الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدعو وهي تنزع «1» ، وقال عطاء والقرظيّ (محمّد بن كعب) :
صابروا الوعد الّذي وعدتم، أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج.
قال القرطبيّ- رحمه الله تعالى- والقول الأوّل (أي قول زيد بن أسلم) هو رأي الجمهور، ومثله قول عنترة:
فلم أر حيّا صابروا مثل صبرنا
…
ولا كافحوا مثل الّذين نكافح
أي صابروا العدوّ في الحرب، ولم يبد منهم جبن ولا خور «2» .
وقال أبو حيّان: أمر الله تعالى بالصّبر والمصابرة والرّباط، فقيل اصبروا وصابروا بمعنى واحد للتّوكيد «3» ، ثمّ ذكر الآراء الأخرى الّتي ذكرها القرطبيّ «4» ، وذكر ابن كثير- رحمه الله تعالى- أنّ الصّبر على الصّلوات، والمصابرة على النّفس والهوى «5» .
قلت: ولا تنافي بين هذه الأقوال جميعا لأنّ الصّيغة تحتملها معا، وقد قرّر علماء الأصول «أنّ المعاني المحتملة (للّفظ أو الصّيغة) مرادة لله تعالى «6» .
من مظاهر المصابرة:
ذكر ابن القيّم وغيره للمصابرة صورا عديدة، وأشكالا متنوّعة، ذكرناها فيما سبق، ونضيف إليها:
1-
المثابرة في إنجاز الأعمال والمواظبة عليها، طالما أنّ هذا العمل في طاعة الله تعالى، وفي هذا يلتقي معنى الاصطبار مع المصابرة، قال تعالى: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ (مريم/ 65) ، وقال تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها (طه/ 132) .
2-
متابعة الأعمال وعدم اليأس من إنجازها لما في هذا من إدامة للصّبر عليها، وانتظار للفرج الموعود في قوله تعالى: إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (الكهف/ 30)«7» .
الصبر على الابتلاء:
الابتلاء في اللّغة مصدر قولهم: ابتلى الله العبد ابتلاء إذا اختبره في صبره وشكره «8» .
أمّا في الاصطلاح فقد قال الكفويّ: الابتلاء في الأصل هو التّكليف بالأمر الشّاقّ لكنّه لمّا استلزم الاختبار إلى من يجهل العواقب ظنّ ترادفهما «9» ، وقال المناويّ: البلاء كالبليّة: الامتحان، وسمّي الغمّ بلاء لأنّه يبلي الجسم «10» . وقال بعض الباحثين المحدثين:
الابتلاء هو المظهر العمليّ لعلاقة العبوديّة بين الله والإنسان، ومعنى هذه العلاقة كمال الطّاعة لكمال المحبّة، والحياة الدّنيا هي الزّمن المقرّر لهذا الابتلاء، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ (الملك/ 2)«11» . وينقسم الابتلاء إلى قسمين:
الأوّل: الابتلاء بالشّرّ، وهو مناط الصّبر.
الثّاني: الابتلاء بالخير، وهو مناط الشّكر «12» .
وفيما يتعلّق بالنّوع الأوّل، فإنّه يشمل الابتلاء
(1) يشير صاحب هذا الرأي إلى أن معنى المفاعلة هنا هو المداومة.
(2)
تفسير القرطبي (4/ 322- 323) .
(3)
وهو يشير هنا إلى أن الصيغة تفيد معنى التكثير والمبالغة.
(4)
انظر تفسير البحر المحيط (3/ 156) .
(5)
تفسير ابن كثير (1/ 454) .
(6)
انظر في هذه القاعدة الأصولية الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/ 227) ، وانظر أيضا المبحث الخامس «المعاني المحتملة مرادة» من كتاب بحوث في علوم القرآن لعبد الغفور جعفر (205- 229) .
(7)
قال في مختار الصحاح «المثابرة على الأمر: المواظبة عليه، انظر مادة «ث ب ر» (83) ط. دار الكتب المصرية.
(8)
انظر في المعنى اللغوي للابتلاء: أحمد بن فارس، مقاييس اللغة (1/ 292) ، وقارن بالصحاح (6/ 2284) .
(9)
معنى الترادف: هو أن يكون للابتلاء والاختبار المعنى نفسه.
(10)
التوقيف على مهمات التعاريف (83) .
(11)
ماجد الكيلاني، فلسفة التربية الإسلامية (163) .
(12)
انظر صفة الشكر (2397) من هذا المجلد، وقارن بصفة «تكريم الإنسان» (// 1135) .