الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فائدة)
قال سيف الدين: من الناس من منع صدق الوجوب على فرض الكفاية؛ لأنه يسقط بفعل الغير، وهو باطل
؛ لأن الاختلاف إنما وقع في المسقط لا في الحقيقة كالاختلاف في طرف الثبوت، كما أن من وجب قتله بالردة، والقتل، فالقتل واحد، وأحدهما يسقط بالتوبة، ولم يلزم الاختلاف في لزوم القتل واستحقاقه.
(قاعدة)
الذي يوصف بأنه فرض كفاية له شرطان:
أحدهما: أن يكون فيه مصلحة شرعية أو وسيلة لمصلحة شرعية، وأن يكون ما لا تتكرر مصلحته بتكرره كما تقدم.
فالمصالح الشرعية لضبط أصول الدين، وفروعه، والكتاب والسنة، وأنواع المدارك والأدلة، وأن يوصلها كل قرن إلى من بعده، وكذلك ضبط أصول الدين في العقائد، وآكد من الأول، وقيام الحجة لله تعالى على خلقه بالجهاد، والجدال، ودرء الشبهات عنهم، وكمناظرة الملحدين والطاعنين في الدين، وتمييز المحققين المبطلين من المتشبهين بأهل الحق، وتحقيق قواعد النبوات، وما يتعلق بجناب الله تعالى من الواجبات، والجائزات وتمييزها عن المستحيلات، إلى غير ذلك مما هو من هذا النوع.
قال الغزالي: وشرط الطائفة بهذا الشأن شروط أربعة:
أن يكونوا وافري العقول؛ لأن هذا العلم لا يحققه إلا الأذكياء.
وأن يكون اشتغالهم كثيراً
وأن يكونوا ديانين؛ فإن قليل الدين لا يطلب جواب الشبهة إذا وقعت له. وأن يكونوا فصحاء
ومن ذلك تعليم القرآن للصبيان، والفروع للطلبة، والنحو واللغة وما يتعلق بالكتاب والسنة من القراءات السبع، ونحو ذلك.
وأما الوسائل للمصالح الشرعية: كالصنائع، والحروف التي لا يستغنى عنها الناس، فيجب أن يخرج لكل حرفة طائفة تقوم بها، فإن كان لهم في ذلك نية أثبتوا على حرفهم ثواب الواجب، وإلا فلا، وليس كل واجب يثاب عليه كما تقدم الواجب أول الكتاب،
النظر الثاني
في أحكام الوجوب
قال الرازي: وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الأمر بالشيء أمر بما لا يتم الشيء إلا به بشرطين:
...................................................
................................................................
................................................................
أحدهما: أن يكون الأمر مطلقا.
والاخر: أن يكون الشرط مقدورا للمكلف
وقالت الواقفية: أن كانت مقدمة المأمور به سببا له، كان إيجاب المسبب إيجابا للسبب؛ لأن عند حصول السبب، يجب المسبب؛ فيمتنع أن يوجب المسبب عند اتفاق وجوب السبب.
أما إذا كانت المقدمة شرطا؛ فحينئذ لا يكون المشروط واجب الحصول عند
حصول الشرط، فها هنا لا يكون الأمر بالمشروط أمرا بالشرط؛ كالصلاة مع الوضوء.
لنا: أن الأمر اقتضى إيجاب الفعل على كل حال، ولا يستقر وجوبه على هذا الوجه إلا ومقدمته واجبة.
إنما قلنا: إن الأمر اقتضى إيجاب الفعل على كل حال؛ لأنه لا فرق بين قوله: (أوجبت عليك الفعل في هذا الوقت) وبين قوله: (لا ينبغي أن يخرج هذا الوقت إلا، وقد أتيت بذلك الفعل) في كون كل واحد من هذين اللفظين دليلا على الإيجاب، على كل حال. وإنما قلنا: إن إيجاب الفعل على كل حال، يقتضي إيجاب مقدمته؛ لأنه لو لم يقتض ذلك، لكان مكلفا حال عدم المقدمة، وذلك تكليف ما لا يطاق.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: إنه أمر بالفعل بشرط حصول المقدمة؟
غاية ما في الباب أن يقال: هذا مخالفة للظاهر؛ لأن اللفظ يقتضي إيجاب الفعل على كل حال؛ فتخصيص الإيجاب بزمان حصول الشرط خلاف الظاهر، فكذا إيجاب المقدمة مع أن الظاهر لا يقتضي وجوبها خلاف الظاهر، وليس تحمل إحدى المخالفتين بأولى من تحمل الأخرى؛ فعليكم الترجيح.
والجواب: قوله: (لم لا يجوز أن يقال: إن هذا الأمر أمر بالفعل بشرط حصول المقدمة؟):
قلنا: هذا يبطل بأمر الموى غلامه بأن يسقيه الماء، إذا كان الماء على مسافة منه؛
لأنه، إن كان كلفه سقي الماء بشرط أن يكون قد قطع المسافة، وجب إذا قعد في مكانه، ولك يقطع المسافة ألا يتوجه عليه الأمر بالسقي.
وإن كان مكلفا بالسقي، مع عدم قطع المسافة، فهذا تكليف ما لا يطاق، فكل ماهو جواب الخصم، فهو جوابنا هاهنا.
قوله: (ليس تحمل إحدى المخالفتين أولى من تحمل الثانية):
قلنا: مخالفة الظاهر هي إثبات ما ينفيه اللفظ، أو نفي ما يثبته اللفظ.
فأما إثبات ما لا يتعرض اللفظ له، لا بنفي ولا إثبات، فليس مخالفة للظاهر؛ والمقدمة لا يتعرض اللفظ لها لا بنفي ولا إثبات، فلم يكن إيجابها لدليل منفصل مخالفة للظاهر.
وليس كذلك إذا خصصنا وجوب الفعل بحال وجود المقدمة، دون حال عدمها؛ لأن ذلك بخالف ما يقتضيه اللفظ من وجوب الفعل على كل حال.
فروع:
الأول: اعلم أن ما لا يتم الواجب إلا معه ضربان: أحدهما: كالوصلة، والطريق المتقدم على العبادة، والآخر: ليس كذلك.
والأول: ضربان: أحدهما ما يجب بحصوله حصول ما هو طريق إليه، والاخر لا يجب ذلك فيه.
أما الأول: فكما إذا أمر الله تعالى بإيلام زيد، فإنه لا طريق إليه إلا الضرب؛ فهو يستلزم الألم في البدن الصحيح
وأما الثاني فضربان: أحدهما: يحتاج الواجب إليه شرعا. والاخر: يحتاج إليه عقلا.
أما الأول: فكحاجة الصلاة إلى تقديم الطهارة.
وأما الثاني: فكالقدرة والآلة وقطع المسافة إلى أقرب الأمكان، وهذا على قسمين:
منه ما يصح من المكلف تحصيله؛ كقطع المسافة، وإحضار بعض الآلات.
ومنه ما لا يصح؛ كالقدرة.
وأما الذي لا يكون؛ كالوصلة: فضربان:
أحدهما: أن يصير فعله لازما؛ لأن المأمور به اشتبه به، وهو ما إذا ترك الإنسان صلاة من الصلوات الخمس لا يعرفها بعينها، فيلزمه فعل الخمس؛ لأنه لا يمكن مع الالتباس أن يحصل له يقين الإتيان بالصلاة المنسبة إلا بفعل الكل.
وثانيهما: ألا يتمكن من استيفاء العبادة إلا بفعل شيء آخر؛ لأجل ما بينهما من التقارب، نحو ستر جميع الفخذ؛ فإنه لا يمكن إلا مع ستر بعض الركبة، وغسل كل الوجه لا يمكن إلا مع غسل جزء من الرأس.
وأما الترك: فهو: أن يتعذر عليه ترك الشيء إلا عند ترك غيره، وذلك إذا كان السيء ملتبسا بغيره، وهو ضربان: أحدهما: أن يكون قد تغير في نفسه. والآخر: ألا يكون قد تغير في نفسه
فالأول: نحو اختلاط النجاسة بالماء الطاهر، وللفقهاء فيه اختلافات غير لا ئقة بأصول الفقه.
وأما الذي لا يتغير مع الالتباس: فإنه يشتمل على مسائل:
منها: أن يشتبه الإناء النجس بالإناء الطاهر، والفقهاء اختلفوا في جواز التحري فيه.
ومنها: أن يوقع الإنسان الطلاق على امرأة من نسائه بعينها، ثم يذهب عليه عينها.
والأقوى: تحريم الكل؛ تغليبا للحرمة على الحل
الفرع الثاني: قال قوم: إذا اختلطت منكوحة بأجنبية، وجب الكف عنهما، لكن الحرام هي الأجنبية، والمنكوحة حلال.
وهذا باطل؛ لأن المراد من الحل رفع الحرج، والجمع بينه وبين التحريم متناقض.
فالحق أنهما حرامان، لكن الحرمة في إحداهما بعلة كونها أجنبية، وفي الزخرى بعلة الاشتباه بالأجنبية.
أما إذا قال لزوجتيه: (إحداكما طالق) فيحتمل أن يقال بحل وطئهما؛ لأن الطلاق شيء متعين؛ فلا يحصل إلا في محل متعين، فقبل التعيين لا يكون الطلاق نازلا في واحدة منهما، فيكون الموجود قبل التعيين ليس الطلاق، بل أمرا صلاحية التأثير في الطلاق عند اتصال البيان به.
وإذا ثبت أن قبل التعيين لم يوجد الطلاق، وكان الحل موجودا وجب القول ببقائه؛ فيحل وطؤهما معا.
ومنهم من قال: حرمتا جميعا إلى وقت البيان؛ تغليبا لجانب الحرمة.
فإن قلت: لما وجب عليه التعيين، والله تعالى يعلم ما سيعينه، فتكون هي المحرمة، والمطلقة بعينها في علم الله تعالى، وإنما هو مشتبه علينا.
قلت: الله تعالى يعلم الأشياء على ماهي عليه؛ فلا يعلم غير المتعين متعينا؛ لأن ذلك جهل، وهو في حق الله تعالى محال، بل يعلمه غير متعين في الحال، ويعلم أنه في المستقبل سيتعين.
الفرع الثالث: اختلفوا في الواجب الذي لا يتقدر بقدر معين؛ كمسح الرأس، والطمأنينة في الركوع، إذا زاد على قدر الزيادة، هل توصف الزيادة بالوجوب؟ والحق لا؛ لأن الواجب هو الذي لا يجوز تركه، وهذه الزيادة يجوز تركها؛ فلا تكون واجبة.
النظر الثاني
في أحكام الوجوب
قال القرافي: المسألة الأولى: الأمر بالشيء أمر بما لا يتم الشيء إلا به:
قوله: (بشرط أن يكون مطلقا).
تقريره: أن الذي يتوقف عليه الواجب قسمان:
ما يتوقف عليه في وجوبه.
وما يتوقف عليه في وقوعه.
فكل ما يتوقف عليه في وجوبه من سبب أو شرط، أو انتفاء ما نع لا يجب تحصيله إجماعا، إنما النزاع فيما يتوقف عليه في وقوعه بعد تقرر وجوبه، كالنصاب سبب وجوب الزكاة، لا يجب على أحد تحصيله حتى تجب الزكاة
عليه، وكذلك الزوجات، والمماليك، والدواب سبب وجوب النفقات ولا يجب تحصيلها، والإقامة شرط وجوب الصوم، ولا يجب على أحد أن يقيم ويترك السفر حتى يجب عليه الثوم، والدين مانع من الزكاة، ولا يجب عليه أن يعطي الدين حتى تجب عليه الزكاة، وفرق بين قول السيد لعبده: إذا نصبت السلم فاصعد السطح، وبين قوله: اصعد السطح؛ فإنه يجب عليه إذا نصب السلم في الأول دون الثاني؛ لأن الثاني ورد مطلقا غير مقيد بشرط في الوجود، والأول قيد وجوبه بشرط، فلا يجب عليه شيء إلا عند حصول ذلك الشرط، فهذا معنى قوله:(مطلقا)
(سؤال)
قوله: (ما لا يتم الواجب إلا به) يندرج فيه الخبر، ولا تستقيم حكاية الخلاف فيه؛ لأنه واجب إجماعا، إنما الخلاف في الأمور الخارجية عن الواجب)
قوله: (والشرط الآخر أن يكون مقدورا للمكلف)
تقريره: أن الذي يتوقف عليه إيقاع الواجب بعد وجوبه منه ما هو مقدور للمكلف، كنصب السلم ونحوه، ومنه ما هو معجوز عنه؛ فإن صلاة الإنسان وجميع أفعاله تتوقف بعد وجوبها على تعلق إرادة الله تعالى له بذلك، وعلى خبر الله الخبر النفساني؛ فإنه فاعلها، وليس للمكلف قدرة أن تعلق صفات الله بفعله، فلا جرم لا يجب عليه ذلك، ومن ذلك الطهارة والستارة في الصلاة وغيرهما من الشروط، متى عجز عنها لا يقول أحد بوجوبها.
قوله: (وقالت الواقفية: إن كانت مقدمة المأمور به سببا له وجب وإلا فلا)
تقريره: أن المذاهب في هذه المسألة ثلاثة:
تجب الوسائل.
لا تجب.
الفرق بين الأسباب وغيرها.
وأما وجه الوجوب فسيأتي، وأما عدم الوجوب فلأن الأمر إنما دل على وجوب الفعل، وإلزامه، ولم يدل عليه دليل فهو على البراءة الأصلية، وأيضا فإن أدلة المصنف ضعيفةة فإنهم اقتنعوا بمبادئ النظر، وإلا فإذا ترك المكلف صعود السطح، فلا شك أنه يستحق المؤاخذة عليه، أما نصب السلم، فما الدليل على أنه يعاقب عليه، وكذلك إذا ترك الإنسان الحج لم قلتم: إنه يؤاخذ على كل خطوة كان يمشيها في طرق الحج؟
وبالجملة ثبوت المؤاخذة على الوسائل بمجرد الأمر في المقاصد عسير، نعم قد تجب الأدلة منفصلة لقوله تعالى في الجمعة:(فاسعوا إلى ذكر الله)[الجمعة:9]، وكان الشيخ شمس الدين الخسروشاهي يؤمن على هذا السؤال.
ووجه قول الواقفية: أن السبب يجب دون غيره أن السبب يلزم من وجوده الوجود، والشرط والمانع لا يلزم من وجودهما وجود المطلوب، فإذا أوجبنا السبب أوجبنا وجود شيء فيلزم وجود المصلحة، بخلاف الشرط والمانع، فهذا هو الفرق عندهم.
مثال السبب: كما إذا قال: (أوجبت عليكم إيلام زيد)، فإن الضرب يجب؛ لأنه سبب الألم بخلاف تحصيل الآلة التي يضرب بها فإنها شرط، وإزالة الحائل من عليه؛ لأنه مانع.
قوله: (إذا كانت المقدمة شرطا لا يجب كالصلاة مع الوضوء)
يريد: أمرين:
أحدهما: أن الدليل دل على شرطية الوضوء للصلاة، وإلا فلو قال صاحب الشرع ابتداء: صلوا مع تقرر شرطية الوضوء، ولا يذكر الوضوء ففي هذه الصورة بعد حصول هذين الأمرين تتصور المسألة، ويكون في وجوب الوضوء قولان من جهة الأمر الثاني الوارد بإيجاب الصلاة مجردة عن ذكر الوضوء، وإن كان قد اتفق على وجوبه في الأمر الأول الوارد بوجوب الوضوء.
قوله: (الأمر اقتضى إيجاب الفعل على كل حال).
قلنا: هاهنا فرق بين إيجاب الفعل في كل حال، وبين إيجابه مع قطع النظر عن كل حال، ومقصود (لم) إنما يتم بالأول دون الثاني:
بيانه: أنا نتصور أيجاب المطلقات مع قطع النظر عن الخصوصيات والتعينات، كإعتناق رقبة، وإخراج شاة من أربعين، ولك يوجب الشرع ذلك في كل معين، وكل خصوصية، وإلا لزم الجمع الجمع بين المتضادات، وكان المطلق عاما لا مطلقا، وكذلك تعقل إيجاب الفعل مع قطع النظر عن كل مكان معين، كقوله:(صم) فإن ذلك لا يقضي أن الآمر قصد مكانا معينا، بل ظاهره يقتضي إعراضه عن كل مكان؛ لأنه أوجب الصوم في كل مكان، وكذلك ليس في الزمر ما يقتضي أنه قصد حصول الأحوال والهيئات العارضة للفاعل في حال الفعل من الغضب، والرضا، والجوع، والعطش، وغير ذلك إذا تصورت الفرق في الأزمنة، والبقاع ظهر لك ذلك كله في الأحوال، وأما أن مقصود المصنف إنما يحصل من الفعل في كل كل حال؛ فلأنه نقول: ينبغي ألا يكون من جملة تلك الأحوال عدم الشرط؛ لأنه إن لم يكن عدم الشرط من جملة الأحوال مع أن الأمر اقتضاء الفعل في كل حال، فيكون الأمر اقتضاء إيجاب المشروط حالة عدم شرطه لا يطاق، فيحصل مقصوده من أن المحال إنما نشأ من كون عدم ذلك الشرط من جملة الأحوال.