الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة الواجبة وجوبا موسعا، فهو له ثلاثة أحوال: التعجيل، والتوسط، والتأخير، فالعزم بدل من التعجيل، وخاصية هذا أنه خارج عن ماهية المبدل منه بالكلية، وإنما الإبدال بينه وبين أحواله [بخلاف الأربعة المتقدمة وهو أضعفها أيضا حيث لم يجعل بدلا عن شيء من الفعل بل على أحد أحواله].
إذا تقررت أقسام الإبدال في الشريعة بطل قولكم: إن البدل يقوم مقام المبدل منه مطلقا، فإن البدل من الحال لا يأتي فيه ذلك وهو القسم الكامل في صورة النزاع، وبطل قول القائل: إن البدل لا يفعل إلا عند تعذّر المبدل، لأن ذلك يبطل بإبدال الجمعة من الظهر، فلو قيل: إن البدل يقوم مقام المبدل منه في الوجه الذي جعل بدلا فيه صح، عير أنه لا يفيد في هذه المسألة المستدل، لأن مقصوده سقوط الفعل، وإنما سقط أن لو جعل بدلا عنه في ذاته لا في حال من أحواله.
(تنبيه)
قال إمام الحرمين في (البرهان): أجمعت الأمة على أنه لا يجب الاعتناء بالعزم في كل وقت لا يتفق الامتثال فيه
، ولو لم يجر العزم بالبال وامتثل في أثناء العمر أجزأه، ولا يعصيه أحد لترك العزم فيما سبق، وكذلك اتفقوا في الصلاة الموسعة، قال والذي أراه في طريقة القاضي في إيجاب العزم أنه يجب في أول الوقت فقط، وينسحب حكمه على بقية الأوقات كما تنسحب النية على الأفعال، ولا يظن به غير ذلك.
قلت: تلخيص لم يقع في المحصول بل إطلاق المحصول يأباه.
وقال الغزالي في (المستصفى): إنما يسقط التكليف بالعزم زمن الغفلة، أما مع الذكر فلا بد من العزم أو الفعل، وهذا يمكن أن يحمل عليه إطلاق (البرهان)
قوله: (إذا كان الأمر إنما اقتضى الفعل مرة واحدة. وهذا البدل قد قام مقامة فيها، فيسقط الأمر بالكلية).
قلنا: يفرع على أن الأمر ليس للتكرار، وأنه إنما يقتضي الفعل مرة واحدة فلا يلزم سقوطها، لأنه بدل عن حالة من أحوالها وهي التعجيل، وبقيت هي في نفسها لا بدل عنها ولا تسقط.
قوله: (إن جاز التأخير مطلقا لا إلي بدل، فذلك يقدح في وجوبه).
قلنا: لا يقدح في وجوبه، لأنه إنما يتعين عدم الوجوب أن لو جاز تأخيره لغير بدل، ويتحتم بقرينة الفوات بسبب المرض، أو علو السن، ولا يأثم إذا أخر عن ذلك، وحينئذ يكون ذلك قادحا في وجوبه، أما مطلق قولنا:(جاز التزخير لا لبدل) فلا يقدح، لما ذكرناه من التحتم وغيره.
قوله: (إذا مات فجأة يقتضي أنه ماكان واجبا عليه في علم الله تعالى مع زن ظاهر الأمر يقتضي أنه كان واجبا عليه).
قلنا: علم الله تعالى بأنه يموت فجأة كعلم الله تعالى بأنه لا يفعل ويعصي، ولا يقدح شيء من ذلك في الوجوب لأن الوجوب تعلق كلام الله تعالى به في هذا الزمان بهذا الفعل مع جواز التأخير بعروض.
الموت له، معروض النسخ له، لأن كليهما مانع صرف عن التكليف، وعلم الله تعالى بالناسخ لا يمنع التكليف كما اتفق في قصة إبراهيم وإسحاق عليهما السلام، وكذلك من مات في نصف القامة بعد الزوال لا نقول: نشأ عدم الوجوب عليه، بل نقول بينا أنه لم يقدر له فعل الواجب، فإنه لا يؤاخذ بتركه بعذر عرض له وهو الموت، كطريان الجنون عليه وغيره، بطريان الموانع، وعلم الله تعالى بها لا يقدح في تعلق الوجوب بالشخص في نفس الأمر.
سلمنا أنه يقدح لكن ترك الظواهر لقيام المعارض لا يقدح في كونها مقتضية عند عدم المعارض، فنقول: يجب عليه ظاهرا حتى يمنع مانع، ويحرم عليه حتى يمنع مانع، ولا عذر في ذلك.
قوله: (إن كانت الغاية مجهولة يلزم تكليف ما لا يطاق)
قلنا: لا نسلّم، بل تكليف بما يطاق، وإنما يلزم ما لا يطاق لو كلف بألا يوخر عنها، ويجوز لك التعجيل قبلها، فيعجل قلبها ويخلص وكل شيء للمكلف أن يفعله بطريق من الطرق لا يقال فيه: إنه تكليف ما لا يطاق، وإنما ذلك في المتعذر بكل الطرق.
قوله: (يجب اعتقاد موجب الأمر على الفور، فيقول: أحد موجبي، وأحدهما واجب على الفور، فيجب الآخر قياسا عليه)
قلنا: لنا قاعدة، وهي أن اللفظ إذا وضع لمعنى صار بينه وبين ذلك المعنى ملازمة ذهنية عند العالم بالوضع، فإذا سمع اللفظ انتقل ذهنه بالضرورة لذلك المعنى وإن كره، وحينئذ نقول: لا نسلم أنه يجب اعتقاد موجب الأمر على الفور، لأن حصول المسميات التي للألفاظ إذا كانت تقع في ذهن السامع اضطرارا لا يقع بها تكليف ولا وجوب ولا غيره.
سلمنا تعلق التكليف به، لكن حصول المسمى عليه في الذهن على الفور مشترك فيه بين الأوامر، والنواهي، والأخبار، وجميع الحقائق، فلو كان بين الاعتقاد ووجوب الفعل ملازمة لوجب موجب الخبر أن يتعجل لتعجل اعتقاده، وكذلك في الإباحة وغيرها، وهو خلاف الإجماع، فبطلت الملازمة حينئذ بين اعتقاد المسمى وتعجيله، فلا يثبت في صورة النزاع كسائر الصور، وبهذا يظهر أن إطلاق اللفظ موجب لتعجل اعتقاد مسماه في الذهن وليس موجبا لوقوع مسماع في الخارج بدليل الصورة المذكورة.
والفرق بينهما: أن الوضع أوجب الملازمة بين السماع والاعتقاد، ولم يوجب الملازمة بين السماع والوقوع في الخارج، فوجوب الملازمة منفيّ في الوقوع في الخارج، فلا يقاس ما لا موجب فيه على ما له موجب من جهة الوضع، ثم إن الإعتقاد حصوله في الذهن على الفور شيء أنشئ عن الوضع، ولم يجعل مسمى اللفظ والوجوب على الفور عند الخصم مسمى اللفظ، فلا يستقيم.
قوله: (أحد موجبي اللفظ) بل أحدهما موجب اللفظ وهو الفعل والاخر موجب الوضع لا اللفظ، فتأمل ذلك تأملا جيدا تجده إن شاء الله تعالى.
قوله: (يقتضي الفور قياسا على صيغ العقود في البيع بجامع أن كل واحد منهما استدعاء للفعل بالقول)
قلنا: لا نسلم أن العقود فيها استدعاء، لأن الاستدعاء هو الطلب وقول القائل:(بعت) هو إنشاء لانتقال الملك ولا طلب فيه، وأي شيء طلب من المشتري، وإنما يتعلق الطلب بفعل من الأفعال، ونحن نجد أن المشتري لا يفعل للبائع شيئا يمقتضى صيغة البيع ولا يمكن أن يقال? إنه وجب عليه دفع الثمن لأنا نقول: ذلك لم يكن بطلب البائع إنما كان بسبب أن عقد البيع أوجبه له أروش الجنايات، وقيم المتلفات أوجبتها الأسباب، ثم بعد ذلك لمستحقها أخذها أو تركها، ثم نقول: عقود الإنشاء إنما أوجبت الحكم على الفور، لأنها أسباب، وشأن السبب أن يستعقب مسببه، والصيغ
ليست أسبابا للنقل إجماعا، وإلا لكان قول السيد لعبده: أسرج الدابة يقتضي ذلك أن يحصل الإسراج، وإن لم يفعل العبد شيئا، كما يحصل الملك بمجرد لفظ العقد، وإن لم يحدد أحد شيئا، فافترقا.
قوله: (ولأن الأمر ضد النهي، والنهي يقتضي الإنتهاء على الفور، وكذلك الأمر)
تقريره: أن العرب تحمل الشيء على ضده كما تحمله على شبهه، كما نصبت بـ (لا) النافية إلحاقا لها (بأن) المؤكدة المثبتة وهي ضدها، وحملت (الغدايا) على (العشايا) في الجمع، ونظائره كثيرة، فلذلك قاس الخصم الأمر على النهي.
قوله: (الأمر بالشيء نهي عن تركه، والانتهاء واجب في الحال وهو لا يمكن إلا بالإقدام على الفعل في الحال، فيكون الأمر على الفور)
قلنا: النهي إنما يقتضي الانتهاء في الحال إذا كان نهيا مطابقة، أما التزاما فلا، لأن العرب تفرّق بين الحاقائق المقصودة بالذات، والمقصودة تبعا، ألا ترى أن الخبر يدخله التصديق والتكذيب إذا كان أصلا، والخبر اللازم للأمر في وقوع العقاب على تقدير المخالفة لا يدخله التصديق والتكذيب إذا كان أصلا، والخبر اللازم للأمر في وقوع العقاب علي تقدير المخالفة لا يدخله التصديق والتكذيب، وإن كان آمر مخبرا بذلك، لكنه لما كان خبرا تبعا لم يحسن تصديقه ولا تكذيبه، وكذلك الإثبات إذا لم يكن مقصودا، وظهر خلافه لا يكون فيه كاذبا، كما لو قال لغريمه: ليس عندي إلا درهمان، يقصد التقليل، وظهر أن عنده درهما لا يكذبه أحد، وإن كان الاستثناء من النفي إثباتا، لكن لمّا لم يكن الإثبات هاهنا مقصودا وإنما المقصود النفي، لا جرم لم يعد كاذبا وإن كان إخباره عن الإثبات لم يطابق، ولذلك لا يحنثه الشرع إذا حلف [في ذلك، فالحاصل أنا نمنع أن النهي اللازم للأمر يقتضي الانتهاء، فالحال وهذه النظائر مستند المنع].
قوله: (اتفقنا على أنه لو فعل على الفور وقع لموقع)
قلنا: القائل: إن الأمر موضوع للتراخي يمنع ذلك.
قوله: (لعل ذلك الأمر كان مقرونا يمقتضى الفور)
قلنا: الأصل عدم ذلك حتى يتبين في الواقعة ما يدل عليه.
قوله: (وسارعوا إلي مغفرة من ربكم)[آل عمران: 133] مجاز من ذكر المغفرة فإراد ما يقتضيها)
تقريره: أن القاعدة الشرعية أن التكليف إنما يقع بمقدور، ومكتسب، فمتى علق الأمر على غير مكتسب تعين صرفه لسببه تارة ولآثاره أخرى صونا للكلام عن الإلغاء، مثال ما يتعين حمله على سببه: قوله تعالى: (ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون)[آل عمران:102:] أي تسببوا بتقديم الإيمان عاجلا حتى يأتي الموت عليكم وأنتم كذلك، وإلا فالنهي عن الموت نتعذر، وتكليف الميت محال، وقوله تعالى:(فطلقوهن لعدتهن)[الطلاق].
الطلاق تحريم، والتحريم حكم الله تعالى قديم قائم بذاته، يستحيل التكليف به، فيتعين صرفه لسببه وهو أضداد الصيغة في الوجود، وقوله تعالى:(لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى)[النساء:43]
أي اجتنبوا الأسباب التي تفضي بكم إلى حضور الصلاة وأنتم سكارى.
وأما ما يتعين صرفه لأثاره، فقوله تعالى:(اجتنبوا كثيرا من الظن)[الحجرات:12] مع زن الظن يهجم على النفس اضطرارا، فلا يمكن اجتنابه، فيتعين حمله على آثاره من الحديث بمقتضى ذلك الظن أو الطعن في الأعراض، وغير ذلك من آثار ذلك الظن، وقوله تعالى:(ولاتأخذنكم بهما رأفة في دين الله)[النور:2] والرأفة في القلب تهجم على القلب عند رؤية المؤلمات قهرًا، فيتعين صرفه لآثار الرأفة وهي تنقيص الحدود، ولذلك قاله ابن عباس: فكذلك هاهنا المغفرة صنع الله تعالى لا مدخل
للعبد فيه، والإنسان لا يؤمر بفعل غيره، فيتعين صرفه لسبب المغفرة وهو فعل الطاعات، كقوله تعالى:(إن الحسنات يذهبن السيئات)[هود:114] ثم سبب المغفرة قد يكون هو تأخير الفعل كما قال عليه السلام: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطور، وأخروا السحور) فتأخير السحور طاعة وسبب للمغفرة.
وقال عليه السلام: (مادخل الرفق في شيء إلا زانه) وقال عليه السلام لأشج عبدالقيس: (إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة) فجعل الأناة من محاسنه.
قوله: (هذه الآية وإن دلت على وجوب الفور لم يلزم منه دلالة الأمر على الفور).
يريد: ما تقدم أن الدلالة إنما نشأت من خصوص المادة الموضوعة للفور وإن كانت خبرا كما تقدم بسطه.
قوله: (الاعتماد غير مستفاد من الأمر، لأن من ركب الله تعالى العقل فيه، فإذا نظر فيه علم أن امتثال أمر الله تعالى واجب)
قلنا: لا نسلم أن العقل يقتضي ذلك، بل إن لم يعلم العقل أن الأمر وضع للوجوب لا يعتقد أن فعل ما أمر الله تعالى به واجب بل يتبع ما