الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(تنبيه)
لم يخل هاهنا أن الأمر حقيقة في الكلام النفساني مع أن العلماء قد قالوا: إن لفظ (الكلام)، و (الخبر)، و (الأمر)، و (النهي) و (التصديق)، و (التكذيب)، وجميع الأنواع المتعلقة بالكلام فيها ثلاثة مذاهب:
قيل: حقيقة في النفساني، مجاز في اللساني.
وقيل: العكس.
وقيل: مشترك بينهما، وهو المشهور بينهم، وهاهنا سكت عن هذا التنبيه، وينبغي ذكره.
المسألة الثانية
قال الرازي: ذكروا في حد الأمر بمعنى القول وجهين:
أحدهما: ماقاله القاضي أبو بكر، وارتضاه جمهور الأصحاب، أنه هو:(القول المقتضى طاعة المأمور بفعل المأمور به) وهذا خطز:
أما أولا: فلأن لفظتي (المأمور) و (المأمور به) مشتقان من الأمر، فيمتنع تعريفها إلا بالأمر، فلو عرفنا الأمر، بهما لزم الدور.
وأما ثانيا: فلأن الطاعة عند أصحابنا موافقة الأمر، وعند المعتزلة: موافقة الإرادة، فالطاعة على قول أصحابنا: لا يمكن تعريفها إلا بالأمر، فلو عرفنا الأمر بها، لزم الدور.
وثانيهما: ما ذكره أكثر المعتزلة، وهو: أن الأمر هو قول القائل لمن دونه: (افعل) أو ما يقوم مقامه.
وهذا خطأ من وجوه:
الأول: أنا لو قدرنا أن الواضع ما وضع لفظة (افعل) لشيء أصلا، حتى كانت هذه اللفظة من المهملات، ففي تلك الحالة: لو تلفظ الإنسان بها مع من دونه، لا يقال فيه: إنه أمر.
ولو أنها صدرت عن النائم والساهي، أو على سبيل انطلاق اللسان بها اتفاقا، أو على سبيل الحكاية، لا يقال فيه إنه أمر.
ولو أنا قدّرنا أن الواضع وضع بإزاء معنى الأمر لفظ (افعل) وبإزاء معنى الخبر لفظ (افعل) لكان المتكلم بلفظ (افعل) آمراً، والمتكلم بلفظ (افعل) مخبرا.
فعلمنا أن تحديد ماهية الأمر بالصيغة المخصوصة باطل.
الثاني: أن المطلوب تحديد ماهية الأمر من حيث إنه الأمر، وهي حقيقة لا تختلف باختلاف اللغات، فإن التركي قد يأمر وينهى، وما ذكروه لا يتناول إلا الألفاظ العربية.
فإن قلت: قوله: (أو ما يقوم مقامه): احتراز عن هذين الإشكالين اللذين ذكرتهما.
قلت: قوله: (أو ما يقوم مقامه) يعني به كونه قائما مقامه في الدلالة على كونه طالبا للفعل، أو يعني به شيئا آخر؟!
فإن كان المراد هو الثاني: فلا بد من بيانه؛ وإن كان المراد هو الأول، صار معنى حد الأمر هو قول القائل لمن دونه:(افعل) أو ما يقوم مقامه في الدلالة على طلب الفعل.
وإذا ذكرناه على هذا الوجه، كأن قولنا:(الأمر هو اللفظ الدال على طلب الفعل) كافيا؛ وحينئذ يقع التعرض لخصوص صيغة (افعل) ضائعًا.
الثالث: أنا سنبين إن شاء الله تعالى أن الرتبة غير معتبرة؛ وإذا ثبت فساد هذين الحدين، فنقول: الصحيح أن يقال: (الأمر: طلب الفعل بالقول؛ على سبيل الاستعلاء) ومن الناس من لم يعتبر ها القيد الأخير.