الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومهيئة لدخول (رب) على الأفعال نحو: (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين)[الحجر:3].
ونكرة موصوفة نحو: مررت بما معجب لك.
ونكرة غير موصوفة نحو قوله تعالي: (مابعوضة)[البقرة:26]
أي: شيئا بعوضة.
وزمانية نحو: لأكرمنك كلما طرد الليل النهار، وإذا كانت مشتركة بين النفي وغيره، فما الدليل علي أنها هاهنا مراد بها النفي؟
وإن أريد بها مطلق الكف، وليس في استعمال المشترك في أحد معانيه نقلولا تغيير) حتى يلزم خلاف الأصل.
(فوائد عشر)
الأولى: إني رأيت أبا علي الفارسي في مسألة (الشيرازيات* نقل أن (ما) في (إنما) للنفي، وهو من أئمة اللغة وقولهم حجة.
الثانية في تقرير العبارة في تلخيص أنها للحصر فنقول: (إن) للإثبات، و (ما) للنفي، فإذا اجتمعتا، ولم تبقيا على حالهما لزم التغيير، وإن بقيتا، أو انصرفتا للمنطوق، أو المسكوت، اجتمع النقيضان؛ فيتعين التوزيع، وإن انصرف النفي للمنطوق، والإثبات للمسكوت لزم خلاف الإجتماع، فيتعين العكس، وهو المطلوب، فهذه عبارة وجيزة في التقرير.
الثالثة: أن القاعدة: أن النفي والإثبات في لسان العرب، إنما ينصرفان للخبر بإجماع النحاة.
فإذا قلت: إن زيدا قائم، فالمثبت القيام لزيد لا نفس زيد، وليس زيد قائما، المنفي القيام عنه لا نفسه، ولذلك لزم الكفر إذا قرأ الإنسان:(ولم يكن له كفوا أحد)[الإخلاص:4] برفع (كفوًا)، و (نصب أحد)؛ لأنك نفيت الأحدية عن الكفوية، فتكون الأكفاء كثيرة، وهو كفر، والنفي هاهنا ليس في الخبر، فإنك إذا قلت: إنما زيد قائم، فقائم هو الخبر، وهو مثبت، فقد انتقضت القاعدة في أن النفي لم يكن في الخبر، فهذا النقض نورده في موطنين:
أحدهما: إذا قال النحوي: النفي إنما يرد علي الأخبار، نورد عليه هذا النقض.
الثاني: إذا ادعى أحد أن (إنما) للحصر، وأن (ما) فيها للنفي، نقول له: لو كانت للنفي، لوردت على الخبر على القاعدة المنصوصة، وليس كذلك إجماعا لو كانت للنفي، لوردت على الخبر على القاعدة المنصوصة، وليس كذلك إجماعا فلا تكون (ما) هاهنا للنفي، فيحصل لك سؤال في هذا المقام، ولك جعله دليلا ابتداءا على أن (إنما) ليست للحصر، والجواب:
أن هذا مستثنى عن القاعدة.
الرابعة: أدوات الحصر خمسة: (إنما)، والنفي قبل (إلا) نحو: ماقام
إلا زيد، لم يقم إلا زيد، ليس في الدار إلا زيد، كيف لما قلت النفي قبل إلا؟!
الثالث: المبتدأ مع الخبر، نحو قوله عليه السلام:(تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)، أي: تحريمها منحصر في التكبير، فلا يحرم عليه الكلام وغيره إلا بالتكبير، ولا يحل له ما كان حلالا له قبل الإحرام إلا بالتسليم، وقوله عليه السلام:(ذكاة الجنين ذكاة أمه) برفع ذكاة أمه، فيقتضي انحصار ذكاته في ذكاه أمه، فلا يفتقر الجنين إلى ذكاة، ومن روى ذكاة أمه بالنصب استدل به على افتقار للذكاة؛ لأن معناه عنده: ذكاة الجنين أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه، ثم حذف (مثل) والعامل فيه، وأقيم المضاف إليه مقامه، فنصب؛ لأنه إعراب المحذوف، والقاعدة: أن أن المضاف إليه إذا أقيم مقام المضاف أعرب كإعرابه، وأجاب الفريق الأول بزن تقدير النصب: ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه، ثم حذفا وفيه جمع بين الروايتين، ولا يلزم احتياجه للذكاة.
الرابع: تقديم المعمولات قاله الزمخشري وغيره كقوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)[الفاتحة:5] أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، وقوله تعالى:(وهم بزمره يعملون)[الأنبياء:27]، أي: لا يعملون إلا بأمره، وقولهم:(إياك أعني واسمعي يا جارة)، أي: لا أعني إلا إياك، وخالف في هذا الرابع جماعة.
الخامس: الألف، واللام، قال الرمام فخر الدين في كتاب (الإعجاز) الذي له إن لام التعريف تكون للخصر في قولك (زيد القائم) أي القيام منحصر فيه، وأبو بكر الصديق الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الخلافة بعده عليه السلام منحصرة في الصديق
الخامسة: أن الحصر مقسم إلى حصر الصفات في الموصوفات، وإلى حصر الموضوفات في الصفات، والصفات في الصفات.
فالأول كقولنا: العالم زيد.
والثاني: زيد العالم، ثم قال الغزالي في (المستصفى): إذا قلت: صديقي
تنحصر صداقتك فيه فلا تصادق غيره، ويجوز أن يصادق غيرك، وإذا قلت: زيد صديقي حصرته في صداقتك، فلا يصادق هو غيرك، وأنت يجوز أن تصادق غيره.
والثالث نحو قولك: الغنى القنوع، والغني في القناعة، والراحة في الزهد.
أي: وصف الغنى منحصر في القناعة والراحة منحصرة في الزهد، ومن هذا الباب قوله تعالى:(إنما يخشى الله من عباده العلماء)[فاطر:28]، حصر الله تعالى الخوف منه في العلم والعلماد، فلا يخشاه إلا عالم به علي قدر علمه به، قل أو كثر، فأقل الناس علما أقلهم خشية، ويطرد ذلك في العامة والخاصة، فإن الجاهل بالشيء لا يخافه، هذا إذا قدم المنصوب، فلو أخر وقيل: إنما يخشى العلماء الله انحصر العلماء في الخشية له تعالى،
فلا يخشون غيره، ويجوز أن يخشاه تعالى غيرهم، وعلى الأول لا يخشاه غيرهم، ويجوز من جهة هذا اللفظ أن يخشوا غيره سبحانه وتعالى
قال سيف الدين: اختلفوا في قوله عليه السلام: (الأعمال بالنيات) وصديقي زيد، والعالم زيد.
فقالت الحنفية، والقاضي أبو بكر، وجماعة معهما: لا يدل شيء من ذلك على الحصر.
وقال الغزالي وجماعة معه: يدل عليه، واختلفوا في قولنا: لا عالم في البلد إلا زيد، فأكثر منكري المفهوم على أنه للحصر.
وقال بعضهم: لا يدل على نفي كل عالم سواه، وكذلك نقله الغزالي في (المستصفى).
السادسة: أن الحصر قد يذكر ويقرر، ولا يتعرض فيه لاعتبار مخصوص
بل يحكم به مطلقا في نفس الأمر مثل قوله عليه السلام: (إنما الماء من الماء)، وقد يقصد به بعض الاعتبارات، وبعض المتعلقات كقوله تعالى:(إنما أنت منذر)[الرعد:7] حصر نبيه عليه السلام في وصف النذارة، ومقتضى هذا الحصر ألا يوصف بالبشارة، ولا غيرها من الصفات، مع أن صفاته الجليلة الجميلة أكثر من أن نحصرها نحن.
وجوابه: أنه حصر له في النذارة باعتبار من لا يؤمن أي: إنما أنت منذر باعتبار من لا يؤمن، لأنه لاحظ له، ولا يتعلق به من جميع الصفات إلا النذارة، فتقوم الحجة عليه.
وكذلك قوله عليه السلام: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى) الحديث، حصر نفسه عليه السلام في البشرية باعتبار الاطلاع على بواطن الخصوم، ولا صفة له عليه السلام باعتبار الاطلاع علي ضمائرهم إلا البشرية، وإلا فمقتضى هذه الصيغة سلب كل صفة عنه غير البشرية، وكذلك قوله تعالى:(إنما الله إله واحد)[النساء:171] أي باعتبار استحقاق العبادة، وقوله تعالى:(إنما الحياة الدنيا لعب ولهو)[الحديد:20] مع أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها تنال الدرجات العلية، والمقامات السنية، والأحوال الرضية، والأعمال المرضية، وإنما حصرها في ذلك باعتبار من أثرها، أي لا صفة لها باعتبار من أثرها إلا ذلك، فتأمل هذه القواعد تجد نفعها في الكتاب والسنة نفعا كبيرا عظيما جداً.
السابعة: أن الأول قد يكون محصورا في الثاني وهو الأصل، والكثير كما تقدم في جميع المثل المتقدمة، وقد يكون الثاني منحصرا في الأول، كما ذكرته في لام التعريف عن الإمام فخر الدين، ومثلته فيما تقدم في أدوات الحصر.
الثامنة: قال الجرجاني: يجوز أن تقول: إنما هو درهم لا دينار، ولا يجوز زن يقال: ماهو إلا درهم لا دينار، وهو فرق في غاية الإشكال فإن الكل حصر، والكل فقه، وقد رأيت للفصل بينهما فروقا:
أحدها: أن (ما) في (إنما) ليست صريحة في النفي، بل المجموع أداة وضعتها العرب لنفي الحكم عن المسكوت، وثبوته للمنطوق، وما هو إلا درهم لا دينار النفي فيه صريح، وشأن كلمة (لا) ألا يعطف بها إلا بعد الإيجاب، فالأول لما كان قريبا من الإيجاب صح العطف، كأنك تقول هو درهم لا دينار، بخلاف الثاني هو نفي صريح، فتصير عاطفا بها بعد النفي.
وثانيها: أن الإثبات قد يكون مقصودا أصالة نحو: قام زيد، وقد يكون مقصودا تبعا نحو قول الحالف لغريمه: والله ماعندي إلا درهمان، فلو وجد عنده درهم فقط لم يحنث؛ لأن المقصود نفي الزائد عليهما، وإنما ذكر إثباتهما غير مقصود في نفسه.
والمقصود إنما هو نفي الزائد، ولم يختل نفي الزائد بانحصار الموجود في درهم.
وقولنا: ماهو إلا درهم، الإثبات فيه غير مقصود، بل المقصود نفي غير الدرهم عن هذه الحقيقة، وإذا كان الإثبات غير مقصود امتنع العطف بـ (لا) فإنها لا يعطف بها إلا بعد الإثبات الصريح، والفرق بين هذا الجواب،
والأول أن هذا على أن (ما) للنفي في (إنما)، فهي تدل صريحاً، والشي إذا دل عليه بلفظ صريح قد يكون غير مقصود، بل المقصود هو المذكور بلفظ آخر معه، كما تقدم في مسألة الحلف، والجواب الأول مبني
على أن (ما) ليست للنفي، بل إنما وضعت لمجموع النفي في المسكوت، والإثبات في المنطوق
وثالثها: أن عادة العرب إذا فارقت شيئا لا ترجع إليه، بدليل إذا قطعت النعوت بإضمار فعل، أو إضمار مبتدأ لا ترجع للنعت بعد ذلك، وهاهنا إذا قلنا: ما هو إلا درهم، فـ (إلا) إيجاب بعد النفي، فقد أعرضت عن النفي بدخولها في الإثبات الناشيء عن إلا، فلا تعطف بـ (لا)، لأن ذلك من أحكام النفي الذي أعرضت عنه، وإذا قلنا: إنما هو درهم لم يوجد موجب الإعراض عن النفي بعد (إنما)، فعطفت بـ (لا) لبقاء النفي غير مرجوع عنه، ويرد على هذا هذا أن العرب إذا عاملت صيغة من يعود الضمير على لفظه الذي هو الأصل، ثم جمعت الضمير باعتبار المعنى قد ترجع إلى ما أعرضت عنه بأعادته مفردا، كقوله تعالى:(ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قريب، وإنهم ليصدونهم عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون، حتى إذا جاءنا قال: ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين)[الزخرف:36 - 38]، فقد ذكر الضمير أولا مفردا، ثم مجموعا، ثم مفردا، فقد حصلت العودة بعد المفارقة فما اطردت القاعدة التي ذكرها، مع أن الجماعة من النحاة منعوا الإفراد في الضمير بعد الجمع طردا لتلك القاعدة، ومواضع في الكتاب العزيز ترد عليهم.
ورابعها: قالوا: هذا يتخرج على أن الاستثناء من النفي ليس إثباتا، فقولنا: ماهو إلا درهم ليس إثباتا للدرهم، وإذا لم يتحقق ثبوته امتنع العطف بـ (لا)؛ لأن (لا) لا يعطف بها إلا بعد الإثبات.
وقولنا: إنما هو درهم ليس فيه استثناء، بل الدرهم مثبت، فعطفنا عليه بـ (لا)، ونظير هذه المسألة في الإشكال قول النحاة: يجوز أنا زيدا لا ضارب، ويمتنع أنا زيدًا غير ضارب، وأجابوا بأن ضاربا هو العامل في زيد،
فإذا أضيفت (غير) إلى ضارب امتنع عمله في زيد، لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، لأن المعمول من صلة العامل، وجزء منه، ففيه صيرورة بعض أجزاء الكلمة قبل أولها، وهو عكس الكلام، وهذا المحذور منفى مع (لا)، وقد وقع في بعض الأشعار ما قبل (غير) معمولا لما هي مضاف إليه، قالوا: و (غير) هنالك يكون معناها (لا) مستعملة في مطلق السلب، فلذلك جاز ذلك.
التاسعة: القاعدة العقلية تقتضي أن كل مبتدأ محصور في خبره نكرة نحو زيد قائم، أو معرفة نحو: زيد القائم؛ لأن المبتدأ يجب عقلا أن يكون أخص من الخبر نحو: الحيوان جسم، أو مساويا نحو: الحيوان حساس، أما كونه أعم فمحال، فلو قلت: الجسم حيوان، كذب، لأن معناه: كل جسم فهو حيوان، وعلى هذا يلزم الحصر قطعا؛ لأن المساوي محصور في مساويه، والأخص محصور في أعمه بالضرورة، وإذا لزم الحصر في الجميع مع إجماعهم على قولنا: زيد قائم، لا يقتضي سلب غير القيام عنه، بخلاف إذا قلنا: إنما زيد قائم، أو زيد صديقي كما تقدم، فيتعين أن يكون الحصر في زيد قاذم باعتبار سلب النقيض، والضد المنافي لمطلق القيام أي: زيد لا يجوز اتصافه بنقيض ما حكم به عليه، وفي النظائر الأخر الحصر باعتبار سلب النقيض، والضد، والخلاف، لإنك إذا قلت: زيد قائم، فقد أثبت له مطلق القيام، ونقيض مطلق القيام سلب القيام دائما ومتى صدق مطلق القيام امتنع صدق سلب القيام دائما، فقد تعين الحصر في مفهوم القيام، وتعين سلب نقيضه عنه.
وإذا قلت: إنما زيد قائم معناه: لا صفة له إلا القيام فيسلب عنه نقيض القيام، والضد نحو الجلوس الدائم، والخلاف نحو الفقه، والطب، واللون، وجميع الصفات التي يمكن جمعها مع مفهوم القيام، وعلى هذا
البحث يكون الحصر الأول عقليا، والثاني لغويا يتوقف على النقل، فتأمل هذا الموضع.
العاشرة: ينبغي أن تعلم أن كل قضية فيها حصر لا يمكن أن تجعل مقدمة في دليل من حيث هدا ذات حصر؛ لأن الحصر معناه أن هذا المحمول ثابت لهذا الموضوع، ومسلوب عن غيره، فهي في قوة قضيتين، ولا بد معها من مقدمة أخرى، والدليل لا يتركب عن ثلاث مقدمات.
فإذا قلت: إنما الحيوان حساس، وكل حساس جسم ينتج: كل حيوان جسم، لكن يشترط أن يعتبر الثبوت دون السلب حتى يبقى معناه: الحيوان حساس، ويعوض عن السلب عن غير الحيوان؛ لئلا تصير ثلاث مقدمات، ولا قياس عن ثلاث مقدمات، ولأن صغرى الشكل الأول يجب أن تكون موجبة، فهذه القضية السالبة التي هي شرط الحصر، لا يصلح أن تكون فيه، وبهذا التمهيد أجاب الفضلاء عن قول القائل: الإنسان وحده ضاحك، وكل ضاحك حيوان ينتج: الإنسان وحده حيوان، وهو باطل، فقالوا: قولك: الإنسان وحده قضيتان؛ لأن معناهما: هو ضاحك، وغيره غير ضاحك، وصغرى القياس لا تكون قضيتين، ولا سالبة في الشكل الأول.
(تنبيه)
القول بأن الحصر يدل على السلب بطريق المفهوم يتوقف على أن (ما) في (إنما) ليست للنفي، بل المجموع وضع لثبوت الحكم للمنطوق، وسلبه عن المسكوت.
وإذا قلنا: إنها للنفي كان النفي مدلولا مطابقة لا مفهوما بطريق الالتزام؛ لأن دلالة المفهوم من باب دلالة الالتزام.