الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن الثاني أن قوله: (زورت في نفسي كلاما) أي: خمرته، كما يقال قدرت في نفسي دارا وبناء.
وعن الثالث: أنا لا نسلم كون الشعر عربيا محضا، ولو سلمناه، فمعناه: أن المقصود من الكلام ما حصل في القلب.
وعن الرابع: أنه قياس في اللغة، فلا يقبل.
فرع:
الأمر اسم لمطلق اللفظ الدال على مطلق الطلب، أو اللفظ العربي الدال على مطلق الطلب
؟
والحق هو الأول، لأن الفارسي؛ إذا طلب من عبده شيئا بلغته، فإن العربيّ يسميه أمرًا، ولو حلف، لا يأمر، فأمر بالفارسية: يحنث في يمينه.
وأما أنه اسم لمطلق اللفظ الدال على مطلق الطلب، أو لمطلق اللفظ الدال على الطلب المانع من النقيض:
فالحق هو الثاني؛ وذلك إنما يظهر ببيان أن الأمر للوجوب.
المسألة الثالثة: دلالة الصيغة المخصوصة على ماهية الطلب، يكفي في حققها الوضع، من غير حاجة إلى إرادة أخرى، وهو قول الكعبي.
لنا وجهان:
أحدهما: أن هذه الصيغة لفظ وضعت لمعنى، فلا تفتقر في إفادتها لما هي موضوعة له إلى الإرادة، كسائر الألفاظ، مثل دلالة السبع والحمار على البهيمة المخصوصة، فإنه لا حاجة فيها إلى الإرادة.
وثانيهما: أن الطلب النفساني أمر باطن، فلا بد من الاستدلال عليه بأمر ظاهر، والإرادة أمر باطن مفتقرة إلي المعرف، كافتقار الطلب إليه فلو توقفت دلالة الصيغة على الطلب على تلك الإرادة، لما أمكن الاستدلال بالصيغة على ذلك الطلب ألبتة.
احتج المخالف: بأنا نميز بين ما إذا كانت الصيغة طلبا، وبين ما إذا كانت تهديدا، ولا مميز إلا الإرادة.
والجواب: أنها حقيقة في الطلب، مجاز في التهديد، فكما أن الأصل في كل الألفاظ إجراؤها على حقائقها إلا عند قيام دلالة صارفة، فكذا هاهنا.
المسألة الرابعة: ذهب أبو علي وأبو هشام، إلى أن إرادة المأمور به تؤثر في صيرورة صيغة افعل أمرا، وهذا خطر من وجهين:
الأول: أن الأمرية، لو كانت صفة للصيغة، لكانت: إما أن تكون حاصلة لمجموع الحروف، وهو محال، لأنه لا وجود لذلك المجموع.
وإما لآحداها: فيلزم أن يكون كل واحد من الحروف، التي ائتلفت صيغة الأمر منها، أمرا على الاستقلال، وهو محال.
الثاني: أن صيغة (افعل) دالة بالوضع على معنى، وذلك المعنى هو إرادة المأمور، فإذا كانت الإرادة نفس المدلول، وجب ألا تفيد الصيغة الدالة عليها صفة، قياسا على سائر المسميات والأسماء
المسألة الخامسة: قال جمهور المعتزلة: الآمر يجب أن يكون أعلى رتبة من المأمور، حتى يسمى الطلب أمرًا.
وقال أبو الحسين البصري: المعتبر هو الاستعلاء، لا العلو.
وقال أصحابنا: لا يعتبر العلو، ولا الاستعلاء
لنا: قوله تعالى: حكاية عن فرعون: أنه قال لقومه: (ماذا تأمرون)[الشعراء:35] مع أنه كان أعلى رتبة منهم.
وقال عمرو بن العاص لمعاوية [الطويل]:
(أمرتك أمرا جازما فعصيتني
…
وكان من التوفيق قتل ابن هاشم)
وقال دريد بن الصمة لنظرائه، ولمن هو فوقه [الطويل]:
أمرتهم أمرى بمنعرج اللوى
…
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وقال حباب بن المنذر يخاطب يزيد بن المهلب أمير خراسان والعراق [آلطويل]:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني
…
فأصبحت مسلوب الإمارة نادما
فهذه الوجوه دالة على أن العلو غير معتبر.
وأما أن الاستعلاء غير معتبر، فلأنهم يقولون: فلان أمر فلانا على وجه الرفق واللين،
نعم، إذا بالغ ف يالتواضع، يمتنع إطلاق الاسم عرفا، وإن ثبت ذلك لغة.
واحتج المخالف علي أن العلو معتبر، بأنه يستقبح في العرف أن يقول القائل:
أمرت الأمير أو نهيته، ولا يستقبحون أن يقال: سألته أو طلبت منه، ولولا أن الرتبة معتبرة وإلا لما كان كذلك.
وأما أبو الحسين، فقال: اعتبارالاستعلاء أولى من اعتبار العلو، لأن من قال لغيره:(افعل) على سبيل التضرع إليه لا يقال: إنه أمره، وإن كان أعلى رتبة من المقول إليه.
ومن قال لغيره: (افعل) على سبيل الاستعلاء، لا على سبيل التذلل يقال: إنه أمره، وإن كان المقول له أعلى رتبة منه، ولهذا يصفون من هذا سبيله، بالجهل والحمق، من حيث أمر من هو أعلى رتبة منه.
واعلم: أن مدار هذا الكلام على صحة الاستعلاء، وأصحابنا يمنعون منه، والله أعلم.
المسألة السادسة: لفظ الأمر قد يقام مقام الخبر، وبالعكس: أما أن الأمر قد يقام مقام الخبر، فكما في قوله عليه الصلاة والسلام:(إذا لم تستح، فاصنع ما شئت) معناه: صنعت ما شئت.
وأما أن الخبر يقام مقام الأمر، فكما في قوله تعالى:
(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين)[البقرة:233](والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)[البقرة:228]
والسبب في جواز هذا المجاز: أن الأمر يدل على وجود الفعل، كما أن الخبر يدل عليه أيضا، فينهما مشابهة من هذا الوجه، فصح المجاز، وأيضا يجوز إقامة النهي مقام الخبر، وبالعكس:
أما الأول: فكقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يتنكح اليتيمة حتى تستأمر) معناه: لاتنكحوها إلى غاية استئمارها.
وأما الثاني، فكقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تنكح المرأة المرأة، ولاتنكح المرأة نفسها) وكما في قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)[الواقعة:79]
ووجه المجاز: أن النهي يدل على عدم الفعل، كما أن هذا الخبر يدل على عدمه، فبينهما مشابهة من هذا الوجه والله أعلم.
المسألة الثالثة
تصور ماهية الطلب حاصل لكل العقلاء ضرورة
قال القرافي: قوله: (يعلم كل زحد زن ما يصلح جوابا للأمر لا يصلح جوابا للنهي، ولا للخبر وبالعكس):
قلنا: الجواب: إنما في الاستفهام، فيقال: سأله فأجابه، وأما الأمر والنهي فيقال: امتثل الأمر، واجتنب النهي، لكن المصنف توسع في العبارة، فسمي كل ما يترتب على هذا جوابا، والعلاقة الترتيب.
قوله: (الطلب قائم بقلب المتكلم)
يريد به: الكلام النفساني، فإن أحد أقسامه الطلب.
المسألة الأولى من المفرعات على هذه المسألة في أن الطلب غير الإرادة
قوله: (إن الله تعالى أمر الكافر بالإيمان ولم يرده منه):
................................
...................................
........................................
قلنا: اتفقنا نحن والمعتزلة على أنه مأمور، غير أنا نقول بطلب نفساني، وهو يقولون بلفظ لساني دال على أن الله تعالى أراد منه ذلك الفعل، فلا يفيد بحث المصنف، إلا المغايرة بين الأمر والإرادة.
وهم يسلمونه بناء على اللساني، فلا يحصل المطلوب.
قوله: (علم من الكافر أنه لا يؤمن فلا يريد منه الإيمان، لأن خلاف المعلوم محال)
قلنا: علم الله تعالى بعدم صدور الإيمان منه معناه: الإيمان الواجب لم يصدر منه، وكونه لم يفعل، والإيمان الواجب فرع من إيجابه، وإيجابه معناه: إرادته منه عندهم، فصار علم الله تعالى بعدم إيمانه الواجب فرع تركه للإيمان الذي هو فرع إيجابه عليه، فيكون علم اللع بعدم إيمانه متأخرا عن أمره بالإيمان في الرتبة الثالثة، ومشروطا به.
أما تأخره فلما تقدم، وأما كونه مشروطا به فلأن العلم الخاص المتعلق.
بالمعلوم الخاص مشروطا بكون ذلك المعلوم كذلك، فلا يكون العلم منافيا للأمر بالإيمان، إما لأنه متأخر، والمتأخر لا ينافي وقوع المتقدم، وإما لأن المشروط لا ينافي شرطه.
قوله: (والداعي مخلوقه لله تعالى دفعا للتسلسل)
قلنا: قد تقدم في مسألة الحسن والقبح الكلام على هذه المواضع، ثم التسلسل لازم في صدور الدواعي من غير العبد، أو يقال غير العبد له مرجح مستغن عن الترجيح، فلم لا يجوز أن يقال: وكذلك العبد؟ لأن ذلك المستغني عن المرجح لذاته هو الإرادة، لأنها لذاتها ترجح من غير افتقار منها لمرجح، وذلك غير معلل كما أن العلم يكشف لذاته غير معلل، فحينئذ إما ألا يلزم التسلسل في حق العبد، أو يلزم فيه، وفي غيره فلا يحصل المطلوب.
قوله: (الله تعالى خلق في قلب الكافر ما يوجب الكفر، فلو أراد منه في هذه الحالة الإيمان لكان مريدا للضدين):
تقريره: أن الموجد لما يوجب الشيء مريدا لأثره المترتب عليه، لأنه تعالى بكل شيء عليم، فهو يعلم جميع ما يترتب على كل شيء، فحينئذ هو مريد للكفر، فلو أراد الإيمان لأراد الكفر والإيمان وهما ضدان.
وهذا هو بعض فوائد قول الشافعي رضي الله عنه: إذا سلم القدرية العلم خصموا، فتنهدم بقاعدة العلم على المعتزلة قواعد كثيرة.
قوله: (إن عنيتم بالأمر غير الإرادة فبينوه):
قلنا: مرادنا الكلام النفساني، وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى.
قوله: (الإرادة جنس الطلب):
قلنا: لا نسلم، بل مخالفة له مخالفة شديدة، ولذلك إن الإرادة ترجح أحد طرفي الممكن والكلام لا يرجحه، والإرادة يجب وقوع متعلقها، والأمر لا يجب فيه ذلك، والطلب لا يتعلق إلا بالأفعال، والإرادة تتعلق بالأفعال والذوات الممكنة، وفروق كثبرة بينهما فلا يكون من جنسه.
لوله: (لو كان الأمر للإخبار عن إرادة العقاب لتطرق التصديق والتكذيب إليه)
قلنا: يعني بأن الأمر إخبار أنه من باب التعريف باللوازم، كما يقول: الإنسان عبارة عن الضحاك بالقوة أي الضحك بالقوة لازم له، والخبر الحاصل بطريق اللزوم لا يلزم أن يثبت له أحكام الخبر الأصلي المطابق، بل التصديق والتكذيب عندنا من لوازم الخبر الأصلي دون اللزومي، كما أن نقول: النهي يفيد التكرار إذا كان أصليًا، بخلاف النهي الذي هو لازم للأمر، لأن الأمر بالشيء عن جميع أضداده، وهذا النهي لا يفيد التكرار، بل إن كان الفعل المأمور به مرة واحدة كان الاجتناب مرة واحدة، أو مرارا كان النهي كذلك،،كذلك يقول: الإنشاءات لا تقبل التصديق
والتكذيب، وإن لزمها الإخبار عن الحكم المنشأ به، ففرق بين الحقائق إذا وقعت مقصودة، وبين إذا وقعت تابعة كما قال الفقهاء: إذا قال لعزيمه: والله لا أملك إلا درهمين، فوجد يملك درهما فقط لا يحنث، لأن المقصود بالاستثناء من النفي ليس إثبات الدرهمين، بل نفي الزائد، فإثباتهما لم يكن مقصودا فلا تثبت له أحكام المقصود كما نفى الزائد، فإثباتهما لم يكن مقصودا فلا تثبت له أحكام المقصود كما إذا قال: والله إن معي درهمين، فإنه يحنث بالنقصان عنهما، وهذه قاعدة في الأصول والفروع، وبهذا التقرير يمكن العفو عن العصاة، ولا ينافي ذلك كون الطلب مفسرا بهذا التفسير، ولا يعتقد أن المعتزلي أراد أن الأمر هبر صرف ألبتة، بل أراد أنه خبر لزومي كما تقدم، ولذلك اتفق الناس على قبول الخبر للصدق والكذب، ولم يقل به المعتزلي في الطلب قطو فظهر أن ما ذكرته هو تحقيق مذهبه.
قوله: ولأن العفو جائز فيلزم الحلف، أما عندنا مطلقا، وأما عندكم فبالتوبة):
قلنا: أما إذا تاب، أو اجتنب الصغائر، فقد فات الشرط الذي يخلق الله تعالى الإخبار عن العقوبة عليه فلا يلزم الخلف، ولأن إرادة الله تعالى غير واجبة النفوذ عندهم، فالإرادة للعقاب حاصلة، وإنه لم يقع العقاب، فلا خلف على التفسيرين.
قوله: (وقد يقول الإنسان لغيره: أنا أريد منك هذا الفعل، ولكن لا آمرك به، فيكون الأمر غير الإرادة):
قلنا: معنى لا أمرك به: أي لا آتي بالصيغة الدالة على الإرادة، فتكون الصيغة غير الإرادة، وهو متفق عليه، إنما النزاع في المغايرة بين الكلام النفسي والإرادة.
قوله: (الحكيم قد يزمر عبده بشيء في الشاهد، ولا يريده منه لإظهار تمرده):
قلنا: هذا إنما هو إيهام الأمر، لا نفس الطلب الحقيقي، لأنهم صوروره في رجل ضرب عبده، فبلغ ذلك الأمير، فقال له الأمير: إنك تضرب عبدك عدوانا؟ فقال: بل هو يتمرد عليّ وها أنا آمره بين يديك فلا يمتثل، فإذا أحضره زمام الأمير، وقال له: اخرج غداً السوق، فقد أمره بالخروج، وهو يريد منه في هذه الحالة أن يخالفه ليظهر عذره عن الزمير، فهذا إيهام الأمر لا نفس الزمر النفساني الذي هو مطلوبكم.
وقوله: (التجربة رنما تحصل بالأمر)
قال القرافي: إن أراد النفس فممنوع لأن مجرد سماع العبد للأمر اللساني تحصل التجربة، وإن أراد اللساني، فالفرق مسلم بينه وبين الإرادة
قوله: (يجوز النسخ قبل مضي مدة الامتثال):
قلنا: هذا ممنوع عند الخصم، فلا يستدل به عليه.
قوله: (لو لم تكن الإرادة معتبرة في الأمر لصح الأمر بالماضي كالخبر):
تقريره: أن عشرة حقائق لا تتعلق إلا بالمستقبل:
الأمر، والنهي، والدعاء، والشرط، وجزاؤه، والوعد، والوعيد، والترجي، والتمني، والإباحة، والخبر يتعلق بالماضي، والحال، والمستقبل، والواجب، والممكن، والمستحيل، الإرادة لا تتعلق بالماضي، فإذا لم تكن الإرادة شرطا في الأمر ساوى الأمر في عدم اشتراط الإرادة، فقاس الخصم أحدهما على الآخر بهذا الجامع.