الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لذاته) [غير متجه، بل الوجود لغيره؛ لأنه ممكن في ذاته، والممكن في ذاته لا يكون واجب الوجود لذاته]؛ لأنه قسيمه، وإذا بطل هذا بطل أيضا قوله المبني عليه: (إن واجب الوجود بذاته يستحيل أن يكون واجب الوجود بغيره] مع زن كلام صحيح في نفسه، غير أنه ليس في موضعه، بل المتجه الغير فيه افتقاره للمؤثر، وقد انتفى هذا الافتقار، فلو أثر فيه الغير لزم تحصيل الحاصل، وكذلك وجوبه بالآخر يقتضي استغناءه عن الزول، فيستغني بسبب صدوره عنهما، فيكون واقعا بهما غير واقع بهما، وهو محال.
قوله: (إن سقط الفرض بالمجموع يلزم أن يكون المجموع واجبا).
تقريره: أن الذمة لا يبرؤها عن الواجب إلا فعل ذلك الواجب، فلو برئت بالمجموع لكان المجموع واجبا.
قوله: (سقوط الفرض بغير المعين محال؛ لأن الأثر المتعين يستعدعي مؤثرا موجودا، وكل موجود فهو في نفسه معين، فلا إيهام ألبتة في الوجود الخارجي، إنما الإبهام في الوجود الذهني، وإذا امتنع الإتيان بغير المعين امتنع كونه مسقطا للفرض).
قلنا: قولكم كل موجود هو في نفسه معين.
قلنا: تريدون: معينا بالشخص أو بالنوع؟ فإن المتعين أعم، والزول ممنوع والثاني مسلم، والمشتركات موجودة في الخارج في ضمن الأشخاص المعينة، فلا يحصل المطلوب.
(قاعدة)
الكليات ثلاثة:
كلي طبيعي
وكلي منطقي
وكلي عقلي.
فإذا قلنا: الإنسان كلي، فالمحكوم عليه الذي هو الإنسان كلي طبيعي لأن الله تعالى طبعه في الخارج وشخص فيه أشخاص، وقولنا: كلي الذي هو خبر المبتدأ كلي منطقي؛ لأنه إشارة إلى الصورة الذهنية الكلية المنطبقة على جميع الأشخاص.
وكلام أهل المنطق ليس إلا فيها، والأول إنما يتكلم فيه الطبيعيون.
فسميت بالمنطقي لذلك.
والمجموع المركب منهما هو الكلي العقلي، الذي هو شيء اخترعه العقل، ولم يوجد؛ لأنه ضم ما في الذهن لما في الخارج فاعتبرهما حقيقة واحدة، وليس في نفس الأمر حقيقة واحدة مركبة من الذهني والخارجي مسمى عقليا.
لذلك فالكلي الطبيعي في الخارج؛ لأن الله تعالى خلق إنسانا بالضرورة، فإن كان مجردا فالكلي الطبيعي بالضرورة في الخارج، وإن كان مع قيد، ومتى وجد مع قيد وجد بالضرورة، فالكلي في الخارج بالضرورة، وأما المنطقي فلا يوجد إلا في الذهن، وأما العقلي فأمر اعتباري، لا في الذهن ولا في الخارج من حيث جملته لا من حيث مفرداته، فمتى قيل: الكلي أو غير المعين ليس في الخارج، إن أريد الطبيعي منع أو غير مسلم.
وأكثر مباحث هذه المسألة يظهر فيها المنع بهذه القاعدة، ويقول: غير المعين موجود في الخارج، ويكون متعلق الثواب براءة الذمة والتكليف، وتركه متعلق العقاب.
قوله: (والحكم الثابت المعين يستدعي محلا معينا).
قلنا: وإنه معين بالنوع، وفعل غير المعين في ضمن ممكن.
قوله: (إذا لم يتميز واحد مهما عن الاخر بصفة الوجوب كان إسناد استحقاق العقاب إلى واحد منهما دون الآخر ترجيحا من غير مرجح).
قلنا: محل الوجوب هو القدر المشترك، وهو معين بالنوع، والوجوب
متعين له، وتركه هو الذي يقتضي العقاب، فما لزم الترجيح من غير مرجح، وإنما يلزم ذلك أن لو كان الوجوب دائرا بين المعينات ولا ينضبط لواحد منها، ولذلك يقول المستدل: الذي هو مفهوم أحدها هو محل معين بالنوع لا بالشخص، فكان متعلق العقاب، فإذا ادعيتهم أنه لا بد للعقاب من محل معين بالشخص، فكان متعلق العقاب، فإذا ادعيتم أنه لا بد للعقاب من محل معين بالشخص، فهو ممنوع، بل نحن نعتقد أن ذلك ما يوجد في الشرائع؛ لأن التكليف لا يتعلق في الإيجاب والتجريم وجميع الأحكام إلا بمستقبل معدوم، ولا شيء من المعدومات بمشخص ألبتة، إنما المشخصات من عوارض الوجود.
قوله: (إذا اشترى قفيزا واحدا صار ما ليس بمعين في نفسه معينا في اختيار المكلف).
قلنا لا نسلم أن ماليس بمعين في نفسه صار معينا بالاختيار لأن العقد في الصبرة ما تناول إلا القدر المشترك بين أقفزتها، فإذا أخذ قفيز كان في ذلك القفيز عموم وخصوص، فعمومه في كونه أحد أقفزة الصبرة، وخصوصه كونه هذا المشار إليه، فذلك العموم هو متعلق العقد أولا وآخرا ولا غرو أن يقبض المشتري ما ليس معقودا عليه؛ لأنه وقع من ضرورة قبض البيع وتسليمه، وليس فيه مصلحة تتعلق بالمعاوضات فإن المالية إنما هي في كونه صاعا، أما كونه هذا الصاع فلا مالية فيه فلا يتناوله العقد، ولم يصر غير المعين معينا، بل صار غير المعين في ضمن المعين، فإن أردتم ذلك فهو حق، أما انقلاب الحقائق بأن يصير غير المعين معينا فلا.
قوله: (وكذلك إذا طلق أحد نسائه لا بعينها، أو أعتق أحد عبيده لا بعينه)
قلنا: هذه مختلفة بالنظر والاعتبار؛ فإن لنا قواعد:
القاعدة الأولى: إن مفهوم أحد الأشياء قدر مشترك بينها لصدقه عليها.
القاعدة الثانية: أن تحريم الكليات يلزم منه تحريم جميع جزئياتها، وكذلك نفيها بخلاف إثباتها أو الإثبات فيها، وفرق بين إثباتها أو الإثبات فيها أن قولك في الدار رجل إثبات للمشترك نفي مفهوم الرجال في الدار، وقولك في الإنسان خداع، أي في بعض الأوقات، وفي بعض الحال، وكذلك قولك أوجب الشارع في المال صدقة، أي في بعض صوره، فهذا إثبات في المشترك، وهو مغاير الإثبات للمشترك، ومن الإثبات في المشترك قولك عليّ نذر عتق رقبة، فقد أوجبت على نفسك في هذه الحقيقة أن تعتق واحدا فيها، وكذلك إيجاب الشرع للطلقات كلها إيجاب في المشترك.
والفرق بينهما لطيف، وهو في بعض المحال أظهر من بعض.
القاعدة الثالثة: أن الطلاق تحريم والعتق إسقاط، فالمطلق لما أضاف الطلاق الذي هو تحريم لمفهوم إحدى نسائه، الذي هو مشترك بينهما حرمت جزئيات هذا المشترك، فيحرمن كلهن، ولا تمييز حينئذ، ولا يكون هذا المثال من هذا الباب؛ لأنا نتكلم في باب إيجاب المشترك لا في باب تحريم المشترك، وإذا أعتق أحد عبيده، فقد وضع مفهوم الإسقاط في مشترك، كما لو قال الله على أن أعتق عبدا من عبيدي، فلا يلزمه غير عبد يختاره؛ لو ضعه في مشترك من غير تحريم.
فإن قلت: إذا أعتق أحد عبيده، فقد حرم عليه مله واستيفاء منافعه، فالعتق تحريم كالطلاق، فما الفرق؟
قلت: التحريم قسمان: تارة يكون هذا الواقع في الرتبة الأولى، وتارة يكون لازما، وهاهنا وقع لازما، والطلاق تحريم في الرتبة الأولى، ويلزمه الإباحة للأزواج، كل تحريم يلزمه إيجاب أحد أضداده، [وكل إيجاب يلزمه تحريم جميع أضداده] والقاعدة التي تقدم بسطها مرارا أن الحقائق
الواقعة لازماً تابعة لا تثبت لها أحكامها، وإنما تثبت لها أحكامها إذا وقعت مقصودة في الرتبة الأولى، والمعتق لم يحرم على نفسه شيئا بل أسقط حقه، وبقيت المنافع مباحة توقف إباحتها على إذن المعتق كما يتوقف أكل الفاكهة على إذن مالكها، ولا يقال هي محرمة، بخلاف الوطء حرام بعد الطلاق حتى لو أباحته المرأة لم تتناوله الإباحة، وأما عقد الإمامة لرجلين دفعة، والخاطبان جملة، فهذه تصرفات محرمة، ومتعلق التحريم المجموع، كالجمع بين الأختين، والأم وابنتها، ونحن نتكلم في باب الوجوب لا باب التحريم.
قوله: (هذه الأمور معرفات)
تقريره: أن الإتيان بالواجب سبب لبراءة الذمة منه، والعلم بحصول السبب يوجب العلم بحصول المسبب، فهو معرف له حينئذ، وكل جزء من أجزاء العالم معرف لوجود الله تعالى، ولم يمتنع اجتماعها كلها في التعريف.
قوله: أن الكسب والإيجاد لا يتعلق بالشيء إلا حالة حدوثه، وهو أول أزمنة وجوده التي تلي آخر أزمنة عدمه، أما تعلقه لما تقدم وجوده فمحال؛ لأن المؤثر إن أوجد عين الموجود، فهو تحصيل الحاصل أو غيره فهو اجتماع المثلين، بل معنى ذلك أن هذه الخصال كانت قبل الإيجاد، يجب تحصيل المشترك بينهما في واحد منها، وهو معني قوله: يجب تحصيل على البدل.
قوله: (يلزم الخصم أن يكون الكل واجبا، لأنه قال: الواجب ما يختاره المكلف، وهو قد اختار الكل، فيكون الكل واجبا)
قلنا: ويلزمه أيضا أن من علم الله تعالى ألا يفعل شيئا أنه لم يجب عليه شيء؛ لأن متعلق عالم على هذا التقدير هو متعلق التكليف.
قوله: (قال بعضهم يستحق ثواب الواجب على فعل أكثرها ثوابا)
قلنا: لا يتجه ذلك؛ لأن ثواب الواجب لا يترتب على غير الواجب فأكثرها ثوابا إن كان واجبا تعين، وحينئذ لا يجزئ غيره، وإن لم يكن واجبا لا يثاب عليه ثواب الواجب، فلا معنى لهذا القول، بل أكثرها ثوابا أن فرض فيها يحصل فيه نوعان من الثواب: ثواب الواجب على المشترك بينهما، وثواب المندوب على خصوصه.
قوله: (يستحق على فعل كل واحد منهما ثواب الواجب المخير لا ثواب الواجب املعين، بمعنى أنع يستحق على فعلها ثواب أمور كان له ترك كل واحد منها بشرط الإتيان بالآخر)
قلنا: هذه العبارة فيها إجمال شديد، فإن كان مرادكم المشترك قصر جوابه، كما تقدم تقريره، فلا يبقى إجمال ألبتة، وإن أردتم غيره فهو غير معقول، قوله:(يستحق عقاب أدونها عقابا).
قلنا: هذا أقل خللا من قول الآخر: يستحق ثواب الواجب على أكثرها ثوابا؛ لأن أقلها يكاد ينطبق على المشترك إذ لا أقل منه، غير أن هذه العبارة توهم أنه معين من الخصال بخصوصه كالكسوة مثلا بالنسبة إلى العتق والإطعام، وليس كذلك؛ لأنه لو استحق العقاب على تركه لكان هو الواجب عينا، فلا تخيير حينئذ.
قوله: (يستحق العقاب على ترك مجموع أمور كان مخيرا فيها).
قلنا: هذه أيضا عبارة مجملة، ولا يخلص منها إلا القول بالمشترك والتصريح به.