الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واصطلاحا:
قال الرّاغب: الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصرا له وسائلا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشّفاعة يوم القيامة «1» . وقال الجرجانيّ وابن المناويّ: هي السّؤال في التّجاوز عن الذّنوب من الّذي وقعت الجناية في حقّه «2»
وقال الكفويّ: هي سؤال فعل الخير وترك الضّرّ عن الغير على سبيل الضّراعة «3» . وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الشّفاعة وصلة بين الشّفيع والمشفوع له لمزيد وصلة بين الشّفيع والمشفوع عنده «4» .
أنواع الشفاعة:
قال ابن أبي العزّ- رحمه الله تعالى- في شرحه للعقيدة الطّحاوية: الشّفاعة أنواع:
النّوع الأوّل: الشّفاعة العظمى الخاصّة بنبيّنا صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
النّوع الثّاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيّئاتهم، فيشفع فيهم ليدخلوا الجنّة.
النّوع الثّالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في قوم آخرين قد أمر بهم إلى النّار أن لا يدخلوها.
النّوع الرّابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنّة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم.
النّوع الخامس: الشّفاعة في أقوام ليدخلوا الجنّة بغير حساب وهم السّبعون ألفا.
النّوع السّادس: الشّفاعة في تخفيف العذاب عمّن يستحقّه. كشفاعته في عمّه أبي طالب أن يخفّف عنه عذابه.
النّوع السّابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم أن يؤذن لجميع المؤمنين في دخول الجنّة.
النّوع الثّامن: شفاعته في أهل الكبائر من أمّته ممّن دخل النّار فيخرجون منها.
وهذه الشّفاعة تشاركه فيها الملائكة والنّبيّون والمؤمنون «5» .
الفرق بين الشفاعة الشرعية والشفاعة الشّركيّة:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: عند قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ* قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزمر/ 43- 44) . أخبر الله في كتابه أنّ الشفاعة لمن له ملك السّموات والأرض، وهو الله وحده. فهو الّذي يشفع بنفسه إلى نفسه، ليرحم عبده. فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه.
فصارت الشّفاعة في الحقيقة إنّما هي له، والّذي يشفع عنده إنّما يشفع بإذنه له وأمره له، بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته من نفسه أن يرحم عبده. وهذا ضدّ الشّفاعة الشّركيّة الّتي أثبتها المشركون ومن وافقهم، وهي الّتي أبطلها الله سبحانه في كتابه،
(1) المفردات للراغب (263) .
(2)
التعريفات للجرجاني (133) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (206) .
(3)
الكليات للكفوي (536) .
(4)
التوقيف (206) .
(5)
شرح العقيدة الطحاوية (525- 257) بتصرف واختصار.
بقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ (البقرة/ 123) وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ (البقرة/ 254) وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الأنعام/ 51) وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ (السجدة/ 4) .
فأخبر سبحانه أنّه ليس للعباد شفيع من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه. كما قال تعالى: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ 3) وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ 255) فالشّفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.
والفرق بين الشّفيعين، كالفرق بين الشّريك والعبد المأمور. فالشّفاعة الّتي أبطلها الله: شفاعة الشّريك فإنّه لا شريك له، والّتي أثبتها: شفاعة العبد المأمور الّذي لا يشفع، ولا يتقدّم بين يدي مالكه حتّى يأذن له. ويقول: اشفع في فلان. ولهذا كان أسعد النّاس بشفاعة سيّد الشّفعاء يوم القيامة أهل التّوحيد، الّذين جرّدوا التّوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشّرك وشوائبه، وهم الّذين ارتضى الله سبحانه. قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ 28) وقال:
يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه/ 109) . وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده: هم الرّسل والملائكة المقرّبون. وهم عبيد محض، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدّمون بين يديه، ولا يفعلون شيئا إلّا بعد إذنه لهم، وأمرهم. ولا سيّما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيّدة بأمره وإذنه. فإذا أشرك بهم المشرك، واتّخذهم شفعاء من دونه، ظنّا منه أنّه إذا فعل ذلك تقدّموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهل النّاس بحقّ الرّبّ سبحانه وما يجب له. ويمتنع عليه.
فإنّ هذا محال ممتنع، شبيه قياس الرّبّ تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتّخذ الرّجل من خواصّهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج. وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتّخذ المشركون من دون الله الشّفيع والوليّ. فالشّفعاء عند المخلوقين: هم شركاؤهم. فإنّ قيام مصالحهم بهم. وهم أعوانهم وأنصارهم، الّذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم.
ولولا هم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في النّاس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم. وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشّافع. لأنّهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم. فلا يجدون بدّا من قبول شفاعتهم على الكره والرّضى. فأمّا الغنيّ الّذي غناه من لوازم ذاته، وكلّ ما سواه فقير إليه بذاته. وكلّ من في السّماوات والأرض عبيد له، مقهورون بقهره، مصروفون بمشيئته. لو أهلكهم جميعا لم ينقص من عزّه وسلطانه وملكه وربوبيّته وإلهيّته مثقال ذرّة، قال سبحانه في سيّدة آي