الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرد عليه: أن الاشتراك في الصفات الثبوتية يقع بين الأضداد، والمختلفات، ولا يوجب ذلك قياس أحدهما على الآخر فضلا عن الاشتراك في الصفات السلبية، كما يقول: السواد شارك البياض في كونهما عرضين، ولونين ومرئيين وغير ذلك، ومع ذلك لا يمكن زن يقاس البياض على السواد في كونه جامعا للبصر، فإن المختلفات قد تشترك في بعض اللوازم، ويجب اختلافها في بعض اللوازم، فلعل الحكم النفسي هو من اللوازم التي يجب الافتراق فيها، فمن زراد القياس فلا بد أن يتبين أن المقيس والمقيس عليه مثلان، أو يبين أن الاشتراك وقع في موجب الحكم، ولا يضره وقوع الاختلاف في الحقائق، كما تقيس الغائب على الشاهد بجوامع هي موجبات الأحكام من إثبات الصفات وغيرها، أمّا مجرد إثبات جامع كيف كان في المختلفات، فذلك لا يقبل شيئًا.
قوله: (وعن الثاني لا بد من الجامع):
قلنا: قد جمعوا بعدم اشتراط الإرادة في كل واحد منهما، بل كان الجواب أن يقول: لا نسلم اعتبار الجامع المذكور، فإنه لا يلزم من الجماع بما ليس معتبرا أن يثبت الحكم، وهذا هو غاية ما جمعوا به، فقالوا: إذا لم تكن الإرادة معتبرة، وعدم المعتبر لا يكون معتبرا في الحكم.
(فائدة)
قد تقدم في أول الكتاب أن حكم الذهن بأمر على أمر قد يكون مع الجزم وبدونه
، وقسمه إلى عدة أقسام، فذلك الإسناد الذي في الزحكام هو الخبر، وكل خبر كلام، فيكون الخبر والكلام قد يقع في الواجبات والمستحيلات التي لا يتصور فيها الإرادة، فيكون الكلام غير الإرادة، ويتصور في الفروض المقدورة، كقولنا: لو كان الواحد نصف العشرة لكانت العشرة اثنين مع أناّ لا نعتقد ذلك، فوقوع الكلام والخبر ها هنا وفي
القضايا المظنونة يدل على أنه غير العلم، فيكون الكلام النفساني غير العلم والإرادة، وهو قائم بالنفس، لأن هذه الأحكام قائمة بالنفوس، أو نقول: كل من علم أن الحيوان جسم فلا بد أن يسند الجسمية للحيوان، وإسناده الجسمية إليه خبر عنه، فنقول حينئذ: كل عالم بإسناد أمر إلى أمر [هو مخبر بثبوت ذلك الأمر إليه ضرورة وكل مخبر متكلم، فكل عالم بإسناد أمر إلى أمر متكلم]، وكذلك نقول: الله عز وجل عالم بإسناد أمر إلى أمر باتفاقنا، وكل عالم مخبر، وكل مخبر متكلم، فالله تعالى متكلم بكلام نفساني قائم بذاته، لأن هذه الإسنادات نفسانية قائمة بالذات، وكل متكلم يصح منه الأمر، والنهي، والخبر، ومن ذلك الكلام، فالله سبحانه وتعالى يصح منه الزمر النفساني وهو غير الإرادة والعلم، لما تقدم، فيكون فيكون أمر الله تعالى غير إرادته وعلمه، وهو معنى قائم بذاته تعالى، فظهر أن إثبات الكلام من أسهل الأشياء طريقا بهذا التقرير، مع أن المشهور أن أصعب شيء في علم الكلام إثبات الكلام، فقد تيسر ثبوته، والفرق بينه وبين غيره، بأيسر سعي، ولله الحمد، ومن العجب أنه شيء لم يقل به إلا أصحابنا، ولا غرو في أنه واحد وهو أمر، ونهي، وخبر، كما أن الخبر [واحد، وهو] بشارة ونذارة، ووعد ووعيد، وهو واحد، والسر في ذلك أن الواحد قد يتعدد باعتبار متعلقاته، فالكلام باعتبار كونه متعلقا برجحان الفعل أمرا، ويرجحان الترك نهائيا، وبالتسوية بين الأمرين إباحة، وعلي طريق البيع للوقوع يكون خبرا، وتعدد الواحد بنفسه بسبب إضافات تعرض له جائز.
المسألة الثانية
قال القرافي: قوله: (أنت بالخيار في إطلاق لفظ الأمر على أيها شئت).
التخيير هاهنا باعتبار الإمكان العقلي لا باعتبار الجواز اللغوي، وقد تقدم حكاية التبريزي فيها ثلاثة مذاهب:
أنها للنفساني.
أو اللساني.
أو مشتركة.
قوله: (أهل اللغة قالوا: الأمر من الضرب (اضرب):
قلنا: هذا لا يأبى الاشتراك، فإنه يكون حقيقة في اللفظ، والطلب النفساني، وإنما يأبى هذا كونه موضوعا للنفساني فقط مع أن إطلاق النحاة اللفظ، وترتيب الحكم عليه لا يقتضي حقيقة ولا مجازا، بدليل ما قالوا في اسم الفاعل: إن كان بمعنى المستقبل يعمل مع أنه حينئذ مجاز إجماعا، فلعل مرادهم هاهنا إذا أطلق لفظ الأمر على الصيغة قيل فيه هذا القول.
قوله: (لو حلف لا يأمر عبده فأشار نحوه بما يفهم منه الطلب لم يحنث):
قلنا: لا نسلم، فقد حنثه ماله رضي الله عنه وجماعة من العلماء.
قوله: (يلزم من فهم الدليل فهم المدلول بخلاف العكس)
تقريره: أن فهم الصنعة يدل على فهم الصانع لا من جهة زنه صانع لا يدل على صنعته، كما أن البناء يدل على أن ثمّ بانيا قطعا، وإذا علمنا أن زيدا بن لا يلزم أن يكون بانيا شيئا، وكذلك الإتقان دليل العلم، وعلمنا بالعلم لا يلزم منه أنه ذلك العالم أتقن شيئا، لجواز عدم مباشرته لشيء ألبتة.
قوله: (إذا قام به ذلك المعنى النفساني، ولم لا يقال: إنه أمر بشيء):
قلنا لا نسلم، بل هذا كمن قالم به العلم، ولم يدل دليل على قيام العلم به، فإذا سألناه عن هذه الصورة قلنا: هو عالم، وإن لم يعلم
بعلمه، كذلك هنا نقول: هو أمر، وإن لم نعلم بأمره، وكذلك جميع أحوال النفس إذا لم يدل عليها دليل تثبت أحكامها لمحالها في نفس الأمر.
قوله: (أثبت الله تعالى كذب المنافقين، وليس باعتبار اللساني فتعين النفساني) ?
.............................
قلنا هذا يقتضي أن الكذب يطلق على ما في النفس، والمدعي ليس هو الكذب، إنما هو الأمر، فأين أحدهما من الاخر؟
وجوابه: أن المحسن لهذا الاستدلال أن النزاع في جميع هذه الأنواع واحد: الكلام، والأمر، والنهي، والخبر، والدعاء، والتكذيب، والتصذيق، فمتى ثبت أن بعضها لما في النفس لزم أن يكون الباقي لما في النفس، فهذا هو المحسن لهذا الاستدلال، ويسمونه النظار بالغرض والبناء، وهو أن يكون الدليل يأتي في بعض صور النزاع دون بقيتها، فتتبين صورة الذي يقوم فيه الدليل، ثم يثبتون الباقي عليه لكونه لا قائل بالفرق، فيكون البعض بالدليل، والبعض بالإجماع المركب
قوله: (لو سميت الألفاظ كلاما لكان لكونها معرفة لما في النفس، فيلزم ذلك في الإشارة وغيرها، وهو باطل):
تقريره: أن هذه الألفاظ ينبغي ألا تسمى كلاما، لأنها لو سميت بذلك لكان لمكان دلالتها المشتركة بينها وبين الكتابة، فيلزم تسمية الجميع كلاما حقيقة، وهو باطل إجماعا.
ويرد عليه: زنها تسمى كلاما لا للمشترك بينها وبين غيرها من الكتابة والإشارة، بل لأن ذلك غير معلل بمشترك ولا غيره، أو معلل بمشابهة الكلوم التي هي الجراح من جهة أن بعضها يؤلم، ويكثر ضرره كالجراح المؤذية، وبعضها يعظم نفعه كالفصادة ونحوها لدفع الأمراض المهلكة، فالكلام من الكلام، وكذلك نص عليه النحاة.
وهذه المشابهة في الألفاظ أقوى من غيرها، إما لسهولة النطق بها كما تقدم في باب الكلام، وإما لكونها أوصل للنفس؟
قوله: (الشهادة: الإخبار عن الشيء مع العلم به).