الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم أدّاه إلى الرّضا.
وقيل استقبال الأحكام بالفرح. وقيل: سكون القلب تحت مجاري الأحكام. وقيل: نظر القلب إلى قديم اختيار الله للعبد فإنّه اختار له الأفضل. وهو ترك السّخط «1» .
وقال المناويّ: الرّضا طيب نفسيّ للإنسان بما يصيبه أو يفوته مع عدم التّغيّر، وقول الفقهاء يشهد على رضاها أي إذنها جعلوا الإذن رضا لدلالته عليه.
أنواع الرضا:
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة- رحمه الله:
من لزم ما يرضي الله من امتثال أوامره واجتناب نواهيه لا سيّما إذا قام بواجبها ومستحبّها فإنّ الله يرضى عنه، كما أنّ من لزم محبوبات الحقّ أحبّه الله. كما قال في الحديث الصّحيح الّذي في البخاريّ: «من عادى لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه فإذا أحببته
…
» الحديث. وذلك أنّ الرّضا نوعان:
أحدهما: الرّضا بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. ويتناول ما أباحه الله من غير تعدّ محظور.
وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (التوبة/ 59) . وهذا الرّضا واجب.
ولهذا ذمّ من تركه بقوله: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ
…
(التوبة/ 58- 59) .
والنّوع الثّاني: الرضا بالمصائب: كالفقر والمرض والذّلّ. فهذا رضا مستحبّ في أحد قولي العلماء، وليس بواجب، وقد قيل: إنّه واجب، والصّحيح أنّ الواجب هو الصّبر. كما قال الحسن:
الرّضا غريزة، ولكنّ الصّبر معوّل المؤمن. وقد روي في حديث ابن عبّاس أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«إن استطعت أن تعمّ بالرّضا مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فإنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا» . وأمّا الرّضا بالكفر والفسوق والعصيان: فالّذي عليه أئمّة الدين أنّه لا يرضى بذلك، فإنّ الله لا يرضاه كما قال: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (الزمر/ 7)، وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (البقرة/ 205)، وقال تعالى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (التوبة/ 96)«2» .
قال ابن القيّم- رحمه الله بعد أن ساق حديثين: الأوّل: قوله صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا» .
والثّاني: قوله: «من قال حين يسمع النّداء
(1) التعريفات للجرجاني (ص 111) ، مدارج السالكين لابن القيم (2/ 185) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوى (ص 178) .
(2)
الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 683681) .
رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه» . قال- رحمه الله: هذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين، وإليهما ينتهي. وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيّته. والرّضا برسوله، والانقياد له، والرّضا بدينه والتّسليم له.
ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا.
وهي سهلة بالدّعوى واللّسان، وهي من أصعب الأمور عند حقيقة الامتحان. ولا سيّما إذا جاء ما يخالف هوى النّفس ومرادها، من ذلك تبيّن «1» أنّ الرّضا كان لسانه به ناطقا. فهو على لسانه لا على حاله.
فالرّضا بإلهيّته يتضمّن الرّضا بمحبّته وحده، وخوفه، ورجائه، والإنابة إليه، والتّبتّل إليه، وانجذاب قوى الإرادة والحبّ كلّها إليه، فعل الرّاضي بمحبوبه كلّ الرّضا. وذلك يتضمّن عبادته والإخلاص له، والرّضا بربوبيّته يتضمّن الرّضا بتدبيره لعبده. ويتضمّن إفراده بالتّوكّل عليه، وبالاستعانة به والثّقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضيا بكلّ ما يفعل به. فالأوّل: يتضمّن رضاه بما يؤمر به. والثّاني: يتضمّن رضاه بما يقدّره عليه.
وأمّا الرّضا بنبيّه رسولا فيتضمّن كمال الانقياد له، والتّسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا يتلقّى الهدى إلّا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلّا إليه، ولا يحكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتّة. لا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلّا بحكمه.
فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطّرّ إذا لم يجد ما يقيته إلّا من الميتة والدّم. وأحسن أحواله:
أن يكون من باب التّراب الّذي إنّما يتيمّم به عند العجز عن استعمال الماء الطّهور.
وأمّا الرّضا بدينه: فإذا قال، أو حكم، أو أمر، أو نهى، رضي كلّ الرّضا، ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلّم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها، أو قول مقلّده وشيخه وطائفته «2» .
[للاستزادة: انظر صفات: الاتباع- السرور- الصبر والمصابرة- اليقين- السماحة- القناعة- الزهد.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: السخط- الجزع- القلق- الغضب- الحسد- الحقد- الغل] .
(1) هكذا في الأصل ولعلّ المراد: ومن تبيّن أنّ الرّضا.
(2)
مدارج السالكين لابن القيم (2/ 179، 180) وراجع: بصائر ذوى التمييز (3/ 79- 81) .