الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول
في المباحث اللفظية، وفيه مسائل:
قال الرازي: المسألة الأولى: قال الأصوليون: صيغة (افعل) مستعملة في خمسة عشر وجها:
الأول: الإيجاب كقوله تعالى: (وأقيموا الصلاة)[البقرة:43]
الثاني: الندب، كقوله تعالى:(فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا)[البقرة:195]. (واحسنوا)[آلنور:33]
ويقرب منه (التأديب)، كقوله عليه الصلاة والسلام:
(كل مما يليك) فإن الأدب مندوب إليه، وإن كان قد جعله بعضهم قسما مغايرا للمندوب.
الثالث: الإرشاد: مقوله تعالى (واستشهدوا شهدين)، (فاكتبوه) [البقرة:282] والفرق بين الندب والإرشاد: أن الندب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا، فإنه لا ينتقص الثواب بترك الاسترشاد في المداينات ولا يزيد بفعله.
الرابع: الإباحة، مقوله تعالى:(كلوا واشربوا)[الحاقة:24].
والخامس: التهديد، كقوله تعالى (اعلموا ما شئتم) [فصلت: 40]
(واستفزز من استطعت منهم صوتك)[الإسراء:64]
ويقرب منه الإنذار، كقوله تعالى:(قل تمتعوا)[إبراهيم:30] وإن كانوا قد جعلوه قسما آخر.
السادس الامتنان، (فكلوا مما رزقكم الله) [النحل:114]
السابع: الإكرام: (ادخلوها بسلام آمنين)[الحجر:46]
الثامن: التسخير: كقوله: (كونوا قردة)[آلبقرة:65]
التاسع: التعجيز، (فأتوا بسورة) [البقرة:23].
العاشر: الرهانة، (ذق إنك أنت العزيز الكريم) [آلدخان:49]
الحادي عشر: التسوية (فاصبروا أو لا تصبروا)[الطور:16]
الثاني عشر: الدعاء (رب اغفر لي)[الأعراف: 151]
الثالث عشر: التمني، كقوله [الطويل]:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ...........
الرابع عشر: الاحتقار، كقوله (ألقوا ما أنتم ملقون) [الشعراء:43]
الخامس عشر: التكوين كقوله (كن فيكون)[يس:82]
إذا عرفت هذا، فنقول: اتفقوا على أن صيغة (افعل) ليست حقيقة في جميع هذه الوجوه، لأن خصوصية التسخير والتعجيز والتسوية غير مستفادة من مجرد هذه الصيغة، بل إنما تفهم تلك من القرائن.
إنما الذي وقع فيه الخلاف أمور خمسة: الوجوب، والندب، والإباحة، والتنزيه، والتحريم:
فمن الناس من جعل هذه الصيغة مشتركة بين هذه الخمسة، ومنهم من
جعلها مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة، ومنهم من جعلها حقيقة لأقل المراتب، وهو الإباحة. والحق: أنها ليست حقيقة في هذه الأمور.
لنا: أنا ندرك التفرقة في اللغات كلها بين قوله: (افعل) وبين قوله: (إن شئت فافعل)، وإن شئت فلا تفعل) حتي إذا قّدرنا انتفاء القرائن كلها، وقدرنا هذه الصيغة منقولة على سبيل الحكاية عن ميت أو غائب، لا في فعل معين، حتى يتوهم فيه قرينة دالة، بل في الفعل مطلقا سبق إلى فهمنا اختلاف معاني هذه الصيغ، وعلمنا أنها ليست أسامي مترادفة على معنى واحد.
كما ندرك التفرقة بين قولهم: (قام زيد، ويقوم زيد) في أن الزول للماضي والثاني للمستقبل، وإن كان قد يعبر عن الماضي بالمستقبل، وبالعكس، لقرائن تدل عليه.
فكذلك ميزوا الأمر عن النهي فقالوا: (الأمر أن تقول: (افعل) والنهي أن تقول: (لاتفعل) فهذا أمر معلوم بالضرورة من اللغات، لا يشككنا فيه إطلاقه مع قرينة علي الإباحة أو التهديد.
فرن قيل: تدعى الفرق بين (افعل)، و (لا تفعل) في حق من يعتقد كون اللفظ موضوعا للكل حقيقة، أو في حق من لا يعتقد ذلك؟!
الأول ممنوع، والثاني مسلم.
بيانه: أن كل من اعتقد كون هذه اللفظة موضوعة لهذه المعاني، فرنه يحصل في ذهنه الاستواء.
أما من لا يعتقد ذلك، فإنه لا يحصل عنده الرجحان.
سلمنا الرجحان، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك، للعرف الطارئ، لا في أصل الوضع، كما في الألفاظ العرفية؟!
سلمنا أن ما ذكرته يدل على قولك، لكنه معارض بما يدل على نقيضه:
وهو: أن الصيغة قد جاءت بمعنى التهديد، والإباحة، والأصل في الكلام الحقيقة.
والجواب عن الأول: أنه مكابرة، فإنا نعلم عند انتفاء كل القرائن بأسرها: أنه يكون فهم الطلب من لفظ (افعل) راجحا على قولهم فهم التهديد والإباحة.
وعن الثاني: أن الأصل عدم التغيير.
وعن الثالث: أنك قد عرفت أن المجاز أولى من الاشتراك، ووجه المجاز: أن هذه الأمور الخمسة، أعني: الوجوب، والندب، والإباحة، والتنزيه، والتحريم أضداد، وإطلاق اسم الضد، على الضد أحد وجوه المجاز، والله أعلم.
المسألة الأولى
صيغة الأمر تستعمل في خمسة عشر وجها
قال القرافي: قوله (ويقرب من الندب التأديب نحو قوله عليه السلام: (كل مما يليك)
والفرق بينهما
أن التأديب يختص بإصلاح الأخلاق النفسية، فهو أخص من المندوب، لأن الندب يكون في غير ذلك، فإن صلاة النافلة مندوبة، وليست من هذا الباب.
قوله: (التهديد نحو قوله تعالى: (اعملوا ما شئتم)[فصلت:4] ويقرب من هذا الإنذار كقوله تعالى: (قل تمتعوا)[إبراهيم:30]
قلت: الفرق بينهما
أن التهديد في عرف الاستعمال أبلغ في الوعيد والغضب، والإنذار قد يكون بفعل الغير، وكذلك الرسل، عليهم السلام، منذورون بعقاب الله تعالى ولا يقال لهم: مهددون، لأن التهديد يختص بفعل المهدد نفسه، قوله:(التسخير) كقوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين)[الأعراف: 166]
قلنا: اللائق بهذا القسم أن يسمى سخرية لا تسخير، لأن السخرية الهزو، كقوله تعالى:(ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)[الزخرف:32]
(وإن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)[هود:38]
فأما التسخير: فهو نعمة وإكرام، لقوله تعالى:(وسخر لكم الليل والنهار)[إبراهيم:33]، (وسخر لكم الأنهار) [إبراهيم:32] و (سخر لكم الشمس والقمر)[إبراهيم:33] ونحو ذلك
ووقع في (المستصفى) وغيره عبارة (المحصول) بعينها، ومنه نقل والله أعلم
قوله: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)[الدخان:49]
قال جماعة: هذا يسمى التهكم، وضابطه: أن يؤتى بلفظ داال على الخير والكرامة، واملراد ضد ذلك، كقوله تعالى: (هذا نزلهم يوم
الدين) [الواقعة:56]، والنزل ما يصنع للضيف عند نزوله، وقوله تعالى:(فبشرهم بعذاب أليم)[آل عمران:21]، والبشارة في العرف: إنما تكون بالمسار لا بالعذاب، ومنه قول الشاعر [الوافر]:
قريناكم فعجلنا قراكم
…
قبيل الصبح مرادة طحونا
أي صخرة عظيمة، ففي هذه الصور كلها أطلق لفظ الخير، وأريد به ضده لذلك المراد، ذق إنك أنت الذليل اللئيم، فعبر بلفظ ضد ذلك عنه.
قوله: (التسوية، كقوله تعالى: (اصبروا أو لا تصبروا)[الطور:16].
قلنا: المستعمل ها هنا في التسوية هو المجموع المركب من صيغتين:
من الزمر مع صيغة، أو فهذا المجموع هو المستعمل في التسوية، فلا يصدق عليه أن المستعمل ههو صيغة الأمر من حيث الأمر، وهكذا.
قوله: التمني كقوله [الطويل]:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل ..............
المستعمل في التمني هو صيغة الأمر مع صيغة ألا، لا الصيغة وحدها.
قوله: (التكوين، كقوله تعالى: (كن فيكون)[البقرة:217ّ]
قلنا: ليس المراد هاهنا التكوين، فإن الله تعالى لا يكون الممكنات بكلامه، بل بقدرته، واملعدوم لا يؤمر بأن يكون نفسه، بل الصحيح في هذه الآية أنها من باب مجاز التشبيه.
تقديره: إنما شأننا في إيجاد الشيء إذا أردناه أن نقول له: كن فيكون، أي لا يتأخر عن إرادتنا طرفة عين، بخلاف البشر قد يتأخر مراده عن إرادته.
فمعنى الآية: أرأيتم إذا أمر أحدكم فلا يتأخر مأموره عن أمره ذرة، كذلك مقدوري مع قدرتي وإرادتي، لقول الله تعالى، فهو مجاز شبه
وأضاف الأمر إليه بعده ليكون ذلك أبلغ في ألا يتأخر المأمور عن الأمر، فصار هذا المركب إخبارا عن هذا المعنى من عدم التأخير عن القدرة والإرادة.
ولذلك صرح سيف الدين بهذا المعنى، فلم يقل:(التكوين)، بل قال:،يرد لكما القدرة كقوله تعالى:(كن فيكون)