الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: المشهور أن لفظة (من) ترد:
لابتداء الغاية؛ قولك: سرت من الدار إلى السوق.
وللتبعيض؛ كقولك: باب من حديد.
وللتبيين؛ كقوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)[الحج:80]
وقد تجيء صلة في الكلام؛ كقولك: ماجاءني من رجل.
والحق عندي: أنها للتمييز؛ فقولك: (سرت من الدار إلى السوق) ميزت مبدأ السير عن غيره، وقولك:(باب من حديد) ميزت الشيء الذي يكون منه الباب عن غيره، وقوله عز وجل:(فاجتنبوا الرجس من الأوثان)[الحج:30] ميزت الرجس الذي يجب اجتنابه عن غيره، وكذلك قولك:(ماجاءني من أحد) ميزت الذي نفيت عنه المجيء.
وأما (إلى) فهي لانتهاء الغاية، وقيل: إنها مجمبة؛ لأنها في قوله تعالى: (وأيديكم إلى المرافق)[المائدة:6] تستدخل الغاية، وفي قوله تعالى:(ثم أتمو الصيام إلى الليل)[البقرة:187] تقتضي خروجها.
وهذا ضعيف؛ لأن هذه اللفظة إنما تكون مجملة، لو كانت موضوعة لدخول الغاية، وعدم دخولها على سبيل الاشتراك؛ لكنا بينا أن اللفظ لا يجوز أن يكون مشتركا بالنسبة إلى وجود الشيء وعدمه.
بل الحق أن الغاية، إن كانت متميزة عن ذي الغاية بمفصل حسي؛ كما في الليل والنهار، وجب خروجها، وإن لم تكن متميزة عنها بمفصل حسي كما في اليد والمرفق، وجب دخولها؛ لأنه ليس بعض المقادير أولى من بعض، فليس تقدير القدر الذي يجوز إخراجه من المرفق عن وجوب الغسل بقدر معين- أولى من تقديره بما هو أزيد أو أنقص.
المسألة الخامسة: (الباء): إذا دخلت على فعل بتعدى بنفسه؛ كقوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم)[المائدة:6] تقتضي التبعيض؛ خلافا للحنفية.
وأجمعنا على أنها دخلت على فعل لا يتعدى بنفسه؛ كقولك: (كتبت بالقلم، ومررت بزيد) فإنها لا تقتضي إلا مجرد الإلصاق.
لنا أنا نعلم بالضرورة الفرق أن يقال: (مسحت يدي بالمنديل والبالحائط) وبين أن يقال: (مسحت المنديل والحائط) في أن الأول يفيد التبعيض، والثاني يفيد الشمول.
واحتج المخالف بأمرين:
الأول: أن القائل إذا قال: (مررت بزيد، وكتبت بالقلم، وطفت بالبيت) عقلوا منه إلصاق الفعل بالمفعول به؛ فدل على أن مقتضى اللفظ ليس إلا إلصاق الفعل بالمفعول به.
الثاني: أن أبا الفتح بن جني ذكر الذي يقال؛ من أن الباء للتبعيض، شيء لا يعرفه أهل اللغة.
والجواب عن الأول: أن قولهم: (مررت بزيد، وكتبت بالقلم) إنما أفاد ذلك؛ لأنه لايتعدى بنفسه؛ فلا يجوز أن يقال: (مررت زيدا، وكتبت القلم) فلذلك أفاد ماقالوه؛ بخلاف ماذكرنا.
وأما الطواف: فهو عبارة عن الدوران حول جميع البيت؛ ولهذا لا يسمى من دار ببعضه طائفا بخلاف مانحن فيه فإن من مسح بع الرأس يسمى ماسحاً.
وعن الثاني: أن الشهادة على النفي غير مقبولة؛ فلنا أن نخطئ ابن جني؛ بالدليل الظاهر الذي ذكرناه.