الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على شيء نقيمه على الشّريف والوضيع. فجعلنا التّحميم والجلد مكان الرّجم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«اللهمّ إنّي أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه» . فأمر به فرجم. فأنزل الله عز وجل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.. إلى قوله إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ (المائدة/ 41) يقول: ائتوا محمّدا صلى الله عليه وسلم.
فإن أمركم بالتّحميم والجلد فخذوه. وإن أفتاكم بالرّجم فاحذروا. فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ 44) .
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (5/ المائدة/ 45) . وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (5/ المائدة/ 47) . في الكفّار كلّها) * «1» .
()
الأحاديث الواردة في (الشرف) معنى
8-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال:
أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بلحم. فرفع إليه الذّراع وكانت تعجبه. فنهس «2» منها نهسة فقال: «أنا سيّد النّاس يوم القيامة. وهل تدرون بم ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأوّلين والآخرين في صعيد واحد «3» .
فيسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر «4» . وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون.
وما لا يحتملون. فيقول بعض النّاس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: ائتوا آدم. فيأتون آدم. فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر. خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله. ولن يغضب بعده مثله. وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح! أنت أوّل الرّسل إلى الأرض. وسمّاك الله عبدا شكورا. اشفع لنا إلى ربّك.
ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم: إنّ
(1) مسلم (1700) .
(2)
فنهس: بمعنى أخذ بأطراف أسنانه.
(3)
في صعيد واحد: الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية.
(4)
وينفذهم البصر: قال الكسائي: يقال نفذني بصره إذا بلغني وجاوزني. قال ويقال: أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم. فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف. ومعناه: ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم. وقال صاحب المطالع: معناه أنه يحيط بهم الناظر، لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض. أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين.
ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله!، ولا يغضب بعده مثله. وذكر كذباته، نفسي. نفسي.
اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا موسى أنت رسول الله. فضّلك الله، برسالاته وبتكليمه، على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك.
ألا ترى إلى ما نحن فيه؟. ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى صلى الله عليه وسلم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي. نفسي. اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله، وكلّمت النّاس في المهد. وكلمة منه ألقاها إلى مريم، وروح منه. فاشفع لنا إلى ربّك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر له ذنبا.
نفسي. نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمّد صلى الله عليه وسلم.
فيأتونّي فيقولون: يا محمّد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء. وغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر.
اشفع لنا إلى ربّك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فأنطلق فاتي تحت العرش فأقع ساجدا لربّي.
ثمّ يفتح الله عليّ ويلهمني من محامده وحسن الثّناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي. ثمّ يقال: يا محمّد! ارفع رأسك، سل تعطه. اشفع تشفّع. فأرفع رأسي فأقول: يا ربّ! أمّتي. أمّتي. فيقال: يا محمّد! أدخل الجنّة من أمّتك من لا حساب عليه، من الباب الأيمن من أبواب الجنّة. وهم شركاء النّاس «1» فيما سوى ذلك من الأبواب. والّذي نفس محمّد بيده! إنّ ما بين المصراعين من مصاريع الجنّة «2» لكما بين مكّة وهجر «3» أو كما بين مكّة وبصرى «4» » ) * «5» .
9-
* (عن أبي موسى- رضي الله عنه قال:
سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص:
إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتّى تقتل أقرانها. فقال له معاوية- وكان والله خير الرّجلين- أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور النّاس، من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرّحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز.
فقال: اذهبا إلى هذا الرّجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه. فأتياه فدخلا عليه فتكلّما، وقالا له وطلبا إليه. فقال لهما الحسن بن عليّ: إنّا بني عبد المطّلب قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في
(1) شركاء الناس: يعني أنهم لا يمنعون من سائر الأبواب.
(2)
إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة: المصراعان جانبا الباب.
(3)
هجر: هجر مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين. قال الجوهري في صحاحه: هجر اسم بلد مذكر مصروف والنسبة إليه هاجري. قال النووي: وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث «إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر» تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها. وهي غير مصروفة.
(4)
وبصرى: بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل.
(5)
البخاري- الفتح 8 (4712) . ومسلم (194) واللفظ له.
دمائها. قالا: فإنّه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به.
فما سألهما شيئا إلّا قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر- والحسن بن عليّ إلى جنبه- وهو يقبل على النّاس مرّة وعليه أخرى، ويقول:«إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» ) * «1» .
10-
* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما قال: اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما، قال: فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى منزلي، فقال: لا، حتّى تحدّثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه، قال فقال أبو بكر
…
الحديث، وفيه: ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتّى قدمنا المدينة، فتلقّاه النّاس
فخرجوا في الطّريق وعلى الأجاجير «2» ، فاشتدّ الخدم والصّبيان في الطّريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء محمّد، قال: وتنازع القوم أيّهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل اللّيلة على بني النّجّار أخوال عبد المطّلب لأكرمهم بذلك، فلمّا أصبح غدا حيث أمر. قال البراء بن عازب: أوّل من كان قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدّار، ثمّ قدم علينا ابن أمّ مكتوم الأعمى أخو بني فهر، ثمّ قدم علينا عمر بن الخطّاب في عشرين راكبا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو على أثري، ثمّ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه» ) * «3» .
11-
* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: أقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو مردف أبا بكر، وأبو بكر شيخ يعرف، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم شابّ «4» لا يعرف، قال: فيلقى الرّجل أبا بكر فيقول: يا أبا بكر من هذا الرّجل الّذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرّجل يهديني السّبيل، قال فيحسب الحاسب أنّه إنّما يعني الطّريق، وإنّما يعني سبيل الخير. فالتفت أبو بكر، فإذا هو بفارس قد لحقهم، فقال: يا رسول الله، هذا فارس قد لحق بنا، فالتفت نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهمّ اصرعه، فصرعه الفرس، ثمّ قامت تحمحم، فقال: يا نبيّ الله مرني بما شئت. قال: فقف مكانك، لا تتركنّ أحدا يلحق بنا. قال فكان أوّل النّهار جاهدا على نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخر النّهار مسلحة له، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرّة، ثمّ بعث إلى الأنصار، فجاءوا إلى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فسلّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحفّوا دونهما بالسّلاح، فقيل في المدينة: جاء نبيّ الله، جاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأشرفوا ينظرون، ويقولون: جاء نبيّ
(1) البخاري- الفتح 5 (2704) .
(2)
الأجاجير: جمع إجار وهو السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط.
(3)
رواه أحمد (1/ 403) وأصله في الصحيحين. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (1/ 154، 156) رقم (3) .
(4)
أي كأن كلا منهما قد بدا كذلك وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم أسنّ من أبي بكر- رضي الله عنه.
الله. فأقبل يسير حتّى نزل جانب دار أبي أيّوب، فإنّه ليحدّث أهله، إذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف «1» لهم، فعجّل أن يضع الّذي يخترف لهم فيها، فجاء وهي معه «2» ، فسمع من نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ثمّ رجع إلى أهله، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم: أيّ بيوت أهلنا أقرب؟ فقال أبو أيّوب: أنا يا نبيّ الله، هذه داري وهذا بابي. قال: فانطلق فهيّأ لنا مقيلا «3» .
قال: قوما على بركة الله. فلمّا جاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنّك رسول الله، وأنّك جئت بحقّ وقد علمت يهود أنّي سيّدهم، وابن سيّدهم وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عنّي قبل أن يعلموا أنّي قد أسلمت، فإنّهم إن يعلموا أنّي قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا معشر اليهود، ويلكم اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّي رسول الله حقّا، وأنّي جئتكم بحقّ، فأسلموا. قالوا: ما نعلمه- قالوا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم قالها- ثلاث مرار- قال: فأيّ رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» . قالوا: ذاك سيّدنا، وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال:«أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال:
«أفرأيتم إن أسلم» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم.
قال: «أفرأيتم إن أسلم؟» . قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم. قال: «يا ابن سلام اخرج عليهم» . فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتّقوا الله، فو الله الّذي لا إله إلّا هو إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله، وأنّه جاء بحقّ.
فقالوا: كذبت، فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم * «4» .
12-
* (عن بريدة بن الحصيب- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أحساب أهل الدّنيا الّذي يذهبون إليه: المال» ) * «5» .
13-
* (عن أبي هريرة؛ أنّ سعد بن عبادة الأنصاريّ؛ قال: يا رسول الله! أرأيت الرّجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» . قال سعد: بلى، والّذي أكرمك بالحقّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا إلى ما يقول سيّدكم» ) * «6» .
14-
* (عن سهل بن سعد- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله- عز وجل كريم يحبّ الكرم، ويحبّ معالي الأخلاق، ويكره سفسافها» ) *» .
15-
* (عن جبير بن مطعم- رضي الله عنه
(1) يخترف: أي يجتني من الثمار.
(2)
وهي معه: أي الثمرة التي اجتناها.
(3)
مقيلا: أي مكانا تقع فيه القيلولة.
(4)
البخاري- الفتح 7 (3911) .
(5)
أخرجه النسائي (6/ 64) في النكاح. وقال محقق «جامع الأصول» (11/ 466) : إسناده حسن، ورواه الحاكم (2/ 163) ، (4/ 425) ، والبيهقي (7/ 135- 136) ، وأحمد (5/ 353، 361) ، والنسائي (2/ 71) والحديث بمجموع طرقه حسن.
(6)
البخاري- الفتح 12 (6846) ، مسلم (1498) .
(7)
الحاكم (1/ 48) وقال: صحيح الإسناد واللفظ له. والطبراني في الكبير (6/ 181) . حديث رقم (5928) وقال العراقي في تخريج الإحياء: إسناده صحيح (3/ 344) وعزاه للخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي. وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 336، 337) .
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ للقرشيّ مثلي قوّة الرّجل من غير قريش» . قيل للزّهريّ: ما عنى بذلك قال: «نبل الرّأي» ) * «1» .
16-
* (عن المسور- رضي الله عنه أنّه بعث إليه حسن بن حسن يخطب ابنته فقال له: قل له فليلقني في العتمة. قال: فلقيه فحمد المسور الله وأثنى عليه وقال: أمّا بعد، والله ما من نسب ولا سبب ولا صهر أحبّ إليّ من سببكم وصهركم، ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاطمة مضغة منّي، يقبضني ما قبضها، ويبسطني ما بسطها، وإنّ الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري، وعندك ابنتها، ولو زوّجتك لقبضها ذلك» ، قال: فانطلق عاذرا له) * «2» .
17-
* (عن عائشة- رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اهجوا قريشا. فإنّه أشدّ عليها من رشق بالنّبل «3» » . فأرسل إلى ابن رواحة فقال: «اهجهم» . فهجاهم فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك. ثمّ أرسل إلى حسّان بن ثابت.
فلمّا دخل عليه، قال حسّان: قد آن لكم «4» أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضّارب بذنبه «5» . ثمّ أدلع لسانه «6» فجعل يحرّكه. فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأفرينّهم بلساني فري الأديم «7» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل. فإنّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها. وإنّ لي فيهم نسبا. حتّى يلخّص لك نسبي» . فأتاه حسّان. ثمّ رجع فقال: يا رسول الله قد لخّص لي نسبك. والّذي بعثك بالحقّ لأسلّنّك منهم كما تسلّ الشّعرة من العجين. قالت عائشة:
فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسّان: «إنّ روح القدس لا يزال يؤيّدك، ما نافحت عن الله ورسوله» . وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«هجاهم حسّان فشفى واشتفى» ) * «8» .
قال حسّان:
هجوت محمّدا فأجبت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
(1) أحمد (4/ 81) ، والهيثمي في المجمع (10/ 26)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح.
(2)
أحمد (4/ 323) وأصله في الصحيحين، والبخاري. الفتح (3767) ، ومسلم (2449) .
(3)
رشق بالنبل: بفتح الراء، هو الرمي بها. وأما الرشق، بالكسر، فهم اسم للنبل التي ترمى دفعة واحدة.
(4)
لقد آن لكم: أي حان لكم.
(5)
الضارب بذنبه: قال العلماء: المراد بذنبه، هنا، لسانه. فشبه نفسه بالأسد في انتقامه وبطشه إذا اغتاظ وحينئذ يضرب بذنبه جنبيه. كما فعل حسان بلسانه حين أدلعه، فجعل يحركه. فشبه نفسه بالأسد. ولسانه بذنبه.
(6)
أدلع لسانه: أي أخرجه عن الشفتين. يقال: دلع لسانه وأدلعه. ودلع اللسان بنفسه.
(7)
لأفرينهم بلساني فري الأديم: أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
(8)
فشفى واشتفى: أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافح عن الإسلام والمسلمين.
هجوت محمّدا برّا تقيّا «1»
…
رسول الله شيمته الوفاء «2»
فإنّ أبي ووالده وعرضي «3»
…
لعرض محمّد منكم وقاء «4»
ثكلت بنيّتي «5» إن لم تروها
…
تثير النّقع «6» من كنفي كداء «7»
يبارين الأعنّة «8» مصعدات «9»
…
على أكتافها الأسل الظّماء «10»
تظلّ جيادنا متمطّرات «11»
…
تلطّمهنّ بالخمر النّساء «12»
فإن أعرضتموه عنّا اعتمرنا «13»
…
وكان الفتح وانكشف الغطاء
(1) هجوت محمدا برّا تقيّا: وفي كثير من النسخ: حنيفا، بدل تقيّا. فالبر الواسع الخير والنفع. وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان. وهو اسم جامع للخير. وقيل: البر، هنا، بمعنى المتنزه عن الماثم. وأما الحنيف فقيل هو المستقيم. والأصح أنه المائل إلى الخير. وقيل الحنيف التابع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
(2)
شيمته الوفاء: أي خلقه.
(3)
فإن أبي ووالده وعرضي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه. لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف. وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم، من نفسه وأسلافه، وكل ما لحقه نقص يعيبه.
(4)
وقاء: هو ما وقيت به الشيء.
(5)
ثكلت بنيتي: قال السنوسي: الثكل فقد الولد. وبنيتي تصغير بنت. فهو بضم الباء. وعند النووي بكسر الباء، لأنه قال: وبنيتي أي نفسي.
(6)
تثير النقع: أي ترفع الغبار وتهيجه.
(7)
كنفي كداء: أي جانبي كداء. وكداء ثنية على باب مكة. وعلى هذه الرواية في هذا البيت إقواء مخالف لباقيها. وفي بعض النسخ: غايتها كداء. وفي بعضها: موعدها كداء. وحينئذ فلا إقواء.
(8)
يبارين الأعنة: ويروى: يبارعن الأعنة. قال القاضي: الأول: هو رواية الأكثرين. ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها، وهي منازعتها لها أيضا. وقال الأبّيّ نقلا عن القاضي: يعني أن الخيول لقوتها في نفسها وصلابة أضراسها تضاهي أعنتها الحديد في القوة، وقد يكون ذلك في مضغها الحديد في الشدة. وقال البرقوقي في شرحه للديوان: أي إنها تجاري الأعنة في اللين وسرعة الانقياد. قال: ويجوز أن يكون المعنى، كما قال صاحب اللسان، يعارضها في الجذب لقوة نفوسها وقوة رؤوسها وعلك حدائدها. قال القاضي: ووقع في رواية ابن الحذاء: يبارين الأسنة، وهي الرماح. قال فإن صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها. وقال البرقوقي: مباراتها الأسنة أن يضجع الفارس رمحه فيركض الفرس ليسبق السنان.
(9)
مصعدات: أي مقبلات إليكم ومتوجهات. يقال: أصعد في الأرض، إذا ذهب فيها مبتدئا. ولا يقال للراجع.
(10)
الأسل الظماء: الأسل الرماح. والظماء الرقاق. فكأنها لقلة مائها عطاش. وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء. قال البرقوقي: من قولهم أنا ظمان إلى لقائك.
(11)
تظل جيادنا متمطرات: أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا.
(12)
تلطمهن بالخمر النساء: الخمر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. أي يزلن عنهن الغبار. وهذا لعزتها وكرامتها عندهم. وقال البرقوقي: يقول تبعثهم الخيل فتنبعث النساء يضربن الخيل بخمرهن لتردها. وكأن حسان- رضي الله عنه أوحي إليه بهذا وتكلم به عن ظهر الغيب. فقد رووا أن نساء مكة يوم فتحها ظللن يضربن وجوه الخيل ليرددنها.
(13)
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا
…
إلخ: قال البرقوقي: اعتمرنا أي أدينا العمرة. وهي في الشرع زيارة البيت الحرام بالشروط المخصوصة المعروفة. والفرق بينها وبين الحج أن العمرة تكون للإنسان في السنة كلها. والحج في وقت واحد في السنة، ولا يكون إلا مع الوقوف بعرفة، يوم عرفة. وهي مأخوذة من الاعتمار، وهو الزيارة. يقول: إن لم تتعرضوا لنا حين تغزوكم خيلنا وأخليتم لنا الطريق، قصدنا إلى البيت الحرام وزرناه، وتم الفتح وانكشف الغطاء عما وعد الله به نبيه، صلوات الله وتسليماته عليه، من فتح مكة. وقال الأبّيّ: ظاهر هذا، كما قال ابن هشام، أنه كان قبل الفتح في عمرة الحديبية، حين صد عن البيت
وإلّا فاصبروا لضراب يوم
…
يعزّ الله فيه من يشاء
وقال الله: قد أرسلت عبدا
…
يقول الحقّ ليس به خفاء
وقال الله: قد يسّرت جندا «1»
…
هم الأنصار عرضتها للّقاء «2»
لنا في كلّ يوم من معدّ «3»
…
سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا
…
وروح القدس ليس له كفاء «4» ) * «5» .
18-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «تنكح المرأة لأربع «6» : لما لها، ولحسبها «7» ، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدّين تربت يداك «8» » ) * «9» .
19-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت: جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهنّ شيئا
…
الحديث، وفيه: قالت التّاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النّجاد، عظيم الرّماد، قريب البيت من النّاد. قالت العاشرة: زوجي مالك وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر، أيقنّ أنّهنّ هوالك
…
» ) * «10» .
20-
* (عن سمرة- رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحسب: المال، والكرم:
التقوى» ) *1» .
21-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟
(1) يسرت جندا: أي هيأتهم وأرصدتهم.
(2)
عرضتها اللقاء: أي مقصودها ومطلوبها. قال البرقوقي: العرضة من قولهم بعير عرضة للسفر، أي قوي عليه. وفلان عرضة للشر أي قوي عليه. يريد أن الأنصار أقوياء على القتال، همتها وديدنها لقاء القروم الصناديد.
(3)
لنا في كل يوم من معد: قال البرقوقي: لنا، يعني معشر الأنصار. وقوله من معد، يريد قريشا لأنهم عدنانيون.
(4)
ليس له كفاء: أي ليس له مماثل ولا مقاوم.
(5)
البخاري- الفتح 6 (3531) . ومسلم (2490) واللفظ له.
(6)
تنكح المرأة لأربع: الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة. فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع. وآخرها عندهم ذات الدين. لا أنه أمر بذلك. فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين.
(7)
لحسبها: الحسب الفعل الجميل للرجل وآبائه.
(8)
تربت يداك: ترب الرجل إذا افتقر، أي لصق بالتراب. وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر به. والمراد بها الحث والتحريض.
(9)
البخاري- الفتح 9 (5090) . ومسلم (1466) واللفظ له.
(10)
البخاري- الفتح 9 (5189) واللفظ له. ومسلم (2448)
(11)
الترمذي (3271) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وأحمد (5/ 10) . وابن ماجة (4219) . وذكره الحاكم في المستدرك (2/ 163) وصححه ووافقه الذهبي.
قال: «هل تضارّون في رؤية الشّمس في الظّهيرة، ليست في سحابة؟» . قالوا: لا. قال: «فهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر، ليس في سحابة؟» .
قالوا: لا. قال: «فو الّذي نفسي بيده لا تضارّون في رؤية ربّكم إلّا كما تضارّون في رؤية أحدهما. قال فيلقى العبد فيقول: أي فل! «1» ألم أكرمك، وأسوّدك «2» ، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس «3» وتربع «4» ؟ فيقول: بلى. قال فيقول: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقولا: لا فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني «5» . ثمّ يلقى الثّاني فيقول: أي فل! ألم أكرمك، وأسوّدك، وأزوّجك، وأسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. أي ربّ فيقول:
أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول: فإنّي أنساك كما نسيتني. ثمّ يلقى الثّالث فيقول له مثل ذلك.
فيقول: يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصلّيت وصمت وتصدّقت ويثني بخير ما استطاع. فيقول:
هاهنا إذا «6» . قال ثمّ يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك. ويتفكّر في نفسه: من ذا الّذي يشهد عليّ؟
فيختم على فيه. ويقال لفخذه ولحمه وعظامه:
انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله. وذلك ليعذر «7» من نفسه. وذلك المنافق وذلك الّذي يسخط الله عليه» ) * «8» .
22-
* (عن سلمة بن الأكوع- رضي الله عنه قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وفيه: قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكّة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها «9» فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة. فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبغضتهم. فتحوّلت إلى شجرة أخرى.
وعلّقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي «10» ثمّ شددت «11»
(1) أي فل: معناه: يا فلان وهو ترخيم على خلاف القياس. وقيل: هي لغة بمعنى فلان. حكاها القاضي.
(2)
أسودك: أي أجعلك سيّدا على غيرك.
(3)
ترأس: أي تكون رئيس القوم وكبيرهم.
(4)
تربع: أي تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها. يقال: ربعتهم، أي أخذت ربع أموالهم. ومعناه ألم أجعلك رئيسا مطاعا. قال القاضي: بعد حكايته نحو ما ذكرته: عندي أن معناه تركتك مستريحا لا تحتاج إلى مشقة وتعب. من قولهم: اربع على نفسك، أي ارفق بها.
(5)
فإني أنساك كما نسيتني: أي أمنعك الرحمة كما امتنعت من طاعتي.
(6)
هاهنا إذا: معناه قف هاهنا حتى يشهد عليك جوارحك، إذ قد صرت منكرا.
(7)
ليعذر: من الإعذار. والمعنى ليزيل الله عذره من قبل نفسه بكثرة ذنوبه وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به.
(8)
البخاري- الفتح 13 (7437) . ومسلم (2968) . واللفظ له.
(9)
فكسحت شوكها: أي كنست ما تحتها من الشوك.
(10)
فاخترطت سيفي: أي سللته.
(11)
شددت: حملت وكررت.
على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم.
فجعلته ضغثا «1» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «2» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «3» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
على فرس مجفّف «4» في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «5» » . فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ 24) الآية كلّها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون «6» . فاستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن رقي هذا الجبل اللّيلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال سلمة: فرقيت تلك اللّيلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره «7» مع رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أندّيه «8» مع الظّهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرّحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة.
فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنّبل. وأرتجز أقول:
أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «9» .
حتّى خلص نصل السّهم إلى كتفه. قال قلت: خذها:
وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «10» .
فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها.
ثمّ رميته. فعقرت به. حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «11» ، علوت الجبل. فجعلت أرديهم
(1) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه إلى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(2)
الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(3)
العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(4)
مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(5)
يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثني الأمر يعاد مرتين.
(6)
وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين ذكرهما القاضي وغيره. أحدهما وهمّ المشركون على الابتداء والخبر. والآخر وهمّ المشركون، أي همّوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همني الأمر وأهمّني. وقيل: همني أذابني. وأهمني أغمني. وقيل: معناه هم أمر المشركين النبي صلى الله عليه وسلم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
(7)
بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(8)
أندّيه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقى قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(9)
فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(10)
أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(11)
حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى. فدخلوا في تضايقه أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
بالحجارة «1» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم «2» إلّا خلّفته وراء ظهري «3» . وخلّوا بيني وبينه. ثمّ اتّبعتهم «4» أرميهم. حتّى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا.
يستخفّون «5» . ولا يطرحون شيئا إلّا جعلت عليه آراما «6» من الحجارة. يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
حتّى أتوا متضايقا من ثنيّة «7» فإذا هم قد أتاهم فلان ابن بدر الفزاريّ. فجلسوا يتضحّون (يعني يتغدّون) .
وجلست على رأس قرن «8» . قال الفزاريّ: ما هذا الّذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتّى انتزع كلّ شيء في أيدينا.
قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إليّ منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والّذي كرّم وجه محمّد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال أحدهم: أنا أظنّ. قال:
فرجعوا فما برحت مكاني حتّى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلّلون الشّجر. قال: فإذا أوّلهم الأخرم الأسديّ. على إثره أبو قتادة الأنصاريّ. وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم قال: فولّوا مدبرين. قلت: يا أخرم احذرهم.
لا يقتطعوك حتّى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أنّ الجنّة حقّ والنّار حقّ، فلا تحل بيني وبين الشّهادة. قال: فخلّيته. فالتقى هو وعبد الرّحمن.
قال: فعقر بعبد الرّحمن فرسه. وطعنه عبد الرّحمن فقتله. وتحوّل على فرسه. ولحق أبو قتادة فارس رسول
(1) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردى الفرس راكبه إذا أسقطه وهوره.
(2)
حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وإنما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم إلى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
إلا خلفته وراء ظهري: خلفته أي تركته. يريد أنه جعله في حوزته وحال بينهم وبينه.
(4)
ثم اتّبعتهم: هكذا هو في أكثر النسخ: اتبعتهم. وفي نسخة: أتبعتهم، بهمزة القطع. وهي أشبه بالكلام وأجود موقعا فيه. وذلك أن تبع المجرد واتبع بمعني مشى خلفه على الإطلاق. وأما أتبع الرباعي فمعناه لحق به بعد أن سبقه. ومنه قوله تعالى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ أي لحقهم مع جنوده بعد أن سبقوه. وتعبيره هنا بثم المفيدة للتراخي يشعر أنه، بعد أن استخلص منهم جميع الإبل توقف عن اتباعهم ولعل ذلك ريثما جمع الإبل وأقامها على طريق يأمن عليها فيه. والمعنى على هذا الوجه: وبعد أن توقفت عن اتباعهم حتى سبقوني، تبعتهم حتى لحقت بهم.
(5)
يستخفون: أي يطلبون بإلقائها الخفة ليكونوا أقدر على الفرار.
(6)
آراما من الحجارة: الآرام هي الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة ليهتدي بها واحده إرم كعنب وأعناب.
(7)
حتى أتوا متضايقا من ثنية: الثنية العقبة والطريق في الجبل. أي حتى أتوا طريقا في الجبل ضيقة.
(8)
على رأس قرن: هو كل جبل صغير منقطع عن الجبل الكبير.
الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرّحمن. فطعنه فقتله. فو الّذي كرّم وجه محمّد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلىّ. حتّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم، شيئا.
حتّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء.
يقال له ذا قرد «1» . ليشربوا منه وهم عطاش قال:
فنظروا إليّ أعدو وراءهم. فحلّيتهم عنه»
(يعني أجليتهم عنه) فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدّون في ثنيّة. قال: فأعدو فألحق رجلا منهم فأصكّه بسهم في نغض «3» كتفه. قال قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرّضّع
قال: يا ثكلته أمّه أكوعه بكرة «4» . قال قلت:
نعم. يا عدوّ نفسه أكوعك بكرة. قال: وأرادوا «5» فرسين على ثنيّة. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن «6» وسطيحة فيها ماء. فتوضّأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الّذي حلّأتهم «7» عنه. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ تلك الإبل وكلّ شيء استنقذته من المشركين وكلّ رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الّذي «8» استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها. قال قلت: يا رسول الله خلّني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتّبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إلّا قتلته. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى بدت نواجذه «9» في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة
(1) ذا قرد: هكذا هو في أكثر النسخ المعتمدة: ذا قرد. وفي بعضها: ذو قرد وهو الوجه.
(2)
فحليتهم عنه: أي طردتهم عنه. وقد فسرها في الحديث بقوله: يعني أجليتهم عنه. قال القاضي: كذا روايتنا فيه هنا غير مهموز. قال وأصله الهمز، فسهله. وقد جاء مهموزا بعد هذا في الحديث.
(3)
نغض: هو العظم الرقيق على طرف الكتف. سمي بذلك لكثرة تحركه. وهو الناغض أيضا.
(4)
قال: يا ثكلته أمه أكوعه بكرة: معنى ثكلته أمه، فقدته. وقوله: أكوعه، هو برفع العين، أي أنت الأكوع الذي كنت بكرة هذا النهار؟ ولهذا قال: نعم. وبكرة منصوب غير منون. قال أهل العربية: يقال أتيته بكرة بالتنوين، إذا أردت أنك لقيته باكرا في يوم غير معين. قالوا: وإن أردت بكرة يوم بعينه، قلت أتيته بكرة، غير مصروف. لأنها من الظروف المتمكنة.
(5)
وأردوا: قال القاضي: رواية الجمهور بالدال المهملة، ورواه بعضهم بالمعجمة. قال: وكلاهما متقارب المعني. فبالمعجمة معناه خلفوهما. والرذى الضعيف من كل شيء وبالمهملة معناه أهلكوهما وأتعبوهما حتى أسقطوهما وتركوهما. ومنه المتردية وأردت الفرس الفارس أسقطته.
(6)
بسطيحة فيها مذقة من لبن: السطيحة إناء من جلود سطح بعضها على بعض. والمذقة قليل من لبن ممزوج بماء.
(7)
حلأتهم: كذا هو في أكثر النسخ: حلأتهم. وفي بعضها حليتهم.
(8)
من الإبل الذي: كذا في أكثر النسخ: الذي. وفي بعضها: التي. وهو أوجه لأن الإبل مؤنثة، وكذا أسماء الجموع من غير الآدميين. والأول صحيح أيضا. وأعاد الضمير إلى الغنيمة، لا إلى لفظ الإبل.
(9)
نواجذه: أي أنيابه.
أتراك كنت فاعلا؟» . قلت: نعم. والّذي أكرمك فقال: «إنّهم الآن ليقرون «1» في أرض غطفان» . قال:
فجاء رجل من غطفان فقال: نحر لهم فلان جزورا.
فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم.
فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجّالتنا سلمة» . قال: ثمّ أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين: سهم الفارس وسهم الرّاجل. فجمعهما لي جميعا. ثمّ أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء «2» .
راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدّا «3» قال: فجعل يقول:
ألا مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريما، ولا تهاب شريفا؟ قال: لا. إلّا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل قال: إن شئت، قال قلت:
اذهب إليك وثنيت رجلي فطفرت «4» فعدوت. قال:
فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «5» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «6» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله. قال: أنا أظنّ «7» قال: فسبقته إلى المدينة» الحديث
…
) * «8» .
23-
* (عن جرير بن عبد الله- رضي الله عنه قال: لمّا بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتيته فقال: «يا جرير لأيّ شيء جئت؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله. قال: فألقى إليّ كساءه ثمّ أقبل على أصحابه وقال: «إذا جآءكم كريم قوم فأكرموه» .
وقال: وكان لا يراني بعد ذلك إلّا تبسّم في وجهي) * «9» .
24-
* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكرم سلطان الله- تبارك وتعالى في الدّنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله- تبارك وتعالى في الدّنيا أهانه الله يوم القيامة» ) * «10» .
25-
* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفّس عن مؤمن كربة
(1) ليقرون: أي يضافون، والقرى الضيافة
(2)
العضباء: هو لقب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. والعضباء مشقوقة الأذن. ولم تكن ناقته صلى الله عليه وسلم كذلك، وإنما هو لقب لزمها.
(3)
شدّا: أي عدوا على الرجلين.
(4)
فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(5)
فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر.
(6)
رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(7)
أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(8)
مسلم (1807) .
(9)
ابن ماجة (3712) من حديث ابن عمر بدون القصة سنن البيهقي (8/ 168) . وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 204) رقم (1205) وقد ذكر له طرقا كثيرة.
(10)
أحمد (5/ 42) واللفظ له، والترمذي (2224) وروى الجزء الأخير منه، وقال: حسن غريب، وفي سنده عندهم زيار بن كسيب وثقه بن حبان ولم يجرحه أحد وقال ابن حجر: مقبول. وحسن الترمذي حديثه التقريب (220) والتهذيب (3/ 382) .