الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعده، ولا يفعل فيها شيئا، فدل ذلك على أن المجاوزة مقصودة في الأوضاع الشرعية، فذلك أتى بـ (عن)، فليست زائدة، ومعناها صحيح مقصود.
قوله: (قلنا: المراد مخالف كل أمر أو أمر واحد، وعندنا أمر واحد للوجوب، يعني الأمر بالإيمان ونحوه مما اتفق على وجوبه):
قلنا: الآية شاملة لمل أمر، لأن القاعدة أن اسم الجنس إذا أضيف عمّ، وإن كان مفردا كقوله عليه السلام:(هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، والأمر هاهنا مضاف للضمير فيعم.
(تنبيه)
النكرات قسمان:
منها ما يصدق اسم قليلها، ومفردها على الكثير منها.
ومنها ما لا يصدق مفردها على كثيرها.
فالأول: نحو (الماء) و (المال)، يقال للكثير:(ماء) كما يقال للقليل.
والثاني: نحو (رجل)، فإنه لا يقال للكثير رجال بل رجال.
فإن أضيف الأول، فالعموم فيه ظاهر، وإضافة الثاني فيه تظهر.
ففرق بين قول الإنسان: عبيدي أحرار، وبين قوله: عبدي حر أن التعميم في الأول دون الثاني، وسيأتي تحريره في (باب العموم) إن شاء الله تعالى.
فهل (أمر) مما يصدق على الكثير، فيقال للأوامر الكثيرة: أمر أم لا؟
إن لم يمنع استقام البحث.
قوله: (لما لم تحصل موافقة الأمر حصلت مخالفته):
قلنا: الخصم قد قال: موافقة الأمر اتيان بمقتضاه على الوجه الذي اقتضاه، فإذا اقتضى ندبا، ففعلناه وجوبا لا نكون موافقين له، ثم إن الموافقة والمخالفة ضدان، لا نقيضان، والضدان يمكن ارتفاعهما، ألا ترى أنه قبل ورود الأمر لا موافقة ولا مخالفة؟ وكذلك قبل وجود العالم لم يوجد طائع ولا عاص، ولا موافق لأمر الله تعالى ولا مخالف، فإن الموافقة عند الخصم الإتيان به على وجه الوجوب مخالفة الأمر، فلا يتجه المدرك من الآية على هذا التقدير على أن الأمر للوجوب، وهي إنما دلت على أن المخالف يحذر، فالخصم يقول بموجب الآية، ويقول: المخالف عندي هو الآتي بالفعل على سبيل الوجوب.
قوله: (هذا يكون لموافقة الدليل الدال على كون ذلك الأمر حقا، لا موافقة الأمر):
قلنا: تقريره: أن اعتقاد أن هذا الأمر حق إنما نشأ عن المعجزة الدالة على النبوة لا عن الأمر.
فالمعجزة: هي الدليل الدال على أن الأمر حقّ.
والاعتقاد: موافقة، والإتيان بالفعل موافقة الأمر.
قوله: (فإذا دل الدليل على حقيقة ذلك الأمر):
قلنا: لا تتجه هذه العبارة، بل المتجه أن نقول: إذا دل الدليل على أن ذلك الأمر صادر من جهة الله تعالى، أما حقيقة الأمر فقد تقدم أن الحق هو الموجود فنقول: الكلام إلي ذلك الأمر موجود، وكونه موجودا لا يحتاج للمعجزة، بل كونه من قبل الله تعالى فقط
قوله: (قال النحاة: تعلق الفعل بفاعله أقوى من تعلقه بمفعوله):
قلنا: مسلم، لكناّ في هذا المقام لم نقدم مفعولا على فاعل حتى يتجه مثل هذا الكلام، بل قلنا: يجعل غير (الذين) فاعلا، والنحاة لم تقل: إن (الذين) بالفاعلية أولى من غيره، ففرق بين تقديم المفعول على الفاعل، وبين تقديم أحد الاسمين على الآخر في أن يجعل فاعلًا، هذا ليس مورد ذلك النقل عن النحاة، فلا يحتج به علينا.
قوله: (النسللون هو المخالفون، فلو كانوا هم المأمورين بالحذر لكانوا مأمورين بالحذر عن أنفسهم، وإنه لا يجوز):
قلنا: عليه سؤلان:
الأول: أنهم ليسوا المخالفين بل بعضهم، لأن الذين يخالفون صيغة عموم تتناولهم وغيرهم.
وثانيهما: سلمنا أنهم المخالفون، لكن لم قلتم: إن الإنسان لا يؤمر بالحذر عن نفسه، فقد عليه السلام:(شر أعدائك نفسك التي بين جنبيك) وإنما قصد عليه السلام بذلك التحذير، وأنه لا شيء يحذر
أعظم ضررا من النفس، وبه جاءت السنة، واكلتاب العزيز:(إن النفس لأمارة بالسوء)[يوسف:53] ونحوه.
وثالثها: أن الجواب الصحيح قد تركتموه، وهو أن الفعل لو كان (المتسللون) لظهر الضمير في الفعل بالواو، فقال تعالى:(فليحذروا)[المائدة:41] بالواو إجماعا، لأن فعل الجماعة إذا تأخر عنها وجب جمع الضمير، وإذا تقدم (وجد إلا ما قل وروده) من ذلك قوله تعالى:(وأسروا النجوى الذين ظلموا)[الأنبياء:3] وعن العرب: ألكوني البراغيث، واتحاده هو الذي تقدم، ونصوص النحاة متظافرة عليه.
قوله: (ويبقى قوله [أن تصيبيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم] [النور:63] ضائعا).
تقريره: أن فعل الحذر إنما يتعدى لمفعول واحد، تقول: حذرت زيدا كما تقول: أكرمت زيدا، وضربت زيدا، فيكون الذين مفعولا له، فيكون قد استوفى مفعوله، ولم يبق فيه عمل لنصب مفعول آخر، كما إذا قلت: ضربت زيدا ألا يمكن أن تنصب به مفعولا آخر على أنه مفعول به؟ بل على المصدر، أو الحال، أو المفعول معه، أو غير ذلك من زنواع المنصوبات غير المفعول به.
أما المفعول به فلا يمكن ذلك في لغة العرب، فلا يبقى لقوله:(أن تصيبيهم فتنة) عامل يعمل فيه، أما أذا جعلنا (الذين) فاعلا يكون (أن تصيبهم فتنة) عامل يعمل فيه، أما إذا جعلنا (آلذين) فاعلا يكون تصيبهم فتنة) مفعولا [فلا يلغو كلام صاحب الشرع.
ويرد عليه: أنا إذا جعلنا (الذين) مفعولا يبقى (أن تصيبهم فتنة) مفعولا] من أجله، فلا يلغو، كقولك: حذرت زيدًآ أن يسرق مالي.