الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستثناء من المحال نحو أكرم رجالا إلا زيدا وخالدا، وعمرا، فإن أخص فهو محل لأعمه، وكان للمكلف أن يعين المحل قبل ذلك الاستثناء.
ومن الأزمنة، نحو صل إلا بعد العصر.
ومن البقاع، نحو صل إلا في المواضع السبعة.
ومن الأحوال، نحو قوله تعالى:(لتأتنني به إلا أن يحاط)[يوسف:66]، أي: في كل حالة من الأحوال إلا في هذه الحالة.
وإذا كان الاستثناء على هذا التفصيل، فلعل هذا من قبيل ما يجوز لا من قبيل ما يجب، فلا يحصل المقصود.
قوله: (رتب الله تعالى استحقاق العقاب على مخالفة الأمر، وترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعلّية):
قلنا: هذا قياس، والسائل إنما منع العموم، ولا تنافي بين عدم العموم، وثبوت الحكم في كل الأفراد بالقياس، فلم يحسن جوابه ألبتة.
وهذا ال
سؤال
يرد على الوجه الثالث أيضًا.
(سؤال)
جملة هذا الدليل يقتضي أن أمر الله تعالى يجب حمله على الوجوب، ولا يفيد ذلك أنه في اللغة كذلك، والنزاع إنما هو في اللغة، وأما أوامر الشرع فهي تتبع القرائن عند الخصم.
(تنبيه)
ينبغي أن يعلم: (أن (المنتخب) أدمج سؤلا في سؤال هذه الآية سهوًا، فأجاب عن أحدهما، وترك الآخر، فقال الآية دالة على الأمر بالحذر عن مخالفة الأمر، أما أمر المخاالف بالحذر فلا، ثم قال: فإن قلت: كلمة (عن) صلة زائدة.
قلت: الأصل ألا تكون كذلك.
فهذا جواب عن سؤال لم يذكره، وهو أن المأمور المخالف عن الأمر لا يخالف الأمر، فشرع يجيب عن سؤآل لم يذكره، وترك الجواب عن الذي أورده بالكلية، فتأمله.
قوله: (تارك المأمور به عاص، والعاصي يستحق العقاب):
قلنا: هذا الدليل من الشكل الأول، وشرطه أن تكون صغراه موجبة، وكبراع كلية وهي هاهنا جزئية، لأنه لم يثبت إلا أن الذي يعصي الله ورسوله يستحق العقاب، وهؤلاء بعض العصاة، فيصير معنى النظم: تارك المأمور به عاص، وبعض العصاة يستحق العقاب، وذلك غير مفيد بإجماع أهل النظر، بل لا ينتج حتى يثبت بالدليل أن كل عاص كيف كان يستحق العقاب.
قوله: (يلزم التكرار في قوله تعالى: (لا يعصون الله ما زمرهم ويفعلون ما يؤمرون)[التحريم:6]).
قلنا: لا نسلم التكرار في قوله تعالى، بل قال بعض العلماء قوله:(لا يعصون الله ما أمرهم) إخبار عن الواقع منهم، أي عدم المعصية دائماً، وقوله تعالى:(ويفعلون ما يؤمرون) إخبار عن سجياتهم، أي الذين طبعوا عليه هو الطاعة، كما أنهم يلهمون التسبيح كما يلهم أحدكم النفس، وإذا كان أحدهما إخبارا عن الواقع والآخر إخبار عن السجية والفكرة التي فطروا عليها فلا تكرار.
قوله: (الآية حكاية حال، فيكفي في تحقيقها صورة واحدة):
قلنا: لفظ (ما) من صيغ العموم، لأنها لمعنى الذي، أو مصدرية فيكون معناه: في أمره، وهو أيضا عام، أو زمانية فيكون معناه: لا يعصون
الله في أي زمان أمرهم فيه، وهي أيضا للعموم، كقولك: لا أعصيك ما طرد الليل النهار، أي: في جمع الأمنة.
قوله: (معنى الآية: لا يعصون الله ما أمرهم في الماضي):
قلنا: يبعد ذلك من جهة أن النحاة نصوا على أن (لا) لنفي المستقبل،،واستعمالها بمعنى (لم) قليل، نحو قوله تعالى:(فلا صدق ولا صلّى)[القيامة:31] أي لم يصدق، فيجتمع المجاز في الفعل المضارع وفي (لا) أيضا.
فالجواب المتقدم أولى، ويكون:(ويفعلون ما يؤمرون) إخبارا عن السجية التي هم عليها، لا سيما والفعل المضارع قد كثر استعماله في الحالة المستمرة، مقولهم: زيد يعطي ويمنع، ويصل ويقطع.
وقالت خديجة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق)
أي شأنك ذلك في الماضي، والحال، والمستقبل، وهو مجاز واحد في
المضارع، فيكون أولى من مجازين في الفعل والحرف، لا سيما وهو مجاز مشهور، والأول قليل جدا.
قوله: (الاستحباب لازم للوجوب، وإطلاق اسم السبب على المسبب جائز):
قلنا: هذه العبارة غير متجهة، لأنه إنما ادعى الملازمة لا السببية، فكان المتجه أن يقول: وإطلاق اسم الملزوم على اللازم جائز، ولا معنى للسببية هاهنا.
قوله: (ليس الحكم بكون هذه الصيغة للوجوب محافظة على عموم قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله)[النساء:14] أولى من القول بأن المستحب مأمور به محافظة على صيغ الأوامر الواردة في المندوبات):
تقريره: أن أحد التحصيصين لازم، إما تخصيص الآية، أو تخصيص صيغ الأوامر.
بيانه: أنك إن أثبت قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله) على عمومه لا تخرج منه شيئا بألا تعتقد أن فيه مندوبا يخرجه لزمك أن تخرج بعض صيغ الأوامر لا تخرج عن أن تكون مستعملة في موضوعها الذي هو الوجوب، وإن ثبتت صيغ الأوامر لا تخرج منها شيئا بأن تعتقد أن صيغة الأمر موضوعة لمطلق الرجحان يلزم إخراج بعض مخالفي الأمر عن الوعيد، وهم الذين خالفوا أمر الندب.
وفي التحقيق التخصيص في الآية والمجاز في صيغ الأمر لا التخصيص، لأنه استعمال لما وضع للوجوب في الندب، فتعارض التخصيص والمجاز، والتخصيص أولى تقدم في مسألة التعارض.
قوله: (لو جعلنا الصيغة لأصل الترجيح لم يكن الوجوب لا زما، فلا يمكن جعله مجازا ممنوع، فإنا نتجوز بالأسد لزيد الشجاع، والأسد لا يلزمه زيد، ونتجوز بلفظ الجزء للكل، والكل غير لازم للجزء، بل هذا الكلام من المصنف نشأ عن اعتقاد أن دلالة اللفظ هي الدلالة باللفظ، وقد تقدم الفرق بينهما من خمسة عشر وجها، ولما كانت دلالة الالتزام شرطها الملازمة الذهنية، جعل هذا الشرط في المجاز الذي هو من الدلالة باللفظ، والشرط إنما هو دلالة اللفظ في نوع منها، فتأمل ذلك.
ولهذة المقدمة ادعى في (المعالم) أن من شرط المجاز هو الملازمة الذهنية، وليس كذلك، وتكرر منه هذا الكلام في نحو عشرين موضعا في (المحصول)، وهو غير متجه، لما سمعته الآن وقبل ذلك.
قوله: (رتب الله تعالى المعصية على مخالفة الأمر، فيكون المقتضى للاستحقاق هذا المعنى):
قلنا: هذا تعميم للحكم بالقياس، والخصم إنما منع عموم اللفظ، فلا يدفع سؤاله العموم بالقياس.
قوله: (الخلود هو المكث الطويل لا الدائم):
قلنا: الغالب في استعمال صاحب الشرع له في الدائم، وحمل اللفظ على الغالب أولى.
قوله: (إنه عليه السلام دعا أبا سعيد الخدري فلم يجبه):
قلنا: الذي نقله البخاري في هذه القصة: أبو سعيد الخدري بن المعلّى، والخذري لا مدخل له في هذه القصة.
قال البخاري في (التفسير) في كتابه المعروف بـ (آلبخاري): ثنا إسحاق، ثنا روح،
ثنا شعبة عن خبيب بن عبدالرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى قال: (كنت أصلي فمرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: (ما منعك أن تزتي ألم يقل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)[الأنفال:24] ثم قال: (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج)، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخرج فذكرت له، وقال معاذ: ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن سمع
حفص بن عاصم سمع أبا سعيد رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال هي:(الحمد لله رب العالمين السبع).
وقال أبو داود في الصلاة:
ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا خالد عن شعبة عن خبيب بن عبدالرحمن، قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يصلّي فدعاه، فصليت ثم أتيته، قال:(ما منعك أن تجيبني)، قال: كنت أصلي: قال (ألم يقل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)[الأنفال:24] ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة قبل أن أخرج من المسجد). قال: فقلت: يارسول الله قولك، فقال:(الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني الذي أوتيت في القرآن العظيم).
ورواه أيضًا النسائي في (آلتفسير)، وابن ماجه في (النسخ).
واسم أبي سعيد: الحارث بن أوس بن المعلى الأنصاري، الخزرجي، الذرقي، واسم أبي سعيد الخدري: مالك بن سنان من بني خدرة، خزرجي، أنصاري، فتباينا بالأسماء، والأباء، والعشيرة، وإنما اتفقا في الخزرج، والأنصار.
والمنقول في الإحكام، و (المستصفى) وغيرهما من تصانيف، إنما هو الخدري، وما أدرى كيف هذا؟
والمحدثون مطبقون على إنكاره كما ترى، مطبقون على أنه ابن المعلى، وأما الخدري فليس له ذكر مع أن كثيرا من المصنفين وافقوا المصنف في الخدري، ولا أدرى ما ذلك، بل المحققون، وأهل المعرفة بالحديث يخطئون هذا.
ووقع في بعض طرق الحديث أن أبا سعيد الخدري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا أعود).
وهذا يدفع قول من يقول: إنما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمه ما عنده من الفقه، لا لأنه ذمه على المخالفة، فإن الاعتذار دليل أن الإجابة كانت واجبة.
قوله: (هذا خبر واحد، لا يتمسك به في مسألة علمية)
قلت: قال الآبياري في (شرح البرهان): مسائل الأصول قطعية، ولا يكفي فيها الظن، ومدركها قطعي، ولكنه ليس المسطور في الكتب، بل معنى قول العلماء: إنها قطعية، أن من كثر استقراؤه واطّلاعه على أقضية الصحابة، رضوان الله عليهم ومناظرتهم، وفتاويهم، وموارد النصوص.
الشرعية، ومصادرها حصل له القطع بقواعد الأصول، ومن قصر عن ذلك لا يحصل له إلا الظن، وبهذا الطريق حصل القطع بشجاعة علي، وسخاوة حاتم، ونح، هما، ولو أن الإنسان لم يسمع لهما بذكر إا في حكاية وحدها لم يحصل له القطع، بل لما كان الإنسان طول عمره يرد عليه أخبارهما حصل له بجميع ذلك القطع بحالهما، وإنما وضع العلماء هذه الظواهر في كتبهم لثبتوا أصل المدرك، لأنها مدرك القطع فلا تنافي بين كون هذه المسائل قطعية، وبين كون هذه النصوص لا تفيد إلا الظن، فتأمل ذلك في جميع هذه المسائل، وعند جميع هذه الأسئلة.
قوله: (بينا أن المباحث اللفظية لا يرجى فيها اليقين):
قلنا: هذا لم يتقدم بيانه، إنما تقدم أن الألفاظ من حيث الوضع لا تفيد اليقين، وتفيد بالقرائن، [وأن أكثر ألفاظ القرآن من هذا القبيل، وكونها لا تفيد اليقين من حيث الوضع، وتفيد القرائن] والسياقات والتكرار، فلا يقطع الرجاء منها في إفادة اليقين.
قوله: (وهذه المسألة وإن لم تكن عملية، لكنها وسيلة للعمل)
قال القرافي: رفع في كثير من النسخ بدل عملية علمية، وإنما هي علمية وبه ينتظم الكلام، وكذلك هي في النسخ الصحيحة.
قوله: (افرق في العقل بين أن يحصل ظن الحكم، وبين أن يحصل العلم بوجود ما يقتضي ظن الحكم في جواز التمسك بهما في العمليات).
تقريره: أنا نسلم أنها يقينية، ولكن من حيث إنها وسيلة للعمل الذي يكتفي فيه بالظن يجوز التمسك فيها بالظن، لأنه لا فرق بين ظن الحكم من دليل يدل عليه، وبين قاعدة عملية ثمرتها الظن، فإطا كان المقصود هو الظن جاز التمسك بالظن في الكل.