الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنّ علم الإنسان بأنّ المقادير أمور مرسومة ولا رادّ لها وأنّها تجري وفقا للحكمة الإلهيّة يجلب الطّمأنينة وثبات القلب وراحة البال «1» وعليه أن يعلم أنّ ما ينزل بالنّاس ممّا يحبّون أو يكرهون إنّما هو من عند الله وبقضائه وقدره، أمّا الحسنات فمن فضل الله عز وجل، وأمّا السّيّئات فبسبب من الإنسان، إمّا لأنّ ذنبه هو السّبب في استحقاق العقوبة، وإمّا لأنّ تربيته وتأديبه يقتضيان إذاقته بعض ما يكره من مصائب وآلام أي أنّ مصلحة الإنسان نفسه هي الّتي اقتضت أن يصيبه من الله بعض ما يكره من صروف الحياة «2» .
نماذج من سماحة الإسلام والمسلمين:
قال الشّيخ محمّد الصّادق عرجون تحت عنوان:
«سماحة المعاملة في تصرّفات القادة والأمراء في فتوح الشّام» : والنّاظر في تصرّفات قادة الفتوحات الإسلاميّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرائه وولاته وتلاميذهم من التّابعين وتابعيهم يرى أنّهم كانوا أحرص على الرّفق والسّماحة في تنفيذ العهود والمصالحات ممّا جعل المعاهدين والمصالحين يتعاونون مع المسلمين في صدق وإخلاص؛ نتيجة لما رأوه من العدالة الرّحيمة في معاملة المسلمين لهم.
وقال الشّيخ: تطبيق سماحة الإسلام من أعظم أسباب سرعة انتشاره. وفي هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة أوضح إجابة عن تساؤل المتسائلين عن أسباب السّرعة الهائلة الّتي طوى فيها الإسلام أكثر المعمور من الأرض تحت ظلّه الظّليل.
ويتجلّى إبراز هذه المبادأ في أمور:
أوّلا: أنّ هذه المبادأ السّمحة الرّاشدة تنقض الفكرة المتعنّتة الجاحدة الّتي يردّدها أعداء الإنسانيّة، بتصوير فتوحاته غزوا مادّيّا لنهب ثروات الأمم، واغتصاب خيراتها وحرمانها من نعم الله عليها فيما أنعم به من مصادر الثّروة الاقتصاديّة.
وتصوير هذه الفتوحات بأنّها إكراه للنّاس بقوّة السّلاح على الدّخول في دين الإسلام. لأنّ النّظرة العابرة، بله النّاقدة الفاحصة، في فتوحات الإسلام، تردّ ذلك وتدفع في صدر زاعميه؛ لأنّ هذه الفتوحات، كما دوّنها التّاريخ الصّادق بأقلام جهابذته من أبناء الإسلام، أو غيرهم من طلّاب الحقائق الّذين ينشدونها في مقارّها من واقع الأحداث، مهما كلّفهم ذلك من تعب ومشقّة، أصدق شاهد على عدالة الإسلام وسماحته.
فهذا أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الأمّة الإسلاميّة، وعظيم فتوح المصالحات. نقرأ في مصالحاته لأهل الشّام أنّه صالحهم على الإبقاء على معابدهم من البيع والكنائس داخل المدن وخارجها مصونة، لا يهدم منها شيء، ولا يغيّر من معالمها شيء. وصالحهم على حقن دمائهم وحفظ حياتهم.
وصالحهم على الدّفاع عنهم وحمايتهم من اعتداء من يهمّ بالاعتداء عليهم. وصالحهم على أنّ من قاتلهم أو
(1) الأخلاق الإسلامية للميداني (2/ 471) باختصار.
(2)
المرجع السابق (2/ 472) .
ناوأهم وجب على المسلمين أن يقاتلوه دونهم، ويدفعوه عنهم بقوّة السّلاح. فهل هذه المبادأ الّتي تلزم المسلمين أن يحافظوا على معابد أهل الذّمّة والمعاهدين داخل المدن وخارجها، وتلزمهم بحماية دمائهم أن تسفك والدّفاع عنهم. يمكن أن يشتمّ منها رائحة غزو ماديّ لنهب ثروات أو جمع أموال؟ أو يتصوّر فيها اعتداء على حرّية الأديان؟.
ثانيا: إنّ هذه المصالحات الّتي تعتمد على العدل والرّحمة. والّتي قامت على الرّفق بأهل الذّمّة كان لها أثرها الخطير الّذي استهدفه الإسلام من فتوحاته.
فقد رأى أهل الذّمّة وفاء المسلمين لهم بشروطهم، وشاهدوا حسن سيرتهم فيهم، وجرّبوا معاملتهم، فوقفوا معهم مخلصين، وصاروا عونا للمسلمين على أعدائهم، فكانوا يخبرونهم بأحوال أعدائهم، ليكونوا منهم على حذر واستعداد لملاقاتهم.
بهذه المعاملة السّمحة، وبهذه السّماحة في المعاملة فتحت بلاد الشّام، ولم تكن هذه السّياسة الحكيمة الرّحيمة في معاملة أهل الذّمّة هي منهج أبي عبيدة وحده، بل كانت المنهج الّذي أقام الإسلام دعائمه، وثبّت في شريعته أعلامه. وأعلى في آفاقها منائره، فهو ليس منهجا خاصّا لأمير فتح المصالحة أبي عبيدة توصّل إليه باجتهاده، وفرضه على ولاته الّذين عملوا تحت إمرته؛ وإنّما هو منهج عامّ في شريعة الإسلام؛ ينبع من مصدريها الأصيلين:
القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة المطهّرة «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: تكريم الإنسان- التيسير- الجود- السخاء- الكرم- المروءة- اللين المواساة- الإحسان- الصفح- الشهامة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الانتقام- البخل- التعسير- الشح- الكنز- الإساءة- الجفاء] .
(1) الموسوعة في سماحة الإسلام (1/ 425- 442) باختصار.