الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة
في
الأمر المقيد بالصفة
قال الرازي: وهو كقوله: زكوا عن الغنم السائمة.
واختلفوا في أنه هل ذلك على أنه لا زكاة في غير السائمة؟
الحق: أنه لا يدل، هو قول أبي حنيفة رحمه الله واختيار ابن سريج والقاضي أبي بكر، وإمام الحرمين? والغزالي، وقول جمهور املعتزلة، وذهب الشافعي والأشعري رضي الله عنهما ومعظم الفقهاء منا إلى أنه يدل.
لنا وجوه:
الأول أن الخطاب المقيد بالصفة لو دل على أن ما عداه يخالفه لدل عليه إما بلفظه، أو بمعناه لكنه لم يدل عليه من اولجهين فوجب ألا يدل عليه أصلا.
إنما قلنا: إنه لا يدل عليه بلفظه، لأن اللفظ الدال على ثبوت الحكم في أحد القسمين إن لم يكن مع ذلك موضوعا لنفي الحكم في القسم الثاني لم يكن له عليه دلالة لفظية.
وإن كان موضوعا له فحينئذ يكون ذلك اللفظ موضوعا لمجموع إثبات الحكم في أحد القسمين ونفيه عن القسم الاخر ولا نزاع في دلالة مثل هذا اللفظ على هذا النفي.
بيان أنه لا يدل عليه بمعناه: أن الدلالة المعنويةهي: أن يستلزم المسمى شيئا،
فينتقل الذهن من المسمى إلي لازمه
وهاهنا: ثبوت الحكم في أحد القسمين لا يستلزم عدمه من القسم الثاني، لأن الصورتين المشتركتين في الحكم كقوله:(في سائمة الغنم زكاة، في معلوفة الغنك زكاة) يجوز تخصيص إحداهما بالبيان دون الثانية، إما لأن بيان الصورة الأخرى غير واجب، أو إن كان واجبا، لكنه يبينه بطريق آخر.
أما إذا لم يكن واجبا فذلك: إما لأنه خطر ببال المتكلم أحد القسمين دون الثاني، وهذا إنما يعقل في حق غير الله تعالى.
أو أن خطر القسمان بالبال، لكن السامع يحتاج إلي بيان أحد القسمين، دون الثاني، كمن يملك السائمة ولا يملك المعلوفة فإن بعد حولان الحول يحتاج إلي معرفة حكم السائمة دون حكم المعلوفة فلا جرم يحسن من الشارع أن يخص السائمة بالذكر دون المعلوفة
وأما إذا وجب حكم القسمين معا، فهاهنا قد يكون ذكر حكم أحد القسمين دليلا على ثبوت ذلك الحكم في القسم الآخر، فإنه تعالى، لما منع من قتل الأولاد خشية الإملاق، كان ذلك دليلا على المنع من قتلهم عند الغني بطريق الأولى.
وقد لا يكون كذلك لكنه تبين القسم الآخر بطريق آخر: إما بنص خاص، والفائدة فيه أن إثبات الحكم باللفظ العام أضعف من إثباته بالدليل الخاص، لاحتمال تطرق التخصيص إلي العام دون الخاص.
أو بقياس: كما نص على حكم الأجناس الستة في الربا وعرفنا حكم غيرها بالقياس والمقصود أن ينال المكلف رتبة المجتمهدين.
أو البقاء على حكم الأصل: مثل أن يقول الشارع: لا زكاة في الغنم السائمة، ثم نحن ننفي الزكاة عن املعلوفة لأجل أن الأصل عدم الزكاة.
وإنما خص القسم الأول بالذكر لأن الاشتباه فيه أكثر، فإن السائمة لما كانت أخف مئونة من املعلوفة كان احتمال وجوب الزكاة في السائمة أظهر من احتمال وجوبها في المعلوفة، فثبت أن تعليق الحكم على الصفة لا يدل على نفي ذلك الحكم عن غيرها لا بلفظه ولا بمعناه فوجب ألا يدل أصلا.
فإن قيل: املعتبر في الدلالة المعنوية القاطعة حصول الاستلزام قطعا وفي الدلالة المعنوية الظنية الظاهرة حصول الاستلزام ظاهرا ودعوى الاستلزام ظاهرا لا يقدح فيها عدم اللز، م في بعض الصور.
ألا ترى أن الغيم الرطب يدل على المطر ظاهرا، ثم ذلك الظهور لا يبطل بعدم المطر في بعض الأوقات.
إذا عرفت هذا فنحن لا ندعي أن تعليق الحكم علي الصفة يدل على نفي الحكم عما عداه قطعا إنما ادعينا أن يدل عليه ظاهرا
وما ذكرتموه من تخلف في هذه الدلالة في بعض الصور إنما يقدح في ذلك الظهور لو بينتم أن الإحتمالات التي ذكرتموها هاهنا مساوية في الظهور للاحتمال الذي ذكرناه وأنتم ما بينتم ذلك فيكون دليلكم خارجا عن محل النزاع.
والجواب: تعليق الحكم على الوصف لا يدل على انتفائه عن غيره ألبتة، أما قطعا؛ فلما سلمتم، وأما ظاهرا، فلأنه لو دل عليه ظاهرا، لكان صرفه إلى سائر الوجوه مخالفة للظاهر، والأصل عدم ذلك، وهذا القدر كاف في حصول ظن تساوي هذه الاحتمالات.
الدليل الثاني: أن الأمر المقيد بالصفة: تارة يرد انتفاء الحكم عن غير المذكور وهو متفق عليه.
وتارة مع ثبوته فيه، كقوله:(ولاتقتلوا أولادكم خشية إملاق)[الإسراء:31] ثم لا يجوز قتلهم لغير الرملاق، وقال تعالى في قتل الصيد:(،من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم)[المائدة:95] ثم إن قتله خطأ، يلزمه الجزاء أيضا.
وإذا ثبت هذا فنقول: الاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك بين القسمين وهو ثبوت الحكم في المذكور مع قطع النظر عن ثبوته في غير المذكور ونفيه عنه.
الدليل الثالث: هو زن ثبوت الحكم في إحدى الصورتين، لا يلزمه ثبوت الحكم في الصورة الأخرى، والإخبار عن ثبوت ذلك الحكم في إحدى الصورتين ل يلزمه الإخبار عنه في الصورة الأخرى.
فإذن: الإخبار عن ثبوت الحكم في إحدى الصورتين، لا يدل على حال الصورة الأخرى ثبوتا وعدما.
إنما قلنا: إن ثبوت الحكم في إحدى الصورتين، لا يلزمه الحكم في الصورة الأخرى ثبوتا وعدما، لأنه لا يمتنع في العقل اشتراك الصورتين المختلفتين في
بعض الأحكام، فإنهما لما كانتا مختلفتين، فقد اشتركتا في الاختلاف فلا يمتنع أيضا اختلافهما في بعض الأحكام.
وإذا ثبت الحكم في هذه الصورة، لم يلزم من مجرد ثبوته فيها ثبوته في الصورة الأخرى ولاعدمه عنها.
وإنما قلنا: إن الإخبار عن حكم إحدى الصورتين لا يلزمه الإخبار عن حكم الصورة الأخرى، لأن إحدى الصورتين مخالفة للأخرى من بعض الوجوه، والمختلفتان لا يجب اشتراكهما في الحكم، والعلم بذلك ضروري، فلا يلزم من كون إحداهما متعلق غرض هذا الإنسان بأن يخبر عنها، كون الصورة الأخرى كذلك.
فثبت أن الإخبار عن إحدى الصورتين، لا يلزمه الإخبار عن الصورة الأخرى.
وإذا ثبتت هاتان المقدمتان، ثبت أن الإخبار عن ثبوت الحكم في هذه الصورة لا يدل على حالة الصورة الأخرى وجودا ولا عدما، وذلك هو المطلوب.
الدليل الرابع: لو دل تخصيص الحكم بالصفة، على نفيه عما عداه لدل تخصيصخ بالاسم، على نفيه عما عداه، لكن التخصيص بالاسم لا يدل على نفيه عما عداه، فالتخصيص بالصفة وجب ألا يدل على نفيه عما عداه.
بيان الملازمة أن التخصيص بالصفة، لو دل على نفي الحكم عما عداه، لكان
إنما يدل عليه، لأن التخصيص لا بد فيه من غرض، ونفي الحكم عما عداه يصلح أن يكون غرضا والعلم بأنه لا بد من غرض، مع العلم بأن هذا المعنى يصلح أن يكون غرضا يفيد ظن أن هذا هو الغرض والعمل بالظن واجب، وكل هذا المعنى موجود في التخصيص بالاسم؛ فوجب أن يكون التخصيص بالاسم يفيد نفي الحكم عما عداه لأن الصورتين لما اشتركتا في العلة وجب اشتراكهما في الحكم.
ولما ثبت أن التخيص بالاسم لا يفيد نفي الحكم عما عداه، وجب في التخصيص بالصفة ألا يدل على ذلك أيضا، والله أعلم
احتج المخالف بأمور:
الأول: أن تعليق الحكم بالصفة يفيد في العرف نفيه عما عداه فوجب أن يكون الأصل في أصل اللغة كذلك.
إنما قلنا: إنه يفيد ذلك في العرف لأن القائل إذا قال: (الإنسان الطويل لا يطير، واليهودي الميت لا يبصر) يضحك منه ويقال: (إذا كان القصير لا يطير، والميت المسلم لا يبصر، فأي فائدة للتقييد بالطويل واليهودي؟!!
وإذا ثبت أنه في العرف كذلك وجب أن يكون في أصل اللغة كذلك وإلا لزم النقل وهو خلاف الأصل.
الثاني: أن تخصيص الشيء بالذكر لا بد فيه من مخصص، وإلا فقد ترجح أحد الجائزين على الآخر، لا لمرجح، ونفي الحكم عن غيره يصلح أني كون مقصودا فوجب حمله عليه تكثيرا لفوائد كلام الشرع أو لأنه مناسب.
والمناسبة مع القتران دليل العلية، فيغلب على الظن أن علة التخصيص هذا القدر.
الثالث: أنا قد دللنا على أن الحكم المعلق على الصفة يشعر بكون ذلك الحكم معللا بتلك الصفة وتعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة خلاف الأصل على ما سيأتي بيانه أن شاء الله تعالى في كتاب القياس فيلزم انتفاء هذا الوصف انتفاء الحكم
والجواب عن الأول: أن أهل العرف يضحكون من قول القائل: (زيد الطويل لا يطير) وبالاتفاق أن التخصيص لا يفيد نفي الحكم عما عداه.
وللمستدل أن يقول: لا نسلم أن التخصيص هاهنا لا يفيد نفي الحكم عما عداه لأن قوله: (زيد الطويل لا يطير) تعليق للحكم بالصفة وأنه نفس محل الخلاف
بل لو قال: (زيد لا يطير) فهذا تعليق للحكم بالاسم وهاهنا لا يقولون إن تعليقه على الاسم عبث، بل يقولون: إنه بيان للواضحات وفرق بين أن يقولوا: إن هذا الكلام بيان للواضحات وبين أن يقولوا: لا فائدة في ذكر هذه الصفة آلبتة، وعلى هذا التقدير اندفع النقض
وعن الثاني: أنا لا نسلم أن التخصيص الصادر من القادر لا بد فيه من مخصص، لأن الهارب
من السبع، إذا عن له طريقان، فرنه يختار سلوك أحدهما، دون الثاني، لا لمرجح.
وأيضا فقد بينا أنه لا حسن ولا قبح عقلا فتخصيص الصورة المعينة بالحكم المعين تخصيص لأحد طرفي الجائز بذلك الحكم من غير مرجح
وأيضا فتخصيص الله تعالى إحداث العالم بوقت معين دون ما قبله أو ما بعده تخصيص من غير مخصص وفي هذا المقام أبحاث دقيقة ذكرناها في كتبنا العقلية
سلمنا أنه لا بد من فائدة ولكن سائر الوجوه التي عددناها في دليلنا الأول فوائد وأيضا فجملة منقوضة بالتخصيص بالاسم
وعن الثالث: لانسلم أن تعليل الأحكام المتساوية بالعلل المختلفة خلاف الأصل وسيأتي تقريره في كتاب القياس إن شاء الله
فرعان:
الأول: القائلون بأن التخصيص بالصفة يدل على نفي الحكم عما عداه أقروا بأنه لا دلالة له في قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا)[آلنساء:35] ولا في قوله عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها) لأن الباعث علي التخصيص هو العادة فإن الخلع لا يجري غالبا إلا عند الشقاق والمرأة لا تنكح نفسها إلا عند إباء الولي.
فإذن لاحتمال أن يكون سبب التخصيص هو هذه العادة لم يغلب على الظن أن سببه نفي الحكم عما عداه.
الثاني: تعليق الحكم على صفة في جنس كقوله عليه الصلاة والسلام: (في سائمة الغنم زكاة) يقتضي نفيه عما عداه في ذلك الجنس ولا يقتضي نفيه في سائر الأجناس
وقال بعض الفقهاء من أصحابنا: إنه يقتضي نفي الزكاة عن المعلوفة في جميع الأجناس.
لنا: أن دليل الخطاب نقيض النطق، فلما تناول النطق سائمة الغنم، فدليله يقتضي معلوفة الغنم دون غيرها.
احتجوا بأن السوم يجري مجرى العلة في وجوب الزكاة ويلزم من عدم العلة عدم الحكم لأن الأصل اتحاد العلة.
والجواب: أن المذكور سوم الغنم لا مطلق السوم فاندفع ماقالوه والله أعلم
المسألة العاشرة
الأمر المقيد بالصفة
قال القرافي: قوله: (لا يدل بمعناه التزاما لأن الصورتين المشتركتين في الحكم يجوز زن يخص أحدهما بالبيان):
قلنا: مسلم أن من شرط دلالة الالتزام الملازمة الذهنية لكن الملازمة قسمان:
قطعية كملازمة الزوجية الأربعة:
وظنية كملازمة النجاسة لكأس الحجام، وهي واقعة في هذه الصورة من هذا القبيل وإذا كانت من هذا القبيل كانت ظنية فلا يناقضها أن المشتركين قد يخص أحدهما بالبيان لأن هذا البيان الاحتمال والجواز والظن يستلزمه ولا بنافيه
قوله: قد يكون المقصود بالتنصيص علي إحدى الصورتين ثبوته في الأخرى بطريق الأولى كقوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)
[الإسراء:31]