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الشجاعة)
1-
* (قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه:
2-
* (قيل لعليّ- رضي الله عنه: «إذا جالت الخيل، فأين نطلبك؟ قال: حيث تركتموني» ) * «2» .
3-
* (قال الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه «كان أوّل من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة عبد الله بن مسعود. قال: اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجل يسمعهموه؟. قال عبد الله ابن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك. إنّما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال:
دعوني فإنّ الله- عز وجل سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضّحى وقريش في أنديتها فقام عند المقام ثمّ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ رافعا صوته الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ قال: ثمّ استقبلها يقرأ فيها قال: وتأمّلوا فجعلوا يقولون: ما يقول ابن أمّ عبد؟ قال: ثمّ قالوا إنّه ليتلو بعض ما جاء به محمّد، فقاموا إليه فجعلوا يضربون في وجهه وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ. ثمّ انصرف إلى أصحابه وقد أثّروا في وجهه، فقالوا: هذا الّذي خشينا عليك، قال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن ولئن شئتم لأغادينّهم بمثلها. قالوا: حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون) * «3» .
4-
* (قال طلحة بن عبيد الله- رضي الله عنه «لمّا كان يوم أحد ارتجزت بهذا الشّعر:
نحن حماة غالب ومالك
…
نذبّ عن رسولنا المبارك
نضرب عنه اليوم في المعارك
…
ضرب صفاح الكوم «4» في المبارك
فلمّا انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد، قال لحسّان:
«قل في طلحة» . فأنشأ حسّان، وقال:
طلحة يوم الشّعب آسى محمّدا
…
على سالك ضاقت عليه وشّقت
يقيه بكفّيه الرّماح وأسلمت
…
أشاجعه تحت السّيوف فشلّت
وكان أمام النّاس إلّا محمّدا
…
أقام رحى الإسلام حتّى استقلّت «5»
(1) صفوة الأخبار (88) .
(2)
المستطرف (1/ 316) .
(3)
فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/ 838837) . وسيرة ابن هشام (1/ 314) وذكره ابن الأثير في أسد الغابة (3/ 256) .
(4)
الكوم: الضراب وأصله من الارتفاع والعلوّ.
(5)
الحاكم (3/ 25)
5-
* (وقال موسى بن طلحة: «إنّ طلحة رجع بسبع وثلاثين أو خمس وثلاثين بين ضربة وطعنة ورمية، ترصّع جبينه وقطعت سبّابته وشلّت الإصبع الّتي تليها» ) * «1» .
6-
* (قال سعد بن أبي وقّاص- رضي الله عنه: «كان حمزة بن عبد المطّلب يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: «أنا أسد الله» ) * «2» .
7-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة منهم خبيب الأنصاريّ، فأخبرني عبيد الله بن عياض أنّ ابنة الحارث أخبرته أنّهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحدّ بها، فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه قال خبيب الأنصاريّ:
ولست أبالي حين أقتل مسلما
…
على أيّ شقّ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يبارك على أوصال شلو ممزّع
فقتله ابن الحارث، فأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم يوم أصيبوا) * «3» .
8-
* (قال معاذ بن عمرو- رضي الله عنه:
جعلت أبا جهل يوم بدر من شأني. فلمّا أمكنني حملت عليه، فضربته، فقطعت قدمه بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، وبقيت معلّقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنها القتال، فقاتلت عامّة يومي وإنّي لأسحبها خلفي. فلمّا آذتني، وضعت قدمي عليها ثمّ تمطّأت عليها حتّى طرحتها» قال الذّهبيّ بعد هذه القصّة:«هذه والله الشّجاعة لا كآخر من خدش بسهم ينقطع قلبه وتخور قواه «4» ) * «5» .
9-
* (عن رجل من أسلم أنّه قال: «إنّ أبا جهل اعترض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصّفا فاذاه وشتمه، وقال فيه ما يكره من العيب لدينه والتّضعيف له، فلم يكلّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد الله بن جدعان «6» التّيميّ في مسكن لها فوق الصّفا تسمع ذلك، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطّلب أن أقبل متوشّحا قوسه راجعا عن قنص له، وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادي قريش وأشدّها شكيمة، وكان يومئذ مشركا على دين قومه، فجاءته المولاة، وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة! لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمّد من أبي الحكم آنفا، وجده هاهنا فاذاه وشتمه وبلغ ما يكره، ثمّ انصرف عنه، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة، فجلس معهم ولم يكلّم محمّدا فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته- فخرج سريعا لا يقف على
(1) الحاكم (3/ 25- 26) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي
(2)
الحاكم (3/ 194) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه في التلخيص.
(3)
البخاري- الفتح 13 (7402) .
(4)
تخور قواه: تضعف قواه.
(5)
سير أعلام النبلاء (1/ 250- 251) .
(6)
عبد الله بن جدعان التّيمي القرشي أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية أدرك النبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة. (الأعلام 4/ 76) .
أحد كما كان يصنع يريد الطّواف بالبيت متعمّدا لأبي جهل أن يقع به، فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم، فأقبل نحوه حتّى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلّا صبأت فقال حمزة: وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه. أنا أشهد أنّه رسول الله وأنّ الّذي يقول حقّ، فو الله لا أنزع. فامنعوني إن كنتم صادقين. فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة لقد سببت ابن أخيه سبّا قبيحا، ومرّ حمزة على إسلامه وتابع يخفّف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا أسلم حمزة علمت قريش أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزّ وامتنع، وأنّ حمزة سيمنعه فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولونه وينالون منه، فقال في ذلك سعد حين ضرب أبا جهل فذكر رجزا غير مستقر أوّله:«ذق أبا جهل بما غشيت» . قال:
ثمّ رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشّيطان، فقال: أنت سيّد قريش اتّبعت هذا الصّابأ وتركت دين آبائك، للموت خير لك ممّا صنعت، فأقبل على حمزة شبه، فقال: ما صنعت؟ اللهمّ إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي، وإلّا فاجعل لي ممّا وقعت فيه مخرجا، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشّيطان، حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ابن أخي إنّي وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غيّ شديد؟ فحدّثني حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدّثني، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى الله في نفسه الإيمان، كما قال رسول الله، فقال:«أشهد إنّك لصادق شهادة المصدّق والعارف، فأظهر يا ابن أخي دينك، فهو الله ما أحبّ أنّ لي ما ألمعت الشّمس، وأنّي على ديني الأوّل. قال: فكان حمزة ممّن أعزّ الله به الدّين» ) * «1» .
10-
* (قيل لعبد الملك: من أشجع العرب في شعره؟ فقال: «عبّاس بن مرداس حين يقول:
أشدّ على الكتيبة لا أبالي
…
أحتفي كان فيها أم سواها
وهذا أشجع بيت قالته العرب» ) * «2» .
11-
* (قال الشّعبيّ- رحمه الله تعالى-:
«كان موالي بلال يضربونه على بطنه ويعصرونه ويقولون: دينك الّلات والعزّى، فيقول: ربّي الله.
أحد أحد، ولو أعلم كلمة أحفظ لكم منها لقلتها.
فمرّ أبو بكر بهم، فقالوا اشتر أخاك في دينك، فاشتراه بأربعين أوقيّة، فأعتقه، فقالوا: لو أبى إلّا أوقيّة لبعناه، فقال- وأقسم بالله-: لو أبيتم إلّا بكذا وكذا بشيء كثير لاشتريته» ) * «3» .
12-
* (قال الحافظ ابن عبد البرّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة البراء بن مالك- رضي الله عنه «كان من الأبطال الأشدّاء قتل من المشركين مائة رجل مبارزة سوى من شارك فيه» . وقال- رحمه الله تعالى-:
«زحف المسلمون إلى المشركين في اليمامة حتّى
(1) الحاكم في المستدرك (3/ 192- 193) .
(2)
صفوة الأخبار ومنتقى الآثار (83) .
(3)
سير أعلام النبلاء (1/ 352) .
ألجأوهم إلى الحديقة، وفيها عدوّ الله مسيلمة، فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتّى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم حتّى فتح على المسلمين، ودخل عليهم المسلمون ووقع به يومها بضع وثمانون جراحة من بين رمية بسهم وضربة فحمل إلى رحله يداوى» ) * «1» .
13-
* (قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-:
«إنّ الجميع يتمادحون بالشّجاعة والكرم، حتّى إنّ ذلك عامّة ما تمدح به الشّعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتنافون بالجبن والبخل، ولمّا كان صلاح بني آدم لا يتمّ في دينهم ودنياهم إلّا بالشّجاعة والكرم، بيّن الله سبحانه أنّه من تولّى عنه بترك الجهاد بنفسه أبدل الله من يقوم بذلك فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (التوبة/ 38- 39) ، وكذلك من تولّى عنه بترك الإنفاق توعّده كما في آخر سورة (محمّد) صلى الله عليه وسلم» . ثمّ قال- رحمه الله تعالى-: «وبالشّجاعة والكرم في سبيل الله فضّل الله السّابقين فقال تعالى:
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى (الحديد/ 10) . وقد ذكر الله عز وجل الجهاد بالنّفس والمال في سبيله ومدحه في غير آية من كتابه، وذلك هو الشّجاعة والسّماحة في طاعته سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم» ) * «2» .
14-
* (قال الذّهبيّ- رحمه الله تعالى- في ترجمة حمزة بن عبد المطّلب- رضي الله عنه: «الإمام البطل الضّرغام أسد الله أبو عمارة» ) * «3» .
15-
* (وقال في ترجمة خالد بن الوليد- رضي الله عنه: «سيف الله وفارس الإسلام، وليث المشاهد السّيّد الإمام الأمير الكبير قائد المجاهدين، تأمّر على المسلمين يوم مؤتة بعد استشهاد الأمراء وأخذ الرّاية، وحمل على العدوّ. فكان النّصر، وسمّاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم: سيف الله، وشهد الفتح وحنينا، وحارب أهل الرّدّة ومسيلمة، وغزا العراق وشهد حروب الشّام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلّا وعليه طابع الشّهداء» ثمّ ذكر حادثة له وقال بعدها «هذه والله الكرامة، وهذه الشّجاعة» ) * «4» .
16-
* (قال الأبشيهيّ- رحمه الله تعالى- عن هذا أيضا: «من الأبطال (الشّجعان) سيف الله وسيف رسوله صلى الله عليه وسلم بطل مذكور وفارس مشهور في الجاهليّة والإسلام» ) * «5» .
17-
* (وقال أيضا- رحمه الله تعالى- وهو يعدّد الأبطال الشّجعان منهم عليّ بن أبي طالب آية
(1) الاستيعاب (1/ 137- 139) على حاشية الإصابة.
(2)
باختصار من الاستقامة (2/ 263- 270) .
(3)
السير (1/ 172) .
(4)
انظر ترجمته في السير (1/ 366- 384)
(5)
المستطرف (1/ 316) .
من آيات الله، ومعجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيّد بالتأييد الإلهي، مثبّت قواعد الإسلام ومرسيها، وهو المتقدّم على ذوي الشّجاعة كلّهم بلا مرية ولا خلاف، وكان يقول: والّذي نفس ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسّيف أهون عليّ من موتة على فراش، وقال بعض العرب ما لقينا كتيبة فيها عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه إلّا أوصى بعضنا على بعض» ) * «1» .
18-
* (وقال: «قهر ألب آرسلان ملك التّرك ملك الرّوم وقمعه، وقتل رجاله، وأباد جمعه وكانت الرّوم قد جمعت جيوشا يقلّ أن يجمع لغيرهم من بعدهم مثلها، وكان قد بلغ عددهم ستّمائة ألف مقاتل، كتائب متواصلة، وعساكر مترادفة، وكراديس يتلو بعضها بعضا، لا يدركهم الطّرف، ولا يحصيهم العدد، وقد استعدّوا من الكراع، والسّلاح، والمجانيق، والآلات المعدّة للحروب وفتح الحصون بما لا يحصى. وكانوا قد قسّموا بلاد المسلمين: الشّام، والعراق، ومصر، وخراسان، وديار بكر. ولم يشكّوا أنّ الدّولة قد دارت لهم. وأنّ نجوم السّعود قد خدمتهم. ثمّ استقبلوا بلاد المسلمين فتواترت أخبارهم إلى بلاد المسلمين، واضطربت لها ممالك أهل الإسلام. فاحتشد للقائهم الملك ألب آرسلان وهو الّذي يسمّى الملك العادل، وجمع جموعه بمدينة أصبهان، واستعدّ بما قدر عليه، ثمّ خرج يؤمّهم فلم يزل العسكران يتدانيان إلى أن عادت طلائع المسلمين إلى المسلمين. وقالوا لأب آرسلان: غدا يتراءى الجمعان، فبات المسلمون ليلة الجمعة، والرّوم في عدد لا يحصيهم إلّا الله الّذي خلقهم، وما المسلمون فيهم إلّا أكلة جائع، فبقي المسلمون وجلين لما دهمهم، فلمّا أصبحوا صباح يوم الجمعة نظر بعضهم إلى بعض، فهال المسلمين ما رأوا من كثرة العدوّ، فأمر ألب آرسلان أن يعدّ المسلمون، فبلغوا اثني عشر ألفا، فكانوا كالشّامة البيضاء في الثّور الأسود. فجمع ذوي الرّأي من أهل الحرب والتّدبير، والشّفقة على المسلمين، والنّظر في العواقب، واستشارهم في استخلاص أصوب الرّأي فتشاوروا برهة، ثمّ اجتمع رأيهم على اللّقاء. فتوادع القوم، وتحاللوا، وناصحوا الإسلام وأهله، وتأهّبوا أهبة اللّقاء. وقالوا لألب آرسلان: باسم الله نحمل عليهم. فقال ألب آرسلان:
يا معشر أهل الإسلام أمهلوا، فإنّ هذا يوم الجمعة، والمسلمون يخطبون على المنابر، ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها، فإذا زالت الشّمس، وعلمنا أنّ المسلمين قد صلّوا ودعوا الله أن ينصر دينه، حملنا عليهم إذ ذاك. وكان ألب آرسلان قد عرف خيمة ملك الرّوم، وعلامته، وزيّه، وزينته، وفرسه. ثمّ قال لرجاله: لا يتخلّف أحد منكم أن يفعل كفعلي، ويتبع أثري، ويضرب بسيفه ويرمي سهمه حيث أضرب بسيفي، وأرمي بسهمي، ثمّ حمل برجاله حملة
(1) المستطرف (1/ 314- 315) .
رجل واحد إلى خيمة ملك الرّوم فقتلوا من كان دونها، ووصلوا إلى الملك فقتلوا من كان دونه، وجعلوا ينادون بلسان الرّوم: قتل الملك، قتل الملك. فسمعت الرّوم أنّ ملكهم قد قتل، فتبدّدوا، وتمزّقوا كلّ ممزّق، وعمل السّيف فيهم أيّاما، وأخذ المسلمون أموالهم وغنائمهم. وأتوا بالملك أسيرا بين يدي ألب أرسلان، والحبل في عنقه. فقال له ألب آرسلان: ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني، قال: وهل تشكّ أنّني كنت أقتلك. فقال له ألب آرسلان: أنت أقلّ في عيني من أن أقتلك. اذهبوا به فبيعوه لمن يزيد فيه، فكان يقاد والحبل في عنقه، وينادى عليه من يشتري ملك الرّوم.
وما زالوا كذلك يطوفون به على الخيام، ومنازل المسلمين وينادون عليه بالدّراهم، والفلوس فلم يدفع فيه أحد شيئا حتّى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الّذي ينادي عليه، وأخذ الكلب وأتى بهما إلى ألب آرسلان وقال قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا، سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب. فقال قد أنصفك. إنّ الكلب خير منه، ثمّ أمر ألب آرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينيّة، فعزلته الرّوم وكحّلوه بالنّار. فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة، والمكيدة» ) * «1» .
19-
* (وقال- رحمه الله تعالى-: «لا ينبغي أن يقدم الجيش إلّا الرّجل ذو البسالة والنّجدة والشّجاعة والجرأة، ثابت الجأش، صارم القلب، صادق البأس، ممّن قد توسّط الحروب ومارس الرّجال ومارسوه، ونازل الأقران، وقارع الأبطال، عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة. فإنّه إذا كان كذلك وصدر الكلّ عن رأيه كانوا جميعا كأنّهم مثله» ) * «2» .
20-
* (حكي أنّه كان للعرب فارس يقال له ابن فتحون، وكان أشجع العرب والعجم في زمانه.
وكان المستعين يكرمه ويعظّمه ويجري له في كلّ عطيّة خمسمائة دينار. وكانت جيوش الكفّار تهابه وتعرف منه الشّجاعة، وتخشى لقاءه. فيحكى أنّ الرّوميّ كان إذا سقى فرسه ولم يشرب يقول له: ويلك لم لا تشرب هل رأيت ابن فتحون في الماء، فحسده نظراؤه على كثرة العطاء ومنزلته من السّلطان. فوشوا به عند المستعين فأبعده ومنعه من عطائه، ثمّ إنّ المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الرّوم فتقابل المسلمون والمشركون صفوفا، ثمّ برز علج إلى وسط الميدان ونادى وقال: هل من مبارز؟
فبرز إليه فارس من المسلمين فتجاولا ساعة فقتله الرّومي، فصاح المشركون سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب الرّوميّ يجول بين الصّفّين وينادي: هل من اثنين لواحد؟ فخرج إليه فارس من المسلمين فقتله الرّوميّ. فصاح الكفّار سرورا، وانكسرت نفوس المسلمين، وجعل الكلب يجول بين الصّفّين وينادي ويقول: ثلاثة لواحد، فلم يجترئ
(1) المستطرف (1/ 311) .
(2)
المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
أحد من المسلمين أن يخرج إليه، وبقي النّاس في حيرة، فقيل للسّلطان: ما لها إلّا أبو الوليد بن فتحون فدعاه وتلطّف به، قال: السّاعة أكفي المسلمين شرّه، فلبس قميص كتّان واستوى على سرج فرسه بلا سلاح وأخذ بيده سوطا طويلا، وفي طرفه عقدة معقودة، ثمّ برز إليه فتعجّب منه النّصرانيّ. ثمّ حمل كلّ واحد منهما على صاحبه فلم تخطأ طعنة النّصرانيّ سرج ابن فتحون. وإذا ابن فتحون متعلّق برقبة الفرس، ونزل إلى الأرض لا شيء منه في السّرج، ثمّ انقلب في سرجه وحمل على العلج، وضربه بالسّوط فالتوى على عنقه فجذبه بيده من السّرج فاقتلعه، وجاء به يجرّه حتّى ألقاه بين يدي المستعين. فعلم المستعين أنّه كان قد أخطأ في صنعه مع أبي الوليد بن فتحون فاعتذر إليه، وأكرمه، وأحسن إليه، وبالغ في الإنعام عليه، وردّه إلى أحسن أحواله، وكان من أعزّ النّاس إليه» ) * «1» .
21-
* (يقال: «الشّجاع محبّب حتّى إلى عدوّه، والجبان مبغّض حتّى إلى أمّه) * «2» .
22-
* (قال بعضهم: «الشّجاعة صبر ساعة، وقد جمع الله تعالى جميع ما يحتاج إليه في الحرب في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ 45- 46) » ) * «3» .
23-
* (وقيل: «الرّجال ثلاثة: فارس وشجاع وبطل، فالفارس الّذي يشدّ إذا شدّوا، والشّجاع الدّاعي إلى البراز والمجيب داعيه، والبطل الحامي لظهورهم إذا انهزموا» ) * «4» .
24-
* (وقيل أيضا: «الشّجاع يبادر للحرب غير مبال بها لثقته بنفسه وعزمه على التّغلّب على عدوّه. لكنّه في نفس الوقت يفرّق بين الشّجاعة والتّهوّر والإقدام، وانتظار الفرصة المناسبة لينقضّ» ) * «5» .
25-
* (وقال بعضهم: «الشّجاع لا يقرّ له قرار ولا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن، ولا يهنأ بطعام أو شراب إذا كان يرى عدوّه طليقا يتحدّاه وينغّص عليه حياته. وبالطّبع فإنّ الفارس الشّجاع لا بدّ أن يكون متمرّسا على الطّعن والرّمي والإبداع في إصابة الهدف بمرماه، ولا يعيب الشّجاع أن يفرّ مرّة أو مرّتين» ) * «6» .
26-
* (قالت الحكماء: أصل الخيرات كلّها في ثبات القلب، ومنه تستمدّ جميع الفضائل وهو الثّبوت والقوّة على ما يوجبه العدل والعلم، والجبن غريزة يجمعها سوء الظّنّ بالله تعالى، والشّجاعة غريزة يجمعها حسن الظّنّ بالله تعالى) * «7» .
(1) المستطرف (1/ 313- 314) .
(2)
صفوة الأخبار (81) .
(3)
نفس الموضع السابق
(4)
صفوة الأخبار (82)
(5)
المرجع السابق (85)
(6)
صفوة الأخبار (86)
(7)
سراج الملوك للطرطوشي ج 2 (2/ 667) .