الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة السادسة: لفظة (إنما) للحصر؛ خلافا لبعضهم، لنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشيخ أبا علي الفارسي حكى ذلك في كتاب (الشيرازيات) عن النحاة، وصوبهم فيه، وقولهم حجة.
وثانيها: التمسك بقول الأعشى [السريع]:
ولست بالأكثر منهم حصىً وإنما العزة للكاثر
وبقول الفرزدق [الطويل]:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
…
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
ولو لم تحمل (إنما) هاهنا على الحصر، لما حصل مقصود الشاعر.
وثالثها: أن كلمة (إن): تقتضي الإثبات، و (ما) تقتضي النفي، فعند تركيبهما يجب أن يبقى كل واحد منهما على الأصل؛ لأن الأصل عدم التغيير.
فإما أن نقول: كلمة (إن): تقتضي ثبوت عين المذكور، وكلمة (ما): تقتضي نفي المذكور، وهو باطل بالإجماع.
وإما أن نقول: كلمة (إن): تقتضي ثبوت المذكور، وكلمة (ما): تقتضي نفي غير المذكور، وهذا هو الحصر؛ وهو المراد.
واحتج المخالف بقوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)[الأنفال:2]، وأجمعنا على أن من ليس كذلك، فهو مؤمن أيضًا!!
والجواب: أنه محمول على المبالغة.
قال القرافي: قوله: ((الواو) قد تستعمل فيما يمتنع وقوع الترتيب فيه
كقولهم: تقاتل زيد وعمرو)
وعليه سؤالان:
((السؤال الأول))
لا نسلم أن المقاتلة ليس فيه ترتيب، بل ذلك مسلم باعتبار جملة المقاتلة، زما باعتبار أجزاء المقاتلة فممنوع، فإن المقاتلة أن يضرب هذا، فيضربه هذا، فيضرب الآخر، ومن النادر زن تقع الضربتان معا، وإذا كان الترتيب واقعا بحسب الأفراد صدق مطلق الترتيب، فدعوى نفيه مطلقا باطلة، فلعل الواو للترتيب، ودخلت في المقاتلة لنا بين أجزاءها من مطلق الترتيب.
جوابه: لو كان هذا النوع من الترتيب معتبرا لغة، لصح دخول الفاء في المقاتلة، فيقول: تقاتل زيد فعمرو، ولم يجزه أحد.
((السؤال الثاني))
أن هذه الثلاثة مقلوبة، فتقول: استعملت (الواو) فيما فيه ترتيب، فيكون فيه حقيقة، فلا يتكون حقيقة في غير الترتيب دفعا للاشتراك.
بيان الأول: قوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)[الأحقاف:15]، والفصال بعد الحمل، وقوله تعالى:(وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي)[هود:44] واستواؤها كان بعد غيض الماء.
بيان الثاني: ظاهر جوابه أن الترتيب واقع مع اللفظ، لأن اللفظ مستعمل فيه، ولا يلزم من وقوع المعنى مع اللفظ استعماله فيه، كما إذا عطفنا شيئين أحدهما على الآخر في المدح، أو الذم، أو الامتنان، فإن تقديم أحدهما يدل على الاهتمام به، وتأخير الآخر يدل على اهتضامه في العطف، وعلى العكس في المدح والذم، فإن الثاني أبلغ أبداً، وكذلك الامتنان، فهذه معان كثيرة واقعة مع (الواو)، وليست (الواو) مستعملة فيها إجماعاً.
قوله: (لو كانت للترتيب لكان قولنا: رأيت زيدا وعمرا بعده تكرارا، وقبله نقضا).
تقريره: أنك إذا قلت بعده، فقد أتيت بالبعدية مرتين بلفظين، لأن الواو عند الخصم تدل على بعده، وقولك: بعده يدل على بعده، فيلزم التكرار.
وقوله: (قبله نقضا) لأن النقض: وجود الدليل بدون المدلول، أو العلة بدون المعلول، أو الحد بدون المحدود، وهاهنا وجدت الواو الدالة على البعدية على رأي الخصم ولم توجد البعدية، لقول القائل قبله فلزم النقض على الدليل؛ لأن الألفاظ اللغوية كلها أدلة على مسمياتها، لا علل لها، والنقض عام في الأبواب الثلاثة فاعلم ذلك، ويقع في بعض النسخ متناقضًا، وتقريره غير تقرير النقض؛ لأنه الجمع بين النقيضين، فنقول:
قوله: وعمرو يقتضي أنه بعده لأجل أن الواو تقتضي الترتيب.
وقوله: قبله يقتضي أنه ليس بعده، فيكون بعده لا بعده، وهو جمع بين النقيضين.
قوله: (وليس كذلك بالإجماع).
عجبت كيف يدعى الإجماع في نفي التكرار، مع أن القائل بأن الواو للترتيب يقول به، بل الذي يتجه أن يقول: وهذان المحذوران لا يلزمان على مذهبنا، فيكون أرجح، ولا نتعرض للإجماع.
قوله: (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نبدأ بالصفا أو بالمروة، فقال: (نبدأ بما بدأ الله به). فلو كان للترتيب لما اشتبه ذلك على أصحابه عليه وعليهم السلام.
قلنا: ولو لم تكن للترتيب لما قال عليه السلام: (أبتدي بما بدأ الله به)، وما يدريهم ما بدأ الله به لولا دلالة الواو، فهذا الموضع يصلح لاستدلال الفريقين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أرجح وأقوى إجماعا.
قوله: (لو كانت للترتيب لكان القائل: رأيت زيدًا، وعمرًا، ثم تبين أنه رآهما معه أنه يعد كاذبا، وليس ذلك إجماعاً).
قلنا: لا نسلم الإجماع، بل الخصم يكذبه، باعتبار ما دلت عليه الواو، لا باعتبار مدلول الرؤية.
قوله: (الواو) في الأسماء المختلفة كـ (الواو) في الأسماء المتفقة، ثم قال: وفائدة إحديهما فائدة الأخرى).
تقريره: أن المراد بالمختلفة جاءني الزيدون، لأجل أن من شرط التثنية والجمع اتفاق الألفاظ، ويرد عليه أنهم قالوا: هذه مثل هذه، والمشبه بالشيء لا يلزم أن يكون مثله من كل وجه.
وقوله: بغير ذلك، نصّوا على أن فائدة إحديهما عين فائدة الأخرى، يريدون في معنى الجمع في أصل العامل فقط، لا من جميع الوجوه، ويدل على ذلك أمور: