الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوصف والكيف «1» .
أنواع الصبر:
قال أبو عمر: سألت الحليميّ عن الصّبر، قال:
ثلاثة أنواع: الصّبر على طاعة الجبّار، والصّبر عن معاصي الجبّار، والصّبر على الصّبر على طاعته وترك معصيته «2» .
وقال ابن القيّم: الصّبر باعتبار متعلّقه ثلاثة أقسام: صبر الأوامر والطّاعات حتّى يؤدّيها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتّى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتّى لا يتسخّطها «3» .
وقال الفيروز اباديّ: الصّبر على ثلاثة أنواع:
(1)
صبر بالله، (2) صبر مع الله، (3) صبر لله «4» .
أهمية الصبر:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: «قد ذكر الله الصّبر في كتابه في أكثر من تسعين موضعا. وقرنه بالصّلاة في قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (البقرة/ 45)، وجعل الإمامة في الدّين موروثة عن الصّبر واليقين بقوله:
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ 24) . فإنّ الدّين كلّه علم بالحقّ وعمل به، والعمل به لا بدّ فيه من الصّبر. بل وطلب علمه يحتاج إلى الصّبر. كما قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه: عليكم بالعلم فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجّد الله ويوحّد، يرفع الله بالعلم أقواما يجعلهم للنّاس قادة وأئمّة يهتدون بهم وينتمون إلى رأيهم.
فجعل البحث عن العلم من الجهاد، ولا بدّ في الجهاد من الصّبر، ولهذا قال تعالى: وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (سورة العصر)، وقال تعالى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (ص/ 45) .
فالعلم النّافع هو أصل الهدى، والعمل بالحقّ هو الرّشاد، وضدّ الأوّل الضّلال، وضدّ الثّاني الغيّ.
فالضّلال العمل بغير علم، والغيّ اتّباع الهوى، قال تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ 1- 2) فلا ينال الهدى إلّا بالعلم ولا ينال الرّشاد إلّا بالصّبر. ولهذا قال عليّ: «ألا إنّ الصّبر من الإيمان بمنزلة الرّأس من الجسد، فإذا انقطع الرّأس بان الجسد، ثمّ رفع صوته فقال ألا لا إيمان لمن لا صبر له» «5» .
المصابرة:
المصابرة مفاعلة- من الصّبر، ويكثر استعمال هذه الصّيغة- كما يقول الصّرفيّون- في أحد أمرين؛ المشاركة في الأمر كما في نحو قاتل فلان فلانا أي أنّهما اشتركا معا في القتال، الآخر: الموالاة والمتابعة في الأمر كما في قول الله تعالى: وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف/ 21) أي والى في القسم «6» ، وعلى ذلك فإنّ المصابرة قد تعني:
(1) بصائر ذوي التمييز (3/ 378) ومدارج السالكين (2/ 165) .
(2)
ذكر في بصائر ذوي التمييز (3/ 375) النوعين الأوّلين وعبر عن الثالث بقوله: صبر على امتحان الله.
(3)
مدارج السالكين لابن القيم (1/ 165) ، ودليل الفالحين (1/ 137) .
(4)
البصائر (3/ 376) .
(5)
المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(6)
انظر في معاني هذه الصيغة: شذا العرف في فن الصرف للشيخ الحملاوي (41) وقد تفيد هذه الصيغة معان أخر، منها: التكثير والمبالغة كما في: ضاعفت الشيء بمعنى ضعفته.
1-
المشاركة في الصّبر كأن يصبر الإنسان عن المعاصي، ويصبر الشّيطان على الإغواء وحينئذ تكون الغلبة لأكثرهما صبرا.
2-
موالاة الصّبر ومتابعته سواء كان صبرا عن المعاصي أو صبرا على الطّاعات.
وكما أمرنا المولى عز وجل بالصّبر فقد أمرنا أيضا بالمصابرة في قوله عزّ من قائل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران/ 200) .
فما معنى المصابرة الّتي أمرنا بها؟
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- إجابة عن هذا التّساؤل: «قيل في قوله تعالى اصْبِرُوا وَصابِرُوا..
الآية» أنّه انتقال من الأدنى إلى الأعلى، فالصّبر دون المصابرة «1» .
وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله.
وقيل: اصبروا في الله، وصابروا بالله، (أي أنّ الصّبر يكون في طاعة الله والمصابرة تكون في الاستعانة بالله) .
وقيل: اصبروا على النّعماء، وصابروا على البأساء والضّرّاء وقال- رحمه الله تعالى- فالصّبر مع نفسك، والمصابرة بينك وبين عدوّك «2» » «3» .
وقال- رحمه الله في تفسير الآية الكريمة مؤكّدا هذا المعنى الأخير: أمرهم بالصّبر، وهو حال الصّابر في نفسه، والمصابرة مقاومة الخصم في ميدان الصّبر، فإنّها مفاعلة تستدعي وقوعها بين اثنين- كالمشاتمة والمضاربة «4» - وهي إذن حال المؤمن في الصّبر مع خصمه، أمّا المرابطة فهي الثّبات واللّزوم والإقامة على الصّبر والمصابرة، فقد يصبر العبد ولا يصابر، وقد يصابر ولا يرابط، وقد يصبر ويصابر ويرابط من غير تعبّد بالتّقوى، فأخبر سبحانه أنّ ملاك ذلك كلّه: التّقوى، وأنّ الفلاح موقوف عليها، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «5» .
وهذا الّذي ذهب إليه ابن القيّم هو عين ما رجّحه الطّبريّ عند ما قال: وأولى التأويلات في ذلك قول من قال: «اصبروا على دينكم وطاعة ربّكم، وذلك أنّ الله لم يخصّص من معاني الصّبر على الدّين والطّاعة شيئا فيجوز إخراجه من ظاهر التّنزيل، ومن ثمّ يكون الأمر بالصّبر على جميع معاني طاعة الله فيما أمر ونهى صعبها وشديدها وسهلها وخفيفها، أمّا المصابرة فيقصد بها مصابرة الأعداء من المشركين لأنّ المعروف من كلام العرب في المفاعلة أن تكون من فريقين أو اثنين فصاعدا، ولا تكون من واحد إلّا قليلا، وإذا كان ذلك كذلك فإنّما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم وألّا يكون عدوّهم أصبر منهم «6» .
وقال النّيسابوريّ: المراد بالصّبر جهاد النّفس بالرّياضات، وبالمصابرة: مراقبة القلب عند الابتلاءات «7» .
وقال القرطبيّ: المصابرة: في قول زيد بن أسلم:
«مصابرة الأعداء» وقال الحسن: «على الصّلوات الخمس» ، وقيل: إدامة مخالفة النّفس عن شهواتها فهي
(1) ويشير بهذا إلى أن الصيغة «فاعل» تفيد الموالاة في الصبر والمبالغة فيه.
(2)
يشير بهذا القول الى أن المراد بالمصابرة المشاركة في الصبر وكأن الإنسان يصبر على الجهاد مثلا (جهاد النفس أو جهاد العدو) فيصبر عليه بمثل ما صبر.
(3)
مدارج السالكين 1/ 166-، 167
(4)
يشير بذلك إلى المعنى الصرفي الأول للصيغة وقد ذكرناه آنفا.
(5)
التفسير القيم لابن قيم الجوزية ص، 217
(6)
ذكر- رحمه الله تعالى- آراء عديدة في تفسير معنى الصبر والمصابرة، ثم وازن بينها ورجح أولى الآراء بالقبول، انظر هذه الآراء في المجلد 3 ج 4 ص 148، 149
(7)
تفسير النيسابوري (بهامش الطبري) مجلد 4 ج 4 ص، 175