الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك متصور بين النفس والعقل، فيطلب من النفس تلك المصلحة التي تحصل في المعاد أو المعاش، أو فيهما معا
قوله: (إن فلانا يأمركم بكذا)
تقريره: أن الكاف وضعت للخطاب، والخطاب لا يدخل فيه المتكلم، ولا الغائب.
(تنبيه)
قال التبريزي ليس فيها كبير فائدة، فإن اللفظ إن لم يصلح لتناوله وضعا كقوله:(افعلوا) و (أوجب عليكم) فلا وجه لتخيل الاندراج وإن صلح فلا سبيل للإخراج إلا بقرينة، فإن كونه مخاطبا لا يصلح لمعارضة دلالة الوضع، ونظير عدم القرينة قوله تعالى:(والله بكل شيء عليم)[البقرة:282] وقول القائل: (كل نفس ذائقة الموت)[آل عمران:185]، وكل أمر مكلف بفعله ومحاسب عليه، وقوله عليه السلام:(لن ينجو أحدكم بعمله) قالوا: ولا أنت يا رسول الله، فقال:(ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)
ومثال القرينة: قوله تعالى: (والله على كل شيء قدير)[آلبقرة:284] وقول القائل: (لا يغلبني أحد، ولا يقابلني بشر، ولا ناظرت أحدا إلا غلبته)، وإذا انقدحت القرينة، فلا خاصية للمخاطبة
المسألة الثانية عشرة
في الأمر الوارد عقيب الأمر بحرف العطف وبغير حرف العطف
القائل إذا قال لغيره: (افعل) ثم قال له: (افعل) لم يخل الأمر الثاني: إما أن يتناول مخالف ما يتناوله الأمر الأول أو ممثاله.
فرن تناول ما يخالفه اقتضى شيئا آخر لا محالة، وهو ضربان:
أحدهما: يصح اجتماعه مع الزول، والاخر لا يصح:
فالذي يصح اجتماعه مع الأول يجب على المأمور فعلهما: إما مجتمعتين أو مفرقين إلا أن تدل دلالة منفصلة على وجوب الجمع أو وجوب التفريق مثاله: قول القائل لغيره: صل، صم.
وأما ما لا يصح أن يجتمع مع الأول فتارة لا يصح عقلا كالصلاة الواحدة في مكانين
وتارة لا يصح سمعا كالصلاة والصدقة وكلا القسمين لا يصح الأمر بفعلهما إلا مفترقين.
أما إذا تناول الأمر الثاني مثل ماتناوله الأمر الأول: فلا يخلو: إما أن يكون ذلك المأمور به يصح التزايد فيه أو لا يصح:
فإن صح: فإما أن يكون الأمر الثاني غير معطوف على الأول أو يكون معطوفا عليه:
فإن لم يكن معطوفا عليه فعند القاضي عبدالجبار بن أحمد: أنه يفيد غير ما يفيده الأول: إلا أن تمنع العادة من ذلك، أو يرد الأمر الثاني معرفا، وهذا هو المختار
وقال أبو الحسين البصري: الأشبه الوقف.
مثال ماتمنع منه العادة قول القائل لغيره: (استقني ماء اسقني ماء) فالعادة تمنع من تكرار سقيه في حالة واحدة في الأكثر.
ومثال ما يعرى عن كلا القسمين قول القائل لغيره: (صل غدا ركعتين صل غدا ركعتين) والدليل على أنه يفيد غير ما يفيد الأول وجهان:
الزول أن الأمر يقتضي الوجوب، والفعل الأول وجب بالأمر الأول فيستحيل وجوبه بالأمر الثاني، لأن تحصيل الحاصل محال فلو انصرف الأمر الثاني إلي الفعل الأول، لزم حصول ما يقتضي الوجوب من غير حصول الأثر وذلك غير جائز فوجب صرفه إلي فعل آخر.
الثاني: أنا لو صرفنا الأمر الثاني إلي عين ما هو متعلق الأمر الأول، لكان الزمر الثاني تأكيدا ولو صرفناه إلي غيره لأفاد فائدة زائدة
وإذا وقع التعارض بين أن يفيد الكلام فائدة أصلية وبين أن يفيد تأكيدا فلا شك حمله على الأول أولى.
وأما إن كات الأمر الثاني معطوفا على الأول، فإن لم يكن معرفا فإنه يفيد غير ما يفيده الأول، لأن الشيء لا يعطف على نفسه.
مثاله أن يقول القائل لغيره: (صل ركعتين، وصل ركعتين)
فأما إن كان الثاني معطوفا على الزول، ومعرفا كقول القائل لغيره:(صل ركعتين وصل الصلاة) فعند أبي الحسين: أن الأشبه هو الوقف، فإن يمكن أن يقال: يجب حمله على تلك الصلاة، لأجل لام التعريف ويمكن أن يقال: بل يجب حمله على صلاة أخرى، لأجل العطف، وليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب التوقف.
وعندي: أن هذا الأخير أولى، لأن لام الجنس قد تكون لتعريف الماهية، كما قد تكون لتعريف المعهود السابق، وبتقدير أن تكون للمعهود السابق فيمكن أن يكون المعهود السابق هو الصلاة التي تناولها الأمر الأول، ويمكن أن تكون صلاة أخرى تقدم ذكرها، وإذا كان كذلك بقي العطف سليما عن المعارض.
أما إذا كان الثاني أمرا بمثل ما تناوله الأمر، وكان ذلك مما لا يصح فيه التزايد في المأمور به؛ فلا يخلو: إما أن يمتنع ذلك عقلا كقتل زيد وصوم يوم. أو يمتنع ذلك شرعا، كعتق زيد، فإنه قد كان يجوز أن يتزايد عتقه، ويقف تمام حريته على عدد؛ كالطلاق
وإذا لم يصح التزايد في المأمور به لم يخل الأمران: إما أن يكونا عامين أو خاصين، أو يكون أحدهما عاما، والاخر خاصا.
وإذا لم يصح التزايد في المأمور به، لم يخل الأمران: إما أن يكونا عامين، أو خاصين، زو يكون أحدهما عاما والآخر خاصا.
فإن كانا عامين أو خاصين، وجب أن يكون مأمورهما واحدا، وأن يكون الأمر الثاني تأكيدا للأول، سواء ورد مع حرف العطف، أو بدونه.
مثال العامين بحرف عطف: قول القائل لغيره: (اقتل كل إنسان واقتل كل إنسان)
ومثاله بلا حرف عطف: أن يسقط من الأمر الثاني حرف العطف.
ومثال الخاصين بحرف عطف، وبغير حرف عطف قوله:(اقتل زيدا، واقتل زيدا) وقوله: (اقتل زيدا واقتل زيدا)
وأما إذا كان زحدهما عاما والآخر خاصا سواءتقدم العام أو الخاص فالأمر الثاني: إما أن يكون معطوفا على الأول، أو غير معطوف عليه؛ فإن كان معطوفا عليه فمثاله: قول القائل: (صم كل يوم، وصم يوم الجمعة) فقال بعضهم: إن يوم الجمعة لا يكون داخلا تحت الكلام الأول، ليصح حكم العطف.
والأشبه: الوقف؛ لأنه ليس ترك ظاهر العموم أولى من ترك ظاهر العطف، وحمله على التأكيد.
وأما إذا كان الزمر الثاني غير معطوف فمثاله: قول القائل: (صم كل يوم، صم يوم الجمعة) فها هنا عموم أحد الأمرين دليل على أن الآخر ورد تأكيدا لأنه لم يبق من ذلك الجنس شيء لم يدخل تحت العام، والله أعلم.
المسألة الثانية عشرة
في الأمر الوارد عقيب الأمر بحرف العطف وبغير حرف العطف.
قال القرافي: قوله: (إن أمكن اجتماع الثاني مع الأول فعلهما إما مجتمعين أو مفترقين.
......................................
قلنا: ذلك يتخرج على الخلاف في أن الأمر على الفور أم لا؟
فإن قلنا به قلنا مجتمعين، ليس إلا.
قوله: (لا ييضح اجتماعهما معا كالصلاة مع الصدقة) إنما يتجه في الصدقة العظيمة التي تخل بنظام الصلاة، نحو تفرقة مائة دينار على ما ئة مسكين على التعاقب أما الصدقة اليسيرة، كمد اليد بدرهم فلا ينافي ذلك الصلاة
قوله: (لام الجنس تنصرف إلى العهد)
يريد: بالقرينة، وإلا فالأصل حملها على العموم كما في قوله تعالى:(كما أرسلنا إلي فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول)[المزمل:16] أي المتقدم ذكره لأن من المعلوم أن فرعون لم يعص كل رسول؛ فتعين العهد.
قوله: (يستحيل إيجاب الفعل الأول بالأمر الثاني)
يريد: إنشاء الوجوب فيه، أما تأكيده فلا يمتنع.
قوله: (لو انصرف الأمر الثاني للفعل الأول لزم حصول ما يقتضي الوجوب من غير حصول الأثر، وهو غير جائز).
قلنا: إن أردتم أنه مرجوح فحق، لأن الأصل عدم التأكيد، وأن تكون الألفاظ مشتبهة، وإن أردتم أنه محال عقلا فممنوع، لأنه تأكيد، وهو جائز وواقع لغة، وعرفا، وشرعا.
ومراده بالأثر: المدلول، وحصول الدليل بدون المدلول جائز، لكنه مرجوح، ويترجح أنه أراد غير التأكيد، لأنه جعل الوجه الثاني هو لتأكيد فيلزم أن يكون الوجهان وجها واحدا لولا أنه يريد التعذر العقلي فأحد الأمرين يلزمه إما إبطال دعواه، أو اتحاد الدليلين.
قوله: (الشيء لا يعطف علي نفسه):
قلنا: أما إذا اتحد اللفظ فمسلم، وأما إذا تعذر فيجوز كما قال الله تعالى عن يعقوب عليه السلام:(إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)[يوسف:86] والحزن: البث، وقوله:(عسر ويسر)، قالوا: معناهما واحد، وحسن العطف للمغايرة في اللفظ
قوله: (معناهما حمله على التعدد أولى).
تقريره: أن (لام الجنس) كثر التجوز بها في العهد، وبيان حقيقة الجنس دون استغراقه كقوله لعبده:(اشتر لنا اللحم والفحم) يريد من هذين: لا يقصد معينا، ولا اتغراق جميع الأفراد، وتكون زائدة، نحو قول الشاعر [الطويل]:
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا
…
إلي ربنا صوت الحمار اليجدع
وتكون للمح الصفة كدخولها في الفضل والعباس
وللموازنة في الكلام نحو: هذا الرجل؛ ليستويا في صورة التعريف، وللتزين نحو قولهم: دل الدليل على كذا، وليس المراد إلا دليلا في الجملة، غير أن (اللام) في الكلام كالخلقة في الأجسام، فأتى بها لذلك وإن أكثر التجوز بها، والواو العاطفة لم يكثر التجوز بها، لذلك فالأقل مجاز الراجح.