الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحاديث الواردة في (الشجاعة)
1-
* (عن أنس- رضي الله عنه أنّه قال:
كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحسن النّاس وأشجع النّاس وأجود النّاس، ولقد فزع أهل المدينة، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس، وقال:«وجدناه بحرا «1» » ) * «2» .
()
الأحاديث الواردة في (الشجاعة) معنى
2-
* (عن يسير بن جابر- رضي الله عنه قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة. فجاء رجل ليس له هجّيرى «3» إلّا: يا عبد الله بن مسعود جاءت السّاعة.
قال فقعد وكان متّكئا. فقال: إنّ السّاعة لا تقوم، حتّى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة. ثمّ قال بيده هكذا (ونحّاها نحو الشّام) فقال: عدوّ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام. قلت: الرّوم تعني؟ قال: نعم. وتكون عند ذاكم القتال ردّة شديدة «4» فيشترط «5» المسلمون شرطة «6» للموت لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون حتّى يحجز بينهم اللّيل.
فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة.
ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة. فيقتتلون. حتّى يحجز بينهم اللّيل. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. ثمّ يشترط المسلمون شرطة للموت. لا ترجع إلّا غالبة.
فيقتتلون حتّى يمسوا. فيفيء هؤلاء وهؤلاء. كلّ غير غالب. وتفنى الشّرطة. فإذا كان يوم الرّابع، نهد»
إليهم بقيّة أهل الإسلام. فيجعل الله الدّبرة عليهم «8» .
فيقتلون مقتلة- إمّا قال: لا يرى مثلها، وإمّا قال: لم ير مثلها- حتّى إنّ الطّائر ليمرّ بجنباتهم «9» فما يخلّفهم حتّى يخرّ ميتا. فيتعادّ بنو الأب «10» كانوا مائة. فلا يجدونه بقي منهم إلّا الرّجل الواحد. فبأيّ غنيمة يفرح؟ أو أيّ ميراث يقاسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس، هو أكبر من ذلك. فجاءهم الصّريخ؛ إنّ الدّجّال قد خلفهم في ذراريّهم. فيرفضون «11» ما في أيديهم. ويقبلون. فيبعثون عشرة فوارس طليعة: قال
(1) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس سريع العدو.
(2)
البخاري- الفتح 6 (2820) واللفظ له. ومسلم (2307) .
(3)
ليس له هجيري: أي شأنه ودأبه ذلك. والهجيرى بمعنى الهجير.
(4)
ردة شديدة: أي عطفة قوية.
(5)
فيشترط: ضبطوه بوجهين: أحدهما فيشترط، والآخر فيتشرط.
(6)
شرطة: طائفة من الجيش تقدم للقتال.
(7)
نهد: أي نهض وتقدم.
(8)
فيجعل الله الدبرة عليهم: أي الهزيمة. ورواه بعض رواة مسلم: الدائرة، وهو بمعنى الدبرة. وقال الأزهري: الدائرة هي الدولة تدور على الأعداء. وقيل: هي الحادثة.
(9)
بجنباتهم: أي نواحيهم. وحكى القاضي عن بعض رواتهم: بجثمانهم، أي شخوصهم
(10)
فيتعاد بنو الأب: في النهاية: أي يعد بعضهم بعضا.
(11)
فيرفضون: قال ابن فارس: الراء والفاء والضاد أصل واحد، وهو الترك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم. هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ. أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ» ) * «1» .
3-
* (قال أنس- رضي الله عنه إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفا يوم أحد فقال: «من يأخذ منّي هذا؟» . فبسطوا أيديهم، كلّ إنسان منهم يقول: أنا. أنا.
قال: «فمن يأخذه بحقّه؟» . قال: فأحجم القوم. فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقّه. قال:
فأخذه ففلق به هام المشركين) * «2» .
4-
* (عن أنس- رضي الله عنه أنّه قال:
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان.
قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه. فقام سعد بن عبادة، فقال: إيّانا تريد يا رسول الله! والّذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها «3» . ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد «4» لفعلنا، قال: فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم النّاس. فانطلقوا حتّى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش
…
الحديث) * «5» .
5-
* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال:
فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الرّكيّة «6» ، فإمّا دعا وإمّا بسق فيها «7» . قال: فجاشت «8» . فسقينا واستقينا. قال:
ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعانا للبيعة في أصل الشّجرة، قال: فبايعته أوّل النّاس. ثمّ بايع وبايع. حتّى إذا كان في وسط من النّاس قال: «بايع. يا سلمة» . قال قلت:
قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس. قال: «وأيضا» .
قال: ورآني رسول الله صلى الله عليه وسلم عزلا «9» (يعني ليس معه سلاح) . قال: فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حجفة أو درقة «10» ، ثمّ بايع. حتّى إذا كان في آخر النّاس قال:
«ألا تبايعني يا سلمة؟» . قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أوّل النّاس، وفي أوسط النّاس. قال:
«وأيضا» . قال: فبايعته الثّالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة أين حجفتك أو درقتك الّتي أعطيتك؟» . قال قلت:
يا رسول الله لقيني عمّي عامر عزلا. فأعطيته إيّاها.
(1) مسلم (2899) .
(2)
مسلم (2470) . وفلق به هام المشركين أي شقّ رؤوسهم.
(3)
لأخضناها: يعني بذلك الخيول، والمعنى: لو أمرتنا أن نخوض بها في البحر لخضنا.
(4)
برك الغماد: هو موضع من وراء مكة بناحية الساحل. ونضرب أكبادها: أي نركضها ونحثها على السير وهي كناية.
(5)
مسلم (1779) .
(6)
جبا الركية: الجبا ما حول البئر. والركي البئر. والمشهور في اللغة ركى، بغير هاء. ووقع هنا الركية بالهاء. وهي لغة حكاها الأصمعي وغيره.
(7)
بسق فيها: هكذا هي في جميع النسخ «بسق» وهي صحيحة. يقال: بزق، وبصق، وبسق ثلاث لغات بمعنى، والسين قليلة الاستعمال.
(8)
فجاشت: أي ارتفعت وفاضت. يقال: جاش الشيء يجيش جيشانا، إذا ارتفع.
(9)
عزلا: ضبطوه بوجهين: أحدهما فتح العين مع كسر الزاي. والآخر ضمهما. وقد فسره بأنه الذي لا سلاح معه. ويقال أيضا: أعزل، وهو الأشهر استعمالا.
(10)
حجفة أو درقة: هما شبيهتان بالترس.
قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إنّك كالّذي قال الأوّل «1» : اللهمّ أبغني «2» حبيبا، هو أحبّ إليّ من نفسي» . ثمّ إنّ المشركين راسلونا «3» الصّلح. حتّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه، وأحسّه «4» ، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرا إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «5» فاضطجعت في أصلها. قال:
فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي:
يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «6» ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود.
فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «7» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «8» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. على فرس مجفّف «9» . في سبعين من المشركين.
فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه «10» » . فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال سلمة:
فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره «11» مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة.
(1) إنك كالذي قال الأول: الذي صفة لمحذوف. أي إنك كالقول الذي قاله الأول. فالأول: بالرفع فاعل. والمراد به، هنا، المتقدم بالزمان. يعني أن شأنك هذا مع عمك يشبه فحوى القول الذي قاله الرجل المتقدم زمانه.
(2)
أبغني: أي أعطني.
(3)
راسلونا: هكذا هو في أكثر النسخ: راسلونا، من المراسلة. أي أرسلنا إليهم وأرسلوا إلينا في أمر الصلح.
(4)
وأحسه: أي أحك ظهره بالمحسة لأزيل عنه الغبار ونحوه.
(5)
فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(6)
فاخترطت سيفي: أي سللته.
(7)
ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة.
(8)
العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات: العبلات من قريش، يقال لهم أميّة الصغرى. والنسبة إليهم عبليّ. ترده إلى الواحد.
(9)
مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(10)
يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(11)
بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
أندّيه «1» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه
طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «2» .
حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال: قلت:
خذها:
وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «3» . فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة.
قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلّا خلّفته وراء ظهري. وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفّون. ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «4» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) . وجلست على رأس قرن. قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا، البرح «5» . والله ما فارقنا منذ غلس «6» . يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة.
قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام، قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا:
لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته.
ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال: فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ.
وعلى إثره المقداد بن الأسود الكنديّ. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم. لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني
(1) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(2)
فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(3)
أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(4)
آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام. وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها. واحده إرم كعنب وأعناب.
(5)
البرح: أي الشدة.
(6)
منذ غلس: أي منذ الظلام.
وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.
قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله.
وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجليّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم شيئا.
حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء.
يقال له ذا قرد. ليشربوا منه، وهم عطاش. قال:
فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه»
(يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «2» كتفه. قال قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «3» . قال قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة «4» من لبن وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الّذي حلّأتهم عنه. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل. وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّتي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال:
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة أتراك كنت فاعلا؟» . قلت:
نعم، والّذي أكرمك. فقال:«إنّهم الآن ليقرون في أرض غطفان» . قال: فجاء رجل من غطفان، فقال:
نحر لهم فلان جزورا، فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا.
فقالوا: أتاكم القوم. فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة.
وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء.
راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك.
قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(2)
نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمى بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(3)
قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف؛ لأنها من الظروف المتمكنة.
(4)
المذقة: الشّربة من اللبن الممذوق أي المختلط.
قال: قلت: يا رسول الله بأبي وأمّي ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إن شئت» . قال: قلت: اذهب إليك.
وثنيت رجليّ فطفرت «1» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «2» ثمّ عدوت في إثره.
فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «3» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت والله! قال: أنا أظنّ «4» قال: فسبقته إلى المدينة قال:
فو الله ما لبثنا إلّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فجعل عمّي «5» عامر يرتجز بالقوم:
تا لله لولا الله ما اهتدينا
…
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
…
فثبّت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من هذا؟» . قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربّك» . قال: وما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان يخصّه إلّا استشهد. قال:
فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبيّ الله لولا ما متّعتنا بعامر. قال: فلمّا قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه «6» ويقول:
قد علمت خيبر أنّي مرحب
…
شاكي السّلاح «7» بطل مجرّب «8»
إذا الحروب أقبلت تلهّب
قال: وبرز له عمّي عامر، فقال:
قد علمت خيبر أنّي عامر
…
شاكي السّلاح بطل مغامر «9»
قال: فاختلفا ضربتين: فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له «10» . فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة:
فخرجت فإذا نفر من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم يقولون:
بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم
(1) فطفرت: أي وثبت وقفزت
(2)
فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر
(3)
رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(4)
أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(5)
فجعل عمي: هكذا قال هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي. فلعله كان أخاه من الرضاعة. وكان عمه من النسب.
(6)
يخطر بسيفه: أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى.
(7)
شاكي السلاح: أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاك السلاح، وشاك في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ.
(8)
بطل مجرب: أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا.
(9)
بطل مغامر: أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي بنفسه فيها.
(10)
يسفل له: أي يضربه من أسفله.
وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال ذلك؟» . قال قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال ذلك. بل له أجره مرّتين» . ثمّ أرسلني إلى عليّ، وهو أرمد. فقال:
«لأعطينّ الرّاية رجلا يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله» . قال: فأتيت عليّا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتّى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الرّاية. وخرج مرحب. فقال:
قد علمت خيبر أنّي مرحب
…
شاكي السّلاح بطل مجرّب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فقال عليّ:
أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره «1»
…
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصّاع كيل السّندره «2»
قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه» ) * «3» .
6-
* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة يحبّهم الله- عز وجل وثلاثة يبغضهم الله- عز وجل. أمّا الّذين يحبّهم الله- عز وجل: فرجل أتى قوما فسألهم بالله- عز وجل ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلّفه رجل بأعقابهم، فأعطاه سرّا، لا يعلم بعطيّته إلّا الله- عز وجل والّذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم حتّى إذا كان النّوم أحبّ إليهم ممّا يعدل به نزلوا، فوضعوا رؤوسهم، فقام يتملّقني، ويتلو آياتي، ورجل كانوا في سريّة فلقوا العدوّ فهزموا، فأقبل بصدره حتّى يقتل أو يفتح الله له. والثّلاثة الّذين يبغضهم الله- عز وجل: الشّيخ الزّاني، والفقير المختال، والغنيّ الظّلوم» ) * «4» .
7-
* (عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما أنّه قال: ندب النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّاس يوم الخندق، فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم فانتدب الزّبير، ثمّ ندبهم «5» فانتدب الزّبير. قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ لكلّ نبيّ حواريّا «6» وحواريّ الزّبير» ) * «7» .
(1) أنا الذي سمتني أمي حيدرة: حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي- رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
(2)
أوفيهم بالصاع كيل السندرة: معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع. وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي.
(3)
مسلم (1807) .
(4)
النسائي (5/ 84) واللفظ له. والترمذي (2568) وقال: هذا حديث صحيح. والحاكم (1/ 416- 417) وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ذكره في المشكاة (1922) . وقال مخرج جامع الأصول: حديث حسن (9/ 564) .
(5)
ندبهم: أي دعاهم للجهاد وحرض عليه فأجابه الزبير.
(6)
الحواري: الناصر.
(7)
البخاري- الفتح 6 (2997) واللفظ له. ومسلم (2415) .